الاستبداد الشرقي

الاستبداد الشرقى (بالإنجيلزية: Oriental Despotism) مفهوم روج له عالم الاجتماع الألمانى كارل فيتفوجل أحد أعضاء مدرسة فرانكفورت من أصحاب النظرية النقدية. وكان فيتفوجل قد هرب من ألمانيا أيام حكم النازى فى عام ١٩٣٣، وأنفق الجزء الأكبر من حياته الأكاديمية فى الولايات المتحدة (انظر مؤلفه: "الاستبداد الشرقى" الصادر عام ١٩٥٧). وكان فيتفوجل خبيرا فى الحضارة الصينية، واختلف الناس حول شخصيته، فقد عاش حياة متقلبة أشد التفلب اجتاز فيها كافة المحطات فى عالم السياسة بدءاً بالستالينية و انتهاء بالمكارثية. وترجع شهرته فسى الأساس إلى الخلاف الذى فجره مفهومه عن الاستبداد الشرقى وتحليله لما يعرف باسم "المجتمع الهيدروليكى" (أو المائى الذى يتحكم الماء فى إدارته والسيطرة عليه).

وقد وصف فيتفوجل فى أعماله المبكرة الصين بأنها مرت بنظام الاقطاع على أساس أن عصر تشو Chou قد اعتمد على قيام الطبقة الحاكمة بجمع ضريبة العشر فى صورة عمل جماعى يؤديه الفلاحون فى الحقول المملوكة للدولة. ثم حدث فيما بعد تحول من الأجر بالعمل إلى الأجر العينى ثم إلى الأجر النقدى، بحيث أفسحت العلاقة الاقطاعية بين المجتمعات الفلاحية والسادة المحليين مكانها للاستبداد الشرقى. وفى هذا النظام أصبح النمط الأساسى لاستخلاص فائض القيمة من المنتجين المباشرين يتخذ شكل الأجر النقدى الذى يدفع إلى الدولة المركزية. وعلى الرغم من أن فيتفوجل لم يكن واضحاً على الإطلاق فى عرضه لتصوره عن تسلسل الأحداث (وقد قام فى مؤلفه الأخير: "الصين فى عصر تشو" بإعادة تصنيف هذا العصر باعتباره نموذجاً من نماذج الاستبداد الشرقي). وذهب إلى أن التحول من نمط انتاج إلى نمط آخر قد تحقق فى الأساس نتيجة توسع الزراعة وتكثيفها، وهو الأمر الذى تم من خلال تنظيم عمليات الرى على نطاق واسع، الذى تطلب التحكم فيه تنسيقاً واسع النطاق بمعرفة الدولة المركزية. وهذا هو الذى أطلق عليه فيتفوجل "الفرض الهيدروليكي" الذى يرى أن نظام الرى هو أحد الأسباب الرئيسية لظهور السلطة السياسية، ومن ثم يعد قوة مؤثرة فى نمو الحضارات الأولى. ويطبق كتاب الاستبداد الشرقى هذا الفرض، ليس على الصين وحدها، وإنما بالاستعانة بعدد من الحجج والأسانيد الماركسية العامة عن نمط الانتاج الآسيوى.

وقد انتقدت آراء فيفوجل لما يعتورها من أخطاء وقصور امبيريقى، وبسبب عدم اتساقها، وتبنيها موقفاً حتمياً إيكولوجياً، ولكونها وظيفية ضمناً. ومع ذلك فإن تشخيصه لبيروقراطية الدولة الزراعية فى المجتمعات الهيدروليكية القديمة قد حفز إلى صدور عدد كبير من الدراسات عن تكوين الدولة والعلاقات الطبقية فى منطقة جنوب شرق آسيا، كما وصف فيتفوجل بأنه من المؤمنين بالتطور المتعدد الخطوط بصورته الدقيقة.