الدراسات الاجتماعية للاستهلاك

الدراسة الاجتماعية للاستهلاك (بالإنجليزية: Sociology of Consumption) أحد فروع علم الاجتماع الذى ما يزال غير محدد النطاق، وعلى درجة عالية من التنوع، وإن كان قد شهد خلال ثمانينيات القرن العشرين تطورا كبيرا متلاحقا. ومحور الاهتمام الأساسى فى الدراسة الاجتماعية للاستهلاك هو الثقافة المادية (خاصة الثقافة الجماهيرية) فى المجتمعات الرأسمالية المتقدمة. وتقدم لنا المقالات التى جمعها بير أوتنس فى كتابه: الدراسة الاجتماعية للاستهلاك، الصادر عام 1988 نموذجا واضحا للتنوع فىهذا المفرع.

يذهب المشتغلون بالدراسة الاجتماعية للاستهلاك إلى أن هذا الفرع من المعرفة يطر ح مجالا بديلا للبحث يمكن أن يحل محل كثير من البحوث المعروفة فى تراث علم الاجتماع الحضرى، كما أنه يمدنا بمدخل جديد لدراسة وتحليل اللامساواة الاجتماعية، والانتماءات السياسية، كما يمثل (أحيانا) أساسا لثورة شاملة فى المفكر الاجتماعى. وكانت شكواهم العامة فى هذا الصدد أن علم الاجتماع سيطرت عليه اهتمامات علماء النظرية الكلاسيكية الموروثة من القرن التاسع عشر والمتمثلة فى موضو عات الاغتراب، والبيروقراطية، والطبقة الاجتماعية، وتقسيم العمل، وبعض الملامح والعناصر الأخرى للرأسمالية الصناعية المبكرة، وجميعها تركز اهتمامها على الانتاج كمصدر للمعنى الاجتماعى، وكاساس للنظام الاجتماعى، أو الصراع. وفى المقابل يرى أنصار الدراسة الاجتماعية للاستهلاك، أنه عندما نأخذ بصورة جدية ظاهرة الاستهلاك الجماهيرى التى عرفتها الرأسمالية المتأخرة، فسوف نتبين (وننقل فيما يلى من النقد الذى وجهة مورهاوس) أنه لن يصبح بوسع الباحثين العمل باستخدام مقولة الاغتراب القائمة على العمل المدفوع الآجر المسائد فى كافة مناحى الحياة المعاصرة، كما لن يمكنهم تمييز المصنع، أو المكتب، أو المحل، أو المنجم، باعتبار كل منها المحل الأساسى الحاسم فى الخبرة الإنسانية، وفهم الذات، بالرغم من أن ذلك هو ما يحدث دائما فى كثير من عمليات التنظير السوسيولوجى وفى أغلب الفكر النظرى الماركسى (انظر مقال مورهاوس، السيارات الأمريكية وأحلام العمال، المنشور فى المجلة الأمريكية لعلم الاجتماع، عام 1983). وباختصار يمكن القول أن علماء الاجتماع قد قدموا دراسات أكثر مما ينبغى عن معنى العمل فى شركة فورد، ودراسات أقل مما ينبغى عن معنى ملكية أو قيادة أو اقتناء سيارة فورد بمواصفات خاصة.

وقد شجعت محاولة الوعى الذاتى هذه تحدى بعض الافتراضات الأساسية فى علم الاجتماع، شجعت على إجراء دراسات عن موضوعات متنوعة كتلك التى تناولت : وقت المفراغ، والموضة، والمتسويق الممتميز، والسياحة، والصناعات التقليدية. ويلاحظ أن كثيرا من هذه الدراسات جاءت أقل أصالة مما كانت تدعى، لأنها كانت بمثابة صدى واستجابة لمقولات مثل تقديس السلع، والمادية، والتفاوت البنائي، واللامساواة، والميل إلى الشأن الخاص، والفردية، وجميعها مما كان مألوفا لعلماء النظرية الكلاسيكيين أنفسهم. ويميل تفسير الدلالة الرمزية للمنتجات الثقافية (مثل السيارات) إلى الاعتماد بقوة على كتابات الاتجاه البنيوى، ومابعد البنيوية، مثل رولان بارت وكلود ليفى شتراوس، وجان بودريار.

وتنمثل النواة الأساسية التى توحد ذلك التراث المتنوع فى الاقتناع العام بأن الاستهلاك يسهم فى تشكيل العلاقات الاجتماعية والمعانى الاجتماعية على نحو لا يقل أصالة عن الانتاج. أو كما عبر عن ذلك دانييل ميللر عندما قال: إن الدراسة الاجتماعية للاستهلاك "تحول الموضوع من كونه رمزا للتغريب، وقيمة سعرية إلى منتج مشحون ببعض الدلالات الخاصة التى تلازمه" (انظر: ميللر، الثقافة المادية والاستهلاك الجماهيرى، الصادر عام 1987).

وقد اتجهت المناقشات فى بريطانيا - وبصورة أقل فى بعض البلاد الأوربية الأخرى - إلى التركيز على زعم معين مؤداه أن هناك هوة واضحة وجديدة فى الاستهلاك فى المجتمعات الرأسمالية المتقدمة، بين أغلبية المناس المذين يحصلون على احتياجاتهم الاستهلاكيه بشرانها من السوق، وبين الأقلية التى ظلت معتمدة (ولكنها قاصرة بشكل متزايد) على إعانة الدولة. ويعتقد أن هذه الهوة قد تكون بنفس درجة أهمية (وربما أكثر أهمية) من التقسيمات السابقة مثل الطبقة الاجتماعية، ويقال كذلك أنها تؤثر على الاتجاهات السياسية، وفرص الحياة المادية، والهويات المثقافية بنفس الطريقة. وقد رد النقاد على ذلك بالتأكيد على أن وضع الفرد فى دنيا الاستهلاك مازال يتأثر تأثرا حاسما بوضعه فى سوق العمل، ومن ثم يمكن اختزاله إلى التقسيمات التقليدية المرتبطة بالانتاج. وقد أثار هذا بدوره إدعاء مضادا بأن تدخل الدولة فى توفير بعسض السلع والخدمات كالإسكان، والمتعليم، والصحة، والنقل يطر ح بعدا من أبعاد ا للامساواة، لا يتأثر بصورة مباشرة بعلاقات الاتتاج. ومع ذلك يمكن القول أنه حتى لو كان الآمر كذلك، فإن الاعتماد على مساعدات الدولة بمثل — فى حد ذاته -مظهرا من مظاهر ضعف سوق العمل. كما ذهب النقاد أيضا إلى أن عالم الاستهلاك، بعد فصله عن علاقات الانتاج، لا يؤدى بذاته إلى توليد اللامساواة الاجتماعية. وتبدو الحجة المضادة أقوى ما تكون فى مجال الإسكان، حيث أن نمو العمل الحر، والارتفاع على المدى الطويل فى قيمة الملكية قد شجع على إدراك القيمة الحقيقية لرأس المال، وخاصة مسن خلال بيع المساكن الموروثة من الجيل السابق. ومع ذلك فإن هذا الزعم لا يمكن تعميمه على سائر مجالات الاستهلاك الأخرى.

انظر أيضاً