علم الاجتماع الطبي
علم الاجتماع الطبي (بالإنجليزية: Medical sociology أو Sociology of Medicine) يشكل هذا العلم حلقة الوصل بين الاجتماع والطب، إذ يقوم بتحليل الهيئات والمؤسسات الطبية وإنتاج المعرفة وانتقاء أساليب وإجراءات وتفاعلات من أخصائيي الرعاية الصحية والاجتماعية أو الثقافية «مفضلاً ذلك على العيادات السريرية أو الجسدية» في واقع الممارسة الطبية. يهتم علماء الاجتماع الطبي أيضًا بالتجارب النوعية للمرضى، وغالبًا ما يعملون في مجالات الصحة العامة والعمل الاجتماعي وعلم السكان وعلم الشيخوخة لاستكشاف العديد من الظواهر التي تتقاطع مع العلوم الاجتماعية والسريرية. ترتبط التفاوتات الصحية عمومًا بالفئات النموذجية مثل الطبقة والعرق. سرعان ما أصبحت نتائج البحث الاجتماعي الموضوعي قضية معيارية وسياسية.
كانت بدايات العمل على علم الاجتماع الطبي من قبل العالم المعروف لورنس جوزيف هندرسن، والذي ألهمت اهتماماته النظرية في عمل فيلفريدو باريتو أعمال تالكوت بارسونز في نظرية الأنظمة. بارسونز هو أحد الآباء المؤسسين لعلم الاجتماع الطبي ونظرية الدور الاجتماعي التطبيقي في العلاقات التفاعلية بين المرضى وغيرهم. من بين المساهمين الرئيسيين في علم الاجتماع الطبي منذ الخمسينيات هوارد إس بيكر، ومايك بوري، وبيتر كونراد، وجاك دوغلاس، وديفيد سيلفرمان، وفيل سترونغ، وبيرنيس بيسكوسوليدو، وكارل ماي، وآن روجرز، وأنسيلم شتراوس، ورينيه فوكس، وجوزيف دبليو شنايدر.
يُدرّس مجال علم الاجتماع الطبي عادة كجزء من علم الاجتماع أو علم النفس السريري أو الدراسات الصحية الأوسع نطاقًا، أو في درجة الماجستير المخصصة إذ تُدمج أحيانًا مع دراسة الأخلاقيات الطبية والأخلاقيات الحيوية. في بريطانيا، أدخل علم الاجتماع في المناهج الطبية بعد تقرير بانيستر كودينف في عام 1944: «في الطب، قد تؤدي التفسيرات الاجتماعية لمسببات المرض إلى إعادة توجيه تفكير الأطباء عن المعايير السريرية والنفسية البحتة للمرض. فقد ثبت دور العوامل الاجتماعية في التفسير الطبي بقوة في فروع الطب المختلفة. وارتبط ارتباطًا وثيقًا بالطب المجتمعي والاجتماعي، وبالممارسة العامة بعد ذلك».
مفهوم علم الاجتماع الطبي
علم الاجتماع الطبي ميدان من ميادين علم الاجتماع يركز على الطب باعتباره مجموعة من الأفكار والممارسات. ومع ذلك فإن التحديد الدقيق لهذا الميدان عملية إشكالية غير يسيرة. ففى المحل الأول، هناك خلاف حول تحديد علاقه هذا المجال من مجالات علم الاجتماع بالمهن الأخرى. وقد تواتر إثارة هذه القضية عادة من خلال التأكيد على المقابلة بين دور علم الاجتماع فى مجال الطب وعلم الاجتماع الطبى.
فعلم الاجتماع فى مجال الطب، كما يدعى البعض، يعمل فى إطار الحدود والمعالم الخاصة بالطب، حيث يكون عليه أن يقبل باهدافه وأولوياته. أما علم الاجتماع الطبى فيتبنى اتجاها نقديا أكثر استقلالية تكون فيه الأولوية للإسهام السوسيولوجى على الطبى. وطبقا لهذا التصور، يعد علم الاجتماع الطبى مجالا من مجالات علم الاجتماع له وجود مشروع، فى حين يفتقر علم الاجتماع فى مجال الطب إلى مثل هذه المشروعية. على أنه فى كلا الحالتين، فإن ميدان علم الاجتماع الطبى يتحدد مدلوله وتتعين حدوده فى ضوء علاقته بالطب.
ويفضل كتاب آخرون تحديدا أكثر رحابة لنطاق علم الاجتماع الطبى مثل سوسيولوجيا الشفاء أو المعالجين، أو سوسيولوجيا نظم الرعاية الصحية، لكى يوضحوا أن الأطباء لا يشكلون المجموعة الوحيدة التى تتولى مهمة العلاج، أو أنهم يشكلون المكون الوحيد لنظم الرعاية الصحية. فهناك كثرة من المعالجين الآخرين مثل الممرضات، والمتخصصين فى العلاج الطبيعى، بالإضافة إلى المعالجين غير الرسميين الذين بنبغى دراسة دورهم العلاجى بمزيد من التفصيل، والذين يتعين ألا يتم تصنيفهم تحت مظلة الطب.
وثمة مشكلة أخرى تكتنف عملية تحديد مجال علم الاجتماع الطبى تتعلق بالعلاقه بين علم الاجتماع والدراسة الاجتماعية للصحة والمرض. وفى هذا المقام يذهب البعض إلى القول بأن علم الاجتماع الطبى يستوعب بالضرورة الدراسة الاجتماعية للصحة والمرض حيث أنها تمثل لب اهتمام الطب، فى حين يذهب آخرون إلى أن بؤرة الاهتمام يجب أن تكون أكثر ضيقا بحيث تركز على الطب كمهنة، وأن الدراسة الاجتماعية للصحة والمرض يجب أن تعامل باعتبارها مجالا مستقلا للدراسة.
وبرغم مثل هذه الصعوبات التى تكتنف تحديد المجال، فقد ظل علم الاجتماع الطبى - بالمعنى الواسع للمصطلح - يشهد نموا وازدهارا منذ الخمسينيات. و على الرغم من ان جذوره ترجع - جزئيا - إلى الطب الاجتماعى إبان سنوات ما بين الحربين العظميين، أو إلى فترات سابقة على ذلك، فإن القوة الدافعة لهذا الفرع نبعت بصفة آساسية من كتابات تالكوت بارسونز الو اسعة المتأثير عن مهنة الطب ودور المريض، التى وضعت الطب والمرض فى قلب تيار الاهتمام الرئيسى لعلم الاجتماع.
وإذا ما نحينا جانبا القضايا المتعلقة بالصحة والمرض، يركز علم الاجتماع الطبى بمعناه الضيق على قضيتين رئيسيتين. وتهدف القضية الأولى، والمهيمنة على الميدان، إلى تحليل طبيعة ومدى و أصول القوة التى تتمتع بها مهنة الطب، و علاقة مهنة الطب بالمهن الأخرى المرتبطة بها. ويقف علم إليوت فريدسون المعنون: مهنة الطب، والصادر عام 1971، بتأكيده على الاستقلالية الذاتية باعتبارها السمة المميزة لمهنة الطب، يقف شاهدا على هذا التراث العلمى. ولقد تم تطوبر إسهام فريدسون من قبل عدد من الكاتبات ذوات التوجهات النسوية - مثل آن أوكلى -التى قامت بدراسة أساليب الاستبعاد التى يستخدمها الأطباء والتى تتجلى فى عملية انتشار الطابع الطبى (وهو مصطلح يرتبط بوجه خاص بدراسة إيفان اليش المعنونة: نقمة الطب، والصادرة عام 1976) على وقائع مثل الولادة، الأمر الذى يؤدى ليس فقط إلى استبعاد القابلة التى تكون دائما امرأة، ولكن أيضا إلى زيادة الإحساس بالعجز لدى النساء الواضعات.
وتمثل العلافة بين الطبيب والمريض البؤرة الرئيسية الثانية لاهتمام علم الاجتماع الطبى، حيث تتراوح الدراسات بين التحليلات المتعمقة للعلاقه التفاعلية بين الطبيب والمريض بما فى ذلك تحليل الشرائط المسجلة للأحاديث التى تدور بين المريض والمعالج، إلى المسوح الكبيرة لمدى الرضا عن العلاقة بين الطبيب والمريض، والوقت الذى يقضيه الطبيب مع المريض، وما إلى ذلك من الموضوعات. ولقد لقيت رعاية المحتضرين اهتماما خاصا من المشتغلين بعلم الاجتماع الطبى. وقد قدم المرحوم الدكتور نبيل صبحى حنا أبرز إسهام مصرى وعربى فى دراسة الجوانب الاجتماعية للاحتضار، وقد صادف فى حياته - القصيرة المثمرة - عنتاً شديداً واستنكاراً ممن حوله للاهتمام بمثل هذا الموضوع. ولكنه استمر وثابر، ووصل إلى تسجيل أكثر من رسالة ماجستير حول الاحتضار لتلاميذ له. هذا فضلا عن نشاطه الشخصى التطوعى الممتد طوال ثلاثين عاماً لخدمة مرضى الأمراض المستعصية والأشخاص المحتضرين والموشكين على الموت.
وتقف دراسة لوب كوزر: الحياة فى العنبر، والمنشورة عام 1962 شاهداً على هذا التقليد. وقد قدم نبيل صبحى فى دراسة له معالجة رائدة لهذه النقطة: نبيل صبحى حنا، أنثروبولوجى فى العنبر، دراسة ميدانية للتنظيم والتفاعل والعلاقات فى عنبر جراحة رجال بمستشفيى كينجزتون بانجلترا. وهى دراسة ميدانية خالصة استقي المؤلف مادتها العلمية الميدانية من داخل العنبر بتلك المستشفى بمدينة هل Hull حيث امضى فيه أسبوعين مقيما إقامة كاملة (مريضا وباحثا).
ونأتى أخيرا على ذكر إسهام علم الاجتماع فى عملية تنشئة طلاب الطب. وقد عرفت مصر تجربة فريدة لمساهمة علم الاجتماع فى التعليم الطبي بمناسبة إنشاء كلية الطب بجامعة قناة السويس. فعندما كان الإعداد لإنشاء تلك الكلية يسير على قدم وساق، وكانت تلك الكلية إحدى الكليات المتوجهة نحو المجتمع يؤهل فيها الطالب لأن يكون طبيبا واعيا بقضايا المجتمع والناس وقادرا على بحثها مثلما ييحث مسائل الصحة والعلاج تماما. وقد طلب مؤسسو، الكلية إعداد جرعات مكثفة من العلوم الاجتماعية تمكن الطلاب من القيام بهذه المهمة على أكمل وجه. وقد تشكلت لجنة مشتركة قاد الفريق الطبى فيها دكتورة عصمت عزت ودكتور زهير نعمان، وقاد الفريق السوسيولوجى محمد الجوهرى استطاعت إن ترسى قواعد المزج بين البعد الطبى والبعد الاجتماعى، وقامت بتحديد المواد التى يمكن أن تدرس لطلبة كليةآلطب، والمحتويات التفصيلية لكل مادة.
ومع ذلك، و على الرغم من أن هذين المجالين سيظلان يحتلان قلب الأطباء بصفة متزايدة فى إطار دراسة اهتمام علم الاجتماع الطبى، فمن المرجح أن تدرج دراسة أنشطة أنشطة العاملين الآخرين فى مجال الصحة وفى إطار المجال الأوسع المتعلق بدراسة نظم الرعاية الصحية. انظر مؤلف جيرهارد المعنون: تصورات المرضى: التاريخ الفكرى والسياسى لعلم الاجتماع الطبى، الصادر عام 1989. ويمثل كتاب إميلى ممفورد عن علم الإجتماع الطبى (الصادر عام 1983) إحدى الدراسات العديدة التى تصدت لمعالجة هذا الجانب من علم الاجتماع الطبى.
نشأة وتطور علم الاجتماع الطبي
ظهر علم الاجتماع الطبي كفرع متخصص من علم الاجتماع في أعقاب الحرب العالمية الثانية. وتشير المصادر العربية إلى ظهور علم الاجتماع الطبي عند العرب في القرن التاسع الميلادي حيث قام العلماء بدراسة الجوانب الصحية والوقائية للحياة.
بدأ العمل في علم الاجتماع الطبي في وقت مبكر عند الغرب، حيث قام لورانس ج هندرسون "Lawrence J Henderson" بالعمل على نظرية المصالح المتجسدة في أعمال فيلفريدو باريتو "Vilfredo Pareto" المستوحاة من تالكوت بارسنز "Talcott Parsons" في المصالح الاجتماعية والنظم النظرية. بارسونز هو أحد الآباء المؤسسين لعلم الاجتماع الطبي وتطبيق نظرية الدور الاجتماعي للعلاقات التفاعلية بين المرضى وغيرهم.
المجالات المرتبطة به
الطب الاجتماعي
الطب الاجتماعي هو مجال مشابه لعلم الاجتماع الطبي، فهو يُدخل التفاعلات الاجتماعية في التفكير الطبي. ومع ذلك، يوجد تدريب مختلف لكل من المجالَين، واختلاف في المسارات الوظيفية والألقاب والتمويل والنشر أيضًا. جادل روز وكالارد في 2010 بأن هذا التمييز قد يكون تعسفيًا.
في الخمسينيات من القرن الماضي، جادل شتراوس بأنه من المهم الحفاظ على استقلال علم الاجتماع الطبي عن الطب؛ بسبب وجود اختلاف في الخطاب الذي يدور حوله علم الاجتماع وأهداف الطب. يخشى شتراوس أنه إذا بدأ علم الاجتماع الطبي في تبني الأهداف الطبية، سيخاطر بفقدان تركيزه على تحليل المجتمع، مما سيحقق مخاوف ريد وجولد وتيمرمانس. يجادل روزنفيلد بأن دراسة علم الاجتماع التي تركز فقط على تقديم توصيات للطب ذات استخدام نظري محدود، وتكون ذات نتائج ضعيفة التطبيق في المواقف الاجتماعية المختلفة.
يجادل ريتشارد بولتون بأن علم الاجتماع الطبي والطب الاجتماعي مجالان «مُنتجان بشكل مشترك»، أي أن الطب الاجتماعي يستجيب لتصور الممارسات الطبية من قبل علم الاجتماع الطبي ويغير الممارسة الطبية والفهم الطبي استجابة لذلك، يُحلل علم الاجتماع الطبي آثار هذه التغييرات. يجادل أيضًا أن الميل إلى النظر إلى نظريات معينة مثل المنهج العلمي (الوضعية) كأساس لكل المعرفة، وعلى العكس من ذلك، فإن الميل إلى رؤية كل المعرفة على أنها مرتبطة ببعض النشاط يخاطران بتقويض مجال علم الاجتماع الطبي.
مؤسسو علم الاجتماع الطبي
فيما يلي أهم المساهمين في علم الاجتماع الطبي منذ عام 1950:
- Howard S. Becker
- Mike Bury
- Peter Conrad
- Jack Douglas
- David Silverman
- Phil Strong
- Bernice Pescosolido
- Carl May
- Anne Rogers
- Anselm Strauss
- Renee Fox
- Joseph W. Schneider
علاقة علم الاجتماع والطب
يحتاج الطب إلى معلومات أساسية عن طبيعة ووظائف المنظمات الإنسانية التي تختلف عن نوعية المعلومات الطبية لكي يلعب دوراً فعالاً في المجتمع من خلال جمع أكبر قدر من المعلومات عن نسق العناية الصحية، لأن المجال الطبي يستخدم علم الاجتماع ليس باعتباره هدف ذاتي ولكن وسيلة علاجية.
دور علم الاجتماع في المجال الطبي
بدء علم الاجتماع في دراسة مشاكل الصحة والمرض والعلاقات الاجتماعية وأصبح الدور الأساسي لعلم الاجتماع في الطب هو تعليم الأطباء المبادئ الأولى لدراسة السلوك الانسانى قبل دراستهم للطب فأصبحت الدراسة السلوكية أساس الدراسة في الطب من اجل العمل على تطوير الكفاءات في المجال الصحي، ولتوسيع نطاق علم الاجتماع في المجال الطبي قاموا بعد ذلك بعمل دورات متخصصة لنيل درجة الماجستير حيث يتم دمجها في بعض الأحيان مع دراسة الأخلاقيات الطبية\أخلاقيات علم الاحياء.
وهنا سوف نجد إسهامات علماء الاجتماع في المجال الطبي قد تركزت على الشكل الآتي:
- دراسة المريض دراسة كليه متكاملة.
- دراسة بحوث الأنماط الاجتماعية المختلفة للسلوك الإنساني (الطبقة الاجتماعية-الثقافة –العرق).
مجالات الدراسة في علم الاجتماع الطبي
ارتكزت الدراسات في علم الاجتماع على النحو التالي:
- أسباب المرض وتوزيعه في المجتمع.
- الاستجابات الثقافية للمرضى.
- المظاهر الاجتماعية والثقافية التي يمكن ان تؤدى إلى المرض.
- سوسيولوجي المستشفى.
- الضغوط والتغيرات الاجتماعية.
خصائص علم الاجتماع الطبي
- دراسة العلاقة بين الحالة الصحية والمرضية.
- الاهتمام بالمفاهيم الاجتماعية للصحة والمرض في شكل العادات والتقاليد.
- التأكيد على دراسة التأثير الاجتماعي الذي يمارسه الأفراد على بعضهم البعض.
الهدف من دراسة علم الاجتماع الطبي
في بريطانيا، قدم علم الاجتماع في مناهج التعليم الطبي تقريراً بـ 1994 توضيحات اجتماعية في الطب عن دعم المسببات المرضية للأمراض وهذا يعني لبعص الأطباء إعادة توجيه الفكر الطبي السريري والتحليل النفسي لمستوى المرضى. وهذا يساعد على إدخال العوامل الاجتماعية بقوة في معظم التفسير الطبي في فروع الطب وهو يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالمجتمع /الطب الاجتماعي، وفيما بعد الممارسة العامة.