مرض عقلي

المرض العقلي (بالإنجليزية: Mental Illness)، في علم النفس، هي تلك هو أضطراب ينشأ من تلف يصيب الجهاز العصبي وهو يختلف عن المرض النفسي.

الأسباب

يمكن أن تنشأ الأمراض العقلية عن مجموعة من المصادر. في الكثير من الحالات لا يوجد سبب واحد واضح. هناك اعتقاد شائع حتى اليوم أن الأمراض العقلية تنتج عن اضطرابات جينية تكشف من خلال الضغوطات البيئية. ولكنه ظهر من خلال التحليلات الإحصائية أن الأمراض العقلية على الأقل في الثقافات الغربية مرتبطة بالإعتداء (الجسدي، الجنسي أو العاطفي) أو بإهمال الأطفال خلال مرحلة النموّ.

المرض العقلي وعلم الاجتماع

المرض العقلى مفهوم خلافى (انظر على سبيل المثال مادتى: لانج، والنزعة المضادة للطب النفسى)، ينهض على التعارض اليومى بين العقل والجسد، وهو الأمر الذى يؤدى عند تطبيقه على المرض إلى توليد تعارض بين النمطين المتقابلين للمرض وهما - المرض العقلى والمرض البدنى. وتتسم الأمراض العقلية بأنها أمراض تعكس وجود باثولوجيا عقلية: أى اضطراب فى الأداء الوظيفى العقلى مشابهة للاضطراب فى الأداء الوظيفى للجسد. ولذلك يعد المفهوم، شأنه فى ذلك شأن المرض البدنى، مفهوماً تقويمياً بصفة أساسية، كما أنه يرتبط بقضايا الضبط الاجتماعى والتنظيم. وترتبط الاضطرابات فى الأفكار والمشاعر التى تسم المرض العقلى مثل الأوهام والهلوسات والاتبساط المفرط أو الاكتئاب بسلوك عادة ما يعتبر غريباً و أخرقاً ومخلاً أو مضطرباً. هذا السلوك المخل والمضطرب هو الذى يفضى - أكثر من أى شى آخر - إلى علاج المرض العقلى باعتباره شكلاً متميزاً تماماً من المرض، يتطلب خدمات خاصة واهتماماً خاصاً. والأمر الذى يبدو فى المجتمع إشكالياً على وجه الخصوص هو عدم الرشد البادي للعيان وفقدان القدرة على التفكير العقلى الذى ينطوى عليه الباثولوجيا العقلية. فالعقل والقدرة على الاستدلال هما ما يميز الكائنات الإنسانية وفقدانها (بشكل كلى أو جزئى) ما لم يؤخذ على أنه علامة من علامات تدخل القوى فوق الطبيعية، يعتبر عادة مصدر إزعاج وتهديد إلى حدكبير. ولذلك، فإن المرض العقلى عادةً ما يعتبر وصمة أكثر من الأشكال المرضية الأخرى (والاستثناء الواضح فى هذا الصدد هو أمراض مثل الإيدز والأمراض الجنسية الأخرى، وإلى درجة أقل مرض السرطان).

ومن الناحية التاريخية، تنبع جذور المرض العقلى من أحكام المعامة على الحالة العقلية التى تجسدها أفكار مثل الخبل و الجنون — الجنون الحقيقى — بالإضافة إلى مفاهيم مثل "الاضطراب فى العقل"، والاكتئاب والذهول التى تتضمن الأشكال الأقل حدة لعدم الاستقرار السيكولوجى. وقد طبقت هذه المصطلحات آتذاك، مثلما تطبق اليوم، على الأشخاص الذين يصدر عنهم سلوك غير قابل للتفسير أو غير رشيد إلى حد ما. وربما كان هذا السلوك منحرفا أو جانحا، غير أنه لا يمكن فهمه فهما مباشرا، كما هى الحال عادة بالنسبة للأشكال الأخرى من الجنوح بسبب أنه ينطوى على رفضي للقيم التى يثمنها المجتمع تثمينا عاليا. وما تزال المفاهيم الطبية المعاصرة للمرض العقلى مرتبطة ارتباطا لصيقا بتقييم عامة الناس لما هو رشيد ومعقول ومناسب. ومع ذلك، فقد استطاع الطب النفسى أن يستوعب وأن يعدل بعض مفردات الحياة اليومية، وتصنيفاتها وتسخيصها لمجموعات متباينة من الأمراض العقلية. وتتراوح هذه الحالات ما بين مرض ألزهايمر - الذى يعرف عنه أن من بين مكوناته مرض بالمخ اإلى الأمراض العقلية التقليدية مثل الشيزوفرنيا والجنون الاكتئابى (التى تدرج تحت فنة الأمراض الذهانية)، وحالات مثل القلق والمخاوف المرضية والحواز (التى عادة ما تسمى بالعصاب). فضلا عما يطلق عليه الاضطرابات السلوكية مثل إدمان الكحوليات والتقيؤ القهرى أو فقدان الشهية للطعام والتوتر العصبى، وإدمان المخدرات، والانحرافات الجنسية.

وتقدم قوائم الأمراض النفسية الخاصة بالطب النفسى تصنيفات رسمية للحدود الفاصلة بين الأمراض العقلية، ومع ذلك فإن هذه الحدود لا تتوقف عن التغير كما لا يتوقق الجدل حولها. فالتفرقة بين المرض العقلى والمرض الجسدى تعد بحد ذاتها تفرقة إشكالية إلى حد كبير. فمن الجلى أنها تنهض على الأعراض الباثولوجية الظاهرة، ولكن هذا عادة ما لا يكون واضحا كل الوضوح، فالعديد من الأمراض لها أعراض عقلية وفيزيقية. وإذا ما التفتنا إلى الأسباب، فإن التفرقة تصبح أكثر إشكالية، بحيث تترنح فى التو الفكرة القائلة بوجود فئتين متنافيتين من الأمراض. إن حالة بعينها من المرض العقلى قد تعود إلى أسباب فيزيقية، كما هى الحال فى مرض ألزهايمر؛ وبالمثل فإن بعض الأمراض الفيزيقية مثل قرحة المعدة قد تكون نتيجة لأسباب عقلية (كما يوحى بذلك مفهوم الأمراض الجسمية النفسية السيكوسوماتية). والواقع أن التداخل بين ماهو عقلى وما هو فيزيقى عادة ما استخدم لتبرير محاولات إدراج رعاية المرضى العقلى فى إطار الخدمات الصحية الأخرى. وفى الواقع العملى، تكون الحدود المفروضة بين المرض العقلى والمرص الجسمى موضوعاً للإجماع، وتعتمد على الأفكار المتعلقة بتعليل كل منهما، فضلا عن مدى العلاقة الظاهرة بين المشكلات العقلية والسلوكية.

كما أن المحدود بين المرض العقلى والانحراف (الجنون والطيش) تعد إشكالية بذات القدر، وبخاصة قى علاقتها بالاضطرابات السلوكية والشخصية، حيث يكون من الواضح أن الأعراض أعراض سلوكية. وتعد التفرقة من التاحية التحليلية تفرقة مرجعية، فالمرض العقلى مرض خاضع للحكم على العقل، أما الاتحراف فإنه مسألة سلوكية. ومع ذلك، فحيث أن ملاحظة السلوك هى الأساس الذى يبنى عليه الحكم على العقل، فإن ذلك يؤدى فى الواقع العملى إلى ظهور خلط وصعوبات. فهنايعد تغير الإجماع مسئولا عن تعيين الحدود بين الاننين، كما هى الحال عند زيادة الميلإلى النظر إلى الإساءة إلى الأطفال باعتبارها شكلا من أشكال الانحراف بقدر أقل من اعتبارها مؤشراً على حالة مرض عقلى كامنة. و أخيرا، فهناك مسالة الحدود بين ما هو أداء عقلى طبيعى وما هو غير طبيعى. وهنا نلاحظ مجددا أن هذه الحدود تتغير إلى حد بعيد من خلال تغير الإجماع. وكما هى الحال بالنسبة للحدود الأخرى، يتباين موضعها أيضا من شخص إلى آخر وفقا للخلفية الاجتماعية والظروف.

وتتباين الأفكار حول أسباب المرض العقلى. فالطبيب النفسى ٠ بحكم تأكيد الطب على العمليات الفيزيقية " يركز على الأسباب المفيزيقية والعلاج، ويضفى عليهما أولوبة. و عادة ما اعتبر خطأ" التفسير الفيزيقى"مبررا لاستبعاد أى مبرر لتفحص دور العوامل المسيكولوجية والاجتماعية. وبالتعارض مع ذلك، أسهم عدد من علماء الاحتماع والممنظرين الاجتماعيين إسهاما هاما فى فهم الأسباب الاجتماعية للمرض النفسى، كما هى الحال بالنسبة لإسهامات كل من جورج براون وتيريل هاريس حول الاكتئاب وتحليل أصحاب النزعة النسوية للتقيؤ القهرى أو فقدان الشهية للطعام.

ومع ذلك، فإن الإسهام السوسيولوجى فى فهم المرض العقلى ينبع أيضا من تحليل المرض العقلى باعتباره موضعا يتم تصوره وفهمه اجتماعيا. هذه الصياغة، كما ذكرنا أعلاه، تحدد الحدود لما يعتبر أداء عقليا طبيعيا ومقبولا فى الثقافات والمجتمعات المختلفة، ومن ثم تعتبر جزءا من الضبطالاجتماعى للسلوك البشرى.

انظر أيضاً