البرجزة

البرجزة (بالإنجليزية: Embourgeoisement) هى اكتساب أفراد الطبقة العاملة بعض سمات البورجوازية، وهي العملية التى يتم بمقتضاها تأسيس وجود التطلعات ومستوى وأسلوب الحياة البورجوازية داخل بعض قطاعات الطبقة العاملة. وقد قيل إن هذه الظاهرة تعنى الإساءة إلى وعى الطبقة العاملة، ومن ثم تحبط الرسالة التاريخية للبروليتاريا باعتبارها وسيلة التغير الاجتماعى الثورى.

وللمفهوم نفسه جذور ماركسية تمتد إلى أواخر عقد الثمانينيات من القرن التاسع عشر، حينما حاول فردريك إنجلز أن يفسر فشل الطبقة العاملة البريطانية فى استغلال حقوق عام 1867 لصالح "توق العمال الشديد لنيل الوجاهة والاحترام"، والاستمتاع بمستوى المعيشة اللازم لتشجيع قيم وأساليب حياتهاومثلها العليا السياسية. وقد عمد الماركسيون الأصوليون إلى الاستشهاد بهذا الرأى كتفسيرلخمود الطبقة العاملة فى ظل الرأسمالية.

ومع ذلك، فقد حظى هذا الفرض بمصداقية أوسع بكثير عندما تبناها بعض الليبراليين (خاصة المفكرين الأمريكيين الشماليين أساس) أمثال: ليبست، وكلارك كير، فى معالجته خلال العقدين التاليين على الحرب العالمية الثانية. فقد صاغ دعاة هذا الرأى قضية البرجزة بأساليب وطرق متنوعة، وحددوا بعض الآليات السببية المختلفة وراء هذه العملية. ولعل أكثر هذه الصيغ عمومية تلك التى تدعى أن التحولات القطاعية فى بنية العمالة - حيث التحول من الصناعة إلى الخدمات، والتحول من العمل غير الماهر إلى المهن التى تتأسس على معرفة جديدة -من شأنه أن يخلف مستويات مرتفعة من الحراك الطبقى، الأمر الذى يفضى إلى تقلص الطبقة العاملة، التى أصبحت تمثل نسبة من السكان النشطين اقنصاديا. من هنا أصبحت المجتمعات الغربية المتقدمة مجتمعات للطبقة الوسطى بالفعل، بالمعنى الديموجرافى على الأقل، إن لم يكن بمعان أخرى.

وعلاوة على ما سبق، فإن الاتجاهات الأصيلة للإتتاج (خاصة المعروفة باسم الأتوميشن/الآلية) كانت تمنح العمال اليدويين قدراً أكبر من التحكم فى عملهم، وتضعف إحساسهم بالاغتراب عن أماكن عملهم. كما أدى التجديد الحضرى فى أعقاب الحرب إلى تفكك التجمعات العمالية التى استقرت زمناً طويلا، وكانت مرتبطة بإحكام، وتتسم فى العادة بالتجانس المهنى فى قلب المدن الكبرى. وقد حدث ذلك نتيجة تناثرجماعات العمال وسط الضواحى الأقل كثافة وتجانسا، والتى ترتبط بالمدينة بمواصلات منتظمة. وتشير الإحصاءات الرسمية الخاصة بتلك الحقبة إلى أن ثمة تجانساً قد حدث فى الدخول ومستويات الحياة، وتوسع الافتصاديات الغربية على أساس التشغيل الكامل والأجور المرتفعة، وبسبب السياسات الاجتماعية التى ترفع شعار الرفاهية. وكان ذلك عصر الاستهلاك الجماهيرى المرتفع، ومجتمع "الوفرة"، وانتشار تملك السلع الاستهلاكية المعمرة، إلى حد أن أصبح العمال اليدويين يتطلعون عمليا إلى اقتناء سيارة، وامتلاك منزل خاص. وقد أدى كل ذلك إلى خلق سوق جماهيرى للمستهلكين ذوى الدخول المتوسطة.

ويعتقد أن هذه التغيرات الموضوعية قد عملت بدورها على زيادة درجة التجانس فى أنماط الحياة والقيم الاجتماعية. كما أتاحت زبادة الدخل للطبقة العاملة أن تشارك الطبقة الوسطى أنماطها فى الزى، وممارسات قضاء وقت الفراغ، وأساليب الديكور الشائعة لديها. وأخيرا فقد ساهمت الزيادة التى طرأت على دخول العمال، وتكامل القاعدة العمالية فى التنظيمات التى يعملون بها كعمال مهرة، ساهمت كل هذه التغيرات فى تغيير اتجاهات العمال وقيمهم، وفى تبنى أهداف المشروع الرأسمالى، كما أدت هذه التغيرات إلى إضعاف الولاءات التقليدية لزملاء العمل، وللنقابات والطبقة، وتعاظم اهتمامهم بالمكانة على نحو ما هو شائع بين أبناء الطبقة الوسطى. وهكذا أصبح العمال حريصين على الاتشغال بأسرهم وموجهين كل اهتمامهم إليها بدلاً من اهتمامهم بالأحياء التى يعيشون فيها، أو تجمعاتهم العمالية. وبذلك أصبحت القيم المحافظة تهيمن على رؤاهم للعالم: لقد أضحى العمال اليدويون اليوم يلتمسون الأمن والوجاهة، ويسعون إلى تحقيق ذلك بأساليب فردية لا جماعية، وأخيرا يترجم هذا الوضع عن نفسه فى السلوك الانتخابى، حيث نجد أيضاً الأحزاب اليسارية القديمة القائمة على أساس طبقى يهجرونها إلى أحزاب البورجوازية أو البورجوازية الصغيرة فى معسكر اليمين السياسى.

ونجد أوضح صياغة لهذه القضية فى دراسة فرديناند زفايج المعنونة "العمال فى مجتمع الوفرة"، الصادرة عام 1961، الذى نجح -إضافة إلى تطويره التظرى لقضية البرجزة- فى تأسيسها على شواهد إمبيريقية فقد قام زفايج بإجراء مقابلات مع العمال فى خمس شركات بريطانية. أما غيره من المدافعين عن نظرية البرجزة فقد طرحوا آراءهم معتمدين بالأساس على التأمل والنوادر.

وقد ألهمت قضية البرجزة عدداً من الدراسات السوسيولوجية التى أجريت خلال عقد الستينيات. و اتسمت معظم هذه الدراسات عموما بدرجة من المدقة تفوق الصياغات الأصلية للنظرية، ونجحت إلى حد كبير فى تفنيد مصداقية تلك النظرية. ولعل أبرز الممعالجات النقدية لهذه القضية دراسات عمال مجتمع الوفرة التى أجراها كل من جون جولدثورب وديفيد لوكوودو فرانك بيشهوفر وجنيفر بلات، فى بريطانيا (انظر بصفة خاصة كتاب: عامل مجتمع الوفرة فى البناء الطبقى، الصادر عام 1969، ودراسة بنيت برجر: ضواحى الطبقة العاملة، الصادرة عام 1960 فى الولايات المتحدة، وفى فرنسا دراسة ريتشارد هاملتون المعنونة: "الوفرة و العمال الفرنسيون فى الجمهورية الرابعة "الصادرة عام 1967. فقد أوضحت هذه الدراسات وغيرها من الدراسات المشابهة بشكل مقنع- أن الطبقات العاملة فى المجتمعات الغريية المتقدمة لا تملك من الثروة ما يعادل أقرانهم من أبناء الطبقة الوسطى، وأنها مازالت تحتفظ ببعض الجوانب المهمة من هويتهم البروليتارية، ومازالت تتبنى قيما اجتماعية و أساليب فى الحياة ومثلا عليا سياسية تميزها عن غيرها.

وعلى الرغم مما شهدته نظريات البرجزة من تراجع كبير فى مصداقيتها خلال عقد السبعينيات، فقد شهد عقد الثمانينيات الذى اتسم بالركود الاقتصادى عودة غريبة لهذه النظرية، وذلك عندما ذهب المعلقون سواء من اليمين المتطرف أو اليسار المتطرف إلى القول بأن دعم الطبقة العاملة لسياسات الحكومات اليمينية عبر أوروبا وأمريكا الشمالية يقدم الدليل على أن ثمة اتفاقاً أو إجماعاً جديداً قد بدأ يتشكل حول معايير وقيم وأساليب معيشة الطبقة الوسطى.

انظر أيضاً