إدارة موقفية
الإدارة الموقفية أو المدرسة الظرفية أو نظرية التوافق (بالإنجليزية: Contingency Approach أو Contingency Theory) من أنجح المناهج الإدارية، وهو أحد المناهج الحديثة في علم الإدارة.
يمثل هذا المنهج اعترافاً من علماء الإدارة أنه لا يوجد نظرية إدارية واحدة ثابتة يمكن تطبيقها بشكل مستمر في مختلف أنواع المؤسسات ولجميع الظروف. حيث أن ما يصلح لمؤسسة قد لا يصلح لأخرى، لذا يتم استخدام نظريات بشكل انتقائي حسب الظرف أو الموقف. ويتأثر المديرون في إدارة مؤسساتهم بمجموعة من العوامل والظروف المتغيرة التي تواجههم، مما يوجب عليهم التكيف مع هذه العوامل بأساليب مناسبة تمنكهم من تحقيق الأهداف المرجوّة.
لمحة عامة
نظرية التوافق فرع من نظرية التنظيم (تعرف أحيانًا بمنظور الأنساق الرشيدة)، من أوائل مؤسسيها توم بيرتز، وجوان وودوارد، وبول لورانس، وجاى لورش، وهم من مجموعة المنظرين البارزين الذين يعثقدون بعدم وجود بناء تنظيمى يكون بمفرده - وبصورة فطرية - أكثر فعالية من الأبنية التنظيمية الأخرى. وحيث أن السنظيمات تتباين من حيث وظائفها، والمظروف التى تواجهها، فإن البناء التنظيمى الجيد يتأثر فى أدائه لوظائفه بعوامل متعددة مثل التكنولوجيا، والسوق، والتنبؤ بالمهام.
قام بيرنز وستوكر (فى كتابهما إدارة الإبداع، الصادر عام 1961) بدراسة تأثير الإبداع التكنولوجى فى شركات صناعة الإلكترونات، على نسق الإدارة القائم. وقد تبين ابتكار أنماط فعالة من أنساق الإدارة "الآلية" و "العضوية" (الإشارة إلى التضامن الاجتماعي الآلي والعضو عند دوركايم). ففى أنساق الإدارة الآلية (الميكانيكية) (Mechanical Management Systems) تتم عمليات صنع القرار داخل إطار محكم من الضبط والالتزام المعيارى، يكون فيه الموظفون الأفراد مسئولين عن مهام محددة بدقة، ووظائف كل فئة منهم محددة بدقة، و أنماط الضبط، والسلطة، والاتصال ذات طبيعة تدرجية، ويتم التفاعل بين الأعضاء عادة على المستوى الرأسى (بين المرؤسين والرؤساء). وهناك تأكيد على الولاء للرؤساء وإطاعتهم، كما نلاحظ إضفاء أهمية كبيرة على الارتباطبالخبرات والمهارات الداخلية (المحلية) أكثر من العامة (العالمية). أما نظم الإدارة العضوية فتتسم بالخصائص المقابلة للخصائص السابقة، والتوافق المستمر، وإعادة تحديد الوظائف من خلال التفاعل مع الآخرين. كما تتسم بوجود شبكة من أبنية الضبط والسلطة، والاتصال. ويتخذ الاتصال الاتجاه الأفقى أكثر من الرأسى من خلال التنظيم، وينطوى على اتصالات كثيفة تتم بين الناس من مراتب مختلفة، وتتخذ الاتصالات شكل الاستشارات أكثر من الأوامر، وهكذا. يذهب بيرنز وستوكر إلى أن البناء المسابق لا يكون مناسبا إلا حيث "تكون المظروف الفنية، وظروف السوق مستقرة إلى حد كبير"، ذلك أن تغير الظروف التكنولوجية، وظروف السوق من شأنه أن يخلق مشكلات غير متوقعة، وأعمالاً لا يمكن وصفها بكفاءة، أو تكون موزعة بصورة آلية -عبر بناء ذى معالم واضحة تتطلب نظاما عضويا للإدارة.
وبالمثل فقد وجد لورانس ولورش (فى كتابهما بعنوان: التنظيم والبيئة، الصادر عام 1976)؛ الذى درسا فيه عشر شركات في ثلاث صناعات مختلفة (صناعات البلاستيك، والصناعات المغذائية، وصناعة الحاويات) فى الولايات المتحدة، ووجدا أن درجة عدم اليقين فى المجالات الفرعية الثلاثة لتلك الشركات (وهى السوق، والمجال الاقتصادى الفنى، والمجال العلمى) ترتبط ارتباطاً قوياً بطبيعة الإدارة الداخلية للتنظيم. ولاحظا أنه كلما زادت درجة عدم اليقين، كلما زادت الحاجة إلى التنويع فى أقسام المبيعات، والإتتاج، والبحث والمتطوير داخل الشركة. ولكنهما لاحظا من ناحية أخرى أنه كلما زادت درجة التباين الداخلى، كلما زادت الحاجة إلى آليات ملائمة للتكامل، ولحل الصراعات التى تثور بين القطاعات المختلفة.
وكما ذهب وودوارد وبيرنز، فإن الفرضية الأساسية التى انطلقت منها دراسة لورانس ولورش هى أنه: "ليست هناك طريقة واحدة يمكن اعتبارها أفضل الطرق" فى تنظيم عملية فنية بعينها، وهى مقولة تتاقض صراحة الفرض الذى انطلق منه مدخل الإدارة العلمية، وهى أن العلم يستطيع أن يحدد دائما أسرع وأفضل طريقة لإنجاز مهام أى عمل. ومن هنا كانت هذه الرؤية بمثابة تقدم جوهرى أحرزته نظريات التنظيم (مثل مدخل الإدارة العلميه) التى تفترض أن التنظيمات تؤدى الأعمال المنوطة بها بدون أى مشكلات كأنساق مغلقة إلى حد ما.