لسانيات اجتماعية
علم اللسانيات الاجتماعية أو اللغويات الاجتماعية أو علم اللغة الاجتماعي (بالإنجليزية: Sociolinguistics) هو فرع من علم اللغويات أو اللسانيات، يهتم بدراسة تأثير جميع جوانب المجتمع، ويتضمن ذلك المعايير الثقافية والتوقعات والبيئة وطريقة استخدام اللغة والآثار المترتبة على استخدام اللغة في المجتمع. وتختلف اللسانيات الاجتماعية عن اجتماعيات اللغة حيث تركز اللسانيات الاجتماعية على تأثير المجتمع على اللغة، بينما تركز اجتماعيات اللغة على تأثير اللغة على المجتمع. وتتداخل اللسانيات الاجتماعية إلى حد كبير مع علم التخاطب، ولها ارتباطاً تاريخياً وثيقاً مع علم الإنسان اللغوي، وقد حصل مؤخراً جدل حول الفرق بين المجالين.
ويَدرس هذا العلم أيضاً كيف تختلف لسن اللغة بين الجماعات التي تفصلها متغيرات اجتماعية معينة مثل العرق والدين والجنس والمستوى الاجتماعي ومستوى التعليم والعمر وما إلى ذلك، وكيفية استخدام إنشاء هذه القواعد والالتزام بها لتصنيف الأفراد في طبقات اجتماعية أو اجتماعية اقتصادية. وكما يختلف استخدام أي لغة من مكان إلى آخر (لكنة) يختلف استخدام اللغة أيضاً بين الطبقات الاجتماعية، وهذه هي اللهجات الاجتماعية التي يهتم علماء اللسانيات الاجتماعية بدراستها.
ويندرج تحت هذا العلم فروع أخرى كعلم اللهجات، والتخطيط اللغوي، والتحول اللغوي (Language Shift)، والموت اللغوي.
نظرة عام
يعرف المجال العام للدراسة، والذى يعالج البناء والوظائف الاجتماعية والثقافية للغة، بعلم اللغة الاجتماعى. ويساهم فى هذا الميدان علماء الاجتماع، وعلماء الأنثروبولوجيا، والفلاسفة، وعلماء النفس.
والمحقيقة أن قدرة الجنس البشرى على تكوين جمل من كلمات عشوائية فى الأساس، والتى تتكون بدورها من أصوات لا معني لأى منها منفرداً، ينظر إليها أحياناً باعتبارها أكثر الصفات التى تميز البشر عن غيرهم من الكائنات. وكل المجتمعات لها لغات تسمح للبشر أن يعبروا عن أفكارهم على نفس المستوى من التعقيد. فليس هناك ما يطلق عليه لغة "بدائية"، على الرغم من أن المجتمعات قد تحتاج إلى استعارة كلمات جديدة أو ابتكارها، من أجل التعبير عن مفاهيم جديدة.
وكل الكائنات البشرية تمتلك القدرة على تعلم اللغات، على الرغم من أن التخلف العقلى الشديد أو تلف المخ قد يؤثر على نطاقات معينة من الكفاءة اللغوية. ففى رأى ناعوم تشومسكى، يولد الأطفال ولديهم برامج بيولوجية فطرية تعدهم لطريقة بناء اللغة وتركيبها. وقد حلل كتابه الأول الأبنية اللغوية (الصادر عام 1957) ثلاثة نماذج للغة، مؤكداً أن النموذج الثالث منها فقط وهو أكثرها تعقيداً هو الذى يتضمن ما يطلق عليه "القواعد النحوية التحويلية"، وهو النموذج القادر على أن يستوعب العدد اللانهائى من الجمل المتضمنة فى اللغات الطبيعية. وفى نفس العام نشر عالم النفس سكينر دراسة عن اكتساب اللغة (فى كتابه السلوك اللفظى) قام تشومسكى بمراجعته. فقد قدم سكينر رؤية سلوكية فى اكتساب اللغة لم تكن تتفق مع فكرة تشومسكى عن اللغة. و على العكس من وجهة النظر السلوكية التى ترى أن اللغة يتم اكتسابها خلال التعلم فى مرحلة الطفولة المبكرة، يطرح تشومسكى رأياً مقنعاً، خلال سلسلة من أعماله المنشورة، مؤداه أن الطفل يجب أن يولد مزوداً بالقدرات اللغوية فطرياً، أى معرفة فطرية بأبنية اللغة. ويكمل تشومسكى رأيه موضحاً أنه ليس من الممكن للأطفال الصغار أن يستدلوا أو يستنتجوا من اللغة - التى يتعرضون لها فى السنوات الأولى من حياتهم فى شكلها السطحى - القواعد الكامنة أو التركيب العميق للغة، وهو البناء الذى يعد ضرورياً لتمكينهم من استخدام اللغة على نحو صحيح (انظر بصفة خاصة مؤلفه: القواعد والتصورات الذهنية، الصادر عام 1980).
ويرى البعض الآخر أن مجرد الذكاء الطبيعى للطفل هو الذى يمكنه من تعلم القواعد والاستثناءات التى تشكل كل أنظمة اللغة والتى تكون فى الغالب بالغة التعقيد. فالأطفال الصغار من ذوى الآباء والأمهات ذوى الاحتكاك الثقافى العالمي غالباً ما نجد لديهم القدرة على تعلم أكثر من نظام لغوى واحد. وهناك جدل مستمر بين المتخصصين فى الدراسات اللغوية حول ما إذا كانت هذه الازدواجية اللغوية تؤثر على هؤلاء الأطفال ذهنياً أو فكرياً، على الرغم من أن أساس بعض هذه المجادلات يبدو سياسياً أكثر منه جدلاً أكاديمياً.
والبعد السياسى لتلك الازدواجية اللغوية هو مجرد بعد واحد للعلاقة بين اللغة والثقافة. فاللغة تعكس بطرق عديدة ثقافة المجتمع، ولعل هذا هو مرجع الأهمية التى يوليها الأنثروبولوجيون لتعلم اللغة المحلية للمجتمعات التى يدرسونها. وعلى سبيل المثال فإن اللغات توضح كيف تصنف المجتمعات المختلفة بيئاتها وتقيمها، بما فيها العلاقات القرابية، ومملكة الحيوان، والألوان، والطعام، والعالم الطبيعى. وكل مجتمع له نظامه المميز فى التصنيف والذي يساعد جزئياً فى حفظ الحدود بين المنتمين لهذا المجتمع من ناحية وغير المنتمين إليه من ناحية أخرى. و لذلك فإن الإدراك المتبادل للمغزى أو الأهمية اللغوية والثقافية للغة المستخدمة يعد ضروريا من أجل تجنب سوء الفهم، كما أن ترجمة المتصورات والأفكار المصاغة فى ثقافة مجتمع ما، إلى مصطلحات وألفاظ قابلة للفهم بواسطة أفراد مجتمع آخر تعد عنصرا أساسيا ليس فى أعمال الأنثروبولوجيين فقط، وإنما أيضا لدى المتخصصين فى الدراسات الثقافية المقارنة.
ويمكن أن نلمس قوة اللغة من خلال الخطابات السياسية والشعارات، حيث يمكن لكلمة واحدة (كالديمقراطية مثلاً) أو عبارة (مثل عبارة "الأسود الجميل"). أن تعبي وتحمس عدداً كبيراً من الجماعات المتنوعة للقيام بفعل سياسى معين. وتعبر اللغة أيضاً عن تقسيمات هامة داخل المجتمعات تعكس عوامل سياسية واقتصادية أوسع. من هذا ما أوضحه باسيل بيرنستين على سبيل المثال، أنه على الرغم من أن رموز الحديث الخاصة بكل من الطبقة الوسطى والطبقة العاملة ذات أهمية وحيوية متساوية من الناحية اللغوية، فإن رموز الطبقات العاملة (أو الرموز الجامدة) تكون عرضة للتحيز ضدها فى ميدان التعليم. ويمكن تصور ظاهرة مشابهة لذلك فى إطار العلاقة بين اللغة من ناحية والخلفيات الدينية أو العرقية أو الإقليمية. ومن ناحية أخرى، فإن الجماعات الإثنية قد تستخدم اللغات الخاصة بها كوسيلة رمزية لتنمية الهوية المخاصة بكل جماعة، أو كوسيلة لتدافع بها الجماعة عن نفسها ضد تعديات غير المنتمين إليها. (على نحو ما نجد على سبيل المثال فى استخدام لهجة "الكوكنى" أو لغة الحوار التى يستخدمها شباب جزر الهند الغربية المقيمون قى بريطانيا).
التاريخ
أول من درس الجوانب الاجتماعية للغة بالمعنى الحديث هم لغويون من الهند واليابان في الثلاثينات من القرن العشرون، وكذلك من سويسرا في أوائل القرن العشرين، لكن لم تلق أي من هذه الدراسات اهتمام في الغرب حتى وقت متأخر. بينما أُسست دراسة المحفزات الاجتماعية لتغير اللغة في أواخر القرن التاسع عشر من خلال نموذج الموجة. وكان توماس كالون هودسون أول من صدق على استخدام مصطلح اللسانيات الاجتماعية في بحث له عام 1939. وظهرت اللسانيات الاجتماعية لأول مرة في الغرب في نهاية الستينيات من القرن العشرين وكان من روادها لغويون أمثال ويليام لابوف في الولايات المتحدة وباسيل بيرنستين في المملكة المتحدة.
ويعتبر ويليام لابوف المؤسس العملي لهذا العلم وذلك في عام 1966 عندما طبع كتابه: التراتبية الاجتماعية في إنكليزية مدينة نيويورك. ولكن في الوقع بدأ هذا العلم قبل ذلك بكثير وتحديدا في بدايات القرن العشرين عندما أكد دوركايم على علاقة اللغة الوثيقة مع المجتمع، وكذلك فرديناند دي سوسير في كتابه:محاضرات في اللسانيات العامة.
في عام 1960، قام ويليام ستيوارت وهينز كلوس بتقديم المفاهيم الأساسية للنظرية اللغوية الاجتماعية للغات متعددة المراكز والتي تصف أشكال الاختلاف في اللغات الرسمية بين الشعوب (مثلاً اللغة الإنجليزية الأمريكية أو البريطانية أو الكندية أو الأسترالية، اللغة الألمانية النمساوية أو الألمانية أو السويسرية، اللغة الصربية الكرواتية البوسنوية أو الكرواتية أو المونتنيغرية أو الصربية).
أبحاث لابوف
تُعد الدراسة التي أنجزها لابوف في جزيرة مارثاز فينيارد من أهم وأول الدراسات التي مهدت الطريق لقيام علم اللغويات. وفي هذه الدراسة درس لابوف طريقة نطق بعض الحروف المتحركة عند سكان الجزيرة الأصليين. تميزت دراسة لابوف بأنها أخذت بعين الاعتبار العوامل الاجتماعية بالإضافة إلى القيود اللغوية في تفسير سبب وجود هذا التغير الملحوظ في نطق الحرف المتحرك المدروس. وتتضمن العوامل الاجتماعية التي دخلت في تفسيرات لابوف أثر المنطقة، والمهنة، والعمر، وشعور المواطنين تجاه حياتهم في الجزيرة.
طرق تطبيق اللغويات الاجتماعية
مثلاً، يمكن لعالم اللغة الاجتماعي أن يميز من خلال دراسة السلوكيات الاجتماعية أن لهجة ما لا يمكن أن تُعد مناسبة للاستعمال في سياق عملي أو إطار مهني. كما يمكن أن يدرس علماء اجتماعيات اللغة القواعد والصوتيات والمفردات وجوانب أخرى لهذه اللهجة بقدر ما يدرس علماء اللهجات لهجة محلية.
إن تغير أشكال اللغة المختلفة مرتبط بالقيود الاجتماعية والتي تحدد اللغة في إطار سياقها.التحويل اللغوي مصطلح تم إطلاقه للإشارة إلى استعمال الأشكال المختلفة للغة في المواقف الاجتماعية المختلفة.
غالباً ما يُعد ويليام لابوف مؤسس دراسة اجتماعيات اللغة. كما اشتهر خصيصاً بتقديمه الدراسة الكمية لأشكال اللغة وتغيرها، وجعل اجتماعيات اللغة (علم الاجتماع اللغوي) فرعاً علمياً بحد ذاته.
بالإضافة إلى ذلك، فإنه يمكن أن تدرس اللغويات الاجتماعية الانتقال التدريجي للمدلولات الخاصة للكلمة في السياق (أي علم الدلالة) والذي يظهر في بعض المجموعات الاجتماعية أو الثقافية أو العرقية. مثلاً، درس اللغوي الروسي آلتينسيف مدلولات كلمة «حب» (المصطلح الأودمورتي من اليديشية ليبرالي =حب (الأدمورتيون من جمهورية أودمورتيا الروسية، واليديشية اللغة اليهودية الألمانية) عند اليهود الأشكانازيين من أودمورتيا وتتارستان. وكان قادراً على تعقب معانيها تدريجياً (مقياس التدرج) وخلُص إلى نتيجة وهي أن مفهوم كلمة «حب» يعتبر انتقالا تدريجياً لقيم فردية حيث تدور في أساسها حول «الدولة-القواسم المشتركة العرقية - العائلة».
من ضمن الطرق المعتبرة في جمع البيانات للدراسات اللغوية الاجتماعية هي طريقة إجراء مقابلات لغوية. يقوم صاحب الدراسة عادة بإجراء لقاءات بغرض الحصول على فهم شكل لغوي معين وكيفية إستخدامه في لهجة الموضوع ومحاولة استخدام مجموعة متنوعة من الأساليب لاستنباط سجلات معينة من الكلام.
بعض أقسام هذا العلم
علم المستويات اللغوية، الازدواجية اللغوية، التناوب اللغوي، علم اللهجات