وحدة الوجود
الاتحادية أو وحدة الوجود مذهب فلسفي يقول بأن الله والطبيعة حقيقة واحدة، وأن الذات الإلهية كائنة في كل الأشياء، وأن الله هو الوجود الحق، ويعتبرون الله صورة هذا العالم المخلوق، أما مجموع المظاهر المادية فهي تعلن عن وجود الله دون أن يكون لها وجود قائم بذاته. وهي فكرة قديمة أعاد إحيائها بعض المتصوفة من أمثال: ابن عربي، وابن الفارض وابن سبعين والتلمساني والذين تأثروا بالفلسفة الأفلاطونية المحدثة وفلسفة الرواقيين. ولقد نادى بوحدة الوجود بعض فلاسفة الغرب من أمثال سبينوزا وهيغيل.
ويرتبط هذا المعتقد في الغالب بالديانات الوثنية التي تتجه إلى عبادة بعض مظاهر الطبيعة، بما فيها عدد من الديانات الهندو ـ أمريكية، والإفريقية، وديانات الشرق الأوسط القديمة. ففي هذه الديانات، يرتبط مفهوم الآلهة بمظاهر طبيعية مثل الرياح، والنجوم، والسماء، والبحر، والخصوبة، والمهارة في الصيد. وفي تقاليد ديانة الشنتو اليابانية، يقترن وجود الآلهة بأشياء طبيعية مثل الأشجار والصخور. عموما يمكن القول إن معتقد وحدة الوجود يشير إلى أي فلسفة دينية تقرن وجود الآلهة بالطبيعة.
تعريفها
وحدة الوجود مذهب في الوجود يقول إن كل شيء هو الله، أو ان الله هو كل شيء. أي أن الله هو العالم، والعالم هو الله, وهذا يمكن أن يفهم بمعنيين:
أ - الله وحده هو الحقيقي وما العالم إلا مجموعة من التجليات أو الصدورات التي ليست لها أية حقيقة ثابتة، ولا جوهر متميز. وهذا هو مذهب اسبيوزا.
ب - العالم هو وحده الحقيقي، وما الله إلا مجموع كل ما هو موجود وهذا مذهب دولباك d’Holbach، وديدرو، واليسارية الهيجلية. وكثيراً ما يطلق عليه اسم «وحدة الوجود الطبيعية»، أو«وحدة الوجود المادية».
تاريخها
أوليات هذا المذهب نجدها عند بعض الفلاسفة اليونانيين السابقين على سقراط، ونجده عند انكسمندر فيقول بـ «الأيبرون» ἄπειρον، أي الواحد اللامحدود اللامخلوق اللافاني. وهو يشمل كل شيء ويحكم كل شيء. ومن بعده نجد اسكينوفان الايلي يرى أن الله هو الموجود الثابت السرمدي، وهووحدة مزودة بعقل: «كله يرى، وكله يفكر، وكله يسمع، ويحكم كل شيء بقوة عقله وقال بوحدة كل شيء وسماها: الله. وتلميذه برمنيدس الإيلي يقرر ان الوجود ثابت، لا يتغير، ولا يفنى، ويبقى دائماً هو هو، والعقل والوجود فيه متحدان.
ثم جاء الرواقية فقالوا بنوع من وحدة الوجود الديناميكية، فقالوا بأن العالم جسم σῶμα، وأن الله هو النفس الحالة به πνεύμα. ويشرح ذلك فلوطرخس (de Stoic. 41). فيقول: «إنه موجود واحد هو نفسه يتجلى مرة على شكل وحدة فردية (الله)، ومرة أخرى على شكل كثرة منقسمة (العالم )».
وعند أفلوطين نجد نوعاً خاصاً من وحدة الوجود فهو يقرر علو الله على الكون، ولكنه يقرر أن الكون «صدر» عن الله: ذلك أن العقل νοῦς صدر عن الله، ثم صدر «اللوغوس» λόγος عن العقل وعبر عن نفسه خارجاً في شكل المادة المرئية، التي هي صدور بعيد عن الله. والطبيعة مملوءة بالأفكار الإلهية، والقوى الإلهية وكلها صدرت في النهاية عن الله. لكن الله لا يستنفد في فعل الصدور عنه، بل على العكس يظل هو هو ع صدور الكون عنه.
وفي العصر الأوروبي الوسيط نجد يوحنا اسكوت اريجن الذي يقرر تارة أن الله هو ماهية كل الموجودات، ولكنه يقرر تارة أخرى أن الله هو مجموع الموجودات.
وفي عصر النهضة الاوربية وأوائل العصر الحديث نجد جوردانو برونو يقرر أن «الله في كل مكان، وهو الكل في الكل، كما يسمع الصوت في كل أنحاء الغرفة» (De la Causa, dial, II). لكنه يحذر من تصور الله موزعا في الكون، ذلك لأن الله «هو الكل في الكل، وهو الكل في كل جزء، وهكذا نحن نتكلم عن أجزاء في اللامتناهي، لا عن أجزاء للامتناهي». ولما كانت كل الأحداث يحكمها القانون الإلهي، فإن المعجزات لا يمكن أن تقع، إذ كل ما يحدث إنما يحدث وفقاً للقانون الإلهي. وحريتنا تقوم في التوحيد بين انفسنا ويين مجرى الأمور.
وجاء اسبينوزا فقال بأنه لا يوجد إلا جوهر واحد أحد ولهذا لا يمكن اعتبار الله والطبيعة جوهرين منفصلين. وينتج عن هذا أنه لا يمكن وصف الله بأنه خالق الطبيعة، إلا بمعنى مختلف عن المعنى الموجود في اليهودية والمسيحية. وميز اسبينوزا بين الطبيعة الطابعة natura naturans والطبيعة المطبوعة natura naturata الأولى فعالة، والثانية منفعلة. وذلك الجوهر ليس حادثاً. صحيح أن الله هو العلة الباطنة للعالم وللكائنات، لكنه لا ينبغي أن يفهم هذا بمعنى أنه ينتج شيئا خارج ذاته: بالصدور: أو الاشعاع، أو التحقيق. والعلاقة بين «الجوهر» وبين الجزئيات، أى العالم المحسوس، ليست علاقة خارجية وعالية لموجود ينتج شيئاً آخر.
آراء المذاهب الإسلامية
يعتبر بعض علماء أهل السنة والجماعة من يعتقد بوحدة الوجود أنه زنديق خارج من دين الإسلام.
ويقول المتصوفة بوحدة الوجود كالحلاج إذ إنه قال: ما في الجبة إلا الله وقال أيضًا:
أنا من أهوى ومن أهوى أنا | نحن روحان حللنا بدنا | |
فإذا أبصرتني أبصرته | وإذا أبصرته أبصرتنا |
وقد قتل متهمًا بالشرك من أجل قوله بوحدة الوجود.