أبو حامد الغزالي
أَبْو حَامِدْ مُحَمّد الغَزّالِي الطُوسِيْ النَيْسَابُوْرِيْ الصُوْفِيْ الشَافْعِي الأشْعَرِيْ، أحد أعلام عصره وأحد أشهر علماء المسلمين في القرن الخامس الهجري، (450 هـ - 505 هـ / 1058م - 1111م). كان فقيهاً وأصولياً وفيلسوفاً، وكان صوفيّ الطريقةِ، شافعيّ الفقهِ إذ لم يكن للشافعية في آخر عصره مثلَه. لُقّب الغزالي بألقاب كثيرة في حياته، أشهرها لقب «حجّة الإسلام»، وله أيضاً ألقاب مثل: زين الدين، ومحجّة الدين، والعالم الأوحد، ومفتي الأمّة، وبركة الأنام، وإمام أئمة الدين، وشرف الأئمة.
كان له أثرٌ كبيرٌ وبصمةٌ واضحةٌ في عدّة علوم مثل الفلسفة، والفقه الشافعي، وعلم الكلام، والتصوف، والمنطق، وترك عدداَ من الكتب في تلك المجالات. ويُعرَف بـ «الغزّالي» نسبة إلى صناعة الغزل، حيث كان أبوه يعمل في تلك الصناعة، ويُنسب أيضاً إلى «الغَزَالي» نسبة إلى بلدة غزالة من قرى طوس، وقد قال عن نفسه: «النّاس يقولون لي الغزّالي، ولستُ الغزّالي، وإنّما أنا الغَزَالي منسوبٌ إلى قرية يُقال لها غزالة».، وقد قال ابن خلكان أن نسبته إلى «الغزّالي» (بتشديد الزاي) هو المشهور، وهو أصحّ من نسبته إلى «الغَزَالي»، ويؤكّد ذلك ما رواه الرحّآلة ياقوت الحموي بأنّه لم يسمع ببلدة الغزالة في طوس. كما يُعرف بـ«الطوسي» نسبة إلى بلدة طوس الموجودة في خراسان، والتي تعرف الآن باسم مدينة مشهد موجودة في إيران. وقد اختلف الباحثون في أصل الغزالي أعربي أم فارسي، فهناك من ذهب على أنه من سلالة العرب الذين دخلوا بلاد فارس منذ بداية الفتح الإسلامي، ومن الباحثين من ذهب إلى أنه من أصل فارسي.
ولادته ونشأته
ولد الغزّالي عام 450 هـ الموافق 1058، في «الطابران» من قصبة طوس، وهي أحد قسمي طوس، وقيل بأنّه وُلد عام 451 هـ الموافق 1059. وقد كانت أسرته فقيرة الحال، إذ كان أباه يعمل في غزل الصوف وبيعه في طوس، ولم يكن له أبناء غيرَ أبي حامد، وأخيه أحمد والذي كان يصغره سنّاً. كان أبوه مائلاً للصوفية، لا يأكل إلا من كسب يده، وكان يحضر مجالس الفقهاء ويجالسهم، ويقوم على خدمتهم، وينفق بما أمكنه إنفاقه، وكان كثيراً يدعو الله أن يرزقه ابنا ويجعله فقيهاً، فكان ابنه أبو حامد، وكان ابنه أحمد واعظاً مؤثراً في الناس. ولما قربت وفاة أبيهما، وصّى بهما إلى صديق له متصوّف، وقال له: «إِن لي لتأسفاً عظيماً على تعلم الخط وأشتهي استدارك ما فاتني في وَلَديّ هذَيْن فعلّمهما ولا عليك أن تنفذ في ذلك جميع ما أخلّفه لهما»، فلما مات أقبل الصوفيّ على تعليمهما حتى نفد ما خلّفهما لهما أبوهما من الأموال، ولم يستطع الصوفيّ الإنفاق عليهما، عند ذلك قال لهما: «اعلما أنّي قد أنفقت عليكما ما كان لكما وأنا رجل من الفقر والتجريد بحيث لا مال لي فأواسيكما به وأصلح ما أرى لَكمَا أن تلجئا إِلَى مدرسة كأنكما من طلبة الْعلم فَيحصل لَكمَا قوت يعينكما على وقتكما»، ففعلا ذلك وكان هو السبب في علو درجتهما، وكان الغزاليّ يَحكي هذا ويقُول: «طلبنا الْعلم لغير الله فأبى أن يكون إِلّا لله». وقد علّق عليه التعليقة (أي دوّن علومه دون حفظ وتسميع)، وفي طريق عودته من جرجان إلى طوس، واجهه قطّاع طرق، حيث يروي الغزالي قائلاً: «قطعت علينا الطرِيق وأخذ العيّارون جميع ما معي ومضوا فتبعتهم فالتفت إليّ مقدّمهم وقال: ارجع ويحك وإِلا هلكت! فقلت له: أسألك بالذي ترجو السلامة منه أن ترد علي تعليقتي فقط فما هي بشيء تنتفعون به. فقال لي: وما هي تعليقتك: فقلت: كتبت في تلك المخلاة هاجرت لسماعها وكتابتها ومعرفة علمها. فضحك وقال: كيف تدّعي أنّك عرفت علمها وقد أخذناها منك فتجردت من معرفتها وبقيت بلا علم؟ ثم أمر بعض أصحابه فسلّم إِليّ المخلاة». بعد ذلك قرّر الغزالي الاشتغال بهذه التعليقة، وعكف عليه 3 سنوات من 470 هـ إلى 473 هـ حتى حفظها.
وفي عام 473 هـ رحل الغزّالي إلى نيسابور ولازم إِمام الحرمين أبو المعالي الجويني (إمام الشافعية في وقته، ورئيس المدرسة النظامية)، فدرس عليه مختلف العلوم، من قالب:المقصود الشافعية، وفقه الخلاف، وأصول الفقه، وعلم الكلام، والمنطق، والفلسفة، وجدّ واجتهد حتى برع وأحكم كل تلك العلوم، ووصفه شيخه أبو المعالي الجويني بأنه: «بحر مغدِق». وعندما ألف الغزالي كتابه "المنخول في علم الأصول" قال له الجويني: «دفنتني وأنا حيّ، هلّا صبرتَ حتى أموت؟».
تدريسه ورحلاته
قالب:شريط جانبي الغزالي عندما تُوفي أبو المعالي الجويني سنة 478 هـ الموافق 1085، خرج الغزالي إلى «العسكر» أي «عسكر نيسابور»، قاصداً للوزير نظام الملك (وزير الدولة السلجوقية)، وكان له مجلس يجمع العلماء، فناظر الغزالي كبار العلماء في مجلسه وغلبهم، وظهر كلامه عليهم، واعترفوا بفضله، وتلقوه بالتعظيم والتبجيل.
الغزالي في بغداد
وصل الغزالي إلى بغداد في جمادى الأولى سنة 484 هـ، في أيام الخليفة المقتدي بأمر الله العباسي، ودرّس بالمدرسة النظامية حتى أُعجب به الناس لحسن كلامه وفصاحة لسانه وكمال أخلاقه. وأقام على التدريس وتدريس العلم ونشره بالتعليم والفتيا والتصنيف مدّة أربعة سنوات، حتى اتسعت شهرته وصار يُشدّ له الرّحال، ولُقّب يومئذٍ بـ «الإمام» لمكانته العالية أثناء التدريس بالنظامية في بغداد، وحضر مجالسه الأئمة الكبار كابن عقيل وأبي الخطاب وعبد القادر الجيلاني وأبي بكر بن العربي،
انهمك الغزالي في البحث والاستقصاء والردّ على الفرق المخالفة بجانب تدريسه في المدرسة النظامية، فألّف كتابه «مقاصد الفلاسفة» يبيّن فيه منهج الفلاسفة، ثمّ نقده بكتابه "تهافت الفلاسفة" مهاجماً الفلسفة ومبيّناً تهافت منهجهم. ثمّ تصدّى الغزالي للفكر الباطني (وهم الإسماعيلية) الذي كان منتشراً في وقته والذي أصبح الباطنيون ذوو قوّة سياسية، حتى أنّهم قد اغتالوا الوزير نظام الملك عام 485 هـ الموافق 1091، وتُوفي بعده الخليفة المقتدي بأمر الله، فلما جاء الخليفة قالب:المقصود، طلب من الغزالي أن يحارب الباطنية في أفكارهم، فألّف الغزالي في الردّ عليهم كتب "فضائح الباطنية" و«حجّة الحق» و«قواصم الباطنية». فتأثر الغزالي بذلك، ولاحظ على نفسه بعده عن حقيقة الإخلاص لله وعن العلوم الحقيقية النافعة في طريق الآخرة، وشعر أن تدريسه في النظامية مليء بحب الشهرة والعُجُب والمفاسد، عند ذلك عقد العزم على الخروج من بغداد، يقول عن نفسه:
![]() |
ثم لاحظت أحوالي، فإذا أنا منغمس في العلائق، وقد أحدقت بي من الجوانب، ولاحظت أعمالي - وأحسنها التدريس والتعليم - فإذا أنا فيها مقبل على علوم غير مهمة، ولا نافعة في طريق الآخرة. ثم تفكرت في نيتي في التدريس، فإذا هي غير خالصة لوجه الله قالب:تعالى، بل باعثها ومحركها طلب الجاه وانتشار الصيت، فتيقنت أني على شفا جرف هار، وأني قد أشفيت على النار، إن لم أشتغل بتلافي الأحوال.. فلم أزل أتردد بين تجاذب شهوات الدنيا، ودواعي الآخرة، قريباً من ستة أشهر أولها رجب سنة 488 هـ. وفي هذا الشهر جاوز الأمر حد الاختيار إلى الاضطرار، إذ أقفل الله على لساني حتى اعتقل عن التدريس، فكنت أجاهد نفسي أن أدرس يوماً واحداً تطييباً لقلوب المختلفة إلي، فكان لا ينطق لساني بكلمة واحدة ولا أستطيعها البتة. ثم لما أحسست بعجزي، وسقط بالكلية اختياري، التجأت إلى الله التجاء المضطر الذي لا حيلة له، فأجابني الذي يجيب المضطر إذا دعاه، وسهل على قلبي الإعراض عن الجاه والمال والأهل والولد والأصحاب | ![]() |
.
فكان خروجه من بغداد في ذي القعدة سنة 488 هـ، وقد ترك أخاه أحمد الغزّالي مكانه في التدريس في النظامية في بغداد. وقد خرج إلى الشام قاصداً الإقامة فيها، مُظهِرَاً أنه متّجه إلى مكة للحجّ حذراً أن يعرف الخليفة فيمنعه من السفر إلى الشام.]] وبحسب تاج الدين السبكي وابن الجوزي وغيرهما، فإن الغزالي خرج أولاً من بغداد إلى الحج سنة 488 هـ، ثم عاد منها إلى دمشق فدخلها سنة 489 هـ، فلبث فيها أياماً، ثم توجّه إلى القدس، فجاور فيها مدّة، ثم عاد وبقي في دمشق معتكفاً في جامعها، ثم رحل وزار الإسكندرية في مصر، واستمرّ يجول في البلدان ويزور المشَاهد وَيَطوف على المساجد حتى عاد إلى بغداد للتدريس فيها. ولم يدم طويلاً حتى أكمل رحلته إلى نيسابور ومن ثمّ إلى بلده طوس، وهناك لم يلبث أن استجاب إلى رأي الوزير فخر الملك للتدريس في نظامية نيسابور مكرهاً، فدرّس فيها مدة قليلة، وما لبث أن قُتل فخر الدين الملك على يد الباطنية، من ثم ّ رحل الغزالي مرة أخرى إلى بلده طابران في طوس، وسكن فيها، متخذاً بجوار بيته مدرسة للفقهاء وخانقاه (مكان للتعبّد والعزلة) للصوفية، ووزّع أوقاته على وظائف من ختم القرآن ومجالسة الصوفية والتدريس لطلبة العلم وإدامة الصلاة والصيام وسائر العِبَادات، يروي بعض الناس حال الغزالي عند دخوله بغداد أول مرة، وحال دخوله إياها بعد رحلته، فعن أبي منصور الرزاز الفقيه، قال: «دخل أبو حامد بغداد، فقوّمنا ملبوسه ومركوبه خمسمائة دينار. فلمّا تزهد وسافر وعاد إلى بغداد، فقوّمنا ملبوسه خمسة عشر قيراطاً» وعن أنوشروان (وكان وزيراً للخليفة) أنه زار الغزالي فقال له الغزالي: «زمانك محسوب عليك وأنت كالمستاجر فتوفرك على ذلك أولى من زيارتي» فخـرج أنوشروان وهو يقول: «لا إله إلا الله، هذا الذي كان في أول عمره يستزيدني فضل لقب في ألقابه، كان يلبس الذهب والحرير». وقد سأله قبيل الموت بعض أصحابه:، فقالوا له: أوصِ. فقال: «عليك بالإخلاص» فلم يزل يكررها حتى مات. والذي أمر رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان بإعادة إعماره خلال زيارته إلى إيران في ديسمبر 2009. وقد ادّعى الشيخ فاضل البرزنجي بأن قبر الغزالي موجود في بغداد وليس في طوس، بينما يؤكد أستاذ التاريخ بجامعة بغداد الدكتور حميد مجيد هدو، بالإضافة للوقف السني في العراق بأن قبره في طوس، وأن ما يتناقله الناس حول دفن الغزالي ببغداد، مجرد وهم شاع بين العراقيين، حيث أن المدفون في بغداد هو شخص صوفي يلقب بالغزالي وهو مؤلف كتاب «كشف الصدا وغسل الرام»، وجاء إلى بغداد قبل نحو ثلاثة قرون، وبعد فترة من وفاته جاء من قال إن هذا قبر الغزالي، وهو وهم كبير وقع فيه الناس.
وقد رثى الغزّالي حين مات أبو المظفر الأبيوردي إذ قال:
| ||
بَكَى على حجَّة الْإِسْلَام حِين ثوى | من كل حَيّ عَظِيم الْقدر أشرفه | |
فَمَا لمن يمتري فِي الله عبرته | على أبي حَامِد لَاحَ يعنفه | |
تِلْكَ الرزية تستوهي قوي جلدي | فالطرف تسهره والدمع تنزفه | |
فَمَاله خله فِي الزّهْد تنكره | وَمَا لَهُ شُبْهَة فِي الْعلم تعرفه | |
مضى فأعظم مَفْقُود فجعت بِهِ | من لَا نَظِير لَهُ فِي النَّاس يخلفه |
وقال فيه أيضاً القاضي عبد الملك بن أحمد بن محَمّد بن المعَافى:
الغزالي والفلسفة
كانت الفلسفة في عصر أبي حامد الغزالي قد أثرت في تفكير الكثيرين من أذكياء عصره وسلوكهم، وأدى ذلك إلى التشكيك في الدين الإسلامي والانحلال في الأخلاق، والاضطراب في السياسة، والفساد في المجتمع. فتصدّى أبو حامد الغزالي لهم بعد أن عكف على دراسة الفلسفة لأكثر من سنتين، حتى استوعبها وفهمها، وأصبح كواحد من كبار رجالها، يقول عن نفسه: «ثم إني ابتدأت بعد الفراغ من علم الكلام بعلم الفلسفة، وعلمت يقيناً أنه لا يقف على فساد نوع من العلوم، من لا يقف على منتهى ذلك العلم، حتى يساوي أعلمهم في أصل ذلك العلم.. فشمرت عن ساق الجد في تحصيل ذلك العلم من الكتب.. ثم لم أزل أواظب على التفكر فيه بعد فهمه قريباً من سنة أعاوده وأردده وأتفقد غوائله وأغواره، حتى اطَّلعت على ما فيه من خداع، وتلبيس وتحقيق وتخييل، واطلاعاً لم أشك فيه»،
تناول الغزالي الفلسفة بالتحليل التفصيلي، وذكر أصنافهم وأقسامهم، وما يستحقون به من التكفير بحسب رأيه، وما ليس من الدين، بذلك اعتُبر الغزالي أول عالم ديني يقوم بهذا التحليل العلمي للفلسفة، وأول عالم ديني يصنّف في علومهم التجريبية النافعة، ويعترف بصحة بعضها. إذ قسّم الغزالي علوم فلاسفة اليونان إلى العلوم الرياضية، والمنطقيات، والطبيعيات، والإلهيات، والسياسات، والأخلاقيات، وكان أكثر انتقاد الغزالي وهجومه على الفلاسفة ما يتعلق بالإلهيات، إذ كان فيها أكثر أغاليطهم بحسب الغزالي، وقد قالب:المقصود الغزالي فلاسفة الإسلام المتأثرين بالفلسفة اليونانية في 3 مسائل، وبدّعهم في 17 عشر مسألة، وألّف كتاباً مخصوصاً للرد عليهم في هذه ال 20 مسألة سمّاه "تهافت الفلاسفة"،
وبحسب الباحثين أمثال يوسف القرضاوي وعباس محمود العقاد، فإن الغزالي يُعدّ في كثير من نظرياته النفسيّة والتربوية والاجتماعية صاحب فلسفة متميّزة، وهو في بعض كتبه أقرب إلى تمثيل فلسفة إسلامية، وأنه فيلسوف بالرغم من عدم كونه يريد ذلك، وقد رأى كثير من علماء المسلمين قديماً أن الغزالي رغم حربه للفلسفة، لم يزل متأثراً بها، حتى قال تلميذه أبو بكر بن العربي: «شيخُنا أبو حامد: بَلَعَ الفلاسفةَ، وأراد أن يتقيَّأهم فما استطاع».
الغزالي والتصوف
المراحل الفكرية التي مرّ بها الغزالي
قبل أن يستقر أمر الغزالي على التصوف، مرّ بمراحل كثيرة في حياته الفكرية، كما يرويها هو نفسه في كتابه المنقذ من الضلال، فابتدأ بمرحلة الشكّ بشكل لا إرادي، والتي شكّ خلالها في الحواس والعقل وفي قدرتهما على تحصيل العلم اليقيني، ودخل في مرحلة من السفسطة غير المنطقية حتى شُفي منها بعد مدة شهرين تقريباً. ليتفرّغ بعدها لدراسة الأفكار والمعتقدات السائدة في وقته، يقول: «ولما شفاني الله من هذا المرض بفضله وسعة جوده، أحضرت أصناف الطالبين عندي في أربع فرق: المتكلمون: وهم يدعون أنهم أهل الرأي والنظر. والباطنية: وهم يزعمون أنهم أصحاب التعليم، والمخصوصون بالاقتباس من الإمام المعصوم. والفلاسفة: وهم يزعمون أنهم أهل المنطق والبرهان. والصوفية: وهم يدعون أنهم خواص الحضرة، وأهل المشاهدة والمكاشفة»، بعد ذلك توجّه لعلم الفلسفة ودرسها وفهمها، ثم نقدها بشدة بكتابه تهافت الفلاسفة. ثم درس بعدها الباطنية فردّ عليهم وهاجمهم. ليستقر أمره على علم التصوف.
استقراره على التصوف
بعد تلك المراحل بدأ اهتمام الغزالي يتّجه نحو علوم التصوف، فابتدأ بمطالعة كتبهم مثل: قوت القلوب لأبي طالب المكي، وكتب الحارث المحاسبي، والمتفرقات المأثورة عن الجنيد وأبي بكر الشبلي وأبي يزيد البسطامي. كما أنه كان يحضر مجالس الشيخ الفضل بن محمد الفارمذي الصوفي، والذي أخذ عنه الطريقة، وقد امتدح الكتاب غير واحد من علماء الإسلام، مثل ما قاله عبد الرحيم العراقي المحدث الذي خرّج أحاديث الإحياء، حيث قال عنه: «إنه من أجل كتب الإسلام في معرفة الحلال والحرام، جمع فيه بين ظواهر الأحكام، ونزع إلى سرائر دقت عن الأفهام، لم يقتصر فيه على مجرد الفروع والمسائل، ولم يتبحر في اللجة بحيث يتعذر الرجوع إلى الساحل، بل مزج فيه علمي الظاهر والباطن، ومرج معانيها في أحسن المواطن، وسبك فيه نفائس اللفظ وضبطه، وسلك فيه من النمط أوسطه»، وقال غيره: «من لم يقرأ الإحياء فليس من الأحياء»، كما أُلّف الكثير من الكتب في شرح واختصار الإحياء والدفاع عنه، مثل كتاب «الإملاء على مشكل الإحياء» والذي ألفه الغزالي نفسه للرد على من انتقده في عصره، وكذلك كتاب "إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين" للزبيدي، و«تعريف الأحياء بفضائل الإحياء» لعبد القادر العيدروس، وكذلك «المغني عن حمل الأسفار في تخريج ما في الإحياء من الأخبار» لعبد الرحيم العراقي. أما الاختصارات، فقد اختصره أخوه أحمد الغزّالي في كتاب «لباب الإحياء»، و«منهاج القاصدين» لابن الجوزي، ويعد بعض الباحثين كتاب الغنية للشيخ عبد القادر الجيلي، مختصرا للأحياء كونه كتب على نفس المنهجية والنفس ، وغيرها الكثير.
وعلى العكس من ذلك، فقد ذمّ جمع من العلماء الإحياء منتقدين فيه كثرة الأحاديث الضعيفة، وإيراده لقصص الصوفية، وأُلفت عدة كتب في الرد على الإحياء، مثل كتاب «إحياء ميت الأحياء في الرد على كتاب الإحياء» لأبي الحسن ابن سكر، و«إعلام الأحياء بأغلاط الإحياء» لابن الجوزي،
- أبو النصر أحمد بن عبد الله بن عبد الرحمن الخمقدي، توفي سنة 544 هـ، وتفقّه في طوس على الغزالي.
- أبو منصور محمد بن إسماعيل بن الحسين العطاري، الواعظ في طوس والملقّب بـ «جندة»، توفي 486 هـ، وتفقّه في طوس على الغزالي.
- أبو الفتح أحمد بن علي بن محمد بن برهان، وكان حنبلياً، ثم تفقّه على الغزالي، وكام يدرّس في المدرسة النظامية علوم شتى، ودرّس إحياء علوم الدين للطلاب، توفي 518 هـ.
- أبو سعيد محمد بن أسعد التوقاني، توفي 554 هـ.
- أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن تومرت المصمودي، الملقّب بـ «المهدي».
- أبو حامد محمد بن عبد الملك الجوزقاني الإسفراييني، تفقّه على الغزالي في بغداد.
- محمد بن يحيى بن منصور، وهو من أشهر تلامذته، تفقه على الغزالي، وشرح كتابه الوسيط.
- أبو بكر بن العربي، القاضي المالكي، وهو من حمل كتابه إحياء علوم الدين إلى المغرب العربي عند عودته من رحلته المشرقية عام 495 هـ.
- أحمد بن مَعَدّ بن عيسى بن وكيل التجيبي الداني الأُقْلِيشي، لم يكن له لقاء مباشر مع الغزالي، فإن أخذه وروايته لمؤلفات الإمام، كانت عن طريق شيخيه أبو بكر بن العربي وعبَّاد بن سَرْحَان المَعَافِرِي.
- عبد القادر الجيلاني، والجيلاني ألتقى ب الغزالي وتأثر به حتى أنه ألف كتابه "الغُنية لطالبي طريق الحق" على نمط كتاب "إحياء علوم الدين".
آثار الغزالي
- طالع أيضاً: مؤلفات أبي حامد الغزالي
ألّف الإمام الغزّالي خلال مدة حياته (55 سنة) الكثير من الكتب في مختلف صنوف العلم، حتى أنه قيل: إن تصانيفه لو وزعت على أيام عمره أصاب كل يوم كتاب. وقد وضع الباحثان جميل صليبا وكامل عياد قائمة بمؤلفات الغزالي ضمت 228 كتاباً ورسالة، ما بين مطبوع ومخطوط ومفقود. وبسبب شهرة الغزالي وتصانيفه، نُسبت إليه الكثير من الكتب والرسائل، وأصبح من الصعب تحديد صحة نسبتها إليه. فقد ذكر المتقدمون، من أمثال عبد الغافر الفارسي (ت. 529 هـ) وأبو بكر بن العربي (ت. 543 هـ) وتاج الدين السبكي (ت. 771 هـ) وطاش كبرى زادة (ت. 968 هـ) المرتضى الزبيدي (ت. 1205 هـ)، الكثير من تصانيف الغزالي، واعتمد الباحثون على هذه المصادر في تحديد مصنفات الغزالي.
وفي منتصف القرن التاسع عشر الميلادي، بدأ المستشرقون في البحث في مؤلفات الغزالي، فنشر المستشرق جوشه بحثاً سنة 1858 م، تنوال فيه أربعين مؤلفا للغزالي، وحوال أن يحقق صحة نسبتها إليه. ثم تلاه ماكدونلد وجولد تسهير وماسينيون ومونتكمري وات وبويج وغيرهم بأبحاث أخرى تناولت نفس الموضوع. ثم جاء عبد الرحمن البدوي بعمل ضخم في كتاب أسماه «مؤلفات الغزالي» ونُشر سنة 1380 هـ / 1960 م، وفيه تناول البدوي 457 مصنفا يُنسب إلى الغزالي، وقسّمه على النحو التالي:
- من 1 إلى 72: كتب مقطوع بصحة نسبتها إلى الغزالي.
- من 73 إلى 95: كتب يدور الشك في صحة نسبتها إلى الغزالي.
- من 96 إلى 127: كتب من المرجح أنها ليست للغزالي.
- من 128 إلى 224: أقسام من كتب الغزالي أفردت كتبا مستقلة، وكتب وردت بعنوانات مغايرة.
- من 225 إلى 273: كتب منحولة.
- من 274 إلى 380: كتب مجهولة الهوية.
- من 381 إلى 457: مخطوطات موجودة ومنسوبة إلى الغزالي.
وأخيرا أتى مشهد العلاّف ببحث استدرك بها على ما جاء به البدوي، وخصوصا «ما يتعلق منها بالكتب المقطوع بصحة نسبتها للغزالي فقد تضمنت بعض المنحولات».
من كتب الغزالي
- طالع أيضاً: قائمة مؤلفات أبي حامد الغزالي
هذا ثبت بأهم الكتب المنسوبة للغزالي:
في العقيدة وعلم الكلام والفلسفة والمنطق:
|
في علم الفقه وأصوله وعلم الجدل:
|
في علم التصوف:
|
متنوعات:
|
أقوال العلماء فيه
المؤيدون
كان أبو حامد الغزالي عند جمهور المتقدمين حجّة الإسلام ومجدد القرن الخامس الهجري، ومحيي علوم الدين، وكان من أقوال مَن أثنى عليه ومدحه:
- شيخه أبو المعالي الجويني: الغزالي بحر مغدق.
- أبو الحسن الشاذلي: إذا عرضت لكم إلى الله حاجة فتوسلوا إليه بالإمام أبي حامد.
- أبو العباس المرسي: إنا لنشهد له بالصديقية العظمى.
- أسعد الميهني: لا يصل إلى معرفة علم الغزالي وفضله إلا من بلغ أو كاد يبلغ الكمال في عقله.
| ||
أبا حامد أنت المخصص بالمجدِ | وأنت الذي علمتنا سنن الرشدِ | |
وضعت لنا الإحياء تحيي نفوسنا | وتنقذنا من طاعة النازغ المردي | |
فربع عباداته وعاداته التي | يعاقبها كالدر نظم في العقدِ | |
وثالثها في المهلكات وإنه | لمنج من الهلك المبرح والبعدِ | |
ورابعها في المنجيات وإنه | ليسرح بالأرواح في جنة الخُلْدِ | |
ومنها ابتهاج للجوارح ظاهر | ومنها صلاح للقلوب من الحقدِ |
المعارضون
كان لأبي حامد الغزالي، كغيره من قادة الفكر، جماعة ممن انتقدوه، فأنكروا عليه بعض ما كتب في كتبه، أو بعض ما تبنّاه من أفكار، أو بعض ما اختاره من طريق الزهد والتصوف، وحتى مَن انتقده فقد أشاد بعلمه وفضله،
- المازري، والذي أنكر على الغزالي في كتابه إحياء علوم الدين إيراده الأحاديث الضعيفة، وأنكر عليه قراءته للفلسفة، فردّ عليه أيضاً تاج الدين السبكي، وبيّن علّة إنكاره على الغزالي، ألا وهي التعصّب لأبي حسن الأشعري في علم الكلام، وتعصّبه لمالك بن أنس في الفقه، فقد كان الغزالي ربما خالف أبا حسن الأشعري في مسائل فرعية في علم الكلام حتى أن المازري قال «من خطأ شيخ السّنة أَبَا الْحسن الْأَشْعَرِيّ فَهُوَ المخطيء». كما رد عليه في مسألة أحاديث كتاب الإحياء، بأن الغزالي لم يكن ذا علم غزير في الأحاديث النبوية، وأن «عامة مَا في الإِحياء من الأخبار والآثار مبدد في كتب من سبقه من الصوفية والفقهاء».
كتب وأبحاث عن الغزّالي
|
|
أعمال فنية ومؤسسية عن الغزّالي
- إنشاء مركز الكرسي المكتمل لفكر أبي حامد الغزالي في باب الرحمة في المسجد الأقصى وجامعة القدس، وذلك في شهر يناير عام 2013، وذلك بتوجيه من ملك الأردن عبد الله الثاني بن الحسين.
- تصوير فيلم وثائقي باللغة الإنجليزية بعنوان «الغزالي.. كيميائي السعادة»، مدته 80 دقيقة، وذلك في عام 2007.
- تصوير مسلسل تلفزيوني عن حياة الغزالي، بواقع 30 حلقة، و45 دقيقة لكل حلقة، والمسلسل من إخراج إبراهيم الشوادي، تم عرضه في شهر يوليو 2012.
انظر أيضا
أبو حامد الغزالي
لوحة حياته
السنة الهجرية: ٤٥٠ (=سنة١٠٥٨-سنة١٠٥٩ ميلادية) : ولد أبو حامد محمد بن محمد بن محمد بن أحمد الغزالي الطوسي، حجة الإسلام وزين الدين، في مدينة طوس التي كانت ثاني مدينة في خراسان بعد نيسابور، وكانت تتألف من مدينتين توأمتين هما الطابران ونوقان، وكانت نوقان أكبر في القرن الثالث، أما في الرابع وما بعده
ابوحامد الغزالي
فكانت الطابران أكبر من نوقان. وكان بطوس قبر الإمام الرضا وقبر هارون الرشيد إلى جواره، وفي سنة ٦١٧ه (سنة ١٢٢٠ م) دمرت جحافل المغول مدينة طوس تدميرا لم تنهض منه بعب ذلك ابداً. وإنما نشأ بعد ذلك عمارة إلى جوار مشهد الرضا وقبر هارون الرشيد. ومن ثم ظهرت مدينة «مشهد» مدينة كبيرة منذ القرن الثامن، تحيط بها قبور عظيمة من بينها قبر الغزالي إلى شرقي ضريح الإمام الرضا، وقبر الفردوسي.
[ابن الجوزي، وسبطه وابن كثير، والسبكي ١٠٢/٤، وابن قاضي شهبه، والعيني - فيما يتصل بميلاد الغزالي-؛ وياقوت ومستوفي، وابن بطوطة، ولوسترانج ابلاد الخلافة الشرقية»ص٣٨٨-ص ٣٩١، كمبردجسنة ١٩٣٠ -ى يتصل بطوس]-
فراً شيئاً من الفقه في طوس على أحمد بن محمد الراذكافي [الصفدي، السبكي ١٠٣/٤، العيني].
سافر الى جرجان الى الإمام أبي نصرالإسماعيلي، وعلق عنه «التعليقة» في الفقه [السبكي ١٠٣/٤]
رجع الى طوس [البكي ١٠٣/٤]
قدم نيسابور في رفقة جماعة من الطلبة من طوس، ولازم إمام الحرمين، ومن زملائه في الدراسة عليه: الكيا الهراسي(المتوفى في أول المحرم سنة ٤ ٠ ٥ ه) وأبو المظفر الخوافي (المتوفى بطوس سنة ٥٠٠ه) [ابن عساكر، ابن الجوزي وسبطه، السبكي ١٠٣/٤],
٤٧٨ ه(٢٥ ربيع الثافي) توفى إمام الحرمين ابوالمعالي عبد الملك بن أبي محمد عبدالله بن يوسف الجويني المولود في ١٨ منالمحرمسنة٤١٩ (١٠٢٨/٢/١٢ م، ووفاته في ٦٠ا٨ا١٠٨٥م).
بعد وفاته خرج الغزالي الى المعسكر قاصداً الوزير نظام الملك[السبكى ١٠٣/٤ ، الذهبى، الصفدي]، فناظر الأئمة وقهرهم، ولقي التعظيم من نظام الملك. والمعسكر كان ميداناً فسيحاً بجوار نيسابور اقام فيه نظام الملك معسكره. [ان عساكر، الذهبي، الصفدي، السبكي ١٠٣/٤],
٤٨٤ ه (جمادى الأولى) توجه للتدريس بالمدرسة النظامية ببغداد بتكليف من نظام الملك [ابن عساكر، ابن
الجوزي وسبطه، الصفدي، ابن كثير، السبكي ١٠٣/٤-١٠٤]
٤٨٥ه(١ من رمضان=١٤ من اكتوبرسنة١٠٩٢ م) قتل نظام الملك، قتله شاب من الباطنية.
وفي ٥ ١ من شوال مات ملكشاه.
٤٨٦ أو ٤٨٧ ه افتى الغزالي فتواه ليوسف بن تاشفين بحقه في عزل الأمراء العصاة [ابن خلدون، تاريخه ج ٦ ص ١٨٧ ،ب لاسنة١٨٢٤ ه].
٤٨٧ ه (في المحرم) شهد الاحتفال ببيعة الخليفة المستظهر بالله.
٤٨٨ ه (في رجب) بدأت أزمته الروحية التي استمرت ستة أشهر، أي حتى أوائل سنة ٤٨٩ ه [ «المنقذ من الضلال» ص١٢٧،طبعة دمشق سنة ١٩٣٤],
- (في ذي القعدة) ترك التدري في نظامية بغداد، وسلك طريق التزهد والانقطاع [ابن كثير والصفدي حددا هذا التاريخ؛ - وذكر ترك التدري ولم يذكر التاريخ: ابن عساكر، وان الجوزي وسبطه، والذهبي، والسبكي].
- (في ذي الحجة) خرج الى الحج واستناب اخاه أحمد في التدريس بنظامية بغداد [السبكي ١٠٤/٤؛-وذكر الحج ولم يذكر تاريخه ابن عساكر، ابن الجوزي وسبطه، والذهبي]. هذاعلى قول من يجعلون الحج قبل الرحيل الى دمشق، ولكن الغزالي في المنقذ» (ص ١٣٠) ينصصراحة على عكس ذلك، إذ قال إنه رحل الى دمشق ثم بيت المقدس والخليل ثم حخ.
٤٨٩ ه قدم دمشق وأقام بها مدة قصيرة
ورحل من دمشق الى بيت المقدس («المنقذ» ص ١٣٠) وأخذ في تصنيف كتاب «الإحياء في القدس، ثم أتمه في دمشق» [«المنتظم» لابن الجوزي]. وفي بيت المقدس كتب «الريالة القدسية في قواعد العقاثد» وجعلها قسما من ربع العبادات في كتاب لاحيا‘, وقدكتبها لأهل يت المقدس، ومن هنا جاء اسمها. ومن القدس توجه الى الخليل لزيارة مقام إبراهيم [«المنقذ,) ص ١٣٠].
وهنا تقع الرواية القاثلة بأنه زار مصر. فال الصفدي : «قصد مصر، وأقام بالإسكندرية مدة، ويقال إنم عزم منها على
أبوحامدا لغزالي
ركرب البحر للاجتماع بالأمير يوسف بن تاشفين صاحب مراكش. . . فبلغه نعي المذكور (أي نعي يوسف بن تاشفين)، فعاد الى وطنه بطوس»؛ وقال السبكي ١٠٥/٤: «ففارق دمثق وأخذ يجول في البلاد فدخل منها الى مصر وتوجه منها الى الإسكندرية فأقام بها مدة؛ وقيل إنه عزم على المضي الى السلطان يوسف بن تاشفين سلطان المغرب لما بلغه من عدله، فبلغه موته،؛ وقال العبي: ,ثم قصد مصر، وأقام بالإسكندرية مدة، ويقال إنه قصد الركوب منها في البحر الى بلاد المغرب على عزم الاجتماع بالأمير يوسف. . . بن تاشفين، صاحب مراكش، فبينما هوكذلك إذ أبلغ إليه نعي يوسف المذكور، فصرف عزمه عن تلك الناحية». - وهذه الرواية زائفة كلها، لأن يوسف بن تاشفين توفي يوم الاثنين ٣ من المحرم سنة خسمائة! فهي تفترض إذن أن الغزالي كان في الإسكندرية سنة ٥٠٠ ه وجميع الرويات تؤكد أنه كان في تلك السنة في خراسان، وعلى وجه التخصيص في نيسابور للتدريس في نظاميتها. لهذ يجب عد مسألة رحلة الغزالي إلى مصر والإسكندرية أسطورة زائفة.
٤٨٩ ه (في أواخرها) عاد الى دمشق من رحلته الى القدس والخليل. واعتكف بالمنارة الغربية من الجامع الأموي (السبكي ١٠٤/٤)، فكان يصعد المنارة الغربية طول النهار ويغلق بابها على نفسه [«المنقذ» ص ١٢٩ - ص ١٣٠] واستمر في دمثق حتى ذي القعدة سنة ٠ ٤٩ وصحب الفقيه نصر بن إبراهيم. وأتم كتاب «الإحياء» [ ,ألمتقن، ص ١٣٠.
٤٨٩ه (ذي الحجة أوأواخرذي القعدة) تحركت فيه داعية الحج، فسافر إلى الحجاز [«المنقذ» ض ١٣٠] •
٠ ٤٩ ه (في الشهور الخمسة الأولى منها) مر ببغداد في طريقة الى خراسان. وهنا اجتمع به أبو بكر بن العربي في جمادي الآخرة [القواصم والعواصم» - راجع «مؤلفات الغزالي» الملحق رقم ١٨]. ونزل رباط أبي سعيد النيابوري المواجه لنظامية بغداد، ولكنه لم يستأنف التدريس بالنظامية. ولم يقم طويلا في بغداد. بل مضى منها إلى خراسان ودرس مدة بطوس، ثم ترك التدريس والمناظرة واشتغل بالعبادة [,البكي» ١١١/٤] وآثر العزلة وتصفية القلب للذكر، لكن حوادث الزمان ومهمات العيال وضرورات المعاش كانت تغير فيه وجه المراد وتشوش صفو الخلوة، ودام على هذه الحال قرابة ٩ سنين [,المنقذ، ص ١٣٠] وحوادث الزمان التي يشير
إليها الغزالي هنا هي الأحداث السياسية والفتنة التي أحدثتها الباطنية وفظائعها، وانشغال فخر الملك بالحرب ضدهم، وكان وزيراً لسنجر. ونذكر هنا بعض الأحداث السياسية التاريخية:
٤٩٠ه (٣ جمادى الأولى): انتزع سنجرمدينة نيسابور من عمه ارسلان أرغون اخي السلطان ملكشاه. وجعل وزيره ابا الفتح علي بن الحسين الطغرائي ثم عزله سنة ٤٩٧ ، وفي ربيع الآخرسنة ٤٩٨ ولى فخر الملك علي بن نظام الملك الذي قتل سنة ٠ ٥٠ ه، قتله أحد الباطنية كما قتل ابوه، وكان مقتله يوم عاشوراء . أما سنجر فقد أصبح حاكما على خراسان منذ ٥ جمادى الأولى سنة . ٤٩ واصبح سلطاناً في ٢٤ ذي الحجة سنة ٥١١ ه واستقام امره الى ان اسره الغز، ثم أفرج عنه وكاد يعود إليه ملكه، لولا أن عاجلته المنية في ربيع الأول سنة ٥٥٢ .
٤٩٨ ه عين سنجر، في ربيع الآخر، فخر الملك علي ابن نظام الملك وزيرل لم في خراسان فألح على الغزالي في معاودة التدريس، «فلم ييد بداً من الإذعان، وعاد الى التدريس في نظامية نيسابور» لا في نظامية بغداد، إذ كان فخر الملك وزيراً في نيسابور لسنجر حاكم خراسان من قبل اخيه عحمد بن ملكثاه [عبد الغافر الفارسي وعنه نقل ان عساكر، وابن الجوزي وسبطه، وابن كثير، والذهبي، والصفدي، والبكي ١٠٨/٤],
ولم يحدد أي مصدر الى مى استمر الغزالي في التدريس بنظامية نيسابور، ونحن نعلم أن فخر الملك قد قتله أحد الباطنية في اليوم العاشر من المحرم سنة ٥٠٠ فلعل الغزالي فكر بعد وفاته في ترك التدريس بنظامية نيسابور.
الم عاد الى بيته واتخذ في جواره مدرسة للطلبة وخانقاه للصوفية، ووزع اوقاته على وظائف الحاضرين: من ختم القران، ومجالسة ذوي القلوب» (عبد الغافر الفارسي وعنه نقل: ابن عساكر، والذهبي، والسبكي ١٠٩/٤).
٥٠٥ه (يوم الاثنين ١٤ جمادى الآخرق ١٨ ديسمبر سنة ١١١١) توفي ابو حامد الغزالي بطوس، ودفن بظاهر قصبة الطابران، ولم يعقب إلا البنات (ابن عساكر، ابن الجوزي وسبطه، الصفدي، الذهبي، ابنكثير.. الخ).
آراؤه في الفلسفة والتصون
الغزالي مفكر ومتكلم وفقيه وصوفي ولديه قدرة على
ابوحامدالغزالي
الحجاج منقطعة النظير. لكنه ليس بصحيح مطلقا ما يذهب إليه البعض من أن هجومه على الفلاسفة والفلسفة بعامة كان له اثر ي صرف المسلمين عن الفلسفة، واية ذلك، ان كل فلاسفة الأندلس إنما عاشوا وازدهروا بعده، كما أن الفلسفة الإسلامية في المشرق تابعت مسيرتها القوية الخصبة دون ان تعباً بما قاله الغزالي، ويكفي ان نذكر اسماء: السهروردي المقتول، وفخر الدين الرازي في القرن السادس ثم الايجي والدواني وملاصدرا.
الغزالي والفلسفة:
بدأ الغزالي في قراءة كتب الفلسفة حوالى سنة ٤٨٤ه وهو في الرابعة والثلائين من عمره. فأخذ فكره يتغير مجراه، وحدثت له أزمة روحية، كان من نتائجها ان شك في اعتقاداته الموروثة. وهذا الشك كان اول دافع له إلى النظر العقلي الحر. وهويعترف في «ميزان العمل» (ص ٢١٦، القاهرة سنة ١٩٢٦) بما لهذا الشك من فائدة حتى قال إن من لم يشك لم ينظر ومن لم ينظر لم يبصر ومن لم يبصر بقي في العمى والحيرة والغال، ولا خلاص للانسان إلا في الالال.
وهذا الشك المنهجي الذي دعا إليه الغزالي إنما كان ثمرة مطالعاته لكتب الفلسفة. وبلغ هذا الشك اوجه حوالى سنة ٤٨٧ه. لكنه احس بأنه لا يستطيع المضي في هذا الشك لأن طبيعته تميل إلى اليقين، ولأنه بعد دفاعه المجيد عن الإسلام ضد الباطنية بكتاب: المستظهري = فضائح الباطنية» وكتاب: ,حجة الحق» حتى أصبح حجة الاسلام، قد صار لزاماً عليه أن يؤدي دوره الجديد الذي أحى بأنه دوره الحقيقي ورسالته اعني الدفاع عن الإسلام، لا دفاع المتكلم أو الفقيه، بل دفاع المثارك في الفلسفة، فقارن في ذهنه بين عقائد الاسلام كما تصورها اصحابه من لأشاعرة ولقنه إياها استاذه ابو المعالي الجويني، وبين إلهيات الفلاسفة الملمين، وبخاصة الفاراي وان سينا. وسرعان ما تبين له التعارض بين هذه وتلك. فكان عليه، وهو المدافع عن الاسلام، ان يبدأ بضرب الفلاسفة بعضهم ببعض ليثبت تهافتهم، فكان عن ذلك كتابه اتهافت الفلاسفة» الذي الفه في مستهل سنة ٤٨٨ه ومهد له بتأليف كتاب يشرح فيه آراء الفلاسفة بشكل موضوعي في أقام الفلسفة الثلاثة: المنطق، الطبيعيات، الإلهيات، وسماه باسم امقاصدالفلاسفة» .
- رده على الفلاسفة:
وقد خصص الغزالي للرد على الفلاسفة اهم كتبه في الفلسفة وهو أتهافت الفلاسفة».
وقد الف هذا الكتاب - كما صرح في مقدمته - رداً عل الفلاسفة القدماء مبينا تهافت عقيدتهم وتناقض كلمتهم ٠'ا يتعلق بالالهيات، كاشفاً عن غوائل مذهبهم وعوراته (ص ٣٨-٣٩،طبع بيروت، المطبعة الكاثوليكية، سنة ١٩٦٢ والى هذه الطبعة سنشير فيكلما يلي).
لكنه في الواقع لا يقتصر على الرد على ,الفلاسفة القدماع، وحدهم، بل يرد ايضاً وفي اكثر القول على اقوال الفلاسفة المسلمين، خصوصاً ابن سينا، وبدرجة أقل: الفارا ي. لكن يبدو أنه طن أن ل ما أق به ان سينا والفارابي إنما جاءا به من الفلاسفة اليونان ولم ينفردا بأراء خاصة بهما.
ويصرح الغزالي ايضاً بأنه في هذا الرد سيحكي مذهبهم على وجهه» ثم يرد عليه بعد ذلك.
ويريغ من وراء هذا الى ان يبين «اتفاق كل مرموق من الأوائل والأواخر على الإيمان بالله واليوم الآخر، وان الاختلافات راجعة الى تفاصيل خارجة عن هذين القطبين الذين لأجلهما بعث الأنبياء المؤيدون بالمعجزات، - وانه لم يذهب الى إنكارهما إلآ شرذمة يسيرة من ذوي العقول المنكوسة والآراء المعكوسة» (ص ٣٩).
وعلى الرغم من قوله هذا، فإنه ينعت أرأ ء الفلاسفة -ولا يحدد ايهم يقصد - بان بينها اختلافا طويلاً، «وأنخبطهم طويل، ونزاعهم كثير وآراءهم منتشرة وطرقهم متباعدة متنافرة». لهذا رأى ان يقتصر في رده على فلسفة أكبرهم، وهو ارسطوطايس، فقال: «فلنقتصر على إظهار التناقض في رأي مقدمهم، الذي هو الفيلسوف المطلق والمعلم الأول، فإنه رتب علرمهم وهذبها بزعمهم، وحذف الحثو من رائهم، وانتقى ما هو الأقرب الى اصول اهوائهم، وهو رسطاليس. وقد ردعلىكل من قبله،حتى أستاذه املقب عندهم ب ٠افلاطن الآلهي»؛ ثم اعتذر عن مخالفة استاذه بأن قال: ,افلاطن صديق، والحق صديق، ولكن الحق اصدف منه» (ص ٤٠).
ويزعم الغزالي ان ارسطو والفلاسفة بعامة «يحكمون بظن وتخمين، من غير تحقيق ويقين، وذلك في الأمور
٨٤
ابوحامدالغزالي
الالهية. لكنهم يوهمون الناس ان علومهم الالهية متقنة البراهين مثل علومهم الحسابية والمنطقية. ثم يبين أن الاختلاف بين الفلاسفة وبين غيرهم من الفرق ثلاثة اقسام :
١ - «قسم يرجع النزاع فيه الى لفظ مجرد، كتسميتهم صانع العالم - تعالى عن قولهم! -اجوهرا، مع تفسيرهم الجوهر بأنه : «الموجود لا في موضوع» أي القائم بنفسه الذي لا يجتاج الى مقوم يقومه. . . ولسنا نخوض في إبطال هذا.، .
٢ -,القسم لثاني : ما لا يصدم مذهبهم فيه اصلاً من أصول الدين، وليس من ضرورة تصديق الأنبياء والرسل. . . كقولهم إن الكسوف القمري عبارة عن انمحاء ضوء القمر بتوسط الأرض بينه وبين الشمس. . . وكقولهم إن كسوف الشمس معناه وقوف جرم القمر بين الناظر وبين الشمس وذلك عند اجتماعهما في العقدتين على دقيقة واحدة. - وهذا الفن ايضا لسنا نخوض في إبطاله، إذ لا يتعلق به غرض» (ص٤١-٤٢).
٣ - «القسم الثالث بما يتعلق النزاع فيه بأصل من اصول الدين، كالقول في حدث العالم، وصفات الصانع، وبيان حشر الأجساد والأبدان. وقد أنكروا جميع ذلك. فهذا الفن ونظائره هو الذي ينبغي ان يظهر فساد مذهبهم فيه، دون ما عداه» (ص ٤٢)
وهذا النوع الأخير من الآراء هو الذي يحاول الغزالي في كتابه تهافت الفلاسفة» بيان فساده. فتناول مذاهبهم في الأمور التالية وحاول بيان تهافتها - وهي:
١ - ابطال مذهبهم في أزلية العالم.
٢ - ابطال مذهبهم في ابدية العالم.
٣ - بيان تلبيسهم في قولهم إن الله صانع العالم وان العالم صنعه.
٤-ي تعجيزهم عن اثبات الصانع.
٥ - في تعجيزهم عن إقامة الدليل على استحالة إلاهين-
٦-ي ابطال مذهبهم في نفي الصفات.
٧-في ابطالقولهم إن ذات الأول لا تنقسم بالجنس والفصل.
٨ - في ابطال قولهم إن الأول موجود بسيط بلا ماهية.
٩ - في تعجيزهم عن بيان أن الأول ليس بجسم.
١٠ - في بيان ان القول بالدهر ونفي الصانع: لازم لهم.
١١ - في تعجيزهم عن القول بأن الأول يعلم غيره.
١٢ - في تعجيزهم عن القول بأنه يعلم ذاته.
١٣ - في ابطال قولهم إن الأول لا يعلم الجزئيات.
١٤ - في قولهم إن السماء حيوان متحرك بالإرادة.
٥ ١ - في ابطال ما ذكروه من الغرض المحرك للسماء.
١٦ - ي ابطال قولهم إن نفوس السمرات تعلم جميع الزئيات.
١٧ - في ابطال قولهم باستحالة خرق العادات.
٨ ١ - في قولهم إن نفس الانسان جوهر قائم بنفسه ليس بجسم ولا عرض.
١٩ - في قولهم باستحالة الفناء على النفوس البشرية.
٠ ٢ - في ابطال إنكارهم لبعث الأجساد مع التلذذ والتألم في الجنة والنار باللذات والآلام الجسمانية.
ويختم الغزالي كتابه بالحكم على الفلاسفة في مواقفهم من هذه المسائل العشرين على النحو التالي:
١ - فهو يحكم على الفلاسفة بالكفر في ثلاث ماثل م,-:
ا - قولهم بأن العالم قديم (أزلي ابدي) وأن الجواهر كلهاقدية.
ب - قولهم إن الله لا يحيط علما بالجزثيات الحادثة من الشخاص.
ج - إنكارهم بعث الأجساد وحشرها.
«فهذه المسائل الثلاث لا تلائم الإسلام بوجه، ومعتقدها معتقد كذب الأنبياء، وأغهم ذكروا ما ذكروا على سبيل المصلحة تمثيلا لجماهير الخلق وتفهيما. وهذا هو الكفر الصراح الذي لم يعتقده احد من فرق المسلمين. » (ص ٢٥٤).
أبوحامدالغزالي
٢ - ,فأماما عدا هذه المسائل الثلاث: من تصرفهم في الصفات الإلهية واعتقاد التوحيد فيها - فمذهبهم قريب من مذاهب المعتزلة. ومذهبهم في تلازم الأسباب الطبيعية هو الذي صرح به المعتزلة في التولد. وكذلك جميع ما نقلناه عنهم قد نطق به فريق من فرق الإسلام؛ إلا هذه الأصول الثلاثة. فمن يرتكفيرأهل البدع من فرق الإسلام، يكفرهم أيضا به، ومن يتوقف عن التكفير، يقتصر على تكفيرهم بهذه المسائل» الثلاث.
ويصرح الغزالي (ص ٤٥) بأنه في إبطاله لآراء الفلاسفة في هذه المسائل العشرين إنما سيستعمل المنطق العقلي، ملتزما ٠بما شرطوه في صحة مادة القياس في قسم «البرهان» من المنطق، وما شرطوه في صورته في كتاب «القياس»، وما وضعوه من الأوضاع في ايساغوجي» واقاطبغوس, اليهي من أجزاء المنطق ومقدماته».
مؤلفاته
في كتابنا: مؤلفات الغزالي» [ ط ١ القاهرة سنة ١٩٦١ في ٥٦٨ صفحة، ط٢، الكويت سنة ١٩٧٧، أوفي بيان عن مؤلفات الغزالي وخطوطاتها وما ترجم منها الى اللغات الأخرى وما كتب عن كل واحد منها من دراساته فنحيل القارىء إليه. ونجتزىء ها هنا بذكر أهم ما رجحنا أنه صحيح النسبة الى أبي حامد الغزالي مرتبة بحسب تاريخ تأليفها :
١ - التعليقة في فروع المذهب
٢ - المنخول في الأصول
٣ - البسيط في الفروع
٤ - الوسيط
٥ - الوجيز
٦ - خلاصة المختصر ونقاوة المعتصر
٧ - المنتحل في علم الجدل
٨ - مأخذ الخلاف
٩-لباب النظر
٠ ١ - تحصين المأخذ (في علم الخلاف)
١١- المبادىء والغا يات
٢ ١ - شفاء العليل في القياس والتعليل
١٣-فتاوى الغزالي
٤ ١ - فتوى ( في شأن يزيد بن معاوية)
١٥- غاية الغرر في دراية الدور
ه ١ - مقاصد الغلاطة
١٧ - معيار العلم في فن المطق
١٨-نهاك الغلاطة
١٩- معيار العقول
٠ ٢ محكالنظر يالمنطق
٢١-ميزان العمل
٢٢ - المستظهري في الرد على الباطنية (=فضانح الب نية)
٢٣جةق
٤-قوامالباطية
٢٥- الاقتصاد في الاعتقاد
٦ ٢ الرسالة القدسية في قواعد العقائد
٢٧ - المعارف العقلية ولباب الحكمة الإلهية
٨ ٢-إ ياءعلومالدي ن
٢٩- المضنون به على غير أهله
٠ ٣ - الوجيز في الفقه
٣١- المقصد الاسفى في شرح أسماء الله الحنى
٣٢ - القسطاس المستقيم
٣٣- فيصل التفرقة بين الإسلام والزندقة
٣٤- كيمياي سعادت (باللغة الفارسية)
٣٥ - ايها الولد
٣٦ - نصيحة الملوك
٣٧ - الرسالة اللدنية
٣٨ - مشكاة الأنوار
٣٩- المستصفى من علم الأصول
٤٠- المنقذ من الضلال والمفصح عن الأحوال
٤١-الجام العوامعنعلم لكلام
٤٢- مياح العابدين
الغزالي، أبو حامد
أبو حامد الغزالي (450 - 505هـ، 1058 - 1111م). حجة الإسلام محمد بن محمد بن محمد، أبو حامد الغزاليّ وُلِدَ في طُوس، وفقد أباه صبيًّا، فرباه وصيٌّ صوفي فترة من الزمن، ثم وضعه في مدرسة خيرية يعيش ويتعلم. أتى نيسابورَ، وتعلَّم التصوف على الفرامدي، والفقه والكلام على إمام الحرمين، ثم أتى مجلس نظام المُلك، وزير السلاجقة سنة 478هـ (1085م)، حيث أقام ست سنوات، عيّنه بعدها الوزير أستاذًا في نظامية بغداد. درّس في بغداد أربع سنوات (484-488هـ) مرّ أثناءها بشكوك وألف كتابين هما: مقاصد الفلاسفة؛ حيث عرض فلسفة الفارابي وابن سينا، وتهافت الفلاسفة، حيث انتقد هذه الفلسفة. ترك بغداد، ومارس الزهد عشر سنوات، عاد بعدها إلى التعليم في نيسابور. اعتزل التعليم بعد سنة 500 هـ، 1106م وظل في عزلته حتى موته.
الغزالي مفكِّر كبيرّ محيط بمقالات الفلاسفة، نافذ البصيرة في المجتمع وأهله. وعلى الرغم من أنه لم يكن مقتدرًا في الرياضيات والطبيعيات، إلا أنه أخذ منها أمله وأقرّ بصحة براهينها. أما في المنطق والفلسفة الخالصة فكان عَلَمًا من أعلامها، غير أنه استخدم المنطق لنصرة الدين، وحمل على الفلسفة لأنها تُضِلُّ ذوي الاستعداد العقلي القاصر. أهم كتبه: مقاصد الفلاسفة (487هـ)؛ تهافت الفلاسفة (488هـ)؛ المستظهري؛ الاقتصاد في الاعتقاد (488 هـ)؛ إحياء علوم الدين (488هـ)؛ أيها الولد، ويسمى الولدية (501 هـ)؛ المنقذ من الضلال (502هـ)؛ المستصفى (503هـ)؛ إلجام العوام عن علم الكلام (بين 504 - 505هـ)، وغيرها.