بيرتراند راسل
برتراند أرثر ويليام راسل (بالإنجليزية: Bertrand Russell) (18 مايو 1872 - 2 فبراير 1970) إيرل راسل الثالث، فيلسوف وعالم منطق ورياضي ومؤرخ وناقد اجتماعي بريطاني. في مراحل مختلفة من حياته، كان راسل ليبرالياً واشتراكياً وداعية سلام، إلا أنه أقر أنه لم يكن أياً من هؤلاء بالمعنى العميق. وعلى الرغم من قضائه معظم حياته في إنجلترا، وُلد راسل في ويلز وتوفي عن عمر ناهز الـ 100 عاما.
قاد راسل الثورة البريطانية "ضد المثالية" في أوائل القرن العشرين. يعد أحد مؤسسي الفلسفة التحليلية إلى جانب سلفه كوتلب فريج وتلميذه لودفيش فيتغنشتاين كما يعتبر من أهم علماء المنطق في القرن العشرين. ألف بالشراكة مع أي. إن. وايتهيد مبادئ الرياضيات (بالإنجليزية: Principia Mathematica) في محاولة لشرح الرياضيات بالمنطق. وتعد مقالته الفلسفية عن التدليل (بالإنجليزية: On Denoting) نموذجا فكرياً في الفلسفة. ولا زال لعمله أثراً ظاهراً على المنطق والرياضيات ونظرية المجموعات واللغويات والفلسفة وتحديدًا فلسفة اللغة ونظرية المعرفة والميتافيزيقيا.
كان راسل ناشطاً بارزاً في مناهضة الحرب وأحد أنصار التجارة الحرة ومناهضة الإمبريالية. سجن بسبب نشاطه الداعي للسلام خلال الحرب العالمية الأولى، وخسر جراء ذلك منصبه كأستاذ في جامعة كامبردج. قام بحملات ضد أدولف هتلر وانتقد الشمولية الستالينية وهاجم تورط الولايات المتحدة في حرب فيتنام، حيث عمل على تشكيل المحكمة دولية (رسل-سارتر) مع الفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر، لمحاكمة الولايات المتحدة على جرائمها في فيتنام، كما كان من أنصار نزع الأسلحة النووية، فوقع مع ألبرت أينشتاين بيانًا ضدها عرضه للسجن في عام 1961.
حاز عام 1950على جائزة نوبل للأدب "تقديراً لكتاباته المتنوعة والمهمة والتي يدافع فيها عن المثل الإنسانية وحرية الفكر".
حياته
نسبه
قالب:شريط جانبي بيرتراند راسل ولد برتراند راسل في 18 مايو 1872 في رايفنسكروفت، تريليش، مونماوثشاير في ويلز لأسرة ليبرالية من أرستقراطية بريطانيا. كان جده لأبيه، جون راسل وإيرل راسل الأول، الابن الثالث لجون راسل، دوق بيدفورد السادس، والذي شكل الحكومة مرتين بطلب من الملكة فيكتوريا، حيث شغل منصب رئيس الوزراء في أربعينيات وستينيات القرن التاسع عشر.
وسبق بروز آل راسل في إنجلترا هذا بقرون حيث وصلوا إلى السلطة مع صعود سلالة التيودور. أسسوا اسمهم كإحدى أهم الأسر الليبرالية، وشاركوا في كل الأحداث السياسية العظيمة من حل الأديرة (1536-40) مروراً بالثورة المجيدة (1688-89)، إلى قانون الإصلاح العظيم عام 1832.
كانت أم راسل هي كاثرين لويزا (1844-1874) ابنة إدوارد ستانلي، بارون ألدرلي ستانلي الثاني، وأخت روزلند هاورد كونتسية كارلايل.
كان والدا راسل راديكاليين بالنسبة إلى عصرهم. كان والد راسل، الفيسكونت أمبرلي، كما وافق على علاقة زوجته مع مدرس أولادهم، عالم الأحياء دوغلاس سبلدنغ. وكان والدا راسل من أوائل المنادين بتحديد النسل في وقت كان يعتبر الأمر فاضحاً. واتضح إلحاد الوالد جون راسل عندما طلب من الفيلسوف جون ستيوارت ميل أن يكون الأب الروحي لراسل. توفي ميل بعد سنة من ولادة راسل، إلا أن لكتاباته أثراً كبيراً على حياة الأخير.
طفولته ومراهقته
كان لراسل أخ وأخت، فرانك الذي كبر برتراند بسبع سنوات وراشيل التي كبرته بأربع. توفيت والدته يونيو 1874 من الخناق ولحقتها راشيل بفترة وجيزة. توفي والده في يناير 1876 من التهاب القصبات الحاد بعد معاناة طويلة مع الاكتئاب. وُضع فرانك وبرتراند في رعاية جديهما الفكتوريين، الذين سكنا في بيمبروك لودج في ريتشموند بارك. توفي جون راسل، إيرل راسل الأول، وجد برتراند الذي شغل منصب رئيس الوزراء عام 1878 ويتذكره برتراند عجوزاً طيباً مقعداً. ومن هنا، كانت أرملته، الكونتيسة راسل (الليدي فرانسس إليوت) الشخصية الأسرية المهيمنة طوال طفولة راسل وشبابه. ولدت الكونتيسة لأسرة اسكتلندية مشيخية، ونجحت في نقض وصية أمبرلي في تنشئة الأطفال لا أدريين. وعلى الرغم من تحفظها الديني، كان للكونتسية أراء تقدمية في مجالات أخرى (قبول الداروينية ومساندة حكم البيت الإيرلندي)، ولازم أثرها برتراند راسل في نظرته إلى العدالة الاجتماعية والوقوف من أجل المبادئ، وأصبحت آيتها المفضلة من الإنجيل شعاره "لا تتبع الجموع إلى الشر" (سفر الخروج 23:2). كان الجو السائد في لودج بيمبروك هو الصلاة المتكررة والكبت العاطفي والرسمية، وكانت ردة فعل فرانك تمرداً واضحاً بينما تعلم برتراند إخفاء مشاعره.
خيمت الوحدة على مراهقة برتراند الذي كثيراً ما فكر بالانتحار. وذكر في سيرته الذاتية أن أكبر اهتماماته كانت الدين والرياضيات، وأن رغبته في تعلم المزيد من الرياضيات ردعته عن الانتحار. تلقى تعليمه في المنزل على يد عدد من المدرسين الخصوصين. عرَفه شقيقه فرانك بأعمال أقليدس والتي حولت حياة راسل.
وخلال هذه السنين اكتشف راسل أعمال بيرسي بيش شيلي. وفي سيرته الذاتية يقول راسل "أمضيت كل أوقات فراغي أقرأ أعماله وأحفظها عن ظهر قلب، وفي حين لم أعرف أحد أستطيع الحديث معه عما فكرت أوشعرت به، كنت أتصور كم من الجميل أن أعرف شيلي وأتسائل إن كنت سألتقي أحداً من الأحياء يثير تعاطفي." ادعى راسل أنه ومنذ عمر الخامسة عشر أمضى وقتاً طويلاً في دراسة صحة العقيدة المسيحية، وقرر في الثامنة عشر التخلي عنها تماماً.
دراسته الجامعية وزواجه الأول
حاز راسل على منحة دراسية إلى كلية ترينتي في كامبريدج حيث باشر دراسته هناك عام 1890. تعرف في كامبريدج على جي.إي. مور وتأثر بألفريد نورث وايتهيد الذي أوصى به إلى حواريِ كامبريدج. برز بسرعة في الرياضيات والفلسفة وتخرج عام 1893 وحاز الزمالة عام 1895.
التقى بالكويكر الأمريكي بيرسال سميث لأولى مرة في عمر السابعة عشر وأصبح صديقاً لأسرة سميث الذين عرفوه بصفته حفيد اللورد جون واستمتعوا بصحبته وسافروا معه إلى أوروبا حين زار راسل معرض باريس عام 1889 وصعد برج إيفل بعد تدشينه بفترة قصيرة.
سرعان ما وقع في حب الطهورة أليس خريجة كلية براين مور بالقرب من فيلادلفيا وخلافاً لرغبة جدته تزوج راسل أليس في 13 ديسمبر 1894. بدأ زواجهما بالانهيار عام 1901 عندما خطر لراسل أثناء ركوبه الدراجة أنه لم يعد يحب زوجته. وسألته إن كان يحبها وأجابها بالنفي. ولم يعجب راسل بوالدة أليس واجداً إياها مهووسة بالسيطرة وقاسية. كان زواجهما صدفة مفرغة وتطلقا أخيراً عام 1921 بعد فترة طويلة من الانفصال. وخلال هذا الفترة خاض راسل علاقات عاطفية عدة(وأحياناً في نفس الوقت) مع عدد من النساء منهن الليدي أوتلين موريل والممثلة الليدي كونستنس ماليسون.
بدايات حياته المهنية
كان أول ما نشر من أعمال برتراند راسل كتاب الديمقراطية الاجتماعية الألمانية (بالإنجليزية: German Social Democracy) وهو دراسة سياسية ومؤشر مبكر لاهتمام لازمه مدى الحياة في النظرية السياسية والاجتماعية. في عام 1886، درس كتاب الديمقراطية الاجتماعية الألمانية في كلية لندن للاقتصاد حيث حاضر أيضاً عن علم السلطة في خريف 1937. كما كان أحد أعضاء كذا من المصلحين الاجتماعيين والذي أسسه عام 1902 على يد سيدني وبياترس ويب. بدأ راسل آنذاك في دراسة مكثفة عن أسس الرياضيات في كلية ترنتي حيث اكتشف مفارقة راسل، والتي تحدت أسس نظرية المجموعات. نشر عام 1903 أولى كتبه المهمة عن المنطق الرياضي مبادئ الرياضيات مبيناً فيه كيفية استنباط الرياضيات من مجموعة صغيرة من المبادئ ومسهماً في قضية الفكر المنطقي.
في عام 1905 كتب مقالته عن التدليل (بالإنجليزية: On Denoting) والتي نشرت في الدورية الفلسفية العقل (بالإنجليزية: Mind). أصبح عام 1908 زميلاً في المجتمع الملكي. نشرت أولى مجلدات مبادئ الفلسفة والتي كتبت بالشراكة مع وايتهيد عام 1910 إلى جانب مبادئ الرياضيات التي سرعان ما أكسبت راسل شهرة عالمية في مجاله.
أصبح عام 1910 محاضراً في جامعة كامبردج حيث قابل طالب الهندسة النمسوي لودفيش فيتغنشتاين والذي أصبح أحد طلبة الدكتوراه والذي اعتبره عبقرياً وخليفاً يستطيع استكمال عمله حول المنطق. أمضى راسل ساعات في معالجة رهاب فيتغنشتاين ونوبات اكتئابه المتكررة. كثير ما استنزف ذلك طاقة راسل إلا أن إعجابه بفيتغنشتاين استمر وحثه على التطوير الأكاديمي بما في ذلك نشر كذا عام 1922. أعطى راسل محاضراته عن الذرية المنطقية ونسخته عن هذه الأفكار عام 1918 قبل نهاية الحرب العالمية الأولى وفي حين كان ما زال فيتغنشتاين أسير حرب.
الحرب العالمية الأولى
خلال الحرب العالمية الأولى، كان راسل بين قلة من المفكرين الذي شاركوا في نشاطات سلمية حيث صرف عام 1916 من كلية ترنيتي بعد اتهامه تحت كذا. غُرم بمبلغ 100 باوند استرليني رفض دفعه على أمل أن يسجن إلا أنهم باعوا كتبه في مزاد لجمع الغرامة. اشترى أصدقاؤه الكتب وثمن فيما بعد نسخته من إنجيل الملك جايمس المختومة بـ"مصادرة من قبل شرطة كامبردج." استرد وظيفته عام 1919 واستقال عام 1920 وكان محاضر كذا عام 1926 وأصبح زميلاً عام 1944-1949. اتهم لاحقاً بالقاء محاضرة علنية ضد دعوة الولايات المتحدة دخول الحرب إلى جانب بريطانيا مما أدى إلى سجن راسل ستة أشهر حيث أطلق سراحه في سبتمبر 1918.
فترة ما بين الحربين وزواجه الثاني
في أغسطس 1920، سافر راسل إلى روسيا ضمن وفد رسمي بريطاني لبحث آثار الثورة الروسية. والتقى فلاديمير لينين وكان له معه حديث ساعة. وفي سيرته الذاتية، يذكر راسل أنه وجد لينن مخيباً للآمال ملتمساً فيه "قسوة شقية" ومقارناً أياه بـ"بروفسور متشبث بآراءه." وأبحر في نهر الفولجا على ظهر باخرة. زارت عشيقة راسل دورا بلاك روسيا في نفس الوقت وكانت متحمسة للثورة في حين سحب راسل دعمه لها بسبب ما خبره هناك. كتب راسل ممارسة ونظرية البلشفية (بالإنجليزية: The Practice and Theory of Bolshevism) عن تجاربه في هذه الرحلة التي ضمت 24 أخرين عادوا إلى بريطانيا برأي حسن عن الحكومة رغم جهود راسل تغيير ذلك. على سبيل المثال، أخبرهم راسل أنه سمع طلقات عيار نارية منتصف الليل وكان على ثقة أنها إعدامات سرية إلا أن الأخرين أصروا أنها ضوضى عوادم السيارات. عمل محاضراً في الفلسفة في بكين لعام واحد حيث رافقته دورا. ذهب راسل إلى الصين ملؤه التفاؤل والأمل حيث كانت البلاد مقبلة على درب جديد. وفي الصين، مرض راسل بـذات الرئة ونشرت الصحف اليابانية أخبار كاذبة حول وفاته. ولدى زيارة الزوج اليابان على طريق رحلة العودة، أخبرت دورا العالم أن " السيد برتراند راسل، والذي توفي وفق الصحافة اليابانية، لا يستطيع منح الصحافيين اليابانيين لقاءً". ولم تجد الصحافة في الإعلان ظرافة ولم تستغ السخرية المقصودة.
وعند عودتهما إلى إنجلترا في 26 أغسطس 1921، كانت دورا حاملاً في الشهر السادس ورتب راسل طلاقاً سريعاً من أليس وتزوج دورا بعد ستة أيام من نهاية معاملات الطلاق بتاريخ 27 سبتمبر 1921. ولد لهما جون كونراد راسل بتاريخ 16 نوفمبر 1921 وكاثرين جاين راسل (الليدي كاثرين تايت) بتاريخ 29 ديسمبر 1923. واعتاش راسل خلال هذه الفترة على كتبه الشعبية عن الفيزياء والقيم والتعليم. ورجح البعض تورط راسل بعلاقة عاطفية خلال هذه الفترة مع فيفيان هاي-وود أولى زوجات تي.إس. إيليوت.
ومع دورا، أسس راسل مدرسة بيكون هيل التجريبية (بالإنجليزية: Beacon Hill School) عام 1927. وأديرت المدرسة من مواقع مختلفة ومنها موقعها الأصلي في منزل آل راسل وتيليغراف هاوس قرب هارتنغ غرب سسكس. ولد لهم طفل ثالث الابنة هارييت روث بتاريخ 8 يوليو 1930. وبعد أن ترك راسل المدرسة عام 1932 استمرت دورا فيها حتى عام 1943.
وعند وفاة أخيه الأكبر فرانك عام 1931 أصبح راسل إيرل راسل الثالث. قال ذات مرة أن لقبه فاده في حجز غرف الفنادق.
غلب التشنج على علاقة الزوجين وبلغ حده الأقصى عند إنجاب دورا طفلين من الصحفي الأمريكي غريفن باري. انفصلا عام 1932 وتطلقا في النهاية.
الحرب العالمية الثانية
عارض راسل التسليح ضد ألمانيا النازية، إلا أن رأيه تغير عام 1940 حيث رأى أن تجنيب العالم حرب واسعة النطاق أهم من هزيمة هتلر. وخلص راسل إلى أن استيلاء أدولف هتلر على أوروبا سيشكل تهديداً دائماً للديمقراطية. وتبنى عام 1943 موقفاً تجاه الحرب الواسعة النطاق دعاه "السلمية السياسية النسبية"، كانت الحرب دائماً شراً عظيم، ولكن في بعض الحالات القصوى بشكل خاص، قد تكون الحرب أهون الشرين.
في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية
قبل الحرب العالمية الثانية، درس راسل في جامعة شيكاغو وانتقل لاحقاً إلى لوس أنجليس ليحاضر في جامعة كاليفورنيا، لوس أنجليس. عين بروفسوراً في سيتي كولدج في نيويورك عام 1940 إلا أن التعيين ألغي بأمر محكمة بعد استهجان عام: جعلت أراؤه، وبالتحديد تلك الخاصة بالأخلاق الجنسية والمفصلة في كتابه الزواج والأخلاق (بالإنجليزية: Marriage and Morals) الصادر من 10 سنوات آنذاك، راسل "غير لائق أخلاقياً" للتدريس في الكلية. وبدأت الاحتجاج والدة طالب لم يكن مؤهلاً لأخذ مادة راسل عن المنطق الرياضي. واعترض مفكرون عدة بقيادة جون ديوي على المعاملة التي تلقاها راسل. ومن مأثور القول لألبرت أينشتاين أنه "لا طالما واجهت العقول العظيمة معارضة عنيفة من العقول المتوسطة..." وهو ما قاله أينشتاين في رسالة مفتوحة إلى راسل تؤازره. حرر ديوي وهوراس إم. كالن مجموعة مقالات حول قضية كذا جمعوها في قضية برتراند راسل(بالإنجليزية: The Bertrand Russell Case). سرعان ما انضم راسل إلى مؤسسة بارنز محاضراً لجمهور متنوع حول تاريخ الفلسفة وشكلت هذه المحاضرات أساس كتاب تاريخ الفلسفة الغربية. وسرعان ما ساءت علاقته بألبر سي. بارنز غريب الأطوار وعاد عام 1944 إلى بريطانيا لينضم مجدداً إلى كادر كلية ترنتي.
حياته اللاحقة
خلال أربعينيات وخمسينيات القرن العشرين شارك راسل في عدد من برامج البي بي سي وبالتحديد أهل المعرفة (بالإنجليزية: The Brains Trust) والبرنامج الثالث (بالإنجليزية: Third Programme) حول مواضيع فلسفية متنوعة. وبحلول هذا الوقت أصبح لراسل شهرة عالمية تتعدى الدوائر الأكاديمية حيث كان موضوع وكاتب العديد من مقالات الصحف والمجلات كما كان رأيه مطلوباً في كثير من المواضيع والتافهة منها أيضاً. وفي طريقه إلى أحد محاضراته في ترودنهم، كان راسل أحد 24 ناج من مجموع 43 راكباً لطائرة سقطت في هوملفيك أكتوبر 1948. تصدر تاريخ الفلسفة الغربية (1945) قوائم الكتب الأكثر مبيعاً ووفر لرسل دخلاً ثابتاً لما تبقى من حياته.
وفي كلمة عام 1948، قال راسل أن في حال استمرار العدوان السوفيتي سيكون من الأسوء أخلاقياً دخول حرب مع الاتحاد السوفيتي بعد امتلاكه قنبلة نووية من قبل ذلك لأن عدم امتلاكه قنبلة سيعجل في نصر الغرب وسيحد من عدد الضحايا مقارنة بالوضع في حال امتلاك كلا الجانبين القنبلة. في ذلك الوقت، كانت الولايات المتحدة وحيدة في امتلاكها قنبلة نووية واتبع الاتحاد السوفيتي سياسة غاية العدائية نحو دول أوروبا الشرقية التي كانت يستوعبها في محور نفوذه. فسر الكثيرون كلام راسل بأنه يدعم توجيه الضربة الأولى إلى الاتحاد السوفيتي بما فيه لاوسون والذي كان حاضراً أثناء كلمة راسل. حصل أخرون، ومنهم غريفن، على نص الكلمة وقالوا أن راسل لم يكن إلا يفسر قيمة ترسانة أمريكا النووية في ردع الاتحاد السوفيتي من مواصلة هيمنته على أوروبا الشرقية.
واصل راسل الكتابة عن الفلسفة. كتب مقدمة كلمات وأشياء (بالإنجليزية: Words and Things) لإرنست غلنر الذي انتقد بشدة فكر تلميذ راسل لودفيش فيتغنشتاين وفلسفة اللغة العادية. رفض جيلبرت رايل مراجعة الكتاب للدورية الفلسفية العقل الأمر الذي دعى براسل إلى الكتابة إلى التايمز. وكانت النتيجة مراسلات استمرت شهراً على صفحات التايمز ما بين أنصار ومعارضي فلسفة اللغة العادية انتهت بافتتاحية للتايمز عن الموضوع التي انتقدت الطرفين لكن انتصرت لمعارضي الفلسفة.
وفي كذا، نال وسام الاستحقاق وحاز في العام التالي على جائزة نوبل للأدب. وحين منح وسام الاستحقاق، كان الملك جورج السادس ودوداً ولكن محرجاً قليلاً لتكريم سجين سابق قائلاً، "تصرفت أحياناً على نحو لن يليق إذا تبنه العموم." ابتسم راسل وادعى لاحقاُ أن الرد "تماماً، مثلي مثل أخيك" حضر إلى ذهنه.
تطلق راسل عام 1952 من سبنس التي كان تعيساً معها. ولم ير كونراد، ابن راسل من سبنس، أباه منذ طلاقه حتى 1968 وأدى قرار الابن رؤية أبيه إلى قطيعة تامة مع أمه.
بعد طلاقه سرعان ما تزوج راسل رابع زوجاته إديت فينش بتاريخ 15 ديسمبر 1952. عرفا بعضهما منذ عام 1925 حين كانت إديث تدرس الإنجليزية في براين ماور كولج قرب فيلادلفيا في بنسلفانيا وسكنت عشرين سنة مع صديقة راسل المقربة لوسي دونولي. ظلت إديث معه حتى وفاته، وحسب كل الروايات، كان زواجهما سعيداً وثيقاً ملؤه المحبة. عانى جون ابن راسل البكر من أمراض عقلية خطيرة الأمر الذي كان مصدر خلافات دائم بينه وبين طليقته دورا. كانت زوجة جون سوزان أيضاً مختلة عقلياً وأخيراً أصبح راسل وإديث الأوصياء على بناتهم الثلاثة (اثنتان كانت مصابتان بشيزوفرينيا).
لعب راسل عام 1962 دوراً في أزمة الصورايخ الكوبية حيث أكد له قائد الاتحاد السوفيتي نيكيتا خروتشوف عدم تهور الاتحاد في سلسلة من البرقيات.
وجه راسل رسالة إلى الرئيس كينيدي الذي أعاد برقيته دون أن يفتحها.
قضاياه السياسية
قضى خمسينيات وستينيات القرن العشرين في خدمة قضايا سياسية متنوعة وتحديداً نزع الأسلحة النووية ومعارضة الحرب في فيتنام (انظر محاكمة راسل لجرائم الحرب). وكان بيان راسل-أينشتاين عام 1955 وثيقة تدعو إلى نزع الأسلحة النووية وتحمل توقيع 11 من أبرز علماء الذرة والمفكرين. ووجه راسل العديد من الخطابات إلى زعماء العالم خلال هذه الفترة. وكان راسل على اتصال مع ليونل روجسن حين كان الأخير يصور المعادي للحرب أوقات جيدة، أوقات عظيمة خلال الستينيات. وأصبح راسل بطلاً في نظر العديد من شباب اليسار الجديد. أصبح راسل أول من تلقى جائزة القدس عام 1963 وهي جائزة تمنح للكتاب المعنيين بحرية الفرد في المجتمع. مزق راسل بطاقة عضويته في حزب العمال في أكتوبر 1965 خشية قيام الحزب بارسال الجيش إلى فيتنام دعماً للولايات المتحدة.
آراء راسل حول قيام دولة إسرائيل
في مقالة بعنوان "عن إسرائيل والقصف" كُتبت عام 1970، قال راسل:
".. مأساة شعب فلسطين هي إعطاء بلادهم بقوة خارجية لشعب آخر من أجل بناء دولة جديدة. إلى أي حد سيتحمل العالم عازماً رؤية هذه المشهد من القسوة الوحشية؟ إنه واضحٌ بما فيه الكفاية أن اللاجئين لهم كل الحق في أرض وطنهم من حيث تم استياقهم، وإنكار هذا الحق هو جوهر الصراع الدائم. لا يوجد شعب في العالم في أي مكان يمكن أن يتقبل طرد الناس بكميات من بلادهم؛ وكيف يستطيع أي شخص أن يجعل الفلسطينين أن يقبلوا بعقابٍ لايتسامح فيه أي شخص؟ إن التوصل لتسوية دائمة عادلة للاجئين في وطنهم عنصر أساسي لأي تسوية حقيقية في الشرق الأوسط. قيل لنا مراراً وتكراراً "أنه يجب التعاطف مع إسرائيل وذلك بسبب معاناة اليهود في أوروبا على أيادي النازيين." ماتفعله إسرائيل اليوم لا يمكن التغاضي عنه، ولإثارة أهوال الماضي لتبرير أهوال الحاضر فهو نفاق عظيم. وليس فقط تحكم إسرائيل على عدداً كبيرا من اللاجئيين بالبؤس، وليس فقط العديد من العرب تحت ظل الاحتلال يحكم عليهم بالحكم العسكري؛ ولكن تدين إسرائيل الأمم العربية التي خرجت حديثاً من الحكم الاستعماري لتفقرهم عن طريق المتطلبات العسكرية عوضاً عن التنمية الوطنية.
كل من يريد أن يرى نهاية سفك الدماء في الشرق الأوسط يجب أن يؤكد أن أي تسوية لاتحتوي على بذور صراع مستقبلي. تتطلب العدالة خطوة أولى تجاه تسوية وبالتأكيد هي تكون بالتراجع الإسرائيلي من كل الأراضي المحتلة في يونيو عام 1967، حملة عالم جديد مطلوبة لتساعد في جلب العدالة للمعانين منذ فترة طويلة في الشرق الأوسط."
سنوات راسل الأخيرة ووفاته
نشر راسل سيرته الذاتية في ثلاثة مجلدات في 1967 و1968 و1969. كتب في 23 نوفمبر 1968 إلى التايمز قائلاً أن التحضير من أجل المحاكم الصورية في تشيكوسلوفاكيا كان مقلقاً للغاية. في الشهر نفسه ناشد راسل الأمين العام للأمم المتحدة لدعم لجنة جرائم حرب دولية للتحقيق في جرائم الولايات المتحدة المزعومة في جنوب فيتنام. في الشهر التالي، احتج للأكسي كوسجين على طرد ألكسندر سلوزنستن من اتحاد الكتاب. في 31 يناير 1970، أصدر راسل بياناً يدين العدوان الإسرائيلي في الشرق الأوسط داعياً إلى انسحاب إسرائيل من الأراضي المحتلة عام 1967. وكان هذا البيان أخر موقف سياسي لراسل. وكان قد قرأ في المؤتمر الدولي للبرلمانيين في القاهرة يوم 3 فبراير 1970 بعد يوم من وفاته.
توفي راسل إثر إنفلونزا حادة في 2 فبراير 1970 في منزله في بلاس بينرهن في بنهرنديدرث في ميريتنشاري في ويلز. أحرقت رفاته في كلوين باي في 5 فبراير 1970. وحسب وصيته، لم تقم احتفالية دينية ونثر رماده على الجبال الويلزية لاحقاً ذاك العام.
في عام 1980، أقيم نصب تذكاري لراسل بتكليف من لجنة ضمت أي. جي. أير. ويتألف النصب من تمثال نصفي لراسل في ميدان ريد ليون في لندن نحته مارسل كوينتن.
الألقاب والأوسمة التي حملها
خلال حياته حمل راسل الألقاب التالية:
- من الولادة وحتى 1908 : الأونرابل برتراند آرثر وليام رسل
- من 1908 حتى 1931 : الأونرابل برتراند آرثر وليام راسل، FRS
- من 1931 حتى 1949 : الأونرابل رايت إيرل راسل، FRS
- من 1949 حتى وفاته : الأونرابل رايت إيرل راسل، OM، FRS
آراؤه
آراؤه حول الفلسفة
ينسب الفضل عموماً إلى راسل كأحد مؤسسي الفلسفة التحليلية. كان راسل من أشد المعجبين بغوتفريد لايبنتز (1646-1716) وكتب في كل مجال فلسفي رئيسي فيما عدا علم الجمال. امتاز راسل بغزارة الإنتاج وخاصة في مجالات الميتافيزيقيا والمنطق وفلسفة الرياضيات وفلسفة اللغة والقيم ونظرية المعرفة. وعند سؤال براند بلانشارج راسل عن سبب عدم كتابته عن علم الجمال أجاب الأخير أنه لا يعلم الكثير عنه "دون أن يكون ذلك عذراً جيداً إلا أن أصدقائي يقولون أن هذا لم يمنعن من الكتابة في مواضيع أخرى."
آراؤه حول الجنس
في الحقيقة، إن ما دعى وناضل لأجله راسل في يوم من الأيام، أصبح في يومنا هذا من البديهيات، كالحاجة لتوفير تثقيف جنسي حقيقي مثلًا، وأيضًا كالفكرة القائلة بأنه "من السخيف جدًا أن نطلب من الناس أن يدخلوا في علاقة أبدية من دون أدنى معرفة بمدى توافقهم الجنسي مع شركائهم." ومما لا يخفى على أحد أن راسل قد حظي بالعديد من العشاق، ورغم ذلك، لم يكن ساعيًا وراء اللذة فقط أو ممن يعتنقون المذهب النفعي فيها. لقد اعتقد أن الأشخاص المتحضرين لا يتمكنون من الوصول لإشباع جنسي كامل دون حب.
آراؤه حول الدين
يصف راسل نفسه بأنه لا أدري "حين يتحدث إلى جمهور فلسفي بحت"، ولكنه ملحد "حين يتكلم إلى الرجل العادي في الشارع"، يرى راسل أنه لا يستطيع دحض الإله المسيحي - على غرار الطريقة التي لا يستطيع بها دحض الآلهة الأولمبية. بالنسبة لمعظم حياته البالغة، حافظ راسل على وجهة نظره أن الدين هو أكثر قليلا من الخرافات، وعلى الرغم من أي آثار إيجابية قد يقدمها الدين، هو ضار إلى حد كبير على الناس. وأعرب عن اعتقاده بأن الدين والنظرة الدينية تعملان على إعاقة المعرفة وتعزيز الخوف والاعتمادية، وهي مسؤولة عن الكثير من حروب العالم والقمع والبؤس. وكان عضوا في المجلس الاستشاري للجمعية الإنسانية البريطانية ورئيس انسانيين كاردييف حتى وفاته.
آراؤه حول المجتمع
استنفذ نشاطه السياسي والاجتماعي جل وقته خلال شطر كبير من حياته مما جعل كتاباته الرائدة في مجال واسع من المسائل الفنية وغير الفنية أكثر جدارة بالانتباه. حافظ راسل على نشاطه السياسي حتى أخر عمره تقريباً حيث كان يكتب إلى قادة العالم ويوبخهم ويضم اسمه لنصرة قضايا مختلفة. ومن مأثور ما قاله "لا يستطيع أحد الجلوس إلى جانب سرير طفل يحتضر ويحتفظ بإيمانه بالله." " مشكلة العالم أن الأغبياء والمتشددين واثقون بأنفسهم أشد الثقة دائما، أما الحكماء فتملأهم الشكوك. "
أعماله المختارة
مراجع مختارة من كتب راسل
فيما يلي كتب مختارة من أعمال راسل بالإنجليزي مرتبة حسب سنة الإصدار.
- 1896. الديمقراطية الاجتماعية الألمانية. (بالإنجليزية: German Social Democracy)
- 1897. مقال حول أسس الهندسة. (بالإنجليزية: An Essay on the Foundations of Geometry)
- 1900. عرض نقدي لفسلفة ليبنز. (بالإنجليزية: A Critical Exposition of the Philosophy of Leibniz)
- 1903. مبادئ الرياضيات. (بالإنجليزية: The Principle of Mathematics)
- 1905. في التدليل، العقل. (بالإنجليزية: On Denoting)
- 1910. مقالات فلسفية. (بالإنجليزية: Philosophical Essays)
- مبادئ الفلسفة مع ألفرد نورث وايتهيد. (بالإنجليزية: Principa Mathematica)
- 1912. مسائل الفلسفة. (بالإنجليزية: The Problems of Philosophy)
- 1914. معرفتنا عن العالم الخرجي كحقل للمنهج العلمي في الفلسفة. (بالإنجليزية: Our Knowledge of the External World as a Field for Scientific Method in Philosophy)
- 1916. مبادئ إعادة البناء الاجتماعي. (بالإنجليزية: Principles of Social Reconstruction)
- 1916. العدالة خلال الحرب. (بالإنجليزية: Justice in War-time)
- 1917. المثل السياسية. (بالإنجليزية: Political Ideals)
- 1918. التصوف والمنطق ومقالات أخرى. (بالإنجليزية: Mysticism and Logic and Other Essays)
- 1918. طرق مقترحة إلى الحرية: الاشتراكية والأناركية ورابطة العمال. (بالإنجليزية: Proposed Roads to Freedom: Socialism, Anarchism, and Syndicalsim)
- 1919. مقدمة إلى فلسفة الرياضيات. (بالإنجليزية: Introduction to Mathematical Philosophy)
- 1920. الممارسة والنظرية البلشفية. (بالإنجليزية: The Practice and Theory of Bolshevism)
- 1921. تحليل العقل. (بالإنجليزية: The Analysis of Mind)
- 1922. مسألة الصين. (بالإنجليزية: The Problem of China)
- 1923. آفاق الحضارة الصناعية، بالتعاون مع دورا راسل. (بالإنجليزية: The Prospects of Industrial Civilization)
- 1923. ألف باء الذرة. (بالإنجليزية: The ABC of Atoms)
- 1924. إيكاروس أو مستقبل العلم. (بالإنجليزية: Icarus; or, The Future of Science)
- 1925. ألف باء النسبية. (بالإنجليزية: The ABC of Relativity)
- 1925. معتقداتي. (بالإنجليزية: What I Believe)
- 1926. حول التعليم وخاصة في مرحلة الطفولة المبكرة. (بالإنجليزية: On Education, Especially in Early Childhood)
- 1927. تحليل المادة. (بالإنجليزية: The Analysis of Matter)
- 1927. عرض للفلسفة. (بالإنجليزية: An Outline of Philosophy)
- 1927. لما لست مسيحياً. (بالإنجليزية: Why I Am Not a Christian)
- 1935. الدين والعلم. (بالإنجليزية: Religion and Science)
- 1959.حكمة الغرب . (بالإنجليزية: Wisdom of the West)
انظر أيضًا
الموسوعة
راســـل، برترانــد (1872 - 1970م). فيلسوف وعالم رياضيات بريطاني، يعدّ من أشهر فلاسفة القرن العشرين، كما وُصِف بأنه أهم علماء المنطق الذين ظهروا منذ عصر الفيلسوف الإغريقي أرسطو.
قدَّم راسل أعظم إسهاماته في المنطق الصوري ونظرية المعرفة، وإن كان تأثيره يتجاوز هذين المجالين؛ إذ طوَّر أسلوبًا نثريًا يتسم بدرجة مدهشة من الوضوح وسرعة البديهة وجيشان العاطفة، وحصل على جائزة نوبل للأدب عام 1950م.
أصبح راسل شخصية مؤثِّرة ومثيرة للجدل في القضايا الاجتماعية والسياسية والتعليمية، وكان مباشرًا في دعوته للسلام، ودعا لانتهاج مواقف ليبرالية إزاء الجنس والزواج ووسائل التعليم، وكان من منتقدي الحرب العالمية الأولى (1914م - 1918م). سجن عام 1918م بسبب تصريحات ضارة بالعلاقات البريطانية الأمريكية، ثم دخل السجن مرة أخرى عام 1961م بسبب التحريض على العصيان المدني في حملة تطالب بنزع السلاح النووي.
قدم راسل أعظم إسهاماته للفلسفة والرياضيات في مطلع القرن العشرين، وأراد أن يستمد جميع الرياضيات من المنطق، وبذلك أرساها على أساس متين. وتعاون راسل مع عالم الرياضيات والفيلسوف الإنجليزي ألفرد نورث وايتهد في مؤلفه الضخم المكون من ثلاثة أجزاء مبادئ الرياضيات (1910 - 1913م). وسعى في عمله هذا إلى إظهار أن جميع الرياضيات البحتة تتوالد من مسلمات منطقية تمامًا، وأنها لا تستخدم سوى المفاهيم التي يمكن تعريفها بمصطلحات منطقية بحتة. ورغم أن أفكاره نُقِّحت وطُوِّرت على أيدي علماء الرياضيات من بعده، لكن أفكاره كانت المنطلق لكثير من الإنجازات الحديثة في علم المنطق وقواعد الرياضيات.
وقدَّم راسل إسهامًا وافرًا في تاريخ الفلسفة بكتب مثل: عرض نقدي لفلسفة ليبنتز (1900م)؛ تاريخ الفلسفة الغربية (1945م)، وعبر عن أفكاره الاجتماعية والسياسية في عدد من الأعمال؛ منهاالديمقراطية الاجتماعية الألمانية (1896م)؛ سبل الحرية (1918م)؛السلطة (1938م)؛ السلطة والفرد (1949م).
ألف راسل في الأخلاق والتعليم أعمالاً مؤثرة؛ مثل: الزواج والأخلاق (1929م)؛ اقتناص السعادة (1930م). ودوَّن راسل كتابات كثيرة عن حياته، منها سيرة ذاتية نشرت بين عامي 1967م و1969م.
ولد راسل بالقرب من تريليك بويلز، شمال تشِــبْستو، واسمه الكامل برتراند آرثر وليم راسل؛ وهو من أسرة عريقة ونبيلة. وفي عام 1931م ورث لدى وفاة أخيه الأكبر لقب العائلة، فأصبح إيرل راسل.
عبد الرحمن بدوي
بلسوف انجليزي أسهم خصوصاً في ميدان فلسفة الرياضيات والمنطق الرياضي، وإن كانت شهرته الواسعة إنما ترجع إلى مواقفه وكتاباته السياسية والاجتماعية التي تتسم بالمفارقات والإثارة وروح المخالفة أكثر بما تتسم بالعمق في التفكيرأوالأصالة في الرأي. وقيمته الحقيقية الباقية هي فيما أسهم به في المنطق الرياضي وفلسفة الرياضيات، أما ما عدا ذلك من إنتاجه فعابر لن ييقى منه شيء.
حياته
برترند ارثر وليم رسل ولد في١٨ مايو سنة ١٨٧٢ في Ravenserofft بالقرب من ترلك Trellek (Monmouthshire) . وكان أبوه هوفايكونت أمبرلي Viscount Amberley وأمه ليدي أمبرلي، وقد توفيا حين كان برترند لا يزال طفلا، فتربى في بيت جده LordJohnRussell الذي صار فيما بعد ايرل رسا Earl Russell ، وسيخلفه في التلقب بلقب «أيرل» صاحبنا هذ برترند رسل في سنة ١٩٣١ . وتولى تعليمه مدرسون خصوصيون، إلى أن بلغ الثامنة عشرة فدخل كلية الثالوث Irinity بجامعة كمبردج حيث ركز دراسته في أول الأمر على الرياضيات . لكنه في السنة الرابعة من دراسته، تحول إلى دراسة الفلسفة فدرسها على يدي ماتجرت McTaggart واستاوت Stout اللذين اوقعا في نفسه ازدراء التجريبية البريطانية ووجهاه إلى الفلسفة الهيجلية ٠ ويصرح رسل بأنه أعجب آنذاك
ببرادلي وفلسفته الهيجلية المثالية. ومنذ تخرجه في جامعة كمبردج في سنة ١٨٩٤ حتى سنة ١٨٩٨ كان يعتقد ان الميتافيزيقا هي الكفيلة بحل مشاكل الكون بطريقة عقلية، بدلا من ادين، وكان رسل قد تخلى عن العقائد الدينية منذ الثانية عشرة من عمره، وسيظل كذلك حتى آخر حياته.
وكان رسل قد حصل على البكالوريوس من جامعة كمبردج مع مرتبة الشرف الأولى في الرياضيات في سنة ١٨٩٣ ، ثم في العلوم الأخلاقية (الفلسفة) في سنة ١٨٩٤ . وفي سدة ١٨٩٤ عين لبضعة أشهر ملحقاً شرفياً في السفارة البريطانية في باري ومن ثم سافر إلى برلين لدراسة علم لاقتصاد، وكتب أول مؤلفاته بعنوان «الديمقراطية الاجتماعية في ألمانيا» (سنة ١٨٩٦) وتزوج من أليس بيرسول اسميث 5 Pearsallلاا٨ Smith .
وفي سنة ١٨٩٥ انتخب زميلاً في كلية الثالوث بكمبردج.
ويحكي لنا رسل أنه في تلك الفترة كان متأثراً خصوصاً بكنت وبهيجل، وعند الخلاف بينهما كان يؤثر هيجل على كنت. وكتب مقالآ في مجلة اا العقل، Mind في سنة ١٨٩٦ عن العلاقات بين العدد والكم، وفيها كان هيجليا محضا : وفي سنة ١٨٩٧ نشر: «بحثاً عن أسس الهندسة». كان تعميقاً للرسالة التي تقدم بها للحصول على درجة الزمالة في كلية الثالوث بكمبردج، وفي هذا البحث كان متأثراً يكنت
بيد أن رسل في سنة ١٨٩٨ تحول عن المثالية وهاجمها. والسبب المباشر لهذا التحول هو أنه قرأ «منطق» هيجل فاقتنع بأن ما يقوله هيجل عن الرياضيات لغوباطل. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى تبين له وهو يحاضر عن ليبنتس مكان أستاذه ماتجرت الذي كان في إجازة، أن الحجج التي ساقها برادلي ضد حقيقة الإضافات relations إنما هي مغالطات. بيدأن رسل يؤكدهنا أهمية تأثيرصديقه مورع]4400.ت0.1 عليه وكانمور قد اعتنق ما عرف بعد ذلك باسم «الواقعية المحدثة» -New Realism، القائمة على الإقرار بصحة ما يقول به الإدراك المشترك .Common Sense
وفي تلك الفترة اندفع رسل في اتجاه الواقعية اندفاعاً شديداً سيضطر إلى التراجع عنه فيما بعد فقد أقر بنظرية الإضافات الخارجية وبالكثرة بل وأن النقط في المكان والآنات
٥١٨
سل
في الزمان هي كيانات حقيقية موجودة فعلا في الواقع الخارجي كموجودات قائمة برؤوسها.
وكانت ثمرة محاضراته عن ليبنتس كتاباً جيداً بعنوان « فحص نقدي لفلسفة ليبنتس» وقد شر سنة ١٩٠٠ وفي هذا الكتاب ذهب إلى أن ميتافيزيقا ليبنتس هي من ناحية انعكاس لدراسته المنطقية، ومن ناحية أخرى مذهب شعبي قصد به إلى تثقيف عامة الجمهور وتقوية إيمانه، وهومذهب يخالف ما كان ليبنتس يعتقده حقاً .
ويولي رسل أهمية خاصة، فيما يتعلق بتطوره الفكري، لتعرفه إلى إنتاج جوزبه بيانو 2200م (١٨٥٨ -١٩٣٢) الرياضي الإيطالي العظيم، وذلك أثناء حضوره مؤتمرا دوليا في باريس في سنة ٠ ٠ ١٩ . وكان رسل لم يطلع بعد على إنتاج جوتلوب فريجه Frege .ت الذي حاول رد الحساب إلى المنطق في كتابه المشهور: «القوانين الأساسية لعلم الحساب» (سنة ١٨٩٣-سنة ١٩٠٣ ). لكنقراءته لمؤلفات بيانوسرعان ما أثمرت ثمارها في تفكيررسل، هذه الئمار التي كشف عنها في كتابه «مبادى الرياضيات» الذي ظهرسنة ١٩٠٣.
وكان رسل قد انتهى من تحرير المسودة الأولى لهذا الكتاب عند هاية سنة ١٩٠٠، لكنه في سنة ١٩٠١ اصطدم بعقبة وصفها راما مناقضة antinomy في منطق الأصناف. فإنه عرف العدد الأصلي بأنه «صنف لكل الأصناف المشابهة لصنف معلوم» («مبادىء الرياضيات» ص ١١٥ط ٢ سنة ١٩٣٧). والمشكلة هي: هل صنف كل الأصناف عضو في هذه الأصناف، أو ليس بعضو ؟ وقد بعث رسل إلى فريجه برسالة يخبره فيها بوجود هذه المناقضة ويسأله حلها. وقد أجابه فريجه بأن علم الحساب مترنح. ولم فكر رسل في الأمر ملياً ، كتشف أن حل المشكلة يقوم في النظرية التي سماها باسم «نظرية الأنماط» of types 110٣٧.
وفي سنة ١٩١٢ أصدر رسل كتابا موجزاً بعنوان: «مثاكل الفلسفة» فيه تناول المشاكل الرئيسية في ميدان الفلسفة بوجهعام.
ثم بلغ رسل اوج نضوجه في العمل المشترك الذي قام به هو وألفرد نورث هويتهد بعنوان Principia Mathematica ويعد من اعظم الأعمال الفكرية في تاريخ الفكر البشري، ويتألف من ثلاثة مجلدات ظهرت من سنة ١٩١٠ إلى سنة ١٩١٣ . وفيه وضعا فلسفة الرياضيات على أساس جديد، هو
أن الرياضيات لبحتة يمكن ردها إلى المنطق، بمعنى أنه من الممكن بيان أن القضايا الرياضية يمكن أن تستنبط من قضايا منطقية بحتة، مع استخدام حدود منطقية خالصة.
ونتابع حياة رسل الخارجية، فنجده يصرح في كتابه «تطور فلسفى» Development اهعا٦ا00؟0انا0 My أنه من أغسطس سنة ١٩١٤ حى نهاية سنة ١٩١٧ كان منهمكاً كل الاغهماك في أمورتتعلق بمعارضته للحرب. وهذه الأمورعبر عن رأيه فيها في كتابين: «مبادى ء إعادة البناء الاجتماعي» وكتاب: «العدالةفي زمن الحرب» وكلاهماظهرفيسنة١٩١٦ ، بالإضافة إلى طائفة من المقالات والخطب التي تتعلق كلها بالحرب، وفيها جميعاً يدعوإلى السلام ونبذ الحرب. وكانت نتيجة نضاله هذا في سبيل السلم ونبذ الحرب أن فصل من وظيفته زميلا في كلية الثالوث بجامعة كمبردج، ثم أودع السجن في سنة ١٩١٨، وبقي مسجوناطوال ستة أشهر.
ثم زار الاتحاد السوفييتي وكان حديث العهد بثورته الشيوعية، وقابل لينين وتروتسكي وجوركي فكان لهذه الزيارة اثر عكسي تماماً، إذ طامنت من حماسته للاشتراكية وجعلته يقف منها موقفا نقديا صريحا، كما يتجلى ذلك في كتابه الذي أصدره بعد هذه الرحلة مباشرة بعنوان: «البلشفية: النظرية والتطبيق» (سنة ١٩١٩).
وعمل أستاذاً في بكين في الصين سنة .١٩٢ - ١٩٢١ . وطلق زوجته وتزوج من دورا وينفرد بلاك Dora Winfred *اع2ا8اوكانت زميلته في كلية Girton في جامعة كمبردج. ومع هذه الزوجة الثانية أنشأ مدرسة تقدمية في سنة ١٩٢٧ بالقرب من Petersfield ني سكى ليطبق فيها نظرياته التربوية التي عرضها في كتابيه : «في التربية» (سنة ١٩٢٦) و«التربية والنظام الاجتماعي» (سنة ١٩٢٧).
وفي سنة ١٩٣٢ أصدر كتابه «الزواج والأخلاق» فأثار ضجة كبرى بسبب ما فيه من اراء جريئة منافية للمألوف، وازدادت الضجة حول هذا الكتاب لما أن طلق رسل زوجته الثانية في سنة ١٩٣٤ .وقد استمرت هذه المدرسة من سنة ١٩٢٧ لى سنة ١٩٣.
وفي اثناء هذه الأحداث كلها، كان رسل يواصل التأليف. ففي سنة ١٩١٨ أصدر كتاين هما: «التصوف والمنطق ومقالات أخرى» وكتاب :«الطرق إلى الحرية: الاشتراكية، الفوضوية، النقابية» وفي أثناء سجنه في سنة
صا
٥١٩
١٩١٨ ألف كتابه : «المدخل إلى الفلسفة الرياضية» وهوموجز جيد لأبحاثه في المنطق الرمزي وفلسفة الرياضيات، وقد نشره سنة١٩١٩. وفي سنة ١٩٢١ نشركتابه «تحليل لعقل»، وفي سنة ١٩٢٧ كتاب: «تحليل المادة»، وفيسنة ١٩٣١ «النظرة العلمية»، وفي سنة ١٩٣٤ : «الحرية والتنظيم من سنة ١٨١٤ إلى سنة ١٩١٤»، وفي سنة ١٩٣٥ : « الدين والعلم» ، وفي سنة ١٩٣٨ : «السلطة: تحليل اجتماعي جديد».
وعين أستاذا في كلية المدينة في جامعة نيويورك، فأثار تعيينه احتجاجات عنيفة من جانب رجال الدين ودافعي الضرائب، ضد «عدو الدين والأخلاق» هذا، كمانعتوه. ففصلته الجامعة واستصدرت حكما من إحدى المحاكم بأنه «غير جدير بأن يقوم بتدريس الفلفة في كلية الجامعة في نيويورك» كما ذكر ذلك رسل تحت اسمه على صفحة عنوان كتابه : « بحث في المعنى والحقيقة» ٠ (سنة ١٩٤٠)، وكان ذلك وصمة عار ما بعده عار على جبين الجامعات الأميركية والقضاء الأميركي وعقلية الشعب الأميركي بعامة. وحاولت مؤسسة بارنس Barnes Foundation في نيويورك أن تزيل وصمة العار هذه وعينته أستاذاً فيها، لكنها ما لبثت بسبب الاحتجاجات من كل جاب أن فسخت عقدها بعه مما اضطره إلى رفع قضية أمام المحاكم الأميركية، وكسب القضية لأسباب شكلية بحتة تتعلق بنصوص العقد.
وتزوج رسل للمرة الثالثة في سنة ١٩٣٦ من هيلانة بترشيا اسبنس Helen Patricia Spence وكانت تساعده في تحضيرمواد كتابه: «الحرية والتنظيم».
وهاجم الفاشية في كتابه : «في مدح البطالة ومقالات أخرى» (سنة ١٩٣٦ ). وتخلى عن النزعة إلى السلام، واندفع في الاتجاه المضاد، أي لدعوة إلى الحرب وتمجيدها، اندفاعا شديداً ابتداء من سنة ١٩٣٩ ، واستمر في هذ الاتجاه الجديد حتى بعد أن وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها في سنة ١٩٤٥، فراح يحث أميركا على ضرب روسيا بالقنبلة الذرية حينما كانت أميركا لا تزال تحتكر وحدها هذا السلاح الرهيب.
لكنه تحول من جديد إلى السلام في سنة ١٩٤٩ حين دعا إلى نزع السلاح، وبعث برسائل إلى كبار قادة العالم السياسيين يحثهم فيها على نزع السلاح واستمرفي هذا الاتجاه الجديد القديم حتى وفاته. ومن هنا نجده يهاجم أمريكا لتورطها في حرب فييتنام، ويأخذ بجانب كوبا في أزمة الصواريخ المشهورة
في سنة ١٩٦٢ ومن ضمن نشاطم في تلك الفترة انشاؤه مع اخرين مثل سارتر ما عرف باسم «محكمة رسل» لمحاكمة مثيري الحروب، والمقصود خصوصاً أميركا في حربها في فييتنام. لكنها كانت محكمة أدعى إلى السخرية والاستهزاء منها إلى أن تؤخذ بمأخذ الجد. وكانت خنزوانة من شيخ هرم جاوز التسعين يحرص على أن يظل اسمه يتردد على مسامع الناس بأي ثمن.
أما عن حياته الخاصة، فإنه طلق زوجته الثالثة في سنة ١٩٥٢ وتزوج للمرة الرابعة في نفس السنة من قصصية أمريكية تدعى أديث فنش Edith Finch ويعجب المرء لحرصه الغريب هذا على معاودة الزواج رغم تطليقاته المتوالية.
وفيسنة ١٩٤٤ كانت قد أعيدت له الزمالة في كلية الثالوث في كمبردج وفي سنة ١٩٤٩ ألقى سللة أحاديث في الإذاعة البريطانية 818 في موضوع: «السلطة والفرد».
وفي سنة ١٩٥٠ حصل على جائزة نوبل في الآداب.
فلفته
١ - ما هي مهمة ا لفلفة في العصر الحاضر :
نشأ رسل في فترة ووجهت فيها الفلسفة بهجمات عديدة خصوصاً من جانب المذهب الوضعي وأصحاب النزعة العلمية المغالية، ودعاة الواقعية - تمهدف إلى تقليص مهمة الفلسفة.
وقد أدلى رسل بدلوه في هذه المسألة، ورأيه هوأن مهمة الفلسفة ليست تقوم في تحصيل مجموع من الحقائق، مثل سائر العلوم،بلي البحث فيما لم يتيسر الحصول على جواب عنه من مائل. ذلك أن ما يتكون عنه مجموع من الحقائق في موضوع ما، سرعان ما يستقل عن الفلسفة ويصبح علماً قائماً براس: فدراسة الكواكب، مما يدخل الآن في علم الفلك، كانتكلها داخلة في الفلسفة. وكتاب نيوتن العظيم عنوانه: »المبادى، الرياضية للفلسفة الطبيعية«. ودراسة النفس كانت جزءا من الفلسفة، ثم استقلت وكونت ما يمى باسم علم النفس «فالمسائل الممكن تحصيل أجوبة نهائية عنها توضع في العلوم، بينما تلك التي لم تحصل على جواب نهائي عنها حتى الآن تبقى لتكون البقية التي تسمى: فلسفة».
ثم إن هناك مائل ستبقى - مهما تفاءلنا - غير قابلة للحل منجانبالعقللإنساني، اللهم إلا إذاصارت قواه من
رسل
نوع اخر مختلف تماما عما هي عليه اليوم. فمن ذلك المسائل ادالة:
هل في الكون وحدة في التصميم أو الغاية، أو هومجرد تلاق عارض لمجموعة من الذرات ؟
هل الوعي جزء ثابت من الكون، يؤمن في نمومستمر مطرد للحكمة، أوهوعار^علىكوكبصغيرمصيره لمحتوم ان تصبح الحياة عليه مستحيلة ؟
هل الخيروالشرذوأهمية بالنسبة إلى الكون، أوأن أهميتهما هي فقط بالنسبة إلى الإنان ؟
حقاً لقد اجاب فلاسفة عديدون عن هذه الأسئلة، ولكن إجاباتهم ليت من الدقة والاحكام بحيث تعد نهائية. وسيظل من مهمة الفلسفة الاستمرار في التأمل في مثل هذه المسائل، وفي جعلنا نشعر بأهميتها، وفي النظر في كل المحاولات التي بذلت من اجل إيجاد حل لها، وفي المحافظة على الاهتمام النظري بالأمور العامة في لكون.
«وقيمة الفلسفة ينبغي ان تنشد - على النحو ا لأوسع - في عدم يقين إجاباتها. إن الانان الذي لم يشد حظاً من الفلسفة يسيرفي الحياة سجين الأحكام المألوفة السابقة المستمدة من الإدراك العام، ومن العادات والعقائد المألوفة في عصره أو مصره، ومن معتقدات غت في ذهنه دون تعاون ولا موافقة صريحة من عقله المفكر. والعالم يبدو لمثل هذا الإنان كأنه نهائي واضح، محدد المعالم، والأمور المألوفة لاتثير عنده تساؤلات، وهوينبذ-باحتقار-الممكناتغيرالمألوفة. لكنحين يبدأ في التفلسف، يجد أن أمور الحياة اليومية نفسها تفضي إلى مشاكل لا يمكن أن يقدم عنها غيرحلول ناقصة كل النقص. والفلسفة، وان كانت غيرقادرة على أن تخبرنا بيقين عن الجواب الصحيح للشكوك التي تثيرها، فإنها قادرة على اقتراح إمكانات عديدة توسع من آفاق فكرنا وتحرر أفكارنا من سلطان العادة الطاغي».
كذلك للفلسفة قيمة أخرى، ربما كانت قيمتها الرئيسية، مستمدة من عظمة الموضوعات التي تتأمل فيها، ومن الحرية من الأغراض الضيقة والشخصية الناشئة عن هذا التأمل. إن حياة الرجل المقود بالغرائز هي حياة حبيسة داخل دائرة من الاهتمامات الخاصة الشخصية، وقد تشمل الأسرة،
والأصدقاء ، لكن العالم لخارجي لا يلتفت إليه إلا من حيث أنه يمكن أن يساق أو يعيق أويدخل في نطاق الرغبات الغريزية. وإحدى وسائل النجاة من هذا لمحيط الضيق الذي تسيطرعليه الحياة الشخصية المبنية على الغرائز هي التأمل الفلسفي الذي يجد رضاه في كل توسيع لدائرة الذات، وفي كل شيء يرفع من شأن موضوعات التأمل، وبالتالي من الذات المتأملة.
وخلاصة القول هي أن الفلسفة ينبغي أن تدرس، لا من أجل الحصول على إجابات نهائية للمسائل التي تهتم بها،إذلا تعرف - في الغالب - جوابات نهائية صحيحة لها، ولكن تدرس من اجل هذه المسائل نفسها، لأن هذه المسائل توسع من أفق تصورنا لما هومكن، ويغفي خيالنا العقلي، وتقلل من التوكيد الدوجماتيقي الذي يغلق السبيل أمام العقل في التأمل قبل كل شيء ٠ نحن ندرس الفلسفة لأنه من خلال عظمة الكون الذي تتأمله الفلسفة يصير العقل هو نفسه عضليا، ويصبح قادراً على بلوغ ذلك الاتحاد مع الكون، الذي هوأسمى تحررننشده («مشاكل الفلسفة» ص ١٥٣-١٦١، اكسفورد سنة ١٩١٢).
٢ - معرفتنا بالعالم الخارجي:
ويقترح رسل للفلسفة منهجاً جديداً يسميه باسم «منهج التحليل المنطقي logical analytic أ method ، عرضه فيكتابه : «معرفتنا بالعالم الخارجي» (سنة ١٩١٤ ). وهولي منهجا جديداً في الواقع، بل سبقه إليه مؤسسو امنطف الرياضي في القرن التاسع عشر خصوصا جورج بول Boole وجوزبه بيانو Peano وجوتلوب فريجه Frege . ويسمى هذا المنهج أبضاً باسم «الذرية المنطقية» . Logical atomism
وهذا المنهج يستخدم نتائج المنطق الرياضي ونتائج التقدم في فلسفة الرياضيات وفي ميدان الرياضيات نفسها، ويستخدم ما أتت به من تعبيرات مثل: صنف class، إضافة relation، ظام order - ابتفاه إيضاحبعضالمشاكلالتقليدية في الفلسفة، ورسل إنما يعني منها بتلك المتعلقة بطبيعة العالم الخارجي، والعلاقة بين عالم الفيزياء وعالمنا المحسوس المألوف للإدراك العام، كيا يهتم بمشكلة لمكان والزمان، والاتضال واللامتناهي، والعلية. ورسل في كتاه هذا - : « معرفتنا بالعالم الخارجي»- يحاول تطبيق منهج التحليل المنطقي في حل هذه لمشاكل، زاعماً أن هذا المنهج كفيل بحلها أو في القليل بإيضاحها. غيرأنه سرعان ما يتدارك نفسه من هذه الدع ى
رمل
العريضة فيصرح نأن النتائج التي وصل إليها ليست نهائية، بل هي مجرد محاولات ناقصة . لكنه يصر مع ذلك على القول بأن أي حل أكمل سينكشف، فإنه لا محالة مبني على منهجه هذا فيالتحليل المنطقي!
ويستهل رسا بحثه بالفحص عن فلسفتين سائدتين آنذاك، هما فلسفة برادلي، وفلسفة برجسون - إبتغاء الكشف عما فيها من «أخطاء» بحسب زعمه . أما برادلي فإن رسل يأخذ عليه أنه وجد أن عالم الحياة اليومية مليء بالتناقض، فحكم عليه بأنه مظهر Ipperance فحسب م وليس واقعاً حقيقياً Reality. ويقول رسا أن خطأبرادلي هوأنه حاول أن يحددطابع العالم بواسطة البرهان العقلي الخالص دون الاستناد إلى التجربة وا لبحث فيها.
أما برجسون - هكذا يرى رسل - فقد اعتقد أن لواقع يتصف أساسا بالنمو والتغير المستمر، فاستنتج من هذا أن المنطق والرياضيات والفيرياء هي من الا'—تاتيكية بحيث لا يمكن أن تصف ال اقع وتقرر قوانينه، وأنه لادراك الواقع لا بد من ملكة أخرى هى الوجدان intuition . ويرى رسل أن برجسون أخط خطأ مزدوجاً:
(الأول) هو أنه وقد تصور أن الحياة تطور وتغير مستمر فانه افترض أن باقي العالم لا بد أن يكون كذلك : في تطور وتغير مستمر. وقد أخطأ درجسون - في نظر رسل - لأنه لم يدرك أن الفلسفة عامة تشمل كل الكون، ولا تتوم على علم واحد بعينه هوهنا علم الحياة
(والثاني) هوأنإلحاحه على الحياة يوحي بأنه اعتقد أن الفلسفة تهتم بمصيرالانسان، بيب لواقع - في نظررسل -هوأن الفلسفة اغما تهتم بالمعرفة لذات المعرفة لا من أجل جعل الناس سعداء.
فان قيل لرسا ان امنطق ستعمله الفلاسفة من قبل في حل المشاكل لفلسقية، أجا بأن ذلك كان على نحوناقص غيرسليم فالقياس قدأهمل شيئافشيئا، والمنطق لاستقرائي الذي دعا اليه ف نسس بيكون وجون استيورت مل قد تبين أنه غير واف بالمطلوب، لأنه لا يستطيع أن يبين لماذا نحن نعتقد في تقريرات مثل ان الشمس ستشرق كل صباح. واعتقادنا في العلية المطردة لا يمك أن يكون قبليا a priori لأنه معقد جدا إذا ما صيغ بدقة، كما لا يمكن عده مصادرة postulate ، وإلا لكان
عاجزاعن تبرير أي استدلال، كما لا يمكن اثباته بالاستقراء لأن ذلك سيكون مصادرة على المطلوب.
كذلك ينعي رسل على هيجل أنه خلط المنطق با لميتا فيزيقا.
وينتهي رسل من هذا النقد الى الادعاء أن المنطق الرياضي هو وحده الكفيل بأن يزودنا بالأداة اللازمة لحل المثاكل اسفية.
ما هوالمنطق لرياضي في نظررسل؟ انهفيآن واحدفرع من الرياضيات ومن المنطق القابل للتطبيق على الرياضيات. وخاصيته الرئيسية هي أنه شكلي بحت، مستقل عن كا , مادة أو موضوع: وموضوعه هو القضايا، والنمط الرئيسي في القضايا هو القضايا الذرية Atomie propositions مثل: «سقراط نسان» والقضايا الجزيئية Molecular، وهي قضايا ذرية إلآأنها ربطت بالأدوات: واوالعطف، إذا، أو، الا اذا، ثم القضايا العامة (الكلية) مثا : «كل انان فان» كذلك لا بد من معرفة ببعض الحقائق غير المستمدة من التجربة مثل استنتاجنا ان «كل انسان فان» من مشاهدة ما جرى لمن نعرف من الناس. فهذا الاستنتاج يقوم على معرفة قبلية غير مستمدة من فحص التجربة، لأن التجربة لا تعطينا إلا أحوالا جزئية. فهناك اذن حقائق عامة ما أنها بينة بنفسها، وأما أنها مستنتجة من حقائق أخرى عامة. ثم يشرع رسل في تطبيق منهج التحليل المنطقي على مشكلة عويصة من مشاكل الفلسفة التقليدية وهي مشكلة: كيف نعرف العالم الخارجي؟ وهي مشكلة المعرفة بعامة. فيقول : ان المعرفة على نوعين :
١ - علمنا بموضوعات الحياة اليومية : الأثاث الذي نجلس عليه، البيوت التي نسكنها أودخلها، الناس الذين نختلط ٣م، الخ.
٢- علمنا دوس المنطق.
ويمكن ان نسمي هذه المعرفة بالمعطيات الصلبة hard data لأن من النادر أن نشك فبها، وإذا حاك في صدرنا شك عنها فسرعان مايتبدد . وربما كانت غالبيتنا تميل الى أن تضيف إلى هذه المعطيات الصلبة بعض الحقائق المستمدة من الذاكرة، وبعض العلاقات المكانية والزمانية وبعض المقارنات مثل أن هذا اللون شبيه يهذا اللون.
ويرى رسل أن هناك بعض المعتقدات التي يمكن
رسل
استبعادهامن هذه المعطيات: منذلك الاعتقادأن الموضوعات تبقى حين لا نكون مدركين لها ٠ من هذا النوعأيضا اعتقاد وجود عقول واشياء خارج عقلنا يكشف عنها التاريخ والجغرافيا , وهذه الأمور يمكن أن تسمى «معطيات لينة» soft 213ل لأن من الممكن وضعها موضع الشك، وهي مأخوذة من اعتقادنا في المعطيات الصلبة . والمشكلة هي في تحديد هل وجود شيء ما خارج معطياتنا الصلبة يمكن ان يستنتج من هذه الأخيرة. ويصوغ رسل السؤ ال على النحو التالي : هل توجد أشياء مستقلة عن «ذواتنا» فيها من الغموض بحيث لا يمكننا من حل المسالة؟ والأمر الواضح هو ان مظاهر الشيء- لونه وشكله وحجمه - تتغير بحسب قربنا منه، أو بعدنا عنه ، أو دوراننا من حوله. ورسل يسمي هذه المظاهر : «معطيات الحس» . فإننا إذا درنا حول هذا الشيء وجدنا أن معطيات الحس تتغير، وذلك بحسب حركاتنا حوله. فالأشياء مشاهدة من منظور معلوم لشخص ما هو«عالم خاص» بهذا الشخص. و كذلك لكل عقل اخر عالمه الخاص في نظره إلى الأشياء. وعلى هذا النحو يمكن تحديد شيء ما بأنه «صنف» class كل منظوراته. وهذا أسلم من استنتاج شيء لكشف نفسه عن طريق هذه المنظورات perspectives. والمنظورات واقعية حقيقية وتؤلف معطيات صلبة، اما الشيء فأمرمستنتج ويمكن أن يكون خطأ . و«الصنف» هو مجرد تركيب منطقي ونحن بهذا قد احللنا تركيبا منطقيا محل كيان مستنتج. وهذا التفسيريتفق مع الوقاع، ولا يتعارض مع أية بينة تجريبية، وخال من أي تناقض منطقي.
وعلى هذا النحو ظن رسل أنه استطاع أن يحل مشكلة : كيف نعرف العالم الخارجي؟ انه يقرر أن موضوعات الفيزياء والادراك العام هي تركيبات منطقية مؤلفة من معطيات الحس . يقول: واعتقدأن من الممكن أن نقرر بوجه عام، أنه بالقدر الذي به يمكن التحقق من صحة الفيزياء والادراك العام،لابد انه من الممكن تفسيرها عن طريق معطيات الحس وحدها» («معرفتنا بالعالم الخارجي» ص٨٨ - ٨٩)
لكننا نجد رسل في اوائل سنة ١٩١٥- أي بعد ظهور هذا الكتاب بقليل - يقول في محاضرة ألقاها ونشرت بعد ذلك ضمن كتابه «التصوف والمنطق« (سنة ١٩١٨) يقول انه بينما جزئيات الفيزياء الرياضية هي تركيبات منطقية ورموزمفيدة، فإن معطيات الاحساس والموضوعات المباشرة للبصر أو اللم أو السمع توجد خارج العقل، وهي فيزيائية محضة، ومن بين
العناصر الأخيرة في تركيب المادة» («ا لتصوف والمنطق ومقالات اخرى» ص١٢٨ ) ويقول أيضا «أن معطيات الحس هي من بين عناصر العالم الفيزيائي لأخيرة تلك التي تصادف أننا على وعي بها» (الكتاب نفسه ص١٤٣).
على كل حال، يمضي رسل في بيان ما هو الشيء، فيقول أن الأشياء الثابتة يمكن بناؤها منطقيا إذا وجدنا طريقة لبناء ما نسميه عادة باسم «مظاهر الشيء الواحد» . لكن وجود نوعمن الاتصال (أو الاستمرار) بين الظواهر وأن كان ضروريا فإنه لا يكفي لتحديد الشيء ، بل تحتاج بالاضافة لى ذلك الى كون مظاهر الشيء الواحد تخضع لقوانين فيزيائية معينة.
لكن القول بأن الشيء هوتركيب منطقي ليس معناه ان من الممكن الاستغناء عن التكلم عن الأشياء المادية بوصفها موجودات. فمثلا «المنضدة» على الرغم من أها من ناحبة التحليل الفلسفي المنطقي هي مجردتركيب منطقي مؤلف من معطيات الحس، فإنه يحق لنا أن نقول إنه توجد منضدة. فلأغراض اللغة العادية يحق لنا أن نستمر في التحدث عن المناضد والأشجار، إلخ. . على الرغم من اننا نعلم أي مجرد تركيبات منطقية مؤلفة من معطيات الحس.
ويحلل رسل قضايا الوجود مثل: يوجد ناس في كانتون (في الصين)، لكني لا استطيع أن أدل على واحد بالذات، لأني لا اعرف أحدا هناك . هذه القضية يقول عنها رسل انها تتعلق بأفراد واقعيين حاضرين.«أن الوجودهو أساسا خاصية لدالة قضاثية» («المنطق والمعرفة» ص٢٣٢). والفارق بين القضية والدالة القضائية (وهذا الاصطلاح مأخوذمن الرياضيات) هو أن القضية محددة الحدود، بينما الدالة القضائية تحتوي على مجهول أو أكثر، ولهذا فإن القضية لا تحتمل إلا الصدق أو الكذب، أما الدالة القضائية فلها أحوال: فتكون صادقة ان وضعنا مكان المجهول حدا مناسباً، وتكون كاذبة إذا وضعنا مكان المجهول حدا باطلا أوغيرمناسب، ، وتكون خالية من المعى إذا وضعنا حدا لا يعطي أي معفى في سياق القضية (راجع تفصيل ذلك في كتابنا: «المنطق الصوري والرياضي» ص٣١٤-٣١٧).
٣-يلال:
لكن فكر رسل يتطور ابتداء من سنة ١٩٢٠، فينبذ دور معطيات الحس في تكوين المعرفة، بعد أن كان يجمع بينها وبين
صل
التركيب المنطقي في إدراك الأشياء . إذ نجده في عرضه لتطور فكره حوالي سنة ١٩٢٠ يقول في كتابه «تطور فلسفتي» (وقد ظهرسنة ١٩٥٩): «في كتابي «تحليل العقل» (سنة ١٩٢١) تخليت بوضوح عن معطيات الحس» («تطور فلسفتي» ص ١٣٥)-أي أنه تخلى عن نظريته القائلة بأن الاحساس فعل معرفة وأن معطيات الحس موضوعات فيزيائية للوعي النفسي. وتبعا لذلك لم يعد رسل يقول بوجود شعور (وعي) منا بوجود أشياء فيزيائية في الخارج - وقد تأدى به ذلك إلى نوع من الهووحدية Solipsism ، وانتهى إلى التصريح بأن «الأحكام السابقة والعادة هي التي تجعلنا نقول بوجود العالم» («النظرة العلمية» ص ٩٨) . وإذا كات تجربتي تدلني على وجود عقول اخرى، «فانه من ناحية المنطق المحض، يمكن أن تكون عندي هذه التجربة دون أن توجد عقول أخرى» (تطور فلسفتي» ص ١٩٥).
٤ - الاستقراء العلمي:
وفيكتاب «المعرفة الانسانية مداهاوحدودها» (سنة ١٩٤٨) يبحث في الاستقراء العلمي ومبرراته. ما الذي يبرر اانتقال من جزئيات محدودة بالضرورة إلى تقرير قانون عام وضروري؟ وهل القوانين ضرورية، أواحتمالية؟
وفي هذا السبيل يبحث رسل في طابع ما تقرره القوانين : هل هي تقرر علاقات مفهوم، أومجرد علاقات اندراج بين الأصناف؟ . وينتهي إلى القول بأن هذه العلاقات هي علاقات مفهوم relations of intension «ذلك لأنه حين يبدو الاستقراء بمكنا، فهذا إنما يكون لأننا ندرك أن علاقة بين المفهومات المعبر عنها لا تبدو لنا غير محتملة. وقضية مثل : المناطقة الذين تبدأ أسماؤهم بحرف Q يعيشون في الولايات المتحدة الأميركية يمكن، بالاحصاء التام، أن تكون صحيحة. لكن لا يمكن ان نعتقد ذلك إستنادا إلى أسس استقرائية، لأننا لا نرى السبب في كون فرنسي، وليكن اسمه Quetelet ، يترك وطنه حينما يشتغل بالمنطق. وما يفعله الاستقراء، في أحوال مناسبة، هو أن يقرر علاقة محتملة بين مفهومات. ويمكنه أن يفعل ذلك حتى في الأحوال التي فيها يتبين أن لمبدأ العام الذي يقرره الاستقراء هو مجرد تحصيل حاصل. فقد نلاحظ أن :
٢١
١ ٣+ =٢٣
٣١+4٥-٢٤
ونقترح ان مجموع الأعداد الأولية التي عددهاعهودائما ع٢ وإذا وضعت هذا الفرض، فإن من السهل أن تبرهن عليه بالاستنباط. لكن، إلى أي مدى يمكن رد الاستقراءات العلمية العادية، مثل: «النحاس موصل للكهرباء» - إلى تحصيلات حاصل؟ هذا سؤال في غاية الصعوبة وغامض جدا. فثمة تعريفات عديدة ممكنة للنحاس. والجواب يتوقف على التعريف الذي اخذ به ومع ذلك فلست اعتقد أن العلاقات بين المفهومات - مما يبرر قضايا مثل القضايا التي على صورة : كل أ هيب -يمكن دائما أن ترد إلى تحصيلاتحاصل. وإفي أميل إلى الاعتقاد بأن هناك علاقات بين هذه المفهومات لا يمكن اكتشافها إلآ بطريقة تجريبية ولا يمكن-لاعقليا ولا نظريا-البرهنة عليها منطقيا» («المعرفة: مداها وحدودها» ص ٠ ٤).
ويبحث رسل في العلاقة بين الاستقراء والاحتمال، وينتهي إلى النتائج التالية:
١ - ليس في النظرية الرياضية للاحتمال ما يبرر أن نعتبر الاستقراء - سواء منه الجزئي والعام - محتملا، مهما تكنوفرة عدد الأحوال الموافقة.
٢ - إذا م نضع حدا لطابع التعريف بالمفهوم للصيغتين أ ، ب الداخلتين في الاستقراء، فانه يمكن ان يتبين ان مبدأ الاستقراء ليس فقط مشكوكا فيه، بل وأيضا باطل، أعني أنه إذا اعطينا أن ع أعضاء في الصنف أ تنتسب إلى صنف آخر هوب، فإن قيم ب التي لا ينتسب فيها العضو التالي من أ-إلى ب هي اكبر من القبم التي فيها اسو التاى من أ ينتسب إلى ب، اللهم إلا إذا كانعليسأقلكثيرامن مجموع الأشياء في العالم.
٣-ما يسمى ب «الاستقراء الشرطي» hypothetical induction - وفيه تعتبرالنظرية العامة محتملة لأن كل نتائجها الملاحظة قد حققت- لا يختلف جوهريا عن الاستقراء الاحعاء (بالعد) لبسيط، لأنه ذا كانت ق هي النظرية، وأ هي صنف الظواهر، وب صنف نتائج ق، فإن ق تكافىء «كل أ هي ب» والبينة ل ق تحصل بالعد البسيط.
٤ - إذا كان للبرهان الاستقزائي أن يكون له حظ الصدق، فإن المبدأ الاستقرائي يجب ان يصاغ مع بعض التحديد limitation الذي لم يكتشف بعد. والادراك العلمي العام ينفر، عمليا، من أنواعمختلفة من ااستقراء.
٥-الاستنتاجات العلمية، إن كانت صحيحة بوجه عام،
٥٢٤
سل
فيجب أن تكون كذلك بفضل قانون أو قوانين طبيعية، تقرر خاصية تركيبية synthetic للعالم الواقعي، أو جملة خواص من هذا النوع. وصدق القضايا التي تقرر مثل هذه الخواص لا يمكن ان يصبح محتملا بواسطة أي برهان من التجربة لأن امثال هذه البراهين،حينتتجاوز التجربة الموجودةحتى لان، تتوقف من اجل صحتها على مبادىء موضوع البحث (الكتاب نفسه ص٤١٧ ٤١).
ويبحث رسل طويلا في مبادىء المعرفة العلمية، وينتهي إلى استخلاص خسة مبادىء أومصادرات وهي :
١ - مصادرة شبه الاستمرار quasi-permanence ومفادها أننا إذا أعطينا الحادث أ، فإنه يحدث غالبا أن حادثا مشابها جدا ل أ يحدث في مكان قريب وزمان قريب. وهذه المصادرة تمكننا أن نعمل - مثلا - بتصور الادراك العام للشخص أو الشيء دون أن نلجاً إلى المفهوم الميتافيزيقي للجوهر.
٢ - مصادرة الخطوط العلية القابلة للفصل separable causal lines . ومفادهاانمن الممكن في أحوال كثيرذأن تكون سلسلة من الأحداث بحيث يمكن من عضوواحد أوعضوين في السلسلة ان نستنتج شيثاً عن باقي الأعضاء . وهذا مبدا اساسي في الاستقراء العلمي، لأنه على أساس فكرة الخطوط العلية نستطيع ان نستقرىء الأحداث البعيدة من الأحداث القريبة.
٣ - مصادرة الاتصال امكانفي - الزماني ، وهي تفترض مقدما المبدأ الثاني وتشير إلى الخطوط العلية، وتنكر الفعل من بعد، وتقرر انه حين يوجد ارتباط علي بين أحداث غيرمتصلة، فإنه ستكتثف حلقات متوسطة في السلسلة.
٤ - امصادرة البنيوية structural وتقررأنه حينمايحدث عدد من المركبات المتشابهة في البنية حول مركز هي غير مفصولة عنه كثيرا، فإنه في عامة الأحوال تكون كلها اعضاء في خطوط علية أصلها في حادث ذي بنية مشابهة يحدثه في المركز. لنفرض مثلا أن عددا من الأشخاص واقفون في ميدان عام في مواضع مختلفة وهناك خطيب يخطب أو جهاز راديو يذيع، ولهؤلاء الأشخاص تجارب سمعية متشابهة، فإن هذه المصادرة تضفي اخمالا سابقا على الاستنتاج القائل بأن تجاربهم المختلفة مترابطة عليابالأصوات التي يبثها الخطيب أوالراديو.
٥ - مصادرة قياس النظير، وتقول انه إذا كان - حين يلاحظ صنفان من الأحداث أ، ب، فإن هناك ما يدعوإلى
الاعتقاد بأن أ هي السبب فيب-فإنه في حالة معطاة إذا كانت أ تحدث ولا نستطيع ان نلاحظ هل ب حدثت أو لم تحدث، فإن من المحتمل أن تحدث . ويرى رسل أن من مزايا هذه المصادرة أنها تبرر الاعتقاد في وجود عقول أخرى.
تلك هي المصادرات الخمس الخاصة بالاستنتاجات غير البرهانية. وهى مصادرات فقط، لأنه لا يمكن البرهنة عليها لا قبليا، ولابعدياً عن طريق التجربة، لكننا نصادر عليها مصادرة، أي نسلم بها لأنها تفيد في تحديد الاستنتاج العلمي .
٥- الأخلاق والدين:
«كل نشاط إنسانفي ينبثق من ينبوعين: الدافع والشهوة» («مبادىء إعادة البناء الاجتماعي» ص٢ ١ ) . وليستهذه الشهوة واعية، بلهيلا واعية. والتعبيرعن الدافع الطبيعي هوفي حد ذاته أمر خير، لأن الناس يملكون «مبدأ مركزيا للنمو، واندفاعا غريزيا وتنادى بهم في اتجاه معين، كما تنشد الأشجار الضوء» (الكتاب نفسه ص٤ ٢) لكنه بعد ذلك يرجع النشاط الانساني إلى «الغريزة، والعقل والروح» (الكتاب نفسه ص ٢٠٥). فالغريزة هي ينبوع الحيوية، بينما العقل يمارس وظيفة نقدية على الغريزة. أما الروح فهي مبدأ المشاعر اللاشخصية وتمكننا من العلو على السعي إلى إرضاء الشهوات الشخصية المحضة وذلك بالشعور بنفس الاهتمام بالنسبة إلى مسرات الناس وأحزانهم لو كانت مسراتنا وأحزاننا نحن.