شعر صوفي

يشكل الشعر الصوفي جزءًا متميزًا من شعر الرمز الديني المكتوب في اللغات العربية والفارسية والتركية والأوردية. ويمكن فهمه من خلال ثنائية الرؤية واللغة.

فهو شعر يعبر عن رؤية داخلية تنبثق عن فهم ناظميه للآية الكريمة ﴿ونحن أقرب إليه من حبل الوريد﴾ ق:16. وبناءً على هذا الفهم، جاءت قصائدهم محملة بالوجد والحنين إلى المزيد من القرب من الذات الإلهية وشخص الرسول الكريم ³. كما أن نصوصهم الشعرية تُظهر الأطوار التي مرت بها رؤيتهم الصوفية. فمن مجرد حب للذات الإلهية تغلبُ عليه العفوية والبساطة، إلى رغبة في الحلول والاتحاد بالذات الإلهية وانتهاء بمفارقة الجمع بين الاتحاد والانفصام أو (الفناء والبقاء). وهي شطحات صوفية منحرفة عن منهج العقيدة الصحيحة.

كتابة الشعر الصوفي بالعديد من اللغات، سواء من أجل القراءة التعبدية الخاصة أو كلمات لإغاني تتلى مع الموسيقى التي يتم تشغيلها أثناء العبادة، أو للذكر . كان للموضوعات والأساليب الموضوعة في شعر البنجابي والشعر السندي والشعر العربي والشعر الفارسي في تأثيرا هائلا على الشعر الصوفي في جميع أنحاء العالم الإسلامي، وغالبًا ما تكون جزءًا من الموسيقى الصوفية . في البنجاب والسند وغيرها من مقاطعات الهن، لعب الشعر الصوفي دورًا فريدًا في الحفاظ على التناغم المجتمعي في الأوقات العصيبة. ألهمت الشعر الصوفي في معظم اللغات الإقليمية واللغات الهندية في الهند، من خلال نبل مشاعرها الورقية والتسليم الإيقاعي، وبحث الناس عن الحب الإلهي. حافظت الكلمات الصوفية الودية والمتسامحة على صالح الهندوس والمسلمين وأثرت على فكر الناس وأرسلت رسالة السلام والمحبة والزمالة والتفاهم والصداقة. لقد منح الشعر الصوفي إرثًا رائعًا من التناغم المجتمعي للأجيال القادمة.

اللغة وبنية القصيدة

الشعر الصوفي يعكس تجاوز الكلمة لمعناها المعجمي، ويُكْسِبها مدلولات جديدة تحتمل التأويل. ويظهر تسامي الشعراء المتصوفة بعنصر النسيب في القصيدة التقليدية إلى الغزل في الذات الإلهية. ومن هذا قول الصوفي الأندلسي ابن سبعين في كتابهالإحاطة:

من كان يبصر شأن الله في الصور

فإنــه شاخــص في أنقــص الصــــور

بل شأنه كونـه، بل كونه كنهــــه

لأنــه جملـــة من بعضهـــا وطـــري

إيهٍ فأبصــــــرني، إيــهٍ فأبصـــرهُ

إيه فَلِمْ قلـت لي ذا النفـع في الضـرر

وقول ابن العريف:

سلوا عن الشوق من أهوى فإنهـم

أدنى إلى النفس من وهمي ومن نَفَسي

مازلت ـ مذ سكنوا قلبي ـ أصون لهم

لحظي وسمعي ونطقي إذ همو أنســي

حلُّوا الفؤاد فما أندى! ولو وطئوا

صــخرا لجــاد بمــاء منــه مُنْبَـجِـــسِ

وفي الحشا نزلوا والوهم يجرحهم

فكيــف قرُّوا على أذكى من القبــس

لأنهضَنَّ إلى حشري بحبهمُ

لا بارك الله فيمن خانهم فَنَسِي

كما يظهر إضفاؤهم على المواضع والأسماء التي ورد ذكرها في مطلع النسيب التقليدي معاني إضافيةً تحمل دلالات ورموزًا صوفية. فكلمة نجْد على سبيل المثال، أصبحت رمزًا صوفيًا يدل على المعرفة العليا. واسم ليلى تحول إلى رمز للعشق الإلهي. وغير ذلك من الأشياء الأخرى التي اتخذت في أشعارهم أبعادًا رمزية كالشمعة والفراشة والمدام.

ويمثل شعر رابعة العدوية (185هـ،801م) شعر الحب للذات الإلهية الذي تغْلب عليه العفوية والبساطة، بينما يمثل شعر ابن الفارض (633هـ،1235م) تطورًا في الأسلوب الشعري، واستفادة من شكل القصيدة التقليدية في تشكيل رؤيته الصوفية الاتحادية. فقد أحل عنصر الغزل في الذات الإلهية مكان النسيب التقليدي، وأحل عنصر المدامة الإلهية مكان عنصر الخمرة النواسية. أما شعر ابن عربي (638هـ،.124م)، فيمثل طورًا ثالثًا يعكس رؤيته الصوفية القائلة بوحدة الوجود وهي رؤية إلحادية، تخالف ما يجب أن يعتقده المسلم إزاء خالقه الواحد الأحد، الفرد الصمد. ويقول في ديوانهترجمان الأشواق عن الصوفية وعلم الباطن:

كلّ ما أذكره من طلل

أو ربـوع أو مغــان كل ما

أو نساء كاعبات نُهَّدٍ

طالعات كشموس أو دمى

صفة قدسية علوية

أعلمتْ أن لصــدقي قَدَمـا

فاصرف الخاطر عن ظاهرها

وأطلب الباطن حتى تعلما

وفي قصيدة أخرى، يتحدث عن دينه الحب وقلبه المتحد بالوجود:

لقد صار قلبي قابلاً كل صورة

فمرعى لغزلان ودير لرهبان

وبيتٌ لأوثان وكعبة طائف

وألواح توراة ومصحف قرآن

أدين بدين الحب أنـَّى توجهت

ركائبه فالحب ديني وإيماني

ويقول الشستري:

وصلت لمن لم أنفصل عنه لحظة

ونزهت من أعني عن الوصل والهجر

وما الوصف إلا دونه غير أنني

أريد به التشبيب عن بعض ما أدري

وفي العصر العثماني، أُصيب الشعر الصوفي بآفة التكرار والابتذال، إلا أن نظْم عبدالغني النابلسي (1141هـ، 1728م) يظل متميزًا لدمجه بين رؤيته النقشبندية ورؤية الشعراء السابقين مثل ابن الفارض وابن عربي وجلال الدين الرومي (672هـ، 1273م).

وفي العصر الحديث، ظهر تأثر الشعر الغربي بالشعر الصوفي العربي والفارسي في أشعار جوته وريلكه. كما يشكل شعر محمد إقبال (1357هـ، 1938م) وأدونيس استمرارًا للشعر الصوفي في الشعر المعاصر. إلا أن شعر إقبال ينزع في مجمله نزعة إسلامية وشعر أدونيس ينزع نزعة غربية.

المواضيع

تم تقديم مفهوم الحب الصوفي أولاً من قبل ربيعة البصرة، وهي صوفية من القرن الثامن. في جميع أعمال رومي ، يظهر "الموت" و "الحب" كجانبين مزدوجين لمفهوم الرومي لمعرفة الذات. من المفهوم أن الحب "يستهلك كل شيء" بمعنى أنه يشمل الشخصية الكاملة للحبيب. كان تأثير هذا التقليد في الصوفية مستمدًا من مصادر فارسية أو هندوسية ؛ لا توجد فكرة مماثلة معروفة في القرن التاسع في المسيحية أو اليهودية. في التلاعب بالألفاظ الأدبي فخر الدين العراقي غير كلمات الشهادة "لا آله الا الله" إلى "لا اله الا العشق". من جانبه، طوّر الرومي، في كتاباته، مفهوم الحب كمظهر مباشر لإرادة الله، جزئياً كرد فعل محسوب على الاعتراضات القادمة من الجناح التقليدي للإسلام: "لن يبحث الحبيب عن الاتحاد مع حبيبه ال إدا كان الحبيب يبحث عنه ".

كما تظهر مفاهيم الوحدة والوحدانية في أعمال الرومي. على سبيل المثال، قصيدة "من أنا؟" يعني أن البشر جميعهم مخلوقات الله بغض النظر عن الدين أو الأرض التي ينتمون إليها. حتى يتأمل الله ما هو أبعد من الوجود المادي، فقد حظي الله بالامتياز للبشرية من خلال أن يباركه بالروح، مما يساعده على فهم مفاهيم الحب والمودة والتضحية، إلخ. ومن ثم، فإن الروح البشرية لا تهدأ ولا تتأثر. إنه موجود في مكان ما وراء العالم الدنيوي، لذلك يجب على الجسد الذي يحمل الروح أن يرعاها بطريقة تجعلها أقرب إلى الحبيب النهائي. ويمكن تحقيق ذلك إذا اعتبر جميع البشر أنفسهم أعضاء في كيان عضوي.

الأعمال البارز

انظر أيضا