نمط الإنتاج الآسيوي

نمط الإنتاج الآسيوي (بالإنجليزية: Asiatic Mode of Production)، نظرية وضعها كارل ماركس في أوائل 1850. وجرى وصف جوهر النظرية على أنها «الاقتراح [...] بأن المجتمعات الآسيوية قد استعبدتها فئة حاكمة مستبدة، تقيم في المدن المركزية، وتصادر بشكل مباشر فائض المجتمعات القروية ذات الاكتفاء الذاتي إلى حد كبير وغير المتمايزة بشكل عام.»

بالإضافة لماركس، فقد كان فريدريك إنجلز متحمسا لنظرية نمط الإنتاج الآسيوي. وقد ركز كلاهما على القاعدة الاجتماعية الاقتصادية لمجتمع نمط الإنتاج الآسيوي.

لمحة عامة

تركز نظرية ماركس على تنظيم العمل وتعتمد على تمييزه بين ما يلي:

  • وسائل أو قوى الإنتاج؛ عناصر مثل الأراضي والموارد الطبيعية والأدوات والمهارات والمعارف البشرية اللازمة لإنتاج سلع مفيدة اجتماعيا؛
  • علاقات الإنتاج، التي هي العلاقات الاجتماعية التي تشكلت عندما اتحد ("verbindung") البشر في عمليات إنتاج السلع المفيدة اجتماعيا.

تؤلف تلك العوامل أنماط الإنتاج ويميز ماركس العصور التاريخية باختلاف أنماط الإنتاج السائدة. 

ويبدو أن ماركس قد صك المفهوم فى الأساس بسبب اختلافه مع الأطروحة التى ذاعت أوائل القرن التاسع عشر والقائلة بان آسيا هى المصدر الرئيسى للجنس الأري الذين اهتم بهم مفهوم ماركس المادي للتاريخ فى المحل الأول. وقد قدم فيما بعد تصوراً أشمل للشيوعية البدائية، متأثراً تأثراً كبيراً بنظرية لويس هنرى مورجان فى تطور النوع البشرى ككل. وقد استخدم مفهوم "المجتمع الآسيوى" فى بعض الأحيان للإشارة إلى كافة التكوينات الاجتماعية غير الغريية، التى لم تكن تندرج تحت الشيوعية البدائية ولا تحت العبودية، فى حين أنه قيل في أحيان أخرى أنه (أو مرادفه الأكثر ذيوعاً الاستبداد الشرقي) ينطبق على حالتي الصين واليابان فقط. ويكمن خلف هذه التباينات فى الأطر المرجعية خلافات مفاهيمية. ففى بعض الأحيان، وبخاصة فى أعمالهما المبكرة (وبشكل مضلل فى رأس المال، الصادر علم 1867) أكد ماركس وإنجلز على الدور المهبمن الذى لعبته الدولة فى تلك المجتمعات، إما بسبب احتكارها لملكية الأرض، أو سيطرتها على نظام الرى، أو بسبب قوتها السياسية العسكرية المطلقة. ونلاحظ فى أحيان أخرى، وهذا هو ما سمح لهما بأن يوسعا من نطاق تطبيق المفهوم لينسحب على مجتمعات أخرى فى معظم أعمالهما المتأخرة، أنهما ذهبا إلى القول بأن الطابع المشاعي لملكية الأرض هو الذى عمل على عزلة سكان القرى المختلفة عن بعضهم البعض وهو ما جعلهم فريسة لهيمنة الدولة.

انتقادات

من بين كافة مفهومات كارل ماركس لأنماط الإنتاج التى اعتبرها بمثابة الأساس الذى تنهض عليه الأشكال المختلفة للمجتمعات التى عرفها البشر عبر تاريخهم، يعد مفهوم نمط الإتتاج الآسيوى أقلها نضجاً ووضوحاً وبالتأكيد أكثرها إثارة للجدل. ولا تزال النظرية تثير سجالات حامية بين الماركسيين وغير الماركسيين على حد سواء. وقد رفض البعض المفهوم برمته على أساس أن التشكيلات الاجتماعية والاقتصادية في ما قبل الرأسمالية في آسيا لم تختلف بما فيه الكفاية عن تلك التي كانت في أوروبا الإقطاعية لتبرير تسمية خاصة.

تباينت المكانة التى احتلها المفهوم فيما بعد عند الماركسيين وغير الماركسيين على حد سواء تبعا للتغيرات فى المناخ السياسى. ففى خلال فترة ما بين الحربين، استتكر الفكرة الماركسيون المتأثرون بالاتحاد السوفييتى، والذين ربما رأوا فيها عقبة كؤود فى وجه الطموحات السياسية للاتحاد السوفيتى فى الشرق الأقصى. وفى مناخ الحرب الباردة الذى ساد الخمسينيات أعمل كارل ويتفوجل معول الهدم فى المفهوم فى مؤلفه المعنون الاستبداد الشرقى الصادر عام 1957، حيث ذهب إلى القول بأن السبب الحقيقى وراء عدم تقبل المفهوم فى الاتحاد السوفييتى يرجع إلى التشابه الذى لا يبعث على الراحة بينه وبين واقع الأمور فى روسيا الستالينية.

وقد أثار المفهوم قدراً من الاهتمام خلال الستينيات بين أوساط الماركسيين الغربيين الذين كانوا يأملون أنه قد يقدم لهم وسيلة تمكنهم من تجنب المفهوم المتمركز حول الذات الأوروبية فى التنمية الاجتماعية. ومع ذلك، تعرضت تلك الآمال إلى موجة من الانتقادات فى عقد السبعينيات، وهى الانتقادات التى تفسر إلى حد بعيد الأفول الراهن للمفهوم، والتى يبدو أن ظهور الملركسية البنائية إلى حيز الوجود يدين لها بطريقة أو بأخرى. فعلى سبيل المثال، أخضع برى أندرسون Anderson المفهوم لنقد إمبيريقى انتشر على نطاق واسع من خلال كتابه أنساب الدولة الاستبدادية (الصادر عام 1974)، فى حين أن كلاً من بارى هيندس وبول هيرست، جعلاه موضوعاً لنقد نظرى (مثيراً للخلف) فى كتابهما "انماط الإنتاج قبل الراسمالي (عام 1975)، وأخيراً، أطلق عليه إدوارد سعيد ما يمكن أن نسميه "رصاصة الرحمة"، حيث ذهب إلى القول بأن ماركس وإنجلز فى معرض صياغتهما للمفهوم كانا يحملان بغير علمهما البذور الهدامة للخطاب الذى أطلق عليه "الاستشراق" (انظر كتابه المنشور تحت ذات العنوان عام 1979).