وضع طبقي متناقض

الوضع الطبقي المتناقض (بالإنجليزية: Contradictory Class Location). كان الشغل الشاغل لبحوث التحليل الطبقى خلال السبعينيات (وبصفة خاصة على النمط الماركسي) يتمثل فى مشكلة تحديد الأوضاع الطبقية للأدوار الوسيطة (مثل المديرين، و المشرفين، والفنيين العاملين بأجر)، وهى الأدوار التى يبدو بوضوح أنها لا تندرج ضمن الطبقة البورجوازية أو طبقة البروليتاريا. وقد أفضى ذلك إلى وجود سلسلة من المشكلات المتعلقة بتعيين حدود الطبقة. وأثمرت البحوث فى هذا المجال طائفة من الأعمال (التي تناولت "قضية الحدود")، نذكر من بينها إسهامات نيكوس بولانتزاس، وجليمو كارشيدى Carchedi، وجون وبارباره إهرنرايش J. and B. Ehrenreich. ويجد القارئ عرضاً طيباً لتلك الإسهامات في كتاب نيكولاس آبركرومبى، وجون يورى المعنون: رأس المال، والعمل، الطبقات المتوسطة، الدى صدر عام 1983. تعد نظرية إريك أولين رايت عن الأوضاع الطبقية المتناقضة من أكثر المحاولات التى بذلت لتقديم إجابة على التساؤلات والقضايا المطروحة فى هذا الشأن قوة ورصانة.

يذهب رايت - الأمريكى الماركسى - أنه فى داخل كل نمط من أنماط الإنتاج توجد بعض الطبقات الاجتماعية الأساسية التى تتحدد فى ضوء استقطابها تماماً داخل نسق علاقات الإنتاج الاجتماعية المرتبط بهذا النمط. فمثلاً فى ظل الرأسمالية تكون الطبقة العاملة مجردة تماما من ملكية وسائل الإنتاج، ومن ثم يتعين عليها أن تبيع قوة عملها للطبقة البورجوازية، وهكذا تخضع الطبقة العاملة لاستغلال البورجوازية وسيطرتها. ولكننا نلاحظ على أية حال، أنه فى حالة غياب الاستقطاب الكلي تظهر كذلك طائفة من الأوضاع الطبقية المتناقضة داخل نمط الإنتاج القائم. فالمديرون - كطبقة - يكونون أصحاب مصالح متعارضة، فهم يتعرضون لاستغلال الرأسماليين شأنهم فى ذلك شأن العمال (الذين يحققون أرباحاً من عمل المديرين)، ولكن طبقة المديرين نفسها تشبه طبقة الرأسماليين من حيث أنها تسيطر على العمال وتتحكم فيهم. كما نجد - علاوة على ذلك - أن التشكيلات الاجتماعية الراسخة نادراً ما تتضمن نمطاً واحداً من أنماط الإنتاج. وهكذا نجد - على سبيل المثال - أن المجتمعات الرأسمالية تتضمن عادة بعض أشكال علاقات الإنتاج الرأسمالية. فمن الواضح تماماً أن تلك المجتمعات قد ورثت نمط الإنتاج السلعي الصغير، حيث يملك المنتجون المباشرون وسائل إنتاجهم ويتحكمون فيها بأنفسهم، كما نجد أن طبقة البورجوازية الصغيرة أو العمال الذين يعملون لحسابهم أكثر انتشاراً فى المجتمعات الإقطاعية. وهكذا نجد أن هناك بعض العلاقات الطبقية التى تتغلغل فى كلا نمطي الإنتاج، الأمر الذى يترتب عليه نشوء علاقات متناقضة بينهما. ومن ثم فإن صغار أصحاب العمل - مثلاً - ينتمون فى نفس الوقت، إلى البورجوازية الصغيرة و إلى الرأسمالية، بمعنى أنهم يعملون لدى أنفسهم، وأنهم منتجون مباشرون. ولكنهم أصحاب عمل فى نقس الوقت، ومن ثم يقومون باستغلال قوة العمل. ونجد بالمثل أن الجماعة الكبرى التى يطلق عليها "المستخدمون شبه المستقلين" (كالمهنيين الذين يعملون بأجر)، لا يملك أفرادها وسائل الإتتاج الخاصة بهم، و لكنهم يتحكمون إلى حد بعيد فى أنشطتهم داخل نظام الإنتاج القائم، ولهذا يشغلون وضعا طبقيا متناقضا يتسم ببعض ملامح كل من البروليتاريا والبورجوازية الصغيرة.

وكان رايت - كمفكر ماركسى - يهدف أساسا إلى التعرف على أى الأوضاع الطبقية المتناقضة من بين تلك الأوضاع تزداد احتمالات دخوله كحليف للطبقة العاملة فى نضالها ضد استغلال الرأسمالية وسيطرتها. وقد تعرضت نظرية رايت للتدقيق والتجويد من خلال بعض التفسيرات النظرية المستفيضة، وكذلك من خلال برنامج بحثى إمبيريقى ضخم للتحليل الطبقى. وقد ضم هذا المبرنامج عددا من الفرق البحثية فى شتى أرجاء العالم (انظر مؤلف رايت: المطبقة، والأزمة، والدولة الصادر عام 1978 وكتابه: البناء الطبقى، وتحديد الدخل الصادر عام 1979، وأخيراً كتاب الطبقات الصادر عام 1985.

جدير يالذكر أن صياغة رايت لمفهوم الطبقة كانت موضعاً للخلاف والجدل سواء داخل الدوائر الماركسية أو خارجها. وتعرض المفهوم لاتتقادات متعددة، باعتباره مفهوماً استاتيكياً، وميكانيكياً، وحتمياً. هذا فضلاً عن الاتثقادات التى وجهها معظم أنصار البنيوية، ومؤداها أنه يخلو من أخذ الفاعل الإنسانى فى الاعتبار. ولكن بقدر وافر من التأييد الحماسى، خاصة من جانب أولئك الذين رأوا فيه تصحيحا للنزعة الفردية المطلقة عند أصحاب نظرية إحراز المكانة فى بحوث التحليل الطبقى فى الولايات المتحدة. يقدم كتاب رايت المعنون: الجدل حول الطبقات، الصادر عام 1989 عرضاً طيباً للآراء ووجهات النظر والمؤلفات الثانوية الهائلة العدد التى أثمرها هذا المشروع.

انظر أيضاً