دور العلماء المسلمين في تقدم العلوم
أهمية العلوم عند المسلمين
برز اهتمام المسلمون بالمعرفة منذ الترجمات الأولى في العهد العباسي لكتب العلوم الهندية, وبها انتقلت الأرقام التي عرفت بالأرقام العربية من الهندية وانتشرت في بلاد الإسلام. وظهرت الارقام الأخرى المستخدمة الآن في الغرب بالاحتكاك مع موروث الحضاري لسكان شمال أفريقيا. هذا فيما يخص الرياضيات أما في الطب فقد كانت المحاولات الأولى في العصر الأموي ارتقت أساليب المعالجة وزادت العناية بالمرضى ففي عام 88هـ (707م) أنشأ الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان أول (مشفى) للمرضى وجعل فيه مكانا للمجذومين وأجرى الأرزاق عليهم, كما خصص رزقا للعميان والمساكين.
لقد اشتهر عدد من الرواد في بعض العلوم عند المسلمين ومنهم:
أبو بكر الرازي
هو أبو بكر محمد بن زكريا ولد عام 240 هـ وتوفي 320 هـ كان كيميائياًُ وطبيباً وهو فارسي الأصل وقد كرس الرازي نفسه في صباه لدراسة الموسيقى والأدب والفلسفة وأظهر في الطب تفوقاً جعله أعلم أهل زمانه وفاق أساتذته وقد ألف ثلاثة وثلاثين كتاباً في الرياض والفلك وما يربو على خمس وأربعين في الفلسفة والمنطق واللاهوت, وأشهر كتبه في الطب كتاب الحاوي وكتاب الحصبة والجدري وهما من أعمدة الطب الإسلامي، وقد اعتمدت عليهما أوروبا قروناً عدة. يقول هولميارد كان الرازي رجلاً عبقرياً متحرراً رحيماً بالمرضى يعالج الفقراء بنفسه ولم يزره أحد إلا وجد في يديه كتاباً ينسخه أو يقرأ فيه.
ومن أهم الأجهزة والأدوات التي استخدمها الرازي: الآثال، العمياء، القرعة، القابلة، الأنبيق، المرجل، القوارير، الطابستان، المنفاخ، البواتق، الأحواض الزجاجية.
وقدم أبحاثاً عن الكثافة النوعية للسوائل وقياسها, وتميز الرازي عن أطباء عصره بأنه اهتم بالنواحي النفسية عند المريض وعرف أن هناك علاقة قوية بين طبيب الجسم وطبيب الروح وله كتاب المنصوري في عشرين مجلداً في علم التشريح فيتكلم فيه على شكل الأعضاء وخلقها وقوى الأغذية والأدوية وحفظ الصحة وصنعته السموم, ومن أقواله المأثورة في العلاج ينبغي للطبيب أن يوهم المريض أبداً بالصحة ويرجيه بها وإن كان غير واثق بذلك فمزاج الجسم تابع لأخلاق النفس وإذا استطاع الحكيم أن يعالج بالأغذية دون الأدوية فقد وافق السعادة.
ابن الهيثم
هو أبو علي الحسن بن الحسن بن الهيثم ولد في البصرة سنة 354 هـ وتوفي بمصر سنة 430 هـ وقد اشتهر بعلم الهندسة وعلم الفلك وعلم الجبر وفق المزاول الساعات الشمسية ونال شهرة عظيمة في علم البصريات وكان أول من فكر بالسيطرة على فيضان النيل فهو يعد واضع علم الفيزياء على أسس علمية صحيحة أنكر نظرية أقليدس وبطليموس في علم البصريات القائلة إن العين ترسل أشعتها على الأشياء وان عكسها هو الصحيح وهو من اعظم الباحثين في علم الضوء في جميع العصور فهو مخترع الكاميرا و النظارة الطبية. ولأبن الهيثم مؤلفات كثيرة في الطب والفلسفة والمنطق, وقد شرح نظرية انعكاس الضوء بأسلوب حديث جداً وأفترض أن الضوء شيء مادي وقد بلغت مؤلفاته 45 كتاباً في سائر فنون المعرفة والعلوم.
الخوارزمي
هو محمد بن موسى الخوارزمي عاش في بغداد وقد ولد سنة 164 هـ وتوفي سنة 235 هـ ولمع في الرياضيات والفلك وطور علم الجبر كعلم مستقل عن الحساب وقد عينه المأمون رئيساً لبيت الحكمة وقد ابتكر علم حساب اللوغاريتمات وعرف لها جداول تعرف باسمه بعد تحريفه عند الغربيين إلى اللوغاريتمات, واستخدم الخوارزمي اصطلاحات فنية خاصة فسمى المجهول جذراً ومربعة قوة وقد خلف تراثاً علمياً بلغ سبعة وعشرين كتاباً.
محمد البيروني
هو أبو الريحان محمد بن احمد البيروني منسوب إلى بيرون وهى مدينة في السند، اشتغل بالعلوم الحكميه والطب ومن كتبه الصيدله في الطب حيث اشار في كتابه عن الاعشاب وكيفيه صنع الدواء منها.
ابن البيطار
هو أبو محمد عبد الله بن احمد المالقي النباتي ويعرف بابن البيطار من أشهر علماء النبات ومن مؤلفاته الجامع لمفردات الادويه والاغذيه، الاصول في شرح الفصول, نافع الاعضاء الإنسانيه ومؤذيها.
الجزري
هو بديع الزمان أبو العز الرزاز الملقب بـ الجزري (1136-1206) من رواد الهندسة الميكانيكية العرب. اخترع العمود المرفقي Crankshaft، وبعض أول الساعات الميكانيكية التي تعمل بالماء والأثقال. سجل أكثر من 60 اختراعاً في كتابه "الجمع بين العلم والعمل النافع في صناعة الحيل".
تاريخ العلم عند المسلمين http://www.attarikh-alarabi.ma/Html/adad16partie11.htm
علماء العرب والمسلون http://muslimscience.8m.com/main.htm
قائمة العلماء العرب http://ar.wikipedia.org/wiki
علماء العرب مصنفة حسب العلوم والزمان والمكان http://www.alnoor-world.com/scientists/default.asp
إسهام علماء المسلمين الأوائل في تطور علم الأرض http://www.dorar.net/book_index/6927
أثر العلماء المسلمين على الحضارة http://www.islamset.com/arabic/aislam/civil/index.html
دور العلماء المسلمين في تطوير علم الكيمياء http://uqu.edu.sa/azsayedahmed/ar/96855
دور العلماء المسلمين في اكتشاف مرض السكر
د / محمد عبد المنعم محمد محمود
مقدمة
حسب إحصائيات منظمة الصحة العالمية فإن هناك ما يزيد على 150 مليون مصاب بالسكر في العالم الآن وهذا العدد مرشح ليتضاعف إلى 300 مليون في عالم 2025 م. وقد ساهمت الحضارات السابقة للإسلام بمساهمات متواضعة في اكتشاف مرض السكر، وساهمت الحضارة الإسلامية بدور رائع في اكتشاف هذا المرض. ومن علماء المسلمين الذين ساهموا في هذا المجال أبو بكر الرازي وابن سينا وعبد اللطيف البغدادي.
السكر في اللغة ماد ة (س. ك. ر) تدل على نقيض الصحو، قال تعالى: (وترى الناس سكارى وما هم بسكارى). الحج : 2، وكلمة سكر تأتي أيضا ً بمعنى الخمر أو الطعام، والسكر بسكون الكاف تعني الليلة الساكنة التي لا ريح فيها.وكلمة السكر أصلها هندية، ثم انتقلت إلى الفارسية ثم انتقلت إلى العربية ثم إلى بعض اللغات الأوربية. ومن هذه المعاني مجتمعة جاءت تسمية مرض السكر، حيث فيه زيادة في نسبة السكر بالدم. وهذا ما يجعل اسمه براقا ً، إلا ما خفي منه غير مستحسن، فهو حلو الاسم مر المذاق.
واصطلح الآن على أن مرض السكر هو داء مزمن يعاني منه صاحبه، ومرض السكر مدرسة يدخل فيها المريض إجباريا ً، ولا يتخرج منها أحد، لذلك يلزم التعايش الجيد مع هذا المرض.
تاريخ مرض السكر
يتردد كثيرا أن مرض السكر من أمراض العصر الحديث، نعم هو كذلك، لكنه أيضا ً مرض ضارب في أعماق التاريخ.- ومن دراسة وتحليل تاريخ المرض يتبين وجوده في الأمم السابقة، وكان دائما ً مصاحبا ً للحضارات الإنسانية، فهو يظهر ويزداد مع نمو وازدهار الحضارات ،ثم يلبث أن يختفي مع زوال الحضارات.
الحضارة الفرعونية
لقد عرف الفراعنة مرض السكر من خلال وصفهم للمرض حيث ذكر عالم الآثار قوليونجي في كتابه (السحر وعلوم الطب عند المصريين القدماء) أن المصريين القدماء ذكروا مرض السكر وارتباطه بكثرة التبول من خلال ما كشفته ورقة البردي المسماه (كاهون (، حيث ذكرت عبارة عطش النساء وهو ما يرمز إلى مرض السكر وارتباطه بالشعور بالعطش، كما لاحظوا كثرة إصابة النساء به ولذلك سمي عطش النساء. وفي ورقة البردي المسماة "كاهون" قد ذكرت عبارة العلاج إلا أن الورقة قطعت من ذلك الموضع مما حجب عنا وسائل علاج السكر عند الفراعنة.
وتوجد ورقة بردي أخرى تسمى "إبرز" نسبة إلى مكتشفها عالم الآثار الألماني جورج إبرز في عالم 1826 م، ويعود تاريخها إلى 1550 ق. م.، والعالمان قالين واراتيوس عاشا عصر انهيار الحضارة الإغريقية وبزوغ شمس الحضارة الرومانية.
وقصة معبد بومبي بإيطاليا لطيفة ومشهورة، وتدل على أنهم عرفوا مرض السكر ولكن فسروه تفسيرا خاطئا ً. كانوا يعتقدون أنه لابد لكل فرد أن يجمع بوله في إناء حتى يضمن عودته من جديد بعد وفاته. وكان لكل فرد إناء خاص يجمع فيه بوله، وجعلت حراسة شديدة على هذه الآنية. ولاحظ الحراس أن بعض الأفراد وهم قلة يأتي الذباب على آنيتهم ثم ما يلبثوا أن يموتوا، فاستنتجوا أن هؤلاء الأشخاص قد حلت بهم الأرواح الشريرة، ثم أمر القس بفحص بول الأفراد بعد ذلك، فإن وجد أنه من البول الحلو الذي يتجمع عليه الذباب تم إخراج صاحبه من المعبد، وأخرج إناؤه معه حتى لا تؤثر الأرواح الشريرة على باقي الأفراد. وما زال هذا المعبد من المعالم الأثرية في مدينة بومبي الإيطالية حتى الآن.
الحضارة الهندية القديمة
وصف علماء الحضارة الهندية القديمة (1400 ق.م.) مرض السكر بالجوع والعطش والبول الحلو مع تنميل الأطراف.
الحضارة الصينية القديمة
قام علماء الحضارة الصينية القديمة (2000 ق. م.) بتذوق البول لتشخيص مرض السكر ،واستخدموا نباتات طبية للعلاج.
الحضارة الإسلامية
الحضارة الإسلامية من أعظم الحضارات على وجه الأرض، فقد أعطت للحياة قيمتها ،وكرمت الإنسان، وتقدمت البشرية في عهدها في شتى المجالات حتى إن الحضارة الحديثة قامت على أكتافها، وارتوت من منابعها. ومن هذه المجالات التي تفوقت فيها الحضارة الإسلامية علوم الطب.
حارب الإسلام الجهل والخرافة والشعوذة، وقضى على طرق العلاج الوهمية التي كانت سائدة قبل ذلك مثل اللجوء إلى العرافين والتمائم والسحرة. واعتمد الإسلام في العلاج أولا: على الإيمان بالله والدعاء واللجوء إلى الله وطلب الشفاء، وثانيا: الأخذ بالأسباب المادية في العلاج مثل الدواء والكي والجراحة وغير ذلك. والحارث بن كلدة الثقفي من الأطباء الذين مارسوا مهنة الطب في عهد رسول الله .
نشطت حركة الترجمة في صدر الإسلام وخاصة مؤلفات جالينوس، حيث جمعها علماء المسلمين وقاموا بدراستها وشرحها ثم لخصوها في ستة عشرة كتابا ً. وأضاف علماء المسلمين الكثير لمهنة الطب ،وخاصة في العصر العباسي الذي ازدهرت فيه علوم الطب ،فقد وصل عدد الأطباء في بغداد فقط إلى 860 طبيبا ً. وامتاز الأطباء في العصر العباسي بوجود قانون ينظم مزاولة المهنة، وكان للأطباء رئيس يقوم بامتحانهم ويعطي الإجازة لمن يرى فيه الكفاءة والقدرة على ممارسة الطب، وكان من أشهر هؤلاء الرؤساء :الطبيب سنان بن ثابت في بغداد، والطبيب مهذب الدين الدخوار في مصر.
من الأطباء الذين ساهموا في اكتشاف مرض السكر أبو بكر الرازي، وابن سينا، وعبد اللطيف البغدادي.
أبو بكر الرازي (256 ه – 313 ه) الموافق (865م – 925م)
طبيب وكيميائي وصيدلاني وفليسوف مسلم، بلغ مرتبه رفيعة في الطب حتى لقب ب (جالينوس العرب). ولد في مدينة الري في خراسان، وشغل منصب رئيس الأطباء في المستشفى هناك. وكان ينتقل بين الري وبغداد. وقد أصبح أشهر من عرف بممارسة الطب السريري في وقته، فرحل إليه طلاب العلم من كل أقطار الدول الإسلامية.
أبو بكر الرازي أول من جرب الأدوية الجديدة على الحيوانات، ونادي بفصل الطب عن الصيدلة، وابتكر خيوط الجراحة من أمعاء القطط، وركب المراهم. وكان يهتم بضرورة توافر الشروط الصحية في أماكن بناء المستشفيات، وأول من جعل الكيمياء في خدمة الطب. وكان دائم الإطلاع والقراءة حتى في الليل، كان يقرأ وهو مستلقيا ً على ظهره حتى يغلبه النعاس فيسقط الكتاب على وجهه فيستيقظ ليكمل القراءة. من أشهر كتبه الحاوي في التداوي والمنصوري في الطب وكانت هذا الكتب مرجعا ً للطب في بلاد العرب وأوروبا لفترات طويلة.
كان محبا ً للفقراء يعطيهم العلاج مجانا ً، ويعطيهم أيضا مالا ً بينما كان يعيش في بساطة وتواضع، فأحبه العامة وقربه الملوك والأمراء لنبوغه العلمي. وقد ساهم في اكتشاف مرض السكر حيث وصف أعراض المرض من كثرة التبول وكثرة شرب الماء وضعف البنية الجسدية وضعف القوى البدنية. وعالج مرض السكر بتنظيم الغذاء والنباتات الطبية. ثم نصح – – الأطباء في رسالته التوجيهية إلى الطبيب: (واعلم أن المقابلة نصف العلاج.(وذلك دعوة للكشف السريري الدقيق على المريض واكتشاف أعراض المرض ثم وضع خطة للعلاج.
ابن سينا (980م - 1037م)
هو أبو علي الحسين بن عبد الله بن علي بن سينا، حفظ القرآن الكريم وكثيرا ً من الأدب وهو في سن العاشرة، ثم أحكم علم الفقه والمنطق والفلسفة، ثم رغب في دراسة الطب وهو في سن ست عشرة سنة. من ذلك الوقت لم ينم ليلة بطولها، ولا اشتغل النهار بغير الطب، وكان يبني علمه على القراءة ثم التجربة والملاحظة والاستنتاج. وكان إذا صعب عليه أمر ذهب إلى المسجد وصلى وابتهل إلى الله- سبحانه وتعالى- حتى يفتح له المغلق وييسر عليه المتعسر.
كان يشتغل الليل بالقراءة، ويضع السراج بين يديه، فإذا غلبه النوم أو شعر بضعف شرب كوبا ً من العصير حتى يتقوى ويعود إلى القراءة، وكان يحلم في نومه بالمسائل التي تتعرض له، وظل كذلك حتى استحكمت له جميع العلوم وخاصة الطب. بالرغم من الشهرة العريضة التي حققها ابن سينا كطبيب والمكانة العلمية العظيمة التي وصل إليها حتى استحق أن يلقب بجدارة بأمير الأطباء،فإنه لم يسع يوما ً إلى جمع المال أو طلب الشهرة، فقد كان يعالج مرضاه بالمجان، بل إنه كثيرا ما كان يقدم لهم الدواء الذي يعده بنفسه. كان ابن سينا يستشعر نبل رسالته في تخفيف الألم عن مرضاه، فصرف جهده وهمته إلى خدمة الإنسانية ومحاربة الجهل والمرض.
هو أول من اكتشف طفيل الإنكلستوما، وأول من وصف الالتهاب السحائي، وأول من وصف السكتة الدماغية ،وأول من كشف طرق العدوى لبعض الأمراض مثل الجدري والحصبة. وقد ألف أكثر من مائة كتاب تشهد بفضله وإلمامه بسائر علوم عصره، وانكبابه على العلم في أحرج الأحوال. ومن أشهر كتبه الشفاء في الطب وترجم لعدة لغات، ومكون من ثمانية عشر مجلدا ً وهو محفوظ في جامعة أكسفورد، وأيضا ً كتاب القانون في الطب، المؤلف في القرن الحادي عشر الميلادي والمحتوي على مليون كلمة، وطبع بالعربية في روما عام 1539 م، وظل كتاب القانون في الطب مرجعا ً ومقررا ً في كليات الطب لفترة لم يتمتع بها أي كتاب طبي قبله أو بعده، حيث ظل مستخدما حتى القرن السابع عشر الميلادي ،وترجم الكتاب لعدة لغات منها اللاتينية والإنجليزية والعبرية.
كان ابن سينا يوصي مرضاه باللجوء إلى الله – سبحانه وتعالى – في الصحة والمرض، فقال : (ليكن الله تعالى أول فكرك وأخره ،وباطن كل اعتبار وظاهره ،ولتكن عين نفسك مكحولة بالنظر إليه ،وقدمك موقوفة على المثول بين يديه). وقال أيضا ً : (أفضل الحركات الصلاة، وأسكنها الصيام وأنفع البر الصدقة وأزكى السر الاحتمال). وقد وصف ابن سينا مرض السكر بكثرة التبول ،ووصف علاقة مرض السكر بغرغرينا القدم كما وصف بعض مضاعفات السكر الأخرى مثل العنة. وعالج المرضى بتنظيم الغذاء والنباتات الطبية والحجامة ،وأوصى بالتمارين الرياضية وخاصة التي على ظهر الحصان.
عبد اللطيف البغدادي (1162م – 1231م) (557 هـ – 629 هـ):
ولد عبد اللطيف البغدادي في بغداد عام 1162م، تنقل بين معظم البلدان العربية طلبا ً للعلم وخاصة دمشق ومصر. وقد ألف أكثر من 173 عنوانا ً، بين كتب ضخمة ومقالات صغيرة ،منها 53 بحثا ً في الطب ،وأبحاث أخرى في اللغة وعلومها والنقد الأدبي والفقه وعلم المعادن.ومن هذه البحوث في مجال الطب ،رسالة خاصة تسمى (رسالة في المرض المسمى [ديابيطس])، وهي رسالة مفصلة عن مرض السكر.
وقد نشر العالم الأماني(ثيس) صورة شمسية عن هذه المخطوطة مشفوعة بمقدمة قيمة، ومذيلة بتعليقات في غاية الدقة والتحقيق. وبمكن تقسيم رسالة الطبيب / عبد اللطيف البغدادي عن مرض السكر إلى ثلاثة أجزاء:
1-الجزء الأول: تكلم عن أعراض المرض وخاصة فرط إدرارالبول مع العطش الشديد وكثرة شرب الماء. وتحدث عن ضعف الجسم والهزال الشديد ومرض الكلى المصاحب لداء السكر.
2-الجزء الثاني: ذكر فيه آراء المتقدمين عن مرض السكر، وعلل فيه بعض أسباب المرض مثل تأثير بعض المواد التي تفرز من الكبد والتي لا تحتملها الكلى فتتأثر بذلك وتدر البول بكثرة. وذكر أيضا ً أن ضياع رطوبة الجسم يعد سببا ً من أسباب المرض ،وعرف الرطوبة أنها خليط في الجسم من الماء والنار ثم مزيج من الاثنين ،واختلاط هذه النسب يؤدي إلى مرض السكر والكلي.
3-الجزء الثالث: ويتطرق فيه إلي علاج مرض السكر ،ويوصي بتنظيم الغذاء وزيادة الألياف فيه حيث وصى بالخيار والفواكه والمواد القابضة التي تقلل من إدرار البول. وأوصى بالتمارين الرياضية. وأوصى ببعض الأقراص التي اكتشفها وقام بتركيبها ،مثل خليط من الطباشير وبرباريس وورد وبزر قطونا ،تعجن بماء الخيار أو بماء سويق الشعير.
أوصى أيضا ً بنبات السفرجل في العلاج على أنه قابض للأوعية والكلى فيقل إدرار البول ،كما أنه يعالج الإسهال ويقوي القلب وينشط الهضم. ولفت النظر أيضا ً إلى أهمية الراحة النفسية والاسترخاء في العلاج. وقد ركز عبد اللطيف البغدادي على مرض السكر وخصه برسالة علمية ،ومن ثم وصف أعراضه السريرية ،وتطرق إلى بحث أسباب المرض ،وتطرق أيضا ًإلى مضاعفات المرض ،وأوصى بطرق العلاج. وذلك يعتبر إنجازا ً كبيرا ً بالنظرة إلى الحقبة الزمنية التي عاشها. وقد ساعد ذلك في فتح الباب على مصراعيه للتقدم الكبير الذي حدث بعد ذلك في علاج السكر. وتظل أفكار هذه الرسالة ذا قيمة معتبرة ،وما قدمه محل إعجاب وتقدير وخطوة موفقة وشمعة مضيئة في طريق تقدم الطب عبر العصور.
مقارنة ما قدمه علماء المسلمين في اكتشاف مرض السكر بما استقر عليه العلم في العصر الحديث:
أولا ً:أعراض المرض:
وصف الرازي وابن سينا والبغدادي مرض السكر بكثرة التبول مع العطش الشديد وكثرة شرب الماء. وتحدثوا عن ضعف الجسم والبنية والهزال الشديد. وهي نفس الأعراض التي وصفها علماء الطب في العصرالحديث.
ذكر عبد اللطيف البغدادي أن ضياع رطوبة الجسم يعد سببا ً من أسباب المرض. وذكر أيضا ً أن هناك مواد ً تفرز من الكبد تؤثر على الكلى فلا تتحملها، وبذلك يحدث إدرار البول وهذا مقارب لما وصفه العلماء في العصر الحديث من اختلال في وظيفة البنكرياس ،من ارتفاع نسبة السكر في الدم جراء تكوين الجلوكوز في الكبد من البروتينات وخلافه ،فإذا زاد الجلوكوز عن 180 مجم % لا تحتمله الكلى وينزل في البول مع أعراض كثرة التبول والعطش وكثرة شرب الماء. ويبقى مع التقدم الهائل الآن أن الأسباب الحقيقية لمرض السكر مجهولة.
العلاج: أوصى علماء المسلمين السابق ذكرهم بتنظيم الغذاء والاعتماد على أكل الخيار والفواكه والمواد القابضة التي تقلل من إدرار البول. وأوصوا أيضا بالتمارين الرياضية وخاصة على ظهر الحصان. وأوصوا بتناول العلاج والانتظام فيه، ووصفوا بعض النباتات الطبية المتاحة في عصرهم. ووصف عبد اللطيف البغدادي خليطا ً من الطباشير وبرياريس وورد وبزر قطونا ،تعجن بماء الخيار أو بماء سويق الشعير. وأوصى أيضا ً بنبات السفرجل وكلها أعشاب كانت سائدة للعلاج في تلك الحقبة الزمنية.
ولفت ابن سينا النظر أيضا ً إلى أهمية العلاج النفسي واللجوء إلى الله-سبحانه وتعالى-كوسيلة من وسائل العلاج. كما أوصى أيضا ً عبد اللطيف البغدادي بالاسترخاء والراحة النفسية في العلاج. وأوصى أبو بكر الرازي الأطباء بأن المقابلة نصف العلاج وذلك دعوة إلى أهمية الكشف الطبي السريري على المريض ومحاولة تشخيص المضاعفات مبكرا ً والتعامل معها. وأسس العلاج في العصر الحديث تتمثل في مثلث الأمان: الحمية الغذائية والرياضة والعلاج وأضاف علماء المسلمين الأساس الرابع وهو:
الإيمان بالله واللجوء إليه بالدعاء والاسترخاء النفسي والهمة العالية التي تعين على كل تلك الوصايا وهذه ميزة علماء المسلمين في كل العصور. وهذه دعوة لأطباء المسلمين ألا يغفلوا الجانب الإيماني في العلاج. وبالطبع حدث تقدم هائل في تشخيص وعلاج مرض السكر في العصر الحديث وخاصة اكتشاف الأنسولين وزراعة البنكرياس، ولكن يظل ما قدمه علماء المسلمين علامة بارزة مضيئة وقيمة تاريخية بالمقارنة مع إمكانيات عصرهم ،بذلك قد ساهموا في هذا التقدم الحاصل الآن.
خاتمة
وهكذا نجد أن علماء المسلمين قد تشربوا تعاليم دينهم الحنيف، ووضعوا منهجا ً علميا ً تجاوز حدود الآراء الفلسفية التي تميزت بها علوم الإغريق، وانتقلوا إلى إجراء التجارب واستخلاص النتائج بكل مقومات الباحث المدقق.
ولذلك تعتبر الحضارة الإسلامية في العصور الوسطى حلقة هامة في تاريخ العلوم بما قدمه علماؤها من تأسيس للمنهج العلمي الذي أدى إلى تطوير معارف جديدة- وفي عالمنا الإسلامي اليوم، نحن في حاجة ماسة إلى إعادة قراءة تراثنا بأسلوب العصر ومصطلحاته، ليس فقط من أجل تحديث الثقافة العلمية الإسلامية، بل أيضا ً من أجل أسلمة طرق التفكير العلمي طبقا ً لخصائص التصور الإسلامي ومقوماته. إن إسلامية المعرفة عامة والمعرفة العلمية خاصة، يجب أن تكون من الروافد الأساسية للصحوة الإسلامية المنشودة.
المراجع
- موسوعة عباقرة الإسلام في الطب والجغرافية والتاريخ والفلسفة – د رحاب خضر عكاوي – دار الفكر العربي – بيروت – 1993 م.
- ابن سينا الشيخ الرئيس– د رحاب خضر عكاوي – دار الفكرالعربي– بيروت – 1993 م
- عيون الأنباء في طبقات الأطباء – ابن أبي أصيبعة – دار الثقافة – بيروت – 1401 هجري – 1981 م.
- تاريخ الطب والصيدلة المصرية في العصر الإسلامي – د سمير يحي الجمال – الهيئة المصرية العامة للكتاب – القاهرة – 1419 هجري – 1999 م.
- الداء السكري في الطب الإسلامي – د عبد الناصر كعوان، د محمد الحاج علي – معهد التراث العلمي العربي – جامعة حلب – من موقع د باسل الخطيب لطب الأطفال على شبكة الإنترنت.
- السفرجل – د جابر بن سالم القحطاني – جريدة الرياض اليومية – 13916 – 6/7/1427 هجري الموافق 31/7/2006م.
- رسالتان في الحواس – عبد اللطيف البغدادي – قام بنشرهما بول غليونجي – منشورات وزارة الثقافة في الكويت.
- العلوم العملية في العصور الإسلامية – عمر رضا كحالة – المطبعة التعاونية – دمشق.
- القانون في الطب – أبو الحسن ابن علي ابن سينا – الكتاب الرابع.
- من المآثر العلمية للمسلمين – تأسيس منهجية البحث العلمي – د أحمد فؤاد باشا – من منشورات الهيئة العلمية للإعجاز العلمي في القرآن والسنة – مكة المكرمة.
- نوابغ الأمة الإسلامية – مجدي إبراهيم محرم – موقع مجدي محرم على شبكة الإنترنت 12-الطب من الكتاب والسنة – موفق الدين عبد اللطيف البغدادي – تحقيق مجدي محمد الشهاوي – مطبوعات عالم الكتب – بيروت – لبنان – 1426 هجري – 2005 م.
- أعداد مجلة السكري من 1-29 – تصدرها جمعية السكري انترناشونال الخيرية.
- محاضرات عن تاريخ مرض السكر للأستاذ الدكتور خالد الربيعان أستاذ الغدد الصماء ورئيس مركز السكر بجامعة الملك سعود
* كيفية التعايش مع مرض السكر – د محمد عبد المنعم محمد – دار الناشر الدولي – الرياض – السعودية