فقر


الفَقـر (بالإنجليزية: Poverty) هو العوز والحاجة، ويصير الناس فقراء إذا فقدوا الدخل أو المورد الذي يكفل لهم أدنى مستويات العيش. ودرجة الفقر يحددها نسق القيم الاجتماعية السائد في المجتمع، وهذا النسق يختلف باختلاف الزمان والمكان. فعلى سبيل المثال، نجد أن كثيرًا من الناس الذين يعيشون في المجتمعات الغربية الصناعية يعتقدون أنه من الضروري لهم اقتناء سيارة حتى يعيشوا بصورة لائقة. ويعتبرون أنفسهم فقراء إذا لم يتسن لهم شراء سيارة. بينما ينظر كثير من الناس الذين يعيشون في بلدان أخرى إلى السيارات على أنها أمر كمالي. ولايعتبرون عدم اقتناء سيارة علامة على الفقر. ولم يكن سكان الدول الصناعية الذين عاصروا اكتشاف السيارة يعتبرون السيارات ذات أهمية للمستوى المعيشي اللائق.

عرف البنك الدولي الدول منخفضة الدخل أي الفقيرة بأنها تلك الدول التي ينخفض فيها دخل الفرد عن 600 دولار أمريكي سنوياً وعددها 45 دولة معظمها في أفريقيا، منها 15 دولة يقل فيها متوسط دخل الفرد عن 300 دولار سنويا. برنامج الإنماء للأمم المتحدة يضيف معايير أخرى تعبر مباشرة عن مستوي رفاهية الإنسان وسبيل العيش هذا الدليل وسع دائرة الفقر بمفهوم نوعية الحياة لتضم داخلها 70 دولة من دول العالم، أي هناك حوالي 45% من الفقراء يعيشون في مجتمعات غير منخفضة الدخل، أي هناك فقراء في بلاد الأغنياء، ويكتفي هنا بذكر أن 30 مليون فرد يعيشون تحـت خط الفقـر في الولايات المتحدة الأمريكية (15 % من السكـان).

وخلال النصف الثاني من القرن العشرين كثر الحديث عن الفقر والفقراء في أدبيات الأمم المتحدة بالتوسّع من الظاهرة الاجتماعية في المجتمع الواحد إلى الظاهرة العالمية بتصنيف البلدان إلى غنية وفقيرة وبتحديد مقاييس ومؤشرات الفقر في مستوى البلدان وكذلك الأفراد مع مراعاة النسبيّة، فالفقير في اليمن لا يُقاس بالمقاييس نفسها التي يقاس بها الفقير في أمريكا الشمالية.

وتم تحديد يوم 17-19 أكتوبر من عام 2008 م، كيوم عالمي للقضاء على الفقر من قبل هيئة الأمم المتحدة. غير أن عدد الفقراء انخفض في الأعوام 2005 - 2008م، في الهند والصين، وذلك بفضل معدلات النمو العالية التي حققها هذان البلدن خلال السنوات الماضية.

يعد مقياس (فقر القدرة) مقابل لمؤشر التمنية البشرية حيث انه متوسط مرجح لثلاث مؤشرات تحاول تحديد شريحة البشر، التي لا تتمتع بهذه الخدمات الأساسية، من (التغذية - الجيدة - والصحة - والتعليم).

مفهوم الفقر

يختلف مفهوم الفقر باختلاف البلدان والثقافات والأزمنة ولا يوجد اتفاق دولي حول تعريف الفقر نظراً لتداخل العوامل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي تشكل ذلك التعريف وتؤثر عليه، إلا أنه هناك اتفاق بوجود ارتباط بين الفقر ولإشباع من الحاجات الأساسية المادية أو غير المادية، وعليه فهناك اتفاق حول مفهوم الفقر على أنه حالة من الحرمان المادي الذي يترجم بانخفاض استهلاك الغذاء، كما ونوعا، وتدني الوضع الصحي والمستوى التعليمي والوضع السكني، والحرمان من السلع المعمرة والأصول المادية الأخرى، وفقدان الضمانات لمواجهة الحالات الصعبة كالمرض والإعاقة والبطالة وغيرها. وللحرمان المادي انعكاسات تتمثل بأوجه أخرى للفقر كعدم الشعور بالأمان ضعف القدرة على اتخاذ القرارات وممارسة حرية الاختيار ومواجهة الصدمات الخارجية والداخلية.

وبمفهوم مبسط للفقر يعد الفرد أو الأسرة يعيش ضمن إطار الفقر إذا كان الدخل المتأتي له غير كافٍ للحصول على أدنى مستوى من الضروريات للمحافظة على نشاطات حياته وحيويتها.

للفقر العديد من التعريفات تبعث من منطلقات إيديولوجية واقتصادية وثقافية، وهو بشكل عام لا يمثل ظاهرة في المجتمع بل يترجم خلال ما في تنظيم هذا المجتمع. والفقر ليس صفة بل هو حالة يمر بها الفرد تبعا لمعايير محددة، فمثلا يعرف الفقر بمفهومه العام علي انه انخفاض مستوى المعيشة عن مستوى معين ضمن معايير اقتصادية واجتماعية. وعرف بشيء من التفصيل على «أنه الحالة الاقتصادية التي يفتقد فيها الفرد الدخل الكافي للحصول على المستويات الدنيا من الرعاية الصحية والغذاء والملبس والتعليم وكل ما يُعد من الاحتياجات الضرورية لتأمين مستوى لائق في الحياة». وفي ضوء الشِّرْعة الدولية لحقوق الإنسان، يمكن تعريف الفقر بأنه وضع إنساني قوامه الحرمان المستمر أو المزمن من الموارد، والإمكانات، والخيارات، والأمن، والقدرة على التمتع بمستوى معيشي لائق وكذلك من الحقوق المدنية والثقافية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية الأخرى.

أنواع الفقر

حاولت العديد من الدراسات والبحوث أن تضع تصنيفات محددة لظاهرة الفقر، وقد اختلفت تلك التصنيفات، ومن أشهر تلك التصنيفات هو التصنيف على أساس مستوى الفقر الذي قسم الفقر إلى عدة مستويات وذلك لغرض قياسه كالفقر المطلق Absolute Poverty هو «الحالة التي لا يستطيع فيها الإنسان عبر التصرف بدخله، الوصول إلى إشباع حاجاته الأساسية المتمثلة بالغذاء، والمسكن، والملبس، والتعلم، والصحة، والنقل»، والفقر المدقع Extreme Poverty وما يسمى بالفقر المزري Disruptive Poverty «هو الحالة التي لا يستطيع فيها الإنسان، عبر التصرف بدخله، الوصول إلى إشباع حاجاته الغذائية لتأمين عدد معين من السعرات الحرارية التي تمكنه من مواصلة حياته عند حدود معينة»، والذي يقترب من الفقر المدقع وما يسمى بالفاقة Pauperism، وقد أضافت بعض الدراسات نوع آخر من الفقر وهو فقر الرفاهة Welfare Poverty لقد حدد بعض الباحثين نوع آخر من الفقر الذي يتعرض له بعض الشرائح الاجتماعية وخاصة في المجتمعات الغربية التي تعيش فيما يسمى بالبلدان المتطورة والتي يتمتع أفرادها بالمنجزات الحضارية الحديثة كالأجهزة المتطورة والحديثة وبعض وسائل الترفيه المتنوعة التي تفتقر إليها بعض الشرائح وذلك أطلق عليه تسمية فقر الرفاهة.

وقد أوردت بعض الدراسات أنواع أخرى للفقر والتي صنفت حسب العوامل المسببة للفقر، إذ قسم الفقر إلى نوعين رئيسيين هما فقر التكوين وفقر التمكين، حيث يمثل النوع الأول مظاهر الفقر الناتجة بسبب المعوقات والصعوبات الواقعية أو الافتراضية كالعوامل البيولوجية / الفسيولوجية والتي في مقدمتها العوق البدني والعقلي والنفسي بأشكاله المختلفة والتي تمثل قصوراً في القدرات الشخصية للأفراد. والعوق الاجتماعي - النفسي، ممثلاً في الأنوثة مقارنة بالذكورة، والشباب مقارنين بالأطفال وبكبار السن، والجماعات الفرعية مقارنة ببعضها أو بالمجتمع السياسي / الدولة. أما النوع الثاني من الفقر وهو فقر التمكين والذي يعد فقر مؤسسي، يفصح عن نقص في قدرة مؤسسات المجتمع على تلبية احتياجات الناس أو – وهو المهم – تفعيل قدراتهم المتاحة أو الممكنة وحثهم على إستثمراها.

انتشار الفقر

تضم دائرة الفقر مليار فرد في العالم بعد الهند والتي يقل فيها دخل الفرد عن 600 دولار سنوياً، ومنهم 630 ملـيون في فقر شـديـد (حيث متوسط دخل الفرد يقل عن 275 دولار سنوياً)، وإذا أتسعت الدائرة وفقا لمعايير التنمية البشرية لشملت ملياري فرد من حجم السكان في العالم البالغ حوالي 6 مليارات فرد، منهم مليار فرد غير قادرين على القراءة أو الكتابة، 1.5 مليار لا يحصلون علي مياه شرب نقية، وهناك طفل من كل ثلاثة يعاني من سوء التغذية، وهناك مليار فرد يعانون الجوع، وحوالي 13 مليون طفل في العالم يموتون سنوياً قبل اليوم الخامس من ميلادهم لسوء الرعاية أو سوء التغذية أو ضعف الحالة الصحية للطفل أو الأم نتيجة الفقر أو المرض. أكثر عشر دول فقراً

  1. الهند (350 مليون) فقير
  2. الصين (106 مليون) فقير
  3. بنغلاديش (93,5 مليون) فقير
  4. البرازيل (72,5 مليون) فقير
  5. إندونيسيا (48 مليون) فقير
  6. نيجيريا (46,5 مليون) فقير
  7. فيتنام (38 مليون) فقير
  8. الفلبين (35,5 مليون) فقير
  9. باكستان (35 مليون) فقير
  10. إثيوبيا (40 مليون) فقير

أسباب الفقر

تعدُّ الديون سببًا رئيسيًا من أسباب الفقر، وغالبًا ما تزداد حالة الشخص سوءًا بفقدان الوظيفة أو سُبل العيش. ففي بلدٍ مثل الهند تؤدي أعباء الديون بعدد من الأسر إلى العيش الدائم في الفقر، فهي في الغالب لا تستطيع تسديد الدّيْن أبدًا، فيضطر المستدين إلى العمل عند الدائن حتى يصبح عبدًا له. وقد يستمر عبء الدّين على مدى أجيالٍ من الأسرة إذ يرث أبناء المدين دين والدهم.

وعندما تعاني شريحة كبيرة من المجتمع كارثة اقتصادية، أو حربًا أو فساد محصول، أو مرضًا وبائيًا فإن الفقر يؤثر على جميع الطبقات والجماعات. ولا تستطيع أي أقلية أو مجموعة تتمتع بامتيازات معينة الاستفادة من فرص التعليم والتوظيف المهيَّأة للآخرين بسبب التحيز الذي قد يكون مصدره واحدًا من عدة عوامل؛ فقد يكون ذا منشأ عرقي أو قومي أو ديني أو جنسي أو لغوي.

تسببت الكوارث الطبيعية في انتشار الفقر بصورةٍ واسعة. فقد تسببت مجاعة البطاطس في أيرلندا في منتصف الأربعينيات من القرن التاسع عشر الميلادي في وفاة مئات الألوف، كما نزح الكثيرون من البلاد هربًا من الموت جوعًا. في الثمانينيات من القرن العشرين الميلادي قضى الجفاف والحرب في إفريقيا على مئات الألوف. وفي عام 1991م دمّر الإعصار كثيرًا من الجزر في بنغلادش مما أدى إلى موت مئات الألوف. كل هذه الكوارث دفعت الملايين من الناجين إلى العُدْم. هذا ويمكن أن يتسبب الهلع والركود الاقتصادي في ازدياد الفقر.

ومن بين الأسباب الأخرى: سوء توزيع الثروة، وسوء التنظيم، وكذلك، الاتكال على الغير والتقاعس عن العمل، عدم التكافل الاجتماعي بين افراد المجتمع، الحروب والاستعمار. وأيضاً تردي الاحوال الصحية و المعيشية.

تأثيرات الفقر

يسبب الفقر المعاناة لملايين من بني البشر. فللفقراء فرص أقل في الحصول على ما يحتاجونه من طعام يكفل لهم الصحة الجيدة وتلقي العناية الطبية المناسبة في حالات المرض. وقد لايجد أطفالهم الأكل الكافي. كما تزيد نسبة معاناة الفقراء من المرض والوفاة في عُمرٍ مبكر عن بقية الناس.

تعيش كثير من الأسر ذات الدخل المنخفض في الأحياء الفقيرة القذرة من المدن أو المناطق الريفية التي لا تكفل الاحتياجات الأساسية من الطعام والمأوى والملبس. ولايوفر لهم العمل سوى دخل متدن، غير ثابت، وضمانات غير كافية. ويعمل العديد من الفقراء تحت ظروف خطيرة أو غير صحية.

يسبب الفقر اليأس والغضب وتعمل المشاكل المالية والعاطفية والمرضية على توتر الروابط الأسرية.

ليس للفقراء وزن كبير في كثير من المجتمعات. وتهتم المؤسسات التجارية والخدمية بتلك الفئة في المجتمع التي تشتري منتجاتها، وتستفيد من خدماتها. وللفقراء سلطة سياسية محدودة إذ إن الكثيرين منهم لايدلون بأصواتهم في الانتخابات لاعتقادهم أنه لايوجد مرشح سياسي يستطيع مساعدتهم.

تشيرُ الدراسات إلى أن أعدادًا كبيرة من الأطفال الذين يولدون في أسر ذات دخلٍ منخفض يظلون فقراء طوال حياتهم. ويشعر بعضهم بالعجز أسوة بآبائهم. وفي بعض أنحاء العالم، ينظر الفقراء إلى الأسر الكبيرة على أنها مصدر تأمين للعيش عن طريق إيجاد العمل لأفرادها في أراضيهم أو العناية بكبار السن منهم.

قد يعاني الأطفال المحرومون قلة التغذية التي تكفل لهم النمو الصحي خلال أهم سنوات عمرهم المبكرة. ومن النادر أن يتوقعوا الالتحاق بمدارس حسنة، تهيئ لهم فرصة التعليم التي تكفل لهم حياة سوية.

قياس الفقر

بلغت نسبة الفقر في تسعينيات القرن العشرين في جميع أنحاء العالم درجة كبيرة حيث عَرَّضت حياة بليون إنسان وصحتهم، أو ما يعادل خمس السكان على الأقل، للخطر. ويختلف تعريف الفقر من بلدٍ إلى آخر تمامًا كما تختلف مستويات المعيشة، وبالتالي فمن الصعب إعطاء إحصاءات دقيقة. ولكن المؤكد هو أن أكثر أنواع الفقر انتشارًا وقسوة تحدث في الدول ذات الموارد القليلة أو غير النامية. وتسمى هذه الدول عادةً الدول النامية أو دول العالم الثالث.

ويدخل ما يزيد على مائة قطر تحت قائمة الدول النامية، وقد كانت مستعمرات سابقة للدول الصناعية. ومن أسباب فقر الدول النامية الحالي أنها كانت ـ فيما مضى ـ مستعمرات سلبتها القوى المُستعمِرة الكثير من ثرواتها. وقد أقامت بضعة بلدان نامية معاهدات سياسية مع بلدان الكتلة الشرقية أو مع الديمقراطيات الغربية خلال سنوات الحرب الباردة بين الشرق والغرب انظر: الحرب الباردة. وتشير تقارير البنك الدولي إلى أن دخل الفرد السنوي في الثمانينيات كان أقل من 425 دولارًا أمريكيًا في 51 دولة نامية. وتراوح دخل الفرد في 35 دولة نامية بين 426 و1,600 دولار أمريكي، وفي 19 دولة؛ تراوح دخل الفرد بين 1,601 و7,500 دولار أمريكي.

وفي ثمانينيات القرن العشرين عاش نحو 25% من سكان آسيا في فقر تام. ويُعرِّف معهد المراقبة العالمي ـ وهو مجموعة متخصصة في دراسة الفقر ـ الذين يعيشون في فقرٍ تام بأولئك الذين يتراوح دخلهم السنوي بين 50 و500 دولار أمريكي. ويعيش في شمالي إفريقيا والشرق الأوسط، ما يقرب من 30% من الناس في فقر تام. وفي شبه صحراء إفريقيا يعيش في هذا المستوى 35% من الناس. وثلثا الذين يعانون شدة الفقر هم من الأطفال الذين هم دون سن الخامسة عشرة.

وفي ثمانينيات القرن العشرين نجحت الصين والهند، وهما أكثر بلدان العالم كثافة سكانية، في تخفيض نسبة الفقر، بينما ارتفعت في ذلك الوقت نسبة الفقر في أمريكا اللاتينية وإفريقيا. ويسكن معظم فقراء العالم في المناطق الريفية، بينما يسكن نصفهم في المدن في أمريكا اللاتينية. وقد انخفضت خلال الثمانينيات نسبة الدخل في بلدان إفريقيا وأمريكا اللاتينية إلى نسبة تتراوح بين 10% و25%.

حَدُّ الفقر

تضع الولايات المتحدة حدًّا رسميًا للفقر كل عام. وهذا الخط هو المستوى الأدنى لدخل الفرد الذي يُعتبر كل من يقل دخله عنه فقيرًا. وقد كان الحد الأدنى لدخل أسرة مكونة من أربعة أفراد، عام 1995م، 15,569 دولاراً أمريكياً. وقد بُني هذا المقياس على المبلغ الذي تحتاجه الأسرة للعيش المقبول. ويفترض هذا المقياس أن الأسرة لن تنفق ما يزيد على ثُلث دخلها على الطعام. وتشمل البلدان التي تنفق فيها الأسرة ما يزيد على ثلث دخلها على الطعام : الهند (55%)، الفلبين (54%)، جنوب إفريقيا (39%)، وأيرلندا (37%).

وقد تقود المقارنة بين البلدان إلى الخطأ نظرًا للاختلافات الكبيرة في الأحوال الاقتصادية المحلية وفي المستويات والعادات. فعلى سبيل المثال، تقع الولايات المتحدة في مرتبة عالية من جهة معدل الدخل لكل فرد وهو 25,000 دولار أمريكي، ومع هذا فقد عاش نحو 36,000,000 من سكانها تحت خط الفقر عام 1995م.

مقاييس أخرى

تختلف نسبة تقسيم الدخل القومي بين الأسر الغنية والأسر الفقيرة في أنحاء العالم. ففي اليابان على سبيل المثال ذهب 37% من الدخل القومي للبلاد إلى 20% من الأسر الأكثر غنى و 9% فقط كانت نصيب 20% من الأسر الأكثر فقرًا. وفي الهند كان نصف الدخل القومي نصيب 20% من الأسر الغنية و 5% فقط ذهب إلى 20% من الأسر الفقيرة. وفي الولايات المتحدة كانت الأرقام 46% لأغنى الأسر و4% لأفقر الأسر. أما في الفلبين فقد ذهب 53% من الدخل لأغنى الأسر و 5% لأفقر الأسر. ومقياس آخر هو نسبة الأسر الريفية التي لا تمتلك أرضًا. تعادل هذه النسبة 40% في إفريقيا و 40% في ماليزيا والهند، و 60% في الفلبين، و 75% في أقطار أمريكا اللاتينية: بيرو والإكوادور.

المشردون

قدِّر عدد من لا مأوى لهم في العالم في تسعينيات القرن العشرين بنحو 100 مليون نسمة. والتشرد سمةٌ واضحة من سمات الفقر. يُجبر قانون الولايات المتحدة الحكومات المحلية على إيواء من لا مأوى لهم. ولكن قوائم الانتظار الطويلة للسكن العام قادت السلطات لإيواء الأسر في سكنٍ مؤقت لفترات طويلة. تتّسم بعض المدن في الدول النامية ـ مثل بومباي في الهند ـ بالأعداد الهائلة من المشردين خاصة الأطفال الذين يجوبون الطرقات بلا مأوى.

الدراسات الاجتماعية للفقر

الفقر حالة نقص الموارد المادية عادة، ولكن الثقافية أحياناً. ومن الشائع التمييز بين تعريفات الفقر المطلق والفقر النسبي. ويعنى الفقر المطلق حالة افتقار الفرد إلى الموارد الضرورية للبقاء على قيد الحياة. أما الفقر النسبى، فهو المفهوم الذى يميل إليه كثيرا علماء الاجتماع (خاصة أولئك الذين يدرسون الفقر فى المجتمعات الصناعية المتقدمة)، ويعنى افتقار المفرد أو الجماعة إلى الموارد بالمقارنة بأفراد المجتمع الأخرين. فهو يعنى - إذن - مستواهم المعيشى النسبى. ولما كان الفقر النسبى يتعلق بالقروق فى مستويات الموارد المادية - أى عدم المساواة فى توزيع تلك الموارد فى المجتمع - فإن مقاييس الفقر النسبى ليست فى ذاتها أقل موضوعية من مقاييس الفقر المطلق. فليست تلك المقاييس مجرد مشاعر ذاتية بالفقر، وإن كانت مثل هذه المشاعر يمكن أن تكون ذات أهمية عند تحليل آثار الفقر.

ونجد أن تعريفات الفقر المتعلقة بعدم القدرة على البقاء تكون ذات قيمة كبرى عند دراسة ظواهر الفقر فى العالم الثالث، وتدلنا الدراسات الدولية أن المستوى العام للفقر فى ضوء الإعاشة (المطلق) شديد الارتفاع، إلى حد أن بعض الدراسات قد أوضحت أن حوالى نصف السكان فى البلاد ذات الدخول المنخفضة يعيشون فى فقر مطلق. والحقيقة أن الارتفاع الشديد فى معدلات الفقر ليس محل خلاف، حتى فى الحالات التى يصعب فيها الحصول على مقاييس دقيقة للفقر، حيث لا يدل الدخل بدقة على مدى حصول الفرد على وسائل الإعاشة الضرورية. ومن اللافت للنظر أن الدراسات الكلاسيكية للفقر التى أجرا ها فى بريطانيا تشارلز بوث وسيبوم راونترى قد استخدمت هى الأخرى تعريفات فقر الإعاشة (أو الفقر المطلق)، وتوصلت إلى وجود معدلات عالية للفقر، وإن كانت أقل ارتفاعا من المعدات العالية التى تعرفها مجتمعات العالم الثالث اليوم. وقد استخدم بوث فى دراسته االتى جاءت فى سبعة عشر مجلدا - بعنوان: حياة وعمل سكان لندن (التى صدرت فى الفترة من 1889 حتى 1903) الدخل كمقياس أو مؤشر للفقر. ويرجع إليه الفضل فى ابتكار مفهوم خط الفقر، وقصد به المستوى الذى يعجز الواقعون تحته عن توفير ضرورات المعيشة، وعلى هذا الأساس قام الدليل على أن حوالى ثلث مجموع سكان لندن كانوا يعيشون فى فقر.

كذلك استخدمت دراسة راونترى للفقرفى مدينة يورك فى مطلع القرن العشرين مفهوم فقر المعيشة. و لكنه استطاع أن يبلغ مستوى أعلى من المتدقيق، حيث حاول تحديد كميات الأطعمة الأساسية اللازمة للإعاشة، ثم قام بحساب الدخل اللازم لتوفير هذه الأغذية، فضلا عن ضرورة تخصيص مبلغ معين للملابس والسكن. وقد أوضحت الشواهد - التى حسبت على هذا الأساس - أن حوالى 15% من سكان مدينة يورك يعانون من حالة الفقر الأولى (أو الأساسى أو المعيشى)، حيث تقصر مواردهم عن توفير الاحتياجات الأساسية. أما عن حالة الفقر الثانوى، فقد قصد بها الحالات التى بكفى فيها الدخل لتوفير تلك الأساسيات، ولكنه ينفق على أشياء أخرى. وباستخدام هذا المفهوم أوضح أن حوالى 28% من السكان يعيشون فى عوز واضح أو فى معيشة متدنية. واستطاع راونترى تطوير تلك المقاييس واستخدمها فى إجراء مسح عام 1936 انتهى منه إلى أن نسب الفقر الأولى بلغت أقل من 7% فقط، والفقر الثانوى 18% من مجموع سكان يورك. وبحلول عام 1950 بدا أن الفقر اختفى تماما أو كاد من بريطانيا نتيجة لظهور دولة الرفاهية، الأمر الذى دفع راونترى إلى القول بان معدل الفقر قد انخفض إلى أقل من 2% من مجموع سكان بريطانيا.

وفى حقبة الستينيات "أعيد اكتشاف" الفقر من جديد، وذهب بعض الباحثين، مثل بريان آبل سميث وبيتر تاونسند، إلى أن مقاييس الفقر كتلك التى استخدمها راونترى لم يتم تطويرها على النحو اللازم بحيث تستطيع أن تأخذ فى اعتبار ها التغيرات التى طرأت على القوة المشرائية للدخول عبر الزمن، ولهذا السبب أظهرت ظاهرة الفقر الأولى (فقر المعيشة) بأقل من حجمها الحقيقى. (و لقد وجهت نفس هذه الملاحظة إلى بعض الدراسات فى الولايات المتحدة، راجع حول ذلك المراجع الواردة فى أخر هذا المدخل). كما أكدوا أنه من الأنسب لذلك تعريف الفقر على أساس نسبى وليس على أساس مطلق. فالأسر قد تتاح لها موارد كافية لتوفير سبل الإعاشة، و لكن ذلك لا يعنى “ فى ذاته - أن لديهم القدرة على توفير نفقات التدفئة أو على توفير السلع الاستهلاكيه المعمرة الجديدة (كأجهزة المتليفزيون أو الثلاجات) التى أصبحت فى حكم الأشياء الضرورية التى تزداد أهميتها للجميع باضطراد. كما أن ذلك الدخل قد لايعنى قدرة تلك الأسر على المشاركة فى الأنشطة الاجتماعية وانشطة وقت الفراغ التى تستمتع بها سائر الأسر فى المجتمع. ومعنى ذلك أن تستبعد تلك الأسر من "الحياة الاجتماعية العادية للمجتمع المحلى" واستخدم آبل سميث وتاونسند مقياسا للفقر النسبى يتمثل فى وضع الأسرة من وسائل الضمان الاجتمساعى (مدفوعات نظم الرفاهية)، وانتهيا إلى أن حوالى 15% من السكان يعانون من الفقر.

ثم استطاعت بعض الدراسات الملاحقة، مثل دراسة تاونسند الضخمة بعنوان: الفقر ، الصادرة عام 1978 أن تنقح مقاييس الفقر النسبى، و استطاعت أن تثبت أن نسبة كبيرة من السكان ماز الت تعانى من الفقر، وأن تلك النسبة قد ازدادت خلال عقد الثمانينيات بسبب استمرار ظواهر وممارسات اللامساواة والتخفيض فى المساعدات الاجتماعية. وتشير البيانات الحديثة إلى أن حوالى خمس سكان بريطانيا مازالوا يعيشون فى فقر، وإن كانت تلك البيانات محل جدل كبير، شأنها فى الواقع شأن كل الأرقام الخاصة بالفقر فى كافة المجتمعات الصناعية المتقدمة تقريبا.

والملاحظ أن الأسباب المباشرة للفقر تختلف من فترة زمنية لأخرى، كما تختلف باختلاف مراحل دورة الحياة. وقد انتهى بوث وراونترى إلى أن الدخول المتدنية وغير المنتظمة تمثل سببا رئيسيا للوقوع فى الفقر. (فقد أوضح راو نترى أن نصف عدد الذين يعانون من الفقر الأولى فى عامى 1897 - 1898- على الأقل - يرجع فقرهم إلى انخفاض الأجور، وأن أكثر من خمس عدد الفقراء يرجع فقرهم إلى كبر حجم الأسرة). إلا أن الدراسة التى أجراها راونترى - بعد ذلك - فى عام 1936 قد أوضحت أن البطالة وكبر السن باتت أكثر أهمية فى الإصابة بالفقر مما كانت عليه من قبل. ووقت إجراء تاونسند لدراسته كانت الأسباب المباشرة الرئيسية للفقر هى : انخفاض الأجر، وفقد العائل، والمرض أو المستوى الصحى المتدنى، والبطالة، وكبر السن. حيث تبين أن مجموعات الفقراء الرئيسية تتمثل فى : كبار السن، والأسر ذات العائل الواحد، والمرض الطويل أو العجز، و أصحاب الدخول المتدنية، والعاطلين عن العمل. ولوحظ ارتفاع نسبة النساء بين الفقراء، وهى النتيجة التى دفعت بعض الكتاب إلى الحديث عن تأنيث الفقر.

وتدلنا تلك الصورة العامة للتغير الذى حدث فى الأسباب المباشرة للفقر أن العوامل الاقتصادية والمبنائية وسوء الحظ الاجتماعى، وليس الضعف أو القصور الفردى (فى صورة الكسل أو الحماقة) هى الأسباب الأساسية للفقر. لذلك يتعين لكى نفهم الفقر فهما أكمل وأدق أن ندرس التوزيع العام للثروة واللامساواة الاجتماعية فى المجتمع. وقد حاولت بحض النظريات ان تضطلع بذلك فعلا. حيث نجد أن التحليلات المليبرالية الكلاسيكية المجديدة تؤكد على دور السوق فى توزيع الموارد فيما يتصل بالمواهب، والمهارات، والدوافع، وذهبت إلى القول بأن الفقر لازم لتوفير نظام للحوافز التى تحفز الجهد الفردى، وأن الذين ينتهى المطاف بهم إلى الفقر يفتقرون إلى المواهب والمهارات المناسبة. كما لاحظوا أن الدعم المالى للفقراء يمكن أن يؤثر على أداء السوق لوظانفه أداء متناغما.

ومع أن تلك التحليلات تنطوى على إشارات إلى بعض العناصر البنائية أحيانا، إلا أنها ترتبط مع ذلك فى الغالب بالفروص التى تلوم الفقراء على فقرهم، وأن المسئول عن ذلك هى اتجاهاتهم، ومعتقداتهم، وسلوكهم. وطبق هذا الرأى نفسه على الأسرة وعلى الجماعة الاجتماعية، وليس الفرد فقط، وذلك عن طريق استخدام مفاهيم مثل "ثقافة الفقر"، ويقصدون به البيئة الثقافية التى تتسم بالقدرية، والاستسلام، والكسل، وكلها ممارسات مناوئة للإنجاز، والعمل الشاق، والاعتماد على المنفس، وهى ثقافة يتم تناقلها من جيل إلى جيل. و لكن تصدت لتفنيد تلك الآراء طائفة من الدراسات الإمبيريقية التى تناولت أساليب حياة الفقراء.

على خلاف ذلك تبرز التحليلات الماركسية دور الرأسمالية و المصالح فى توليد الفقر، سواء على المستوى القومى أو على المستوى العالمى. والحجة التى يسوقونها هنا هى أن الرأسمالية تقوم على استغلال العمل، وأن ذلك ينطبق قوميا وعالميا أيضا. وتبعا لحالة المنمو الرأسمالى والمتطلبات الخاصة للرأسماليين، قد توجد حاجة إلى توفير العمالة الرخيصة، وضغوط لإبقاء الأجور منخفضة، وارتفاع نسبة البطالة، وخفض المساعدات الاجتماعية إلى أدنى حد ممكن، وذلك كله من أجل تعظيم أولئك الرأسماليين لأرباحهم وإذا خلصنا تلك الآراء من غطائها الماركسى، فيتمثل جوهرها فى أن مستوى المفقر ليس سوى دالة لطبيعة التنظيم الاقتصادى القائم، وللعمليات المتصلة بتوزيع الثروة والمساعدات الاجتماعية. فالفقر ٠ وفقا لهذا الرأى - ليس مجرد شرط ضرورى لأداء السوق أداء جيدا، ولكنه راجع إلى أنه قد يكون من المفيد لحائزى القوة -سياسيا واقتصاديا أن يتبنوا سياسات من شأنها أن تزيد - لا أن ثقلل -اللامساواة والفقر.

ويلاحظ أن التراث السوسيولوجى الضخم حول موضوع الفقر يتداخل مع التراث المتصل بموضوعات: الدراسة الاجتماعية للأعراق، والإثنية، والثقافات الفرعية، والطبقة الدنيا، والتدرج الطبقى عموماً، خاصة فى الولايات المتحدة أكثر منه فى بريطانيا (راجع مؤلف هافمان بعنوان: سياسات الفقر وبحوث الفقر، الصادر عام 1978). حول موضوع "إعادة اكتشاف" الفقر فى الولايات المتحدة خلال عقد الستينيات راجع ملحق الكتاب الذى حرره ويلسون بعنوان: المحرومون حقيقة، الصادر عام 1987 من تأليف جوليوس ويلسون وروبرت أبونت وعنوانه: "الفقر الحضري: عرض لموقف التراث".

من أكمل و أفضل الأعمال التى تناولت الفقر فى مصر أعمال المؤتمر السادس الذى نظمه قسم الاجتماع بكلية الآداب جامعة القاهرة، ونشرت أعماله في: محمود الكردى، محرر، الفقر في مصر الجذور والنتائج واستراتيجيات المواجهة) مطبعة جامعة القاهرة، القاهرة، 1999. يضم المجلد ستة بواب يناقش أولها الخطاب العلمى حول الفقر بينما يهتم الثانى بإبراز الإطار العام لظاهرة الفقر فى المجتمع المصرى. وخصص الباب الثالث للتعرف على أبعاد للفقر فى المدينة المصرية، وكانت أبعاد الفقر فى القرية المصرية هى محور أهتمام الباب الرابع. أما الباب الخامس فيختص بدراسة تداعيات الفقر فى المجتمع المصرى، وناقس الباب السادس والأخير استراتيجيات مواجهة الفقر، ويلحق بالمجلد الذى نشر أعمال المؤتمر قائمة بيليوجرافية بدراسات الفقر فى مصر من إعداد محمد الجوهرى تضم حوالى أربعمائة عمل باللغتين العربية والانجليزية.

الوضع الراهن

تشير متابعة هدف تخفيض الجوع إلى أنه هناك بعض التقدم في الحد من الفقر في دول شرق وجنوب آسيا، لكن مع هذا لا زال الجوع مرتفعا جدا مع تغيير طفيف في أفريقيا جنوب الصحراء، ومرتفعا بدون تغيير في شمال أفريقيا. ولا تغيير يذكر في حالة الجوع في كل من أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي والدول الأوروبية في رابطة الدول المستقلة. وأنه بدأ الجوع بالتزايد في غربي آسيا والدول الآسيوية في رابطة الدول المستقلة.

محاربة الفقر

تحارب عدة حكومات ومنظمات الفقر في البلدان النامية وفي أوساط المحرومين من سكان الدول الصناعية المتقدمة في الغرب. وقد حاولت بعض الدول الصناعية الحد من آثار الفقر فيها عن طريق تحسين الرعاية الاجتماعية المنظمة والخدمات الاجتماعية، وبرامج التأهيل الوظيفي، ومساندة قوانين الحد من التمييز بين الناس.

تعمل المنظمات الخيرية ووكالات الإغاثة العالمية في العديد من البلدان النامية؛ حيث تقوم بتوزيع الطعام والدواء في المناطق الأكثر فقرًا وحاجة. وغالبًا ما تواجهها مشاكل محلية كبيرة؛ مثل طرق المواصلات الرديئة والحواجز الطبيعية كالجبال وغيرها.

تحاول بعض المنظمات مساعدة سكان هذه البلاد من أجل تحسين التقنية أو طُرق استغلال الموارد الموجودة بصورة أفضل. ومثل هذه المساعدات والبرامج المماثلة تبعث الأمل في وجود مستقبلٍ يقل فيه الفقر. وقد نجحت تجربة القروض الصغيرة في الهند التي تُسدَّد بطريقة تناسب حالة المُقترض.

وقد تقدَّم الخبراء باقتراحات حول إجراءات الحد من الفقر على المستوى القومي في البلاد؛ وهي تشمل التخفيض أو الإعفاء من الديون المستحقة على تلك البلدان لصالح الدول الصناعية الدائنة، وإلغاء قيود الاستيراد؛ حتى تستطيع بيع منتجاتها بسهولة. كما يرعى كل من البنك الدولي والأمم المتحدة وعدد من الوكالات برامج التنمية الاقتصادية في بعض البلاد التي تعاني ركودًا اقتصاديًا. ويعتقد العديد من المراقبين أن مثل هذه التنمية يجب أن يُخطَّط لها حتى لايكون عبؤها ثقيلاً على الموارد الطبيعية لتلك البلدان؛ مثل الغابات.

استراتيجية الحد من الفقر في المدى القصير

تعتبر إستراتيجية مكافحة الفقر في المدى القصير معتمدة على المساعدات والدعم واساليب التنمية للمشاريع الصغيرة من خلال عمل جمعيات مدنية تنموية تعمل على التدريب وتنمية الخبرات المهنية وتعبئة المجتمع لمبادرات تنشيط للعمل والمشروعات الصغيرة وبث روح المنافسة والاننتاجية والمسؤولية لدى الفئات الفقيرة.كما يعد استمرار الدعم للطبقات الفقيرة ضرورة في الحاضر والمستقبل القريب، إذ يؤدى إلغاؤه إلى أعباء اقتصادية واجتماعية فادحة، ولكن يجب تطوير آليات الدعم بدعم مبادرات المشروعات الصغيرة والاعتماد على الذات حتى لا يكون الفقر مواكب لقلة النشاط والتواكل، والتكاثر غير النوعي والحضاري للبشر، لا يجب حالياً استبدال دعم الأسعار ببديل نقدي لأن الفئة الوحيدة المتاح معرفة دخلها بدرجة معقولة من الدقة هي فئة المشتغلين بالحكومة، أما الفئات الأخرى التي تشمل العاطلين والعاملين في القطاع الخاص والعمالة غير المنظمة يصعب تقدير دخلهم أو وصول الدعم النقدي لهم لغياب منظومة المعلومات المناسبة، ويفضل ان يكون الدعم عينياً وفنياوتدريبياً من خلال الجمعيات والمؤسسات التنموية التي تعمل على تحليل ظاهرة الفقر ومعالجة أسبابها بالإضافة لعامل تحسين آليات توزيع الثروة العامة في المجتمعات.

رأينا أنّ للفقر أسبابا متعددة، أهمها الكوارث وضعف التعليم وطبيعة العراقة الحضارية والتكاثر السكاني الواسع والسريع مع تطور أنظمة الصحة والحياة، والفقر مرتبط بقلة العمل والنشاط والفعالية الحضارية والقدرة على التنمية والتطوير. وتوجد أكبر نسبة الفقر في البلدان الابوية المعتمدة على الدولة كمجتمع وصائي، وتقل هذه النسبة في المجتمعات المتعلمة والمتنافسة والمنظمة للجهد البشري. ويبقى تحديد معنى الفقر نسبيا حسب الشعوب، إذ أن ظاهرة تنتشر في جميع المجتمعات بدرجات متفاوتة، إلا أن الفرق يبقى في درجة الفقر ونوعيته وشدته ونسبة الفقراء في المجتمع.

ويمكن من هذه الزاوية أن نتبيّن أسباباً داخلية وأخرى خارجية.

  1. الأسباب الداخلية

من أهم الأسباب الداخلية طبيعة المجتمع ونشاطه وتطوره الحضاري والبشري، وعراقته في تنظيم أعماله ونشاطه واستفادته من ثرواته وتنميتها تنمية مستدامة، وثانياً النظام السياسي والاقتصادي السائد في بلد ما. فالنّظام الجائر لا يشعر فيه المواطن بالأمن والاطمئنان إلى عدالة تحميهِ من الظلم والعسف. ويستفحل الأمر إذا تضاعف العامل السياسي بعامل اقتصادي يتمثل في انفراد الحكم وأذياله بالثروة بالطرق غير المشروعة نتيجة استشراء الفساد والمحسوبية، فيتعاضد الاستبداد السياسي بالاستبداد الاقتصادي والاجتماعي، وهي من الحالات التي تتسبب في اتساع رقعة الفقر حتى عندما يكون البلد زاخرا بالثروات الطبيعية كما حدث ويحدث في عدة بلدان إفريقية أو في دول أمريكا اللاتينية، هذا فضلا عن الحروب الأهلية والاضطرابات وانعدام الأمن.

  1. الأسباب الخارجية

الأسباب الخارجية متعددة، وهي أعقدُ وأخفى أحيانا. ومن أهمها الحروب والنزاعات والصراعات الدولية التي تحرم البلدان فرصة التنمية والتطوير، كما من أسبابها السيطرة والاستعمار والتدخل بشؤون الدول الفقيرة استغلالا ونهبا لثرواتها. أخيراً وبعد حصار دام أكثر من عقد من الزمن تسبب في تفقير شعب بأكملهِ رغم ثرواته النفطية. ويتعقد الأمر كثيراً إذا كان الاحتلال استيطانياً كما في فلسطين حيث تتدهور حالة الشعب الفلسطيني يوماً بعد يوم وتتسع فيه رقعة الفقر نتيجة إرهاب الدولة الصهيونية وتدميرها المتواصل للبنية التحتية وهدم المنازل وتجريف الأراضي الفلاحية فتتحول مئات العائلات بين يوم وليلة من حد الكفاف إلى حالة الفقر المدقع.

ومن الأسباب غير الظاهرة للعيان نقص المساعدات الدولية أو سوء توزيعها في البلدان التي يسود فيها الفساد في الحكم.

إستراتيجية الحد من الفقر في المدى الطويل

إعادة صياغة السياسات العامة للدولة في عدة محاور رئيسية:

  • القناعة والالتزام السياسي والحكومي بأن التنمية البشرية هي وحدها القادرة علي أن تحدث النمو الاقتصادي تترجم في صورة إعادة توزيع الاستثمارات لتحقيق التنمية البشرية.
  • تطبيق اللامركزية الكامل في السلطة واتخاذ القرار وإعطاء الدور الرئيسي للمشاركة في تحديد أهمية المشروعات لأفراد كل مجتمع محلي من خلال مؤسسات مجتمعية تتمتع بالحرية الديمقراطية.
  • قصر دور المفكرين والمتخصصين في التنمية في عرض مسارات التنمية والمساهمة في دقه التشخيص لأنواع وأبعاد وحجم المشكلات.
  • لا تتحقق التنمية «المتواصلة» القادرة علي البقاء المرتكزة علي التنمية البشرية إلا ببناء تكنولوجيات محلية تتسم بأنها كثيفة العمل، كفء في استخدام الطاقة، منخفضة التكاليف غير ملوثة للبيئة وتؤدى لرفع إنتاجية عناصر الإنتاج المحدودة وتحافظ علي الموارد الطبيعية.
  • تعديل أساليب إدارة الميزانيات الحكومية والإنفاق العام، مع إعادة جدولة الإنفاق العام لإحداث توازن بين المناطق الفقيرة (وأغلبها ريفية) والمناطق المرتفعة الدخل (أغلبها المدن الكبرى والعواصم). فقد بينت الدراسات أن المدن الرئيسية في الدول الفقيرة يخصص لها 80% من إنفاق الخدمات علي الصحة والتعليم ومياه الشرب النقية، وقدر نصيب الفرد في المدن من الإنفاق العام حوالي 550 دولار مقابل 10 دولارات فقط للفرد في الريف.
  • تكافل الدول العربية في وضع نظام إقليمي للمعلومات يهدف لإجراء بحوث ميزانية الأسرة كل خمس سنوات في كل الدول العربية، وإتباع منظومة معلومات الرقم القومي الدال علي الفئة الاقتصادية الديموجرافية للسكان لتحديد الفئات المستهدفة بالدعم باعتباره المحك لنجاح أي سياسة تهدف للحد من الفقر.

نبذة تاريخية

عد كثير من الناس الفقر ـ منذ قديم الزمان وفي كثير من المجتمعات ـ حقيقةً لابد منها في الحياة. وتعتبره معظم المجتمعات نقمة. وقد تضمن الدين الإسلامي الزكاة والصدقة جزءًا أساسيًا من المبادئ التي تسير عليها حياة أفراده. انظر: الفقير. وقد عاش عدد من الصالحين والعلماء ورجال الدين حياة فقيرة. وفي الهند لم يترك النظام الطبقي الصارم أملاً لأفراد الطبقة الدنيا في المجتمع من الهروب من فقرهم.

وقد اعتمد اقتصاد الكثير من الدول في الماضي على تجارة الرقيق. وكانت بعض المجتمعات تمنح الرقيق فرصة العمل الخاص من أجل شراء حريتهم. ولكن معظمهم كانوا يعانون المصاعب المزدوجة : الرق والفقر.

وبانتقال المجتمعات الزراعية إلى مجتمعات صناعية في معظم دول العالم، نزح الكثيرون من العمال الريفيين إلى العيش في المدن واقعين بذلك في مصيدة فقرٍ جديد ألا وهي البطالة المدنية. وفي ظل النظام الإقطاعي في العصور الوسطى كان كل سيد للأرض مسؤولاً عن سد حاجة المحتاجين في منطقته. وبانتهاء الحياة الإقطاعية صارت هذه المسؤولية من اختصاص السلطة الاجتماعية المحلية، وصارت الكنيسة أو الحكومة المحلية تمد هؤلاء بالإعانة. ونما في بريطانيا نظام سمي قانون الفقراء؛ فعاشت الأسر المشردة على عناية الأبرشية التي تدعمها الإعانات الخارجية. وفي بداية القرن التاسع عشر الميلادي تغير النظام فأصبح المشردون يجبرون على العيش في دور الإصلاح؛ ومن يرفض ذلك لايحصل على الإعانة.

جذبت الثورة الصناعية في أمريكا وأوروبا أعدادًا هائلة من الناس إلى المدن، حيث كان عمال المصانع الجديدة يحصلون على أجور زهيدة؛ كما درجت مصانع كثيرة على تشغيل الأطفال. فارتفعت البطالة المدنية، واكتظت المدن بالسكان، فعاش الفقراء في الأحياء الفقيرة المكتظة بالسكان.

وبنهاية القرن التاسع عشر الميلادي، بدأ الكثيرون يدركون أن الفقر ليس بالأمر المحتوم، وبدأوا البحث عن الإصلاحات. ولفت الكاتب البريطاني أرنولد توينبي انتباه الرأي العام بكتابه الثورة الصناعية الذي نشر عام 1884م، بعد وفاته بعام. وافتُتحت بعد ذلك بوقت قصير دار توينبي للإيواء ـ أول مركز للرعاية الاجتماعية يعمل في منطقة فقيرة في لندن لخدمة فقراء المدينة، وقد سميت الدار على اسم توينبي. وأسست مصلحة اجتماعية أخرى تُدعى جين آدمز مركزًا آخر للرعاية الاجتماعية سمي دار هال وذلك في مدينة شيكاغو بالولايات المتحدة عام 1889م ونجحت في كفاحها من أجل سن قوانين لحماية الشرائح الفقيرة في المجتمع الأمريكي.

وبحلول عام 1889م، أجازت ألمانيا أول برنامج لتأمين الشيخوخة. وفي أوائل القرن العشرين كانت عدة أقطار أوروبية قد سنت قوانين مماثلة، وفي عام 1930م، أنشأت حكومة الولايات المتحدة أول برنامج فيدرالي شامل لمد المحتاجين من الناس بالضمان الاجتماعي.

وفي الستينيات من القرن العشرين، ركّزت حركة الحقوق المدنية الأمريكية انتباهها على الفقر وسط الأقليات العرقية. وخلال السبعينيات تحققت إنجازات مختلفة في محاربة الفقر. ولكن الركود الاقتصادي لعامي 1981م و 1991م أعاق التقدم.

تحرّى الإسلام علاج مشكلة الفقر بأساليب مختلفة، منها: حث المسلمين على السعي والعمل المنتج، ومنها الصدقة المفروضة (الزكاة)، وهي ركن أساسي في الإسلام، فلم يترك الأمر للنوازع الخيرة وحدها، بل جُعلت الزكاة فريضة، كما جعلها أنواعًا، وجعل لكل نوع نسبة محدودة، إلى غير ذلك مما هو مفصل في كتب الفقه، ومما لا نجد له نظيرًا في ديانة سماوية أو نظام اجتماعي.

اقرأ أيضاً