ما وراء الطبيعة (أرسطو)

من أجل استخدامات أخرى، انظر ما وراء الطبيعة (توضيح).

ما وراء الطبيعة أو ما بعد الطبيعة أو الميتافيزيقا هو كتاب من تصنيف أرسطو، ويعتبر أول مؤلف في فرع الفلسفة التي عرفت بنفس الاسم.

اسم الكتاب

العنوان «ما وراء الطبيعة» ليس من وضع أرسطو، بل وضعه أندرونيقوس الرودسي الذي جمع كتب أرسطو في القرن الأول قبل الميلاد، ووقد رتب كتب أرسطو بعضها تلو البعض فجاء هذا بعد كتاب «الطبيعة» («السماع الطبيعي») ولهذا سماه «ما بعد الطبيعة» أي: التالي في الترتيب الذي استحدثه هو لكتاب الطبيعة. فالمسألة مسألة ترتيب، فحسب، ولا شأن للعنوان بموضوع الكتاب. ولعل الرودسي فعل ذلك متعمداً، فالمرء لا يتحدّث عما هو كامن وراء الطبيعة إلا بعد كلامه على الطبيعة. أما الاسم الذي كان يطلقه أرسطو نفسه على هذا الكتاب فهو «الفلسفة الأولى».

محتوى الكتاب

يتألف «كتاب ما بعد الطبيعة» من أربع عشرة مقالة. وهاك ملخصاً إجمالياً لما في كل مقالة:

المقالة الأولى

المقالة الأولى (ألفا الكبرى) تعرّف الفلسفة بأنها تفسير الأشياء بأسبابها وعللها وهي أربع: علة فاعلية، علة غائية، علة مادية، علة صورية، وهذه الأخيرة هي الأهم في نظر أرسطو، وهي المعنى الحقيقي للعلة، ومن الفصل الثالث حتى العاشر يأخذ أرسطو في بيان تاريخ الفلسفة قبله ابتغاء أن يبين أنه لم يتم حتى الآن وضع حل لمشكلة الحقيقة. لأن الفلسفة لم تقم على العلل الأربع التي كشف عنها أرسطو في القسم الأول من هذه المقالة. وهكذا بتأيد القسم النظري بالقسم الثافي التاريخي. ولهذا القسم أهمية خاصة بالنسبة إلى تأريخ الفلسفة اليونانية.

المقالة الثانية

المقالة الثانية (ألفا الصغرى) وهي موجزة جداً، ويشك في صحة نسبتها إلى الكتاب بل وإلى أرسطو نفسه. وفيه يردد نفس الذي قاله في المقالة الأولى من أن الفلسفة هي البحث عن العلل النهائية. ولا بد من الوقوف عند علل نهائية، لأنه لا يمكن الاستمرار إلى غير نهاية.

المقالة الثالثة

المقالة الثالثة (بيتا) يتناول فيها 14 مسألة ميتافيزيقية ويبين الحجج المؤيدة والمعارضة. ومن هنا جاء بحثه هنا على هيئة شكوك (أبوريات). مثلاً (1) هل ينتسب إلى علم واحد أو إلى عدة علوم - البحث في كل أنواع العلل؟ (2) هل مبادئ البرهان موضوع علم واحد أم عدة علوم؟ (3) هل هنا علم واحد لكل الجواهر، أو عدة علوم؟ (4) هل نقر بوجود جواهر محسوسة فقط، أو نقر أيضاً بوجود جواهر غير محسوسة؟ (5) هل علم ما بعد الطبيعة لا يشمل غير الجواهر، أو يشمل أيضا الأعراض الخاصة بالجواهر؟ (6) هل الأجناس عناصر ومبادىء للموجودات؟ أوهذا هو من شأن الأجزاء الأولى المؤلفة لكل فرد؟ (7) ولو سلمنا بأن الأجناس هي المبادىء الحقيقية فهل ينبغي أن نعد المبادىء هي الأجناس الأولى أو الأنواع الدنيا التي تقال مباشرة على الأفراد؟ (8) إذا لم يكن ها هنا غير الأفراد، والأفراد عددهم لا يتناهى، فكيف يتأتى الحصول على علم بلا نهائية الأفراد؟ (9) إذا لم توجد وحدة بين المبادىء فكيف تتم المعرفة؟ (10) إذا كانت المبادىء واحدة هي هي نفسها، فكيف حدث إذن أن بعض الموجودات تكون وتفسد، والبعض الآخر لا يكون ولا يفسد وما السبب في ذلك؟ (11) هل الموجود والواحد جواهر للأشياء أو ثم حقيقة أخرى هي موضوع الموجود والواحد، وينبغي البحث عن طبيعتها؟ (12) هل العناصر توجد بالقوة، أو على نحو آخر؟ (13) هل المبادىء كلية أو تندرج تحت الأمور الفردية؟ (14) هل الأعداد والأجسام والسطوح والنقط جواهر أو غير جواهر؟

المقالة الرابعة

المقالة الرابعة (الجما): موضوع علم ما بعد الطبيعة هو البحث في الموجود بما هو موجود، وفي هذه المقالة يبحث أرسطو في الموجود بما هو موجود، أي من حيث وجوده فقط، كما يبحث في البديهيات وفي مبدأ التناقض. وتنقسم المقالة إلى قسمين: الأول (فصل ١-٢) يحدد موضوع الميتافيزيقا؛ والثاني (الفصل ٣-٨) نقدي يشمل برهاناً غير مباشر على المبادىء الأولى، وخصوصاً مبدأ التناقض.

المقالة الخامسة

المقالة الخامسة (الدلتا): هذه المقالة عبارة عن قاموس فلسفي، إذ فيها يقدم ارسطو ثلاثين تعريفاً مفصلاً لثلاثين مصطلحا فلسفياً هي:

المبدأ- العلة - العنصر - الطبيعة - الضروري - الواحد - الموجود - الجرهر - ذات الشي، المخالف، المباين - الشبيه- المتقابلات - المتضادات - الغيرية - النوعية - المتقدم والمتأخر -القدرة، قادر على؛ العجز؛ عاجز عن - الكم - الكيف - الإضافة - التام - النهاية - فيه، وبه، ومن أجله - الوضع - الحال - الانفعال - العدم - المِلْك - يصدر عن - الجزء - الكل - المبتور - الجنس - الزائف - العرض.

وواضح أن هذا المعجم الفلسفي لا يمكن أن يكون جزءاً من الكتاب الأصلي، ولهذا يميل الباحثون إلى القول بأنه كان في الأصل رسالة قائمة برأسها ثم أدمجت في كتاب ما بعد الطبيعة، خصوصاً أن ديوجانس اللائرسي يذكر من بين مؤلفات أرسطو رسالة بعنوان: «في الأمور التي تقال بعدة معانٍ».

ولم يتخذ أرسطو في ايراد هذه الألفاظ أية قاعدة.

المقالة السادسة

وفيه يتناول الشك الأول الذي وضعه في مقالة البيتا وأشرنا إليه من قبل، ويتعلق بوحدة أو كثرة العلم المتعلق بالعلل الأولى. والموضوع المهم في هذه المقالة هو النقطة الواردة في ختام الفصل الأول وفيها يحاول أن يوفق بين التصور اللاهوتي الذي ورثه عن أفلاطون والذي يتميز بالقول بوجود إله عال واحد، وبين التصور الأنطولوجي للميتافيزيقا بوصفها العلم الكلي بالموجود.

وبعد أن يميز أرسطو بين الفلسفة الأولى وبين سائر العلوم النظرية، ويحدد طبيعتها وميدانها ويضع تقريرات حاسمة جديدة عن الموجود بما هو موجود، ينتقل إلى دراسة المعاني المختلفة للوجود بحيث يستبعد من ميدان الميتافيزيقا على التوالي: الوجود بالعرض (فصل٢-٣) والوجود بمعنى الحق (فصل ٤)، إذ الأول غير قابل للعلم، والثاني ليس إلا تعديلاً للفكر كذلك يبحث في تحديد العلاقة بين الميتافيزيقا وسائر العلوم الفيزيائية والرياضية. ويبين معنى الحق والباطل.

المقالة السابعة

المقالة السابعة (الزيتا): يأخذ في دراسة الموضوع الأساسي للميتافيزيقا وهو مشكلة الجوهر. وبنتهي إلى أنه لا يمكن أن نعزو مرتبة الجوهر إلى الجنس والهيولى والكلي والفرد أو أجزائه، بل فقط إلى الماهية، أي إلى الصورة، لا الصورة بالمعنى الأفلاطوني، بل الصورة غير المفارقة، القائمة في المحسوس، والتي هي موضوع التعريف.

المقالة الثامنة

المقالة الثامنة (الإيتا): تبحث في الجوهر من ناحية الصورة والهيولى، وتحلل طبيعة هاتين.

المقالة التاسعة

المقالة التاسعة (الثيتا): وتبحث في الجوهر منظوراً إليه في وجوده وتغيره على ضوء مبدأي الفعل والقوة. والبحث الأساسي فيه يتعلق بالقوة والفعل وأنواعهما المختلفة وعلاقاتهما المتبادلة. وبهذا ينتهي البحث الذي بدأه أرسطو في المقالة السادسة عن معاني الوجود.

المقالة العاشرة

المقالة العاشرة (الايوتا) وفيه يختم البحث عن مبادئ الجوهر. فيعود إلى التحدث عن معاني الواحد: الواحد بمعنى المتصل؛ الواحد بمعنى الكل؛ الواحد بمعنى الفرد؛ الواحد بمعنى الكلي. ثم ينتقل لبيان الكيفية التي بها يوجد الواحد. ويقابل بين الواحد والكثير، ويفسر معنى التضاد، ويشبع القول في الواحد والكثير، والغيرية والنوعية.

المقالة الحادية عشر

المقالة الحادية عشر (الكبا): تنقسم إلى قسمين متباينين: الأول (فصل ١- ٧) الأول تكرار لما سبق أن ذكره في المقالات الثالثة والرابعة والسادسة، والقسم الثاني ( فصل ٨ -١٢) منتزع من كتاب «السماع الطبيعي»؛ وهذه المقتبسات يبدو أنها من عمل أحد تلاميذ أرسطو، لسوء كتابتها، ويمكن أن يعد هذا القسم الثاني مدخلاً إلى ما بعد الطبيعة. وليس ثم اتصال طبيعي بين القسمين.

المقالة الثانية عشر

المقالة الثانية عشر (اللامدا) والمعروفة بـ «مقالة اللام» تحتل هذه المقالة المركز الرئيسي في الكتاب، والصعوبات حولها عديدة وقد رأى الباحثون المحدثون وعلى رأسهم بونتس ورص وييجر أن هذه المقالة تؤلف رسالة قائمة برأسها، مستقلة عن كتاب ما بعد الطبيعة، موضوعها تقرير وجود محرك أزلي أبدي غير متحرك للكون وطبيعة هذا المحرك. وقد اشتهرت مقالة اللام عند الفلاسفة المسلمين.

ويرى ييجر أن هذه المقالة ترجع إلى عهد مبكر في حياة أرسطو، وأنها كانت في الأصل محاضرة ألقيت على الجمهور، ومن هنا عني أرسطو بتحريرها فجاء أسلوبها متقناً بخلاف سائر مقالات الكتاب؛ لكن يجب أن نستبعد منها الفصل الثامن ( فيما عدا الفقرة ٣٢/١٠٧٤-٣٧) الذي يرجع إلى عهد متأخر في حياة أرسطو يمثل تقدماً هائاً بالنسبة إلى ما في سائر المقالة.

وتنقسم المقالة إلى قسمين منفصلين: الأول من الفصل ١ الى ٥، والثاني من الفصل ٦ الى ١٠. في الأول يلخص بسرعة النتائج المتعلقة بمشكلة الجوهر وينتهي إلى تقرير وجود موجود أول. والثاني يبحث في الموجود الأول وصفاته، وينتهي إلى تفضيل القول بالوحدانية؛ لكنه في الفصل الثامن يفضل التعدد ويقول بعدة محركين أوائل إما أن يكون عددهم 47 أو 55.

المقالتان 13 و14

المقالتان الثالثة عشرة والرابعة عشرة (المو والنو) مقالتان نقديتان تنقدان بالتفصيل المذاهب التي تضع مبدأ الحقيقة خارجاً عنها، أي التي تقول بالصور (المثل الأفلاطونية) أو الأعداد (الفيثاغوريون والنزعة المتأثرة بالفيثاغورية في الأكاديمية قبيل وفاة أفلاطون وبعيد وفاته) وهما يؤلفان كلاًّ واحدا في نقد نظرية الصور ونظرية الأعداد.

ملخص موضوع الكتاب

بعد هذا التخطيط الاجمالي لكتاب ما بعد الطبيعة نلخص موضوعه:

الناس بطبعهم يرغبون في المعرفة، والدليل على ذلك اللذة التي تنشأ عن الاحساس، خصوصا الإبصار، لأنه الأقدر على جعلنا نحصل قدراً أكبر من المعرفة.

لكن الإحساس، وإن كان أساس معرفة الجزئي فإنه لا يكون العلم الحقيقي.

والفلسفة هي العلم ببعض الأسباب وبعض المبادىء فما هي هذه العلل والمبادىء؟.

إنها العلل والمبادىء الأولى.

وعلم ما بعد الطبيعة هو العلم الباحث في الموجود بما هو موجود، وهذا أعم الأشياء، ولذلك كان العلم بما هوأعم، بينما العلوم الجزئية تتناول نواحي معينة محدودة. كالرباضيات تدرس المقادير، والطبيعيات تدرس الحركة.

علم ما بعد الطبيعة يدرس الموجود بما هو موجود وصفات الوجود الجوهرية. فما هي هذه الصفات؟ هي الواحد والكثير، والذات والغير، والامتداد بوجه عام ؛ والمتقدم والمتأخر، والجنس والنوع، والكل والجزء.

وعلى هذا العلم أيضاً أن يفسر المبادى، الخاصة بكل علم علم، مما هومفترض في هذا لعلم دون أن يبحث هذا العلم فيه.

وكل معرفة حقيقية هي معرفة بالعلل. ولهذا كان البحث عن العلل الأساس الأول في المعرفة.

وينتهي أرسطو إلى أن العلل أربع فاعلية، غائية، مادية، صورية. فالمنضدة التي أكتب عليها: علتها الفاعلية هي النجار، والغائية هي إمكان الكتابة، والمادية هي الخشب، والصورية هي الصورة التي هي عليها، وهذه الصورة هي ماهيتها وحقيقتها , وأهم هذه العلل العلة الصورية.

والجوهر هو الموجود الحقيقي، ولهذا كان نظر الفلسفة لأولى في الجوهر: من حيث علله ومبادؤه.

و « الجواهر ثلاثة: منها جوهران طبيعيان، وثالث جوهر غيرمتحرك. ونحن الآن في طلب هذا الجرهر الذي لا يتحرك، ولم يرذ كذلك فيطلب: هل يمكن أد يكون جوهر لا يبليه الزمان، ولا يقبل الاستحالات والتغايير، لكن يبقى على حاله الدهركله؟ وليس يمكن أن يقام على هذا المبدأ برهان. فإن البرهان لا يكون إلآ من علل ومبادىء. والعلة الأولى التى هى المبدأ الأول لا توجد لها علة قبلها. لكنا ننظر: هل يمكن أن يكون جوهر ما أزلياً ؛ ثم نبحث: هل يمكن أن يكون جوهر غير متح لئ؟ 1 وهاتان صفتان للمبدأ الأول.

« فنقول: إن كانت الجواهر كلها تقبل الفساد، والجوهر قبل جميع لأشياء الموجودة، لزم أن تكون جميع الأشياء الموجودة تقبل الفساد. لكنه لا بد من أن يكون للموجودات جوهر دائم الوجود، عنه وجودها وليس بعجب أن يكون في الموجودات جوهر زلي، إذ كنا نجد أشياء - من طبيعة الأعراض - أزلية لا تفسد. فإن الحركة والزمان ليس يمكن أن نضع لها كوناً وفساد. فإنا إن وضعنا الزمان كائناً، لزم أن يكون الزمان أقدم من كونه. وإن وضعنا أنه يفسد، تخلف بعد فساده. فإن قول القائل: قد كان وقت لم يكن قبله زمان، وسيكون وقت بعده زمان، هي ألفاظ تناقض أصولها لأن معاني هذه الألفاظ إنما هى اجزاء الزمان، أو حدود فيه، أو دلالات مقرونة به. فإن كان الزمان أزلياً، فالحركة أزلية، إذ كان الزمان مقداراً لها ، أو حذثاً عنها.وأيضاً، فنقول إن الحركة لا تخلوأن تكون ل تزل، أوتكون: إن كانت حدثت، فقد كان قبلها المحرك فا. فكيف يمكن أن نتوهم المحرك لها، وهوأزلي، لم يكن عنه ( أي لتحريك ) الدهر كله، وليس مانع بمنعه من أن يكون عنه، ولا حدث حادث في حال ما أحدثها ؛ إذ كان جميع ما يحدث، إنما يحدث عنه وليس شيء غيره يعوقه أو يرغبه. ولا يمكن أن نقول: قد كان لا يقدر أن يكون عنه فقدر، - لأن ذلك يوجب الاستحالة، ويوجب أن يكون شيء آخر غيره هو الذي أحاله. وإن قلنا إنه منعه مانع، يلزم أن يكون سبب المانع اقوى. وحدوث الحركة ليس يكون إلآ بحركة فيجب أن يكون قبل الحركة حركة: لأن الاستحالة والتغيروالفتور، إثما هي من أنواع الحركة. ولا بد من أن يكون جسم من الأجسام هو الذي يتحرك.فإن قلنا إن ذلك الجسم لم يحدث، لكنه تحرك عن سكون، وجب أن نخبر بالسبب الذي له تغير من السكون إلى الحركة. فإن قلنا إن ذلك الجسم حدث، تقدم حدوث الجسم حدوث الحركة.

« فإذا قد بان أن الحركة والزمان أزليان، فالجسم أزلي. وإن كان العرض كذلك، فبالحري أن يكون الجوهر كذلك. والحركات: إما مستقيمة، وإما مستديرة - والاتصال لا يكون إلا فيها ( أي في المستديرة )، لأن المستقيمة تنفطع. والاتصال أمر ضروري للأشياء الأزلية فإن الذي يسكن ليس بأزلي. ونقول إن الزمان متصل، لأنه لا يمكن أن تكون قطع منه مبتورة. فيجب من ذلك أن تكون اخركة متصلة ٠ فإن كانت الحركة المستديرة هي وحدها متصلة، فيجب أن تكون هي الأزلية. فيجب أن يكون محرك هذه الحركة أزلياً. لأن علة الأزلية يجب أن تكون أزلية، إذ لا يكون ما هو أخس علة لا هه أفضل. فيجب ان يحرك تحريكأ دائماً. فإنه إن كان محرك لكن ليس تحريكه بدائم، فتحريكه لا يكون أزلياً، وهذا لا يمكن أد يكون فيجب إذن أن لا نقنع بجواهر ازلية ساكنة كالصور. فإذن لا ينبغي أن نضع هذه لطبيعة بلا فعا، ولا متعطلة، لكن قادرة أن تحرك وتحيل ٠ فإنه لا يمكن أن المبدأ الأول موجود في طبيعته ما هو بالقوة. لأنه يلزم من هذ أن يحتاج ذلك المبدأ إلى مبدأ آخر هو بالفعل، حتى يخرجه إلى الفعل، فيجب إذن أن يكون مبدأ موجود في لأشياء لموجودة، الجوهر فعلم، فيكون أزلياً، ولا يشوبه شيء من لهيولي، إذ ليس في طبيعته بالقوة.

« ولا يجب أن نظن أن القوة قبل الفعل: لأن الفعل هو لمخرج ل بالقوة إلى الفعل. فإنه ليس شيء من لمواد تتحرك بذاتها إلى الصورة. لكن كما أن الخشب لا يتحرك من ذاته إلى صورة السرير، كذلك دم الطمث، والأرض لاتنبت شيئاًمن النبات من ذاتها , وما كانت حركته دائمة. فينبغى أن نجعل السبب فيها العلة التي حالها بالقياس إلى لأجسام المتحركة حال واحدة: فأما ما حركته مختلفة في أوقات مختلفة، فحال العلة المحركة له في الاختلاف كحال المتحرك بعينها. والأجسام الكائنة الفاسدة لا تثبت وقتاً واحداً يحاك واحدة. فإذاً تحتاج إلى علة تختلف بحسب اختلافها. ولأن الكون والعاد دائم لا انقطاع له، فقد تحتاج العلة الفاعلة أن تكون مع اختلافها دائمة البقاء. فيجب أن يكون الاختلاف في هذه العلة من تبلها، والدوام من سبب آخر فهوإذن: إمامن العلة لأولى، وإما من علة أخرى غيرها. ويجب ضرورة أن يكون من العلة الأولى، فإن هذه العلة هى السبب في بقائها داثما وبقاء العلة الثانية , فصارت العلتان جميعاً علتي الدوام والاختلاف. وهذ شى ء شهد الحس عليه أيضاً: إذ يرى أن الفلك الأول يتحرك دائماً حركة واحدة بعينها، وأفلاك المتحبرة ( أي الكواكب السيارة ) تتحرك دائما حركة مختلفة. فإذا كان كذلك، فيما حاجتنا الى طلب مبادىء أخر وترك هذه المبادى ! »

هكذا يشرح ثامسطيوس المقدمات التي تأدى منها أرسطو إلى اثبات محرك أول غير متح ك، تتحرك به سائر الأشياء، وهو أزلي أبدي، باقي، قديم، وهو عقل وحق أول في الغاية.

لكن كيف يتأقق أن يحرك هذا المحرك الأول دون أن يتحرك، لأننا نشاهد دائماً في الطبيعة أن كل محرك فهومتحرك في نفس الوقت؟ إنه إن تحرك تغير، والمتغيريكون ويفسد، فهوليس إذن أزلياً أبدياً ثابتاً.

والجواب أن العلة «الأولى إنما تحرك كما يحرك المعشوق. وأول ما يتحرك عنها ويقرب منها ويعشقها ويخرص على التشبه بها. السماء الأولى وفلك الكواكب الثاتة إذ كان قريباً منها، قداستفاد نظامها الذي إياه يعشق على غاية ما يمكن: بمنزلة ما يستفيده القائد من مرتبة الملك، إذ كان يقرب منه لا في الموضع لكن في الطبيعة. ثم تتبع السماء الأولى وحركاتها، التي بعدها: وهي حركة فلك الكواكب الثابتة وحركات أفلاك الكواكب المتحيرة وسائر الأشياء الباقية التي تقبل الكون والفساد »

والته هو العقل على غاية الحقيقة، وهوأيضاً المعفول على غاية الحقيقة: فهوعقل ومعقول معاً. وتعقله إنما هولذاته، لأن شرف العلم بشرف المعلوم فلما كان الله أشرف الموجودات، فينبغي أن يكون معلومه أشرف المعلومات، أي أن يكون تعقله لذاته. وتعقله لذاته هو فعله الدائم، وهذا العقل الدائم هوحياته. و « الله ناموس وسبب نظام الأشياء الموجودة وترتيبها. وهو ناموسحى كما لو أمكن أن يكون الناموس متنفساً يرى ذاته ويعفل ذاته , وحياة هذا الناموس ليست هي حياة دائمة لا أول فا ولا انقضاء فقط، لكن على غاية الفضيلة. وكذلك أن أفضل الحياة العقل، وأشرف جميع ما له حياة. وحياته ليست في وقت بعد وقت بأحوال مختلفة مثل. حياتنا ؛ ولكن هو الحياة بعينها، لأنه هو الفعل، والفعل حياة. وكما أنه أفضل الأفعال، كذلك هوأفضل الحياة. وكما انه فعل أزلي دائم، كذلك هوحياة أزلية دائمة... إن اللة حياة ازلية دائمة في غاية الفضيلة، فيجب أن تكون لله حياة ازلية وبقاء متصل أزلي دائم الدهركله »

لكن أرسطو، بعد هذه النبرات العالية في تمجيد العلة الأولى، جاء في الفصل الثامن من مقالة (اللام) فراح يبحث عن عدد الحركات الأزلية، الأبدية، ووجدها إما ٤٧ أو ٥٥، ورأى أن يكون عدد العلل الأولى المحركة بعدد هذه الحركات أي٤٧ أو٥٥. لكنه في الفقرة ١٠٧٤ /٣٢-٣٨ يستدرك على هذا التكثير للعلة الأولى فيقول كما لخصه ثامسطيوس: «إنه إن كان العالم أكثر من واحد، فيجب أن تكون العلل الأولى أكثر من واحد. والأشياء التي صورتها واحدة وعددها كثرة يكون لسبب في كثرتها المادة والعنصر. والمحرك الأول لا تشوبه الهيولي، ولا هو ذو جسم، فيجب أن يكون المحرك الأول واحداً في الحد والعدد. والجسم المتحرك أيضاً، إن كان متصل الحركة، يجب أن يكون واحد. فالعالم واحد ». وإذن فالعلة الأولى واحدة أي أن «الله» واحد.

كما أنه رأى من ناحية أخرى، في ختام مقال (اللام) هذه، أنه لو كانت المبادىء كثيرة لم تكن السياسة خير السياسات. قال ابن رشد شارحاً لهذه الجملة: « يريد ( أي أرسطو): وإن كانت المبادىء الأولى للعالم مبادىء مختلفة، فالموجودات التي ها هنا لا يمكن أن توجد فيها خير السياسة، ولا نظام يشبه نظام السياسة وخيره، كما أنه إذا كانت الرئاسات كثيرة لم يوجد للسياسة نظام ولا إستقامة وإعتدال، ولذلك كما قال: لا خير في كثرة الرؤساء، بل الرئيس واحد» ( ابن رشد: «تفسير ما بعد الطبيعة» ج٢ ص ١٧٣٥ - ١٧٣٦ ).

وهكذا ينتهي أرسطو إلى التوحيد.

في التراث العربي

ذكر ابن سينا انه قرأ الكتاب أربعين مرة حتى حفظه، ومع ذلك لم يفهم الكتاب، إلا أن حصل على شرح أبي نصر الفارابي، حيث يقول ابن سينا:

«قرأت كتاب ما بعد الطبيعة فما كنت أفهم ما فيه والتبس علي غرض واضعه حتى أعدت قراءته أربعين مرة وصار لي محفوظا وأنا مع ذلك لا أفهمه ولا أعلم ما المقصود به وأيست من نفسي وقلت هذا لا سبيل إلى فهمه وإذا أنا في يوم من الأيام قد حضرت الوراقين وبيد دلال مجلد ينادي عليه فعرضه علي فرددته رد متبرم به معتقد أن لا فائدة في هذا العلم فقال لي اشتر مني هذا فإنه رخيص فاشتريته بثلاثة دراهم فإذا هو كتاب لأبي نصر الفارابي في أغراض كتاب ما بعد الطبيعة فرجعت إلى بيتي وقرأته فانفتح علي به في ذلك الوقت أغراض ذلك الكتاب بسبب أنه قد كان لي على ظهر قلب وفرحت بذلك وتصدقت ثاني يوم بشيء كثير على الفقراء شكرا لله تعالى.»