جوهر (فلسفة)
لمعانٍ أخرى، طالع جوهر (توضيح).
الجوهر (معرب گوهر الفارسية). في الإنجليزية Substance، كل حجر يستخرج منه شيء ينتفع به فهو جوهر الواحدة جوهرة. وجوهر كل شيء ما خلقت عليه جبلته. والجوهر النفيس هو الذي تتخذ منه الفصوص ونحوها. وقيل الجوهر هو الأصل، أي أصل المركبات.
ويطلق الجوهر عند الفلاسفة على معان: منها الموجود القائم بنفسه حادثاً كان أو قديماً، ويقابله العرض. ومنها الذات القابلة لتوارد الصفات المتضادة عليها. ومنها الماهية التي إذا وجدت في الأعيان كانت لا في موضوع. ومنها الموجود الغني عن محل يحل فيه.
قال ابن سينا: ((الجوهر.. هو كان ما وجود ذاته ليس في موضوع، أي في محل قريب قد قام بنفسه دونه لا بتقويمه)) (النجاة، ص 126). وقال أيضا: ((ويقال جوهر .. لكل ذات وجوده ليس في موضوع، وعليه اصطلح الفلاسفة القدماء منذ عهد آرسطو)) (رسالة الحدود). والخلاصة ان الجوهر هو الموجود لا في موضوع، ويقابله العرض Accident بمعنى الموجود في موضوع، أي في محل مقوم لما حل فيه. فإن كان الجوهر حالاً في جوهر آخر كان صورة، إما جسمية وإما نوعية. وان كان محلاً لجوهر آخر كان هيولى، وان كان مركباً منهما كان جسماً, وان لم يكن كذلك، أي لا حالاً ولا محلاً ولا مركبا منهما، كان نفساً أو عقلا.
الجوهر هو الثابت في الأشياء المتغيرة، باعتبار أن هذا الثابت يبقى هو هو رغم ما قد يطرأ عليه من تغيرات، ويبقى الأساس المشترك للكيفيات المتتالية التي يظهر عليها.
وعند سببينوزا الجوهر هو القائم بذاته والمدرك لذاته. بمعنى أن وجود الجوهر لا يحتاج إلى قيامه بغيره، كما أن تصوره لا يحتاج إلى حمله على غيره. والجوهر عند كانط هو أول مقولات الإضافة، وهو تصور قبلي ناشئ عن صورة الحكم المطلق من حيث إنه أسناد محمول إلى مضوع أو رفعه عنه.
الجوهر في الفلسفة هو الأساس الذي يشكل للجسم أو المادة ما هي عليه فعلا، وبهذا تملك ضرورة وجود حتمية، بخلاف الأعراض، أو الخواص التي تطرأ على الجسم أو المادة.
ويطلق على معان. منها الموجود القائم بنفسه حادثا كان أو قديما ويقابله العرض بمعنى ما ليس كذلك. ومنها الحقيقة والذات، وبهذا المعنى يقال أي شيء هو في جوهره أي ذاته وحقيقته، ويقابله العرض بمعنى الخارج من الحقيقة. والـجوهر بهذين المعنيين لا شكّ في جوازه في حقّ الله تعالى وإن لم يرد الإذن بالإطلاق. ومنها ما هو من أقسام الموجود الممكن، فهو عند المتكلمين لا يكون إلّا حادثا إذ كل ممكن حادث عندهم. وأما عند الحكماء فقد يكون قديما كالجوهرالمجرّد وقد يكون حادثا كالجوهرالمادي. وعند كلا الفريقين لا يجوز إطلاقه بهذا المعنى على الله تعالى بناء على أنّه قسم من الممكن. فتعريفه عند المتكلّمين الحادث المتحيز بالذات، والمتحيز بالذات هو القابل للإشارة الحسّية بالذات بأنه هنا أو هناك، ويقابله العرض.
التأصيل اللغوي
المقابل اليوناني واللاتيني - وما أخذ عن هذا الأخير في اللغات الأوروبية - يدل من حيث الاشتقاق على: «ما يبقى أو يقوم تحت» أي الأساس في الموجود. ولما ترجم محمد بن عبد الله بن المقفع كتاب «المقولات» إلى العربية، ترجمه باللفظ: «عين» لكن نظراً لما لهذا اللفظ من معان مشتركة عديدة، فقد طرح المترجمون التالون له، في القرن الثالث الهجري. هذه الترجمة واستبدلوا بها كلمة: «جوهر»، وهي كلمة فارسية معربة: گوهر. ومعناها بالفارسية: حجر كريم. وبهذا المعنى انتقلت إلى العربية وفي لسان العرب: «الجوهر كل حجر يستخرج منه شيء ينتفع به. وجوهر كل شيء ما خلقت عليه جبلته».
معنى الجوهر عند أرسطو
المعنى عند أرسطو مرتبط بمذهبه في التغير: فالجوهر «هو ما يبقى» رغم كل ما يطرأ على الشيء من تغيرات، وهو معنى غير ملحوظ في الترجمة العربية والفارسية للفظ اليوناني، وإنما الملحوظ فيها أنه «الأصل» والشيء «الأساسي».
ومع ذلك فإن هذا اللفظ عند أرسطو نفسه غامض مشترك. وهذا يتبين أولاً من قول أرسطو أن ousia (= الجوهر) هو الهيولي، والصورة والمركب من الإثنين أو الفرد (راجع بونتس: «معجم أرسطو» ٦٤٥أ ٢١ - ٢٦). ولكنه من ناحية أخرى يقول مراراً إن الصورة idee والماهية ousia مرادفات لكلمة (راجع «الميتافيزيقا» مقالة الزيتا ف٦ ص١٠٣١ب س٣١ وما يليه، م١ ص١٠٣٧ب ٣ وما يليه).
وقسم أرسطو الجوهر إلى نوعين: جوهر بالقصد الأول، وجوهر بالقصد الثاني. فالجوهر، بالقصد الأول (أو: الجوهر الأول) هو الفردي من حيث أنه موضوع مباشرة وفي المرتبة الأولى، وهو الشيء الذي نحمل عليه محمولاً بالإيجاب أو بالسلب، وليس هو محمولاً على شيء. اما الجوهر بالقصد الثاني فهو ما يمكن أن يكون - في المرتبة الثانية - موضوعاً لقضية، مثل الحدود العامة: الجنس، أو النوع: إنسان، فرس. لكنه لا يمكن أن يسمى جوهراً إلا بالتمثيل أو قياس النظير، لأن الحد العام (النوع، الجنس ليس جوهراً بالمعنى الحقيقي. وإنما هو يستمد هذا الدور من الجوهر الأول أو بالقصد الأول، أي من الفردي؛ ولهذا فإنه من بين الجواهر الثانية (أو: بالقصد الثاني) النوع أكثر جوهرية من الجنس، لأنه أقرب إلى الفردي والجوهر هو أول المقولات. ويندرج تحت معناه:
١ - ما هو بذاته، وما هو في ذاته، وما هو من أجل ذاته، في مقابل الأعراض، وهو حامل الوجود، وحامل الصفات؛
٢ - وهو الباقي، الثابت، في مقابل المتغير، والنسبي.
الجوهر في الفلسفة اليونانية
منذ فجر الفلسفة اليونانية والفلاسفة يبحثون في الجوهر. لكن الأيونيين خلطوا بين «الجوهر» وبين «مبدأ الأشياء». والأيليون هم أول من بحثوا فعلاً في الجوهر، ووجوده في الوجود الواحد الأحد الثابت الذي لا يقبل أي تغيير. وأصحاب المذهب الذري قالوا إن الجوهر هو الذزة. ولهذا سميت الذرة في الفلسفة العربية الإسلامية باسم: الجوهر الفرد. ورأى أفلاطون أن الجوهر هو «الصورة العقلية» Idee، لأنها لا تخضع للتغيير، بل هي ماهيات ثابتة قائمة بذاتها ولذاتها وفي ذاتها: وجعل أرسطو الجوهر أول المقولات، وقال إنه ما هو بذاته ولا يحمل على الأشياء، بل الأشياء (= الصفات) تحمل عليه (راجع «الميتافيزيقا» م٧ نسنا ص1029 أ8). وقال الرواقيون إن الجوهر هو المادة الخالية من كل فتق. وقال أفلوطين إن الجوهر هو ما ليس في موضوع (التساع السادس ٣: ٥)، وهو ما ينتسب إلى ذاته (التساع السادس ٣: ٤). أما الموضوع الباقي في التغيرات الجسمانية فهو الهيولي (التساع الثاني ٤: ٦). والنفس جوهر من حيث إنها «قوة التصورات» (التساع السادس ٢: ٥).
الجوهر في فلسفة العصور الوسطى
وعرف ماركيانوس كابلا Capella (ازدهر حوالي سنة ٤٣٠م) الجوهر مثل أرسطو، فقال: «الجوهر هو ما لا يحل في موضوع حلولاً لا انفصال له، وهو ما لا يحمل على موضوع» (راجع: «برانتل» «تاريخ المنطق في الغرب» ح١ ص٦٧٥).
ورأى جان اسكوت اريجين أن الجوهر يوجد كاملاً وغير متجزئ في الأنواع. والجوهر غير جسماني. «والجوهر المحض هو ما هو دائماً» («تقسيم الطبيعة» ٦٥:١).
ويعرف القديس توما الأكويني الجوهر بأنه «الشيء الذي لا يليق به أن يكون في موضوع» («الخلاصة ضد الكفار» ١: ٢٥)، ويقول بوجود جوهر أول، وجوهر ثان («الخلاصة اللاهوتية» ٢ ٢٩، ١ الاعتراض والجوهر الأول هو الفرد. والإنسان يتكون من جوهر مادي وجوهر روحي و«الجواهر المفارقة» هي ماهيات باقية («ضد الكفار» ٢: ٩٣). والجوهر يعني أيضاً الماهية essentia («الخلاصة اللاهوتية» ٢٩:١: ٢) والوجود هو جوهرية («ضد الكفار» ٢٩: ٢). والماهية الإلهية فوق جوهرية supersubstantialis (de nom. 1,1).
أما وليم الأوكامي فيرى أن «الجواهر الثانية» (الأنواع) هي مجرد أسماء («المنطق» ١: ٤٢).
وكمبانلا يقول بثلاثة أنواع من الجواهر: فالجوهر الأول هو المكان، والثاني هو المادة الأولى الجسمانية، والثالث هو ما يبقى في أساس الموضوع مثل الحجر والنفس مرتبطة بالروح الجسمية.
وقال جور دانو برونو بوحدة جوهر العالم؛ وهذا الجوهر هو الأساس في الأنواع والأشكال المختلفة («في العلة»: 5).
الجوهر في الفلسفة الحديثة
يقول ديكارت إن «الجوهر هو ما يوجد بحيث لا يحتاج إلى أي شيء آخر كيما يوجد» («مبادى الفلسفة» 1:51). ولهذا فإن الله جوهر لأنه لا يحتاج إلى شيء آخر لكي يوجد، لأن ماهيته تتضمن وجوده. لكن توجد جواهر متناهية، هي الجوهر الممتد (المادة)، والجوهر المفكر (الروح، العقل)؛ وهما يتلقيان من الله العلة النهائية لوجودهما.
ويرى اسبينوزا أن «الجوهر هو ما هو في ذاته ويذرك بذاته؛ أي ما لا يحتاج تصوره إلى تصور شيء آخر» («الأخلاق» ق١، التعريف رقم ٣). والجوهر بحسب هذا التعريف هو الله أو الطبيعة ويرفض ديكارت واسبينوزا أن يصف الفرد بأنه جوهر.
أما ليبنتس فيعرف الجوهر بأنه «الموجود المزود بالقدرة على الفعل». ويقول إن «الجوهر الفردي» تصور هو من الكمال بحيث أن كل محمولات الذات التي تنسب إليه يمكن أن تستنبط منه (مجموع مؤلفاته نشرة جرهردت ح٤ ص٤٢٧ وما يليها). ويوجد ما لا نهاية له من الجواهر البسيطة، هي المونادات (الأحادات)، وهي اشعاعات من الجوهر لإلهي فالجواهر نواتج لرؤية العالم الإلهية. والجوهر هو القانون الثابت لسلسلة من التغيرات. وماهية الجوهر هي القوة، ذلك أن الجوهر ماهية ذات قوة، «إنه موجود قادر على الفعل» être capable d’action (مجموع مؤلفاته، ح١ ص٥٩٨). أما الأجسام فليست جواهر، وإنما هي مجموعات من الجواهر والجواهر هي في ذاتها روحية ولا تقبل التجزئة، ومستقلة عن كل الأشياء المخلوقة. إنها حقائق لا تقبل الفناء، وتظل قائمة أبداً (ح١ ص٥٧٩ وما بعدها). وللجواهر قوامها في ذاتها، لكنها لا يمكن أن تتصور بنفسها فقط، وإنما تتصور من حيث علاقاتها مع الكون. ويقول: «كل جوهر يعبر عن الكون كله بطريقته الخاصة ومن اعتبار معين» (ح٢ ص٥٧). وكل جوهر هو «نتاج مستمر لموجود أعلى واحد»، وهو مرآة للكل. وكل جوهر هو نوع من «الأنا»، نوع روحي؛ و«الأنا» هو أيضاً ينبوع «تصور الجوهر». «وكما أني أتصور أن للآخرين الحق في أن يقولوا: «أنا»، أو يمكن أن يتصورهم المرء هكذا، فإنني على هذا النحو أتصور: «الجوهر» (ح٦ ص٤٨٨؛ «مقالات جديدة» ٢، فصل ٢٣).
أما الفلاسفة الإنجليز في القرنين السابع عشر والثامن عشر فقد أنكروا حقيقة الجوهر. فقال هوبز إن فكرة idea الجوهر غير واقعية أو حقيقية، إنما هي فرض نفترضه كأساس لما يجري عليه التغيرات («اعتراضات على التأملات الديكارتية» ص٨٧). وقال لوك إن الجوهر حامل الصفات، وهو مجهول لنا «إن الأفكار المركبة التي تناظر الأسماء التي تطلقها على أنواع الجواهر إنما هي مجموعات من الصفات التي لاحظناها موجودة في موضوع مجهول، نحن نسميه: «الجوهر» («بحث في الفهم الإنساني» قسم ٢٤ فصل ٦، بند ٧). وليس لدينا امتثال عن جواهر في ذاتها، حتى لو ثبت وجودها (قسم ٢، فصل ٢٣، بند ١٦ وما يليه، ٢٩). والجوهر هو مجرد مركب من صفات نفترضه، ولكننا لا نحققه في التجربة. إننا نلاحظ أن امتثالات تظهر مرتبطة بعضها ببعض، فنفترض أنها تنتسب إلى شيء، ونطلق على هذا المركب اسماً. وبعد ذلك ودون انتباه يتحدث الإنسان عنه ويعامله على أنه امتثال (إدراك حسي)، وما هو قي الحقيقة إلا ربط بين عدة امتثالات. ولما كان المرء لم يعرف كيف ارتبطت هذه الامتثالات، فإنه يتعود على افتراض أن تمت أساساً تحتها فيه يقوم وعنه ينتج. وهذا الأساس يسميه المرء لهذا السبب: substance (= ما هو تحت) (قسم ٢، ف٢٣، بند ١). ومن امتثالات أفعالنا العقلية يتكون تصور جوهر روحي (بند ١٥؛ وراجع ق٢، فصل١٣، بند ١٧ وما يليه)
وفي مقابل ذلك قال باركلي إنه لا توجد إلا جواهر روحية. ففي الروح فقط، لا في الأشياء غير المدركة يمكن أن توجد فكرة Idee (باركلي: «بحث في مبادئ المعرفة الإنسانية» ٧). ولا يوجد جوهر مادي، ولا الإدراك الحسي ولا الفكر قادر على أن يدلنا على وجوده (فصل ١٦ وما يليه، وفصل ١٨). صحيح أن مركبجات امتثالاتنا الموضوعية لها علة، لكن هذه العلة لا بد أن تكون جوهراً غير مادي، جوهراً فعالا، هو الله (فصل ٢٦). وتوجد «جواهر» نسبية، هي مركبات من صفات، لكن لا توجد «عوامل» لصفات مادية مجهولة.
ثم جاء هيوم فقضى على كلا النوعين من الجوهر: المادي، والروحي فلا التجربة الخارجة ولا التجربة الباطنة قادرة على إدراك أيهما، وإنما يرجع الأمر في كليهما إلى الخيال وترابط الأفكار. فالجوهر هو مجرد مبدأ ذاتي نفساني محض «إن تصور جوهر ما هو إلا تجميع أفكار بسيطة بواسطة الخيال وإطلاق اسم على هذا التجميع. وبالجملة فإن الجوهر هو وهم من اخترع المخيلة وترى فيه مبدأ للإتحاد أو التماسك (هيوم: «بحث في الفهم الإنساني» الخ، قسم ٣، ص٢٩٠). والإدراكات الحسية لا تحتاج إلى جوهر وراءها، بل هي توجد لذاتها (قسم ه ص٥ ٠ ٣) المادة والروح كلتاهما مجهولة لنا («في خلود النفس»، ص١٥٧ وما يليها).
ثم جاء كنت فقال إن الجوهر مقولة قبلية a priori من مقولات الفكر، أعني أنها ليست تجريبية، لكنها شرط للتجربة، وتنطبق فقط على مضمون التجربة؛ وقيمتها محايثة، وموضوعية، وهي في مقابل «الشيء في ذاته» الذي لا يمكن معرفته. ومهمة تصور الجوهر ترتيب مضمون التجربة. أن «الجوهر» هو الوسيلة التي بها يصنع الفكر وحده بين الامتثالات، فهو يقوم على وظيفة المعرفة في توحيد المدركات. وتصور الجوهر يعني - من حيث المضمون - الموضوع الأخير للوجود، أعني ذلك الذي لا يعود مجرد محمول لوجود موضوع آخر». والجوهر في المكان هو المادية و(إسكيم) الجوهر هو «استمرار الواقعي في الزمان»[١]. والمستمد هو أساس الامتثال التجريبي في الزمان نفسه"[٢]. وهذا الاستمرار هو الكيفية التي بها نتصور وجود الأشياء (في الظواهر) (ص١٧٨). إنه الشرط الضروري الذي به يمكن تصور الأشياء أو الموضوعات في التجربة الممكنة» (ص ١٨٠ ). والجوهر ليس هو «الشيء في ذاته»، بل هو طريقتنا في تصور الموضوعات. إنه ناتج عن «الشيء في ذاته". و«الجوهر في الظاهرة» ليس ذاتاً مطلقة بل هو الصورة المستمرة (الباقية) للحساسية، وليس إلا عياناً لا يوجود فيه أي شيء غير مشروط» (ص٤٢٤).
أما فشته فيرى أن الجواهر الشيئية هي مجرد مركبات من صفات، أما الجوهر الحقيقي فهو «الأنا» وعلينا أن نعرف الجوهر لا بأنه الشيء «الباقي»، بل بأنه الشيء «المحيط». (أما صفة «البقاء» فلا تنتسب إلى الجوهر إلا بمعنى فرعي مشتق[٣]. كذلك يصف شلنج الجوهر بأنه «الأنا» المطلق ويقول إن الأنا، الباقي في التغير هو ينبوع تصور الجوهر[٤]. ويعد الجوهر من بين مقولات الإضافة[٥]. وفي مرحلة متأخرة من تطوره قال شلنج إن «المطلق، هو الجوهر[٦].
ويرى هيجل أن الله هو «الجوهر المطلق»[٧]. ويقول إن«الجوهر هو المطلق، والواقعي الحقيقي في ذاته ولذاته»[٨]. والجوهر هو الذات المطلقة للوجود، وهو «الصورة» Idee (بالمعنى الهيجلي)، وهو العقل. ثم يقول في موضع آخر إن الجوهر هو «الوجود الذي هو في الحقيقة ذات subject، أعني ما هو موجود وجوداً حقيقياً»، «وهو سلب بسيط»[٩]. والجوهر، من حيث هو مقولة «هو شمول الأعراض التي فيها يتجلى الجوهر على أنه السلب المطلق، أعني القوة المطلقة وثراء كل مضمون. لكن هذا المضمون ليس شيئاً آخر غير هذا التجلي نفسه، الذي فيه لا يكون التعين الانعكاسي إلا عنصراً من عناصر الشكل، فيندرج في قوة الجوهر والجوهرية هي فعالية الشكل المطلقة وقوة الضرورة»[١٠]. وعند هربرت أن الجوهر «هو الحامل لمختلف العلامات» . إنه تصور عال ينشأ من تصور الشيء. ويرى هلمهولس أن الجوهر هو «ما يبقى هو هو في تغير الزمان دون أن يتوقف على غيره»[١١]. وهو ذو طابع احتمالي باستمرار. ورنوفييه يقول: «إن الجوهر موجود، منظوراً إليه في تركيبه المنطقي، هو بمثابة موضوع صفاته».[١٢] وعند برادلي أن الجوهر هو وحدة الصفات.[١٣]
أما نيتشه فيرى أن الاعتقاد في وجود الجواهر هو من نتاج الخيال. وأعضاؤنا ليست من اللطافة بحيث تدرك الحركة دائماً، وهي لهذا توهمنا بوجود شيء ثابت باق، بينما في الحقيقة لا يوجد شيء ثابت باق، بل تغير (صيرورة) فقط[١٤]، ولهذا دعا إلى استبعاد فكرة «الجوهر» .
ورأى افناريوس أن الجوهر ليس شيئاً آخر غير «النقطة المثالية الساكنة سكوناً مطلقاً، والتي تمر عليها التغيرات، والتي لا بد من اعتبارها كيما يكون من الممكن التفكير في التغيرات». إن وظيفتها هي المساعدة على التفكير»[١٥].
ويرى أرنست ماخ أنه لا يوجد بقاء غير مشروط[١٦]. والتصور الساذج للجوهر أمر غير كاف بالنسبة إلى العلم[١٧].
ومتجرت E. Mac Taggart يقول: «أرى تعريف الجوهر بأنه ما له صفات وعلاقات، دون أن يكون هو نفسه صفة أو علاقة، أو له صفات أو علاقات بين أجزائه»[١٨].
ويرى فايهنجر Vaihinger أن تصور الجوهر هو «وهم مشخص»[١٩].
وألفرد نورث هوايتهد يقول «لو كان لنا أن شاهد جوهراً في أي مكان، فإن علي أن أجده في أحداث هي، بمعنى ما، الأساس النهائي للطبيعة»[٢٠].
جملة الجوهر
جملة الجوهر، عند الرازي، كناية عن الفعل الواقع عن طبيعة الشيء الخاصة به لا عن سبب معروف. وذكره معجم المستعيني.
تقسيم
الجوهر ماهية إذا وجدت في الأعيان كانت لا في موضوع،
- وجاء في تعريف العلامة الطباطبائي للجوهر: ( إذا وجدت في الخارج وجدت لا في موضوع مستغنٍ عنها في وجوده). وهو مختصر في خمسة: هيولى، وصورة، وجسم، ونفس، وعقل، لأنه إما أن يكون مجردا أو غير مجرد:
- فالمجرد:
- إما أن يتعلق بالبدن تعلق التدبير والتصرف؛ وهو العقل
- أو لا يتعلق؛ وهو النفس
- وغير المجرد:
- إما أن يكون مركبا؛ وهو الجسم.
- أو غير المركب:
- إما حال؛ وهو الصورة
- أو محل، وهو الهيولى.
المراجع
- ^ «نقد العقل المحض» ص١٤٦ وما يليها.
- ^ ص١٧٦.
- ^ فشته: «موجز مذهب العلم» ص١٤٦
- ^ شلنج: «في الأنا» Von Ich ص٧٨ وما يليها، وص٨٢.
- ^ «مذهب المثالية المتعالية» ص١ ٣٠ وما يليها.
- ^ مجموع مؤلفاته ح١: ٤: ٢٤٤؛ ١: ٢: ١٩٩؛ ١: ٦: ٢٥٤ ومايليها؛ ح٢م ٣: ٢١٨.
- ^ مؤلفاته ح١ ص٥٠.
- ^ «المنطق» ق٧٢٣
- ^ «ظاهريات العقل» ص ١٥.
- ^ «الانسكلوبيديا» ، بند ١٥٠ وما يليها
- ^ «محاضرات وخطب» ح٢. ص٠ ٢٤.
- ^ «المونادولوجيا الجديدة» ص1.
- ^ «المظهر والواقع»، ص١٩ وما يليها.
- ^ راجع مجموع مؤلفاته ح٣ ، أ، ص٣٨ وما يتلوها، ح ١١ ، ص ٣١؛ وح١٢، ١، ص١٥.
- ^ «الفلسفة، التفكير في العالم» ص٥٥ ، وما يليها.
- ^ «تحليل الإدراكات الحسية»، ص٢١٢.
- ^ «محاضرات شعبية علمية»، ص ٠ ٢٢.
- ^ «مثالية أنطولوجية» فصل في كتاب: «الفلسفة البريطانية المعاصرة» ح١ سنة ١٩٢٤ ص٢٥٣.
- ^ «فلسفة كما لو كان» ص ٤٢ ، ٠ ٥.
- ^ «فكرة الطبيعة»،سنة ١٩٢٦ ،ص١٩.