حمار بوريدان
حمار بوريدان أو مفارقة الحمار (بالإنجليزية: Buridan's ass) وتعرف أيضاً بالمقولة «تفلسف الحمار فمات جوعاً»، وهو مثال على مفارقة فلسفية في مفهوم حرية الإرادة. و«بوريدان» فَيلسوف عَاش فِي القَرن الرَّابِع عَشر. تشير المفارقة إلى موقف افتراضي حيث يتم وضع حمار جائع وعطش في منتصف الطريق بالضبط بين كومة من القش وسطل من الماء. بما أن المفارقة تفترض بأن جوعه مساوٍ لعطشه يبقي الحمار مترددًا بين الأكل والشرب لا يستطيع اختيار أي منهما وتفضيله على حساب الآخر. والنتيجة أن حمار بوريدان سوف يموت لأنه لا يستطيع اتخاذ أي قرار عقلاني بين القش والماء. تلك التجربة افترضت أن الحمار لأنه بلا عقل فهو بلا إرادة، وبالتالي إذا استوت دوافعه، وأصبحت كل الاختيارات أمامه متشابهة، فلن يستطيع أن يفضل أي اختيار على الآخر، والنتيجة أنه لن يختار شيئًا وسيموت.
تاريخ مفارقة حمار بوريدان
يرجع تاريخ المفارقة قبل بوريدان إلى العصور القديمة حيث ذكرها أرسطو في كتاباته عن السماوات رداً على فكرة السوفسطائين بأن الأرض ثابتة ببساطة لأنها كروية ويجب أن تكون أي قوى عليها متساوية في جميع الاتجاهات. أيضاً في القرن الثاني عشر يناقش الغزالي -الباحث والفيلسوف- في كتابه تهافت الفلاسفة تطبيق هذه المفارقة على اتخاذ القرارات متسائلاً ما إذا كان من الممكن اتخاذ قرار لمسارين متساوين دون أسباب لتفضيل الآخر دون غيرهما.
«وفي حق الإنسان فإنه إذا كانت بين يديه تمرتين متساويتين يأخذ إحداهما. على أنه في حقنا لا نسلم أن ذلك غير متصور فإنا نفرض تمرتين متساويتين بين يدي المتشوف إليهما العاجز عن تناولهما جميعاً فإنه يأخذ إحداهما لا محالة بصفة شأنها تخصيص الشيء عن مثله.» – أبو حامد الغزالي، تهافت الفلاسفة
اسم بوريدان يقترن في الأذهان عامة بما يعرف باسم «حمار بوريدان»، وهو تشبيه استخدمه بوريدان لشرح العلاقة بين الإرادة والعقل. وخلاصة رأيه هي أن الإنسان يجب عليه أن يختار ما يتبدى لعقله أنه الخير الأكبر لكن الإرادة حرة في تأخير الاختيار إلى أن يفحص العقل عن الأسباب الموجبة لتفضيل هذا الأمر على ذاك الآخر. ويشبه حال الإنسان بالحمار «الواقف بين علفين بعيدين عنه بمسافة متساوية ومتحركين على نحو ما»، فيهلك الحمار جوعاً. ويرى البعض (ب. ناردي في «دائرة المعارف الفلسفية» تحت الكلمة ج ١ عمود ١١٣٠ -٣١) أن هذا التشبيه أو الحكاية مأخوذة من احد قولين مغالطين ذكرهما أرسطو في كتابه «في السماء» (م٢ ف١٣ ص٢٩٥ ب. س ٣١-٣٤) بمناسبة الرأي القائل بأن الأرض ثابتة في مركز العالم لأنها مجذوبة جذباً متساوياً من كل جانب من جوانب العالم، والمغالطتان هما اولاً مغالطة الشعرة التي تشد من جهتين متقابلتين بنفس القوة فلا تقطع، والثانية حكاية الجائع العطشان الواقف على مسافة متساوية من طعام وشراب فيموت جوعاً وعطشاً لتردده في اختياره أيهما يبداً. وهاتان المغالطتان لا بد انهما كانتا تدرسان فى مدارس المنطق وفي مدرسة بوريدان حيث صار الحمار دابة أليفة ، كما يظهر من كتاب «مغالطات بوريدان» Sophismata Buridani تأليف Felicem Balligault (باريس سنة١٤٩٣). لكن في شرح بوريدان على الموضوع المذكور في كتاب «في السماء» لأرسطو يرد ذكر «الكلب» بدلاً من «الحمار» (راجع مخطوط الفاتيكان رقم ٢١٦٢ لاتيني ورقة٧١ب)،
«Cane esuriente multum et sitiente (Si) si ponautur cibiet potusex utroque latere canis, omninoe quo propinque ad canem, canis ille moretur fame et siti...»
كذلك في شروح تالية بقي «الكلب» بدلاً من «الحمار» ويشير نقولا ريشر N. Rescher في مقاله عن بوريدان (The Encyclopedia of Philosophy ط١ ص٤٢٨، نيويورك سنة ١٩٦٧) إلى ان «هذا المثل يوجد أولاً في شكله النهائي - من حيث جوهره - لدى الفيلسوف العربي: الغزالي (١٠٥٨-١١١). حيث يقول في كتاب «تهافت الفلاسفة» (ص ٥٨-٥٩، بيروت سنة ١٩٦٢):
«إنا نفرض ثمرتين بين يدي المتشوّف إليهما، العاجز عن تناولهما جميعاً. فإنه يأخذ إحداهما لا محالة بصفة شأنها تخصيص الشيء عن مثله وكل ما ذكرتموه من المخصصات: من الحسن أو القرب، أو تيسر الأخذ - فإنا نقدر على فرض انتفائه، ويبقى إمكان الأخذ. فأنتم بين أمرين: أما إن قلتم إنه لا يتصور التساوي بالإضافة إلى أغراضه فقط - فهو حماقة وفرضه ممكن. واما إن قلتم: التساوي إذ فرض بقي الرجل المتشوّف أبداً متحيراً ينظر إليهما ولا يأخذ إحداهما بمجرد الإرادة والاختيار المنفلت عن الغرض - فهو أيضاً مجال يعلم بطلانه ضرورة. فإذن لا بد لكل ناظر، شاهداً أو غائباً، في تحقبق الفعل الاختياري من إثبات صفة شأنها تخصيص الشيء من مثله» .
لكن الملاحظ، على كل حال، هو أن موقف بوريدان من مشكلة حرية الإرادة ليس هو الذي يعبر عنه هذا المثل، لأنه كان متردداً بين توكيد قوة الإرادة، وبين توحيد ابن رشد للإرادة والعقل (راجع شرحه على «الأخلاق» ٣،٢، ١٠، المسألة رقم ١) . ومن هنا قال البعض (ريشر في المقال المذكور) إن هذا المثل - حمار بوريدان - إنما نشأ من أجل تفنيد نظرية بوريدان في الإرادة، وهي النظرية القائلة بأن العقل لا يستطيع أن يجد أي تفضيل حتى إن الارادة عاجزة عن أي اختيار مباشر، لكن التردد أمر خطر لامعنى له.
وهكذا نرى أن «حمار» أو «كلب» «بوريدان» هو مثل لا يوضح رأي بوريدان، بل ضرب لتفنيد رأيه!!