علم الاجتماع السياسي

علم الاجتماع السياسى (بالإنجليزية: Political Sociology) هو ذلك الفرع من علم الاجتماع الذى يهتم بدراسة الأسباب و الآثار الاجتماعية لعمليات توزيع القوة على نحو معين داخل المجتمعات أو بين المجتمعات وبعضها البعض، والصراعات الاجتماعية والسياسية التى تؤدى إلى تغيرات فى حظوظ الأطراف المختلفة من القوة.

وعلى الرغم من كونه أحد الفروع الرئيسية في علم الاجتماع وأكثرها تطوراً، إلا أنه مصطلح حديث نسبياً، ظهر في أعقاب الحرب العالمية الثانية ليسد الفراغ الموجود بين علم السياسة وعلم الاجتماع، من خلال تقديم المعرفة العلمية للظواهر السياسة، فأصبح من مجالات البحث الهامة في علم الاجتماع.

وهو علم يدرس العلاقة بين السياسة والواقع الاجتماعي الذي يعدّ الحاوي للأحداث السياسية وتأثير الأحداث السياسية على البنية الاجتماعية والعكس، فمثلا عند دراسة ظاهرة سياسية كالحرب أو الثورة، يدرس علم الاجتماع السياسي تأثير ذلك على المجتمع، كما يدرس أيضا تأثير البنية الاجتماعية على السياسة فمثلا ظاهرة البطالة والتفكك الاجتماعي واختلال القيم وغياب العدالة الاجتماعية (الظاهرة الاجتماعية) وبين حدوث الثورة أو الحرب (الظاهرة السياسية).

الظواهر السياسية - التي يدرسها علم الاجتماع السياسي - ليست حديثة العهد كعلم الاجتماع السياسى، لكنها أقدم من ظهور علم الاجتماع نفسه حيث إنها قديمة قدم وجود الإنسانية ذاتها، حيث اهتم علماء العلوم الإنسانية الأخرى - مثل الفلسفة والقانون- بدراستها ولكن بشكل محدود، فاتسم علم الاجتماع السياسى وكذلك العلوم السياسية بدراستها بشكل منهجي ومنظم.

نشأة علم الاجتماع السياسي

يرجع نشأة علم الاجتماع السياسي إلى الأزمات التي ظهرت بعد حركات الإصلاح الدينى في ألمانيا على يد مارتن لوثر وكذلك إلى الأزمات التي أعقبت ظهور الثورة الصناعية في أوروبا.

موضوعات علم الاجتماع السياسي

تعدّ موضوعات علم الاجتماع السياسي نفس موضوعات العلوم السياسية وتتمثل في:

  • تفسير البنى الصراعية لمفهوم السلطة.
  • تشتغل على أنماط الحكم ومؤسساته.
  • مسألة الدولة الحديثة وإشكالية الشرعية.

اهتمامات علم الاجتماع السياسي

من محاور الاهتمام الأساسية فى علم الاجتماع السياسى وصف، وتحليل، وتفسير الدولة، بوصفها المؤسسة التى تحتكر الاستخدام المشروع للقوة فى داخل حدود إقليم معين، وباعتبارها - على الأرجح - أكبر قاعدة تركيز واحدة للقوة والسلطة فى أى مجتمع. وعلى حين يهتم علم السياسة أساسا بدراسة جهاز الحكومة، وآليات الإدارة العامة والمجال السياسى الرسمى الذى تتم فيه عمليات الانتخابات، والرأى العام، وجماعات الضغط والسلوك السياسى، نجد أن التحليل السوسيولوجى للظواهر السياسية يولى الاهتمام الأكبر لعلاقات التداخل بين كل من السياسة، والأبنية الاجتماعية، والإيديولوجيات، والثقافة.

وحتى عندما تكون الدولة هى الموضوع الأكثر تتاولا بين الباحثين، فإن علم الاجتماع السياسى يولى اهتماما أشمل بدراسة مصادر واستخدامات القوة والسلطة والنفوذ داخل مختلسف الظروف والأطر الاجتماعية، مثل : الأسرة، وجماعات الأصدقاء، والنوادى، والمجتمعات المحلية. ويمكن أن ندرج ضمن تلك الاهتمامات علاقات القوة فى سوق المعمل وداخل مكان العمل، وإن كانت مثل هذه الموضوعات باتت تدرس الميوم عادة ضمن ميدان العلاقات الصناعية، بدلا من علم الاجتماع السياسى. والنظام السياسى هو أى نمط مستمر من العلاقه الانسانية المتى تنطوى (على نحو واضح) على وجود المقوة، أو الحكم، أو السلطة. لذلك يمكن دراسة السياسة والعمليات السياسية فى المجتمعات التى لم تعرف نظام الدولة، أى تلك التى لم تطور بعد أى مؤسسات مركزية رسمية لاحتكار القوة، وإنما ما تزال تعرف عمليات صنع المقرار و إدارة الحكم التى تخضع لهيمنة بعض أفراد المجتمعات أكثر من غيرهم.

واهتم علم الاجتماع السياسى بدراسة الأحزاب السياسية بوصفها مؤسسات و علافات اجتماعية تقوم بين أعضاء الحزب وقادته، حيث نجد على سبيل المثال أنه فى ظل لا مبالاة غالبية أعضاء الحزب يمكن أن يتاح لزعامة الحزب نصيب أوفر من القوة، وكذلك وفقا للقانون الحديدى للأوليجاركية (انظر مادة: روبرت ميشيلز) الذى يرى أن قادة أى تنظيم يحلون مصالحهم الخاصة محل التنظيم أو المؤسسة، ومن ثم يحرصون على التمسك بأوضاع القوة التى يحوزونها من أجل العمل على تحقيق تلك المصالح وخدمتها. وهو يهتم بتناول ظواهر النظم الاستبدادية والشمولية بنفس درجة الاهتمام بظواهر النظم الديموقراطية البرلمانية، وذلك من أجل تفسير أصول قيام بعض النظم السياسية والأبنية المؤسسية واستقرارها. ونجد دراسات المشاركة السياسية، خاصة من خلال نظام الانتخابات، تسترشد بنظرية المصلحة فى السلوك السياسى، التى تذهب إلى أن الناس يحددون اختياراتهم على أساس تعظيم مصالحهم الخاصة المحدودة، ومصالحهم الطبقية الأكثر اتساعا، وليس وفقا لاعتبارات الصالح المعام. وركز علم الاجتماع السياسى بعض اهتمامه على دراسة جماعات الصفوة، وتكوين عضويتها، والهوة الواسعة المتى تفصلها عن الطبقات المحكومة. ويذهب بعض المتخصصين فى هذا الفرع إلى أن "دراسة السياسة هى دراسة النفوذ ودراسة الأشخاص المؤثرين . . . والمؤثرون هم أولئك الذين يحصلون على النصيب الأكبر مما هو متاح ... ويسمى أصحاب النصيب الأكبر - من النفوذ - الصفوة، أما الباقون فيعرفون باسم: الجماهير" (انظر كتاب لاسوبل؟ السياسة: من يحصل على ماذا؟ ومتى؟ وكيف يحصل عليه؟ الصادر عام 1958). ويدرس علم الاجتماع السياسى المظاهر التى تتجسد فيها الصراعات، وطرق التحكم فيها أو تنظيمها، بما فى ذلك سلوك الاحتجاج الاجتماعى وأسباب قيام الثورات، وكيفية تكون جماعات المصلحة وممارستها لأنشطتها (والتى قد لا تكون واعية بذاتها فى الغالب)، وجماعات الضغط الرسمية، والإيديولوجيات السياسية، والثقافات السياسية، وعمليات صياغة الرأى السياسى والرأى العام، والتنشئه السياسية فى مراحل الطفولة، والمراهقة، والبلوغ بواسطة المؤسسات التربوية والخبرات التى يتعرض لها الأفراد فى مكان العمل. ويلاحظ أن تحليلات التوترات والانشقاقات التى تحدث فى إطار النظام الاجتماعى والاقتصادى تتم فى الغالب الأعم على أساس مقارن لتوضح كيف تتم الاختيارات السياسية من بين طائفة عريضة من البدائل الممكنة والمتاحة.

أدوات علم الاجتماع السياسي

يستخدم علم الاجتماع السياسى كافة مناهج التحليل السوسيولوجى وبحوث دراسة الاتجاهات، بما فيها دراسات الحالة لتنظيمات معينة، أو لبعض مؤسسات الحكم على المستوى المحلى، أو الأقليمى، أو القومى، واستطلاعات الرأى، والمسوح بالمقابلة التى تجرى للناخبين، والمشاركين فى العمليات والأنشطة السياسية والممثلين السياسيين. كما يستعين بالوثائق، وتحليل المضمون، لدراسة الإيديولوجيات السياسية وعمليات صنع السياسة الحكومية، وعمليات بناء النماذج (النمذجة) الرياضية لعمليات صنع القراراث وآثارها. ونلاحظ هنا أن الدراسات المقارنة بين القوميات أكثر شيوعا منها فى فروع علم الاجتماع الأخرى. ويعد كتاب روبرت داوس وجون هيوز المعنون: علم الاجتماع السياسى (الصادر فى طبعته الثانية عام 1986 مدخلا طيبا للتعريف بهذا الميدان.

انظر أيضاً