خورخي سانتايانا
جورج أوجستين نيكولاس رويز دي سانتايانا (بالإسبانية: Jorge Agustín Nicolás Ruiz de Santayana y Borrás) والمعروف بجورج سانتايانا، كان فيلسوفًا وكاتبًا للمقالات وشاعرًا وروائيًا إسبانيَّ الأصل، نشأ ودرس في الولايات المتحدة منذ أن كان في الثامنة من عمره، ويُعرّف على أنّه أمريكي على الرغم من امتلاكه الدائم لجواز سفر أسباني صالح، كتب باللغة الإنجليزية ويعتبر عمومًا مفكرًا أمريكيًا، وفي سن الثامنة والأربعين ترك منصبه في جامعة هارفارد وعاد إلى أوروبا بشكل دائم، ولم يعد بعدها إلى الولايات المتحدة.
اشتهر بأقوال مأثورة مثل: "أولئك الذين لا يستطيعون تذكر الماضي محكومٌ عليهم تكراره"، "فقط الموتى شهدوا نهاية الحرب"، وتعريفه للجمال على أنه "لذّة تحوّلت موضوعًا"، وعلى الرغم من كونه ملحدًا، إلا أنّه كان يقدّر القيم والممارسات الكاثوليكية الإسبانية والنظرة الكونية التي نشأ فيها، ويعتبر سانتايانا ناقدًا ثقافيًا واسع النطاق يشمل العديد من التخصصات.
الحياة المبكرة
ولد في 16 ديسمبر 1863 في مدريد، وأمضى طفولته المبكرة في مدينة آبلة الإسبانيّة، وقد كانت والدته "جوزفينا بوراس" ابنة مسؤول إسباني في الفلبين، وجورج هو الطفل الوحيد لزواجها الثاني.
في عام 1861 انتقلت والدة جورج من بوسطن مع أطفالها الثلاثة من زواجها الأول للعيش في مدريد بعد بضع سنوات من وفاة زوجها الأول، وهناك التقت أوجستين دي سانتايانا ليتزوجا في عام 1862، حيث كان موظفًا في الخدمة المدنية الاستعمارية بالإضافة لكونه رسامًا ومثقفًا، عاشت العائلة في مدريد وآبلة.
في عام 1869 عادت والدته إلى بوسطن مع أطفالها الثلاثة من عائلة ستورجيس، لأنها وعدت زوجها الأول بتربية الأطفال في الولايات المتحدة، تاركةً خورخي البالغ من العمر ستة أعوام مع والده في إسبانيا، ليتبعها ووالده في عام 1872، ولكن والده لم يُحبّذ فكرة الانتقال وعاد إلى إسبانيا، وبقي هناك بقية حياته دون أن يره جورج مرة أخرى حتى دخل كلية هارفارد وبدأ يذهب في عطلاته الصيفية إلى إسبانيا، وفي بعض الأحيان خلال هذه الفترة، كان اسم Jorge الأول يختلط باسم George، وهو المرادف الإنجليزي للاسم.
التعليم
التحق سانتايانا بمدرسة بوسطن اللاتينية وكلية هارفارد، حيث درسه الفلاسفة ويليام جيمس وجوسيا رويس، وقد شارك في أحد عشر ناديًا كبديل لألعاب القوى، كما كان مؤسسًا ورئيسًا للنادي الفلسفي، وهو عضو في الجمعية الأدبية المعروفة باسم O.K، ومحرر ورسام كاريكاتير لصحيفة ساخرة (The Harvard Lampoon)، والمؤسس المشارك للجريدة الأدبية (The Harvard Monthly)، وفي ديسمبر 1885 لعب دور سيدة إلفريدا في مسرحية روبن هود، متبوعةً بإنتاج (Papillonetta) في ربيع سنة تخرجه.
بعد تخرجه كعضو من جمعية فاي بيتا كابا من جامعة هارفرد، وفي عام 1886 درس سانتايانا لمدة عامين في برلين، ثم عاد إلى جامعة هارفارد لكتابة أطروحته عن هيرمان لوتز ولتدريس الفلسفة، وليصبح جزءًا من العصر الذهبي لقسم الفلسفة في جامعة هارفارد، وقد أصبح بعض طلابه في جامعة هارفارد مشهورين بأنفسهم بما فيهم ت. س. إليوت، وروبرت فروست، وجيرترود شتاين، وهوراس كالن، ووالتر ليبمان، ودو بويز، ولم يكن والاس ستيفنز من بين تلاميذه ولكنه أصبح صديقًا، ومن عام 1896 حتى عام 1897 درس سانتايانا في كينجز كوليج في كامبريدج.
الحياة اللاحقة
لم يتزوج سانتايانا قط، وحياته الرومانسية -إن وجدت-ليست مفهومة جيدًا، وبعض الأدلة بما في ذلك التعليق الذي أدلى به سانتايانا في وقت متأخر من الحياة يقارن نفسه مع آلفرد إدوارد هاوسمان، وصداقاته مع من كانوا علنًا مثليي وثنائيي الجنس، يقود الدارسين للتكهّن بأنه ربما كان مثلي أو ثنائي الجنس، ولكن يبقى من غير الواضح ما إذا كان لديه أي علاقات جنسية متبادلة أو علاقات جنسية مثلية.
في عام 1912، استقال سانتايانا من منصبه في جامعة هارفارد لقضاء بقية حياته في أوروبا، فقد وفر المال وساعده إرثُ من والدته في ذلك، حيث عاش عدة سنوات في آبلة وباريس وأكسفورد، وبعد عام 1920 بدأ يقضي الشتاء في روما، حتى أصبح أخيرًا يعيش هناك طوال السنة حتى وفاته. خلال السنوات الأربعين في أوروبا، كتب تسعة عشر كتابًا ورفض عدة مناصب أكاديمية مرموقة، وقد كان العديد من زواره ومراسليه من الأمريكيين، بما في ذلك مساعده ومنفّذه الأدبي دانييل كوري، وفي وقت لاحق من الحياة كان سانتايانا مرتاحًا من الناحية المالية، ويرجع ذلك جزئيًا إلى أنّ روايته "البيوريتاني الأخير" عام 1935، أصبحت على نحو غير متوقع من أكثر الكتب مبيعًا، ولهذا ساعد ماليًا عددًا من الكتاب بمن فيهم برتراند راسل الذي كان معه على خلاف جوهري فلسفي وسياسي.
إن رواية "البيوريتاني الأخير" هي رواية تشكيل أو قصة بلوغ، تركز على النمو الشخصي لبطلها "أوليفر ألدن"، وشخصياته وأماكنه هي عبارة عن ترجمة ذاتية، وهذه الأعمال تحتوي أيضًا على العديد من آرائه الحادة واللاذعة، فقد كتب كتبًا ومقالاتٍ حول مجموعة واسعة من المواضيع، بما في ذلك الفلسفة، والنقد الأدبي، وتاريخ الأفكار، والسياسة، والطبيعة البشرية، والأخلاق، وتأثير الدين على الثقافة، وعلم النفس الاجتماعي، وكل ذلك مع قدر كبير من الذكاء وفكاهة. في حين أنّ كتاباته عن الفلسفة التقنية قد تكون صعبة، إلا أن كتاباته الأخرى أكثر سهولةً ووضوحًا، فق كتب قصائد وبعض المسرحيات وترك مراسلات كثيرة معظمها لم ينشر حتى عام 2000، ومثل ألكسيس دو توكفيل لاحظ سانتايانا الثقافة والشخصية الأمريكية من وجهة نظر أجنبية، ومثل وليام جيمس -صديقه ومعلمه-كتب الفلسفة بطريقة أدبية، وقد ذكر إزرا باوند سانتايانا في قصيدته "The Cantos"، وعادةً ما يعتبر سانتايانا كاتبًا أمريكيًا، على الرغم من أنّه رفض أن يصبح مواطنًا أمريكيًا، وأقام في إيطاليا الفاشية لعقود، وقال أنه كان مرتاحًا فكريًا وجماليًا في أكسفورد، وبعد كتابة روايته الوحيدة "البيوريتاني الأخير" عام 1935 أمضى الشتاء في روما، حيث عاش هناك حتى وفاته في عام 1952.
العمل الفلسفي والمنشورات
تشمل الأعمال الفلسفية الرئيسية لسانتايانا: الإحساس بالجمال (1896)، وهو أول دراسة مفصّلة له بطول الكتاب، وربما هو أول عمل رئيسي في علم الجمال المكتوب في الولايات المتحدة، وحياة العقل-خمسة مجلدات )1905-6(، النزعة الشكية والإيمان الحيواني (1923)، وعوالم الوجود-4مجلدات)1927-40(، وعلى الرغم من أنه لم يكن براغماتيًا مثل ويليام جيمس أو تشارلز ساندرز بيرس أو جوسيا رويس أو جون ديوي، فإن حياة العقل هي أول معالجة موسعة مكتوبة للبراغماتية.
كان سانتايانا -كما العديد من البراغماتيين الكلاسيكيين-ملتزمًا بالطبيعانية الوجودية لأنه كان على دراية كبيرة بنظرية التطور، ويعتقد بأن المعرفة البشرية والممارسات الثقافية والمؤسسات الاجتماعية قد تطورت بحيث تتلاءم مع الظروف الموجودة في البيئة، لتُحدَّد قيمتها فيما بعد من خلال مدى تسهيلها للسعادة البشرية، والعنوان البديل لحياة العقل "أطوار التقدم الإنساني" يدل على هذا الموقف.
كان سانتايانا من أوائل أتباع الظاهراتية المصاحبة، لكنه أعجب أيضًا بالمادية الكلاسيكية لديموقريطس ولوكريتيوس (أحد الفلاسفة الثلاثة الذين ذكرهم في عمله "ثلاثة فلاسفة شعراء" وأخص بالتفضيل لوكريتيوس)، وقد وضع سانتايانا كتابات سبينوزا في مكانة رفيعة، واصفا إياه بـ "معلمه وقدوته".
على الرغم من كونه ملحدًا، إلا أنه كان يحمل وجهة نظر لطيفة إلى حد ما عن الدين، وآراءه حول الدين موضّحة في كتابه "العقل في الدين"، و "فكرة السيد المسيح في الأناجيل"، و "تفسيرات في الشعر والدين"، ويصف سانتايانا نفسه بأنه "كاثوليكي جمالي"، وقد أمضى العقد الأخير من حياته في دير للراهبات في روما حيث اعتنى به الأخوات الإيرلنديات. كما كان سانتايانا يحمل أفكار التفوق العرقي ومفاهيم تحسين النسل التي لا تشجع الأعراق التي يعتقد أنها متفوقة من "التزاوج مع السلالة الأدنى".
الإرث
يُذكَر سانتايانا بأقواله المأثورة كثيرًا لدرجة أصبحت فيها كليشيه، في حين أنّ فلسفته لم تنجح بهذا القدر، ويعتبره الكثيرون كاتبًا نثريًا ممتازًا، ويقول البروفيسور جون لاكس (الذي يتعاطف مع الكثير من فلسفة سانتايانا)، بأنّ فصاحته قد تكون على نحو مثير للسخرية السبب في هذا الإهمال.
أثّر سانتايانا على من حوله، بما في ذلك برتراند راسل الذي قاده وحده بعيدًا عن أخلاقيات جورج إدوارد مور، كما أثّر في العديد من الشخصيات البارزة مثل طلاب جامعة هارفارد ت. س. إليوت، وروبرت فروست، وجيرترود شتاين، وهوراس كالن، ووالتر ليبمان، ودو بويز وكونراد ايكين، وفان ويك بروكس، وعضو المحكمة العليا فيليكس فرانكفورتر، بالإضافة إلى ماكس إيستمان والشاعر والاس ستيفنز الذي تأثر بشكل خاص بجماليات سانتايانا وأصبح صديقًا على الرغم من عدم أخذه صفوفًا يدرسها سانتايانا.
اقتُبِس سانتايانا من قبل عالم الاجتماع الكندي-الأمريكي إرفنغ غوفمان باعتباره مؤثر أساسي في أطروحة كتابه "عرض الذات في الحياة اليومية (1959)"، ويعطي المؤرخ الديني جيروم أ. ستون سانتايانا الفضل لإسهامه ببداية التفكير في تطور الطبيعانية الدينية، ويقتبس عالم الرياضيات والفيلسوف الإنجليزي ألفريد نورث وايتهيد سانتايانا بشكل كبير في تحفته "العملية والواقع".
استخدم تشاك جونز وصف سانتايانا للتطرف بأنه "يضاعف جهودك بعد أن تنسى هدفك" لوصف رسوماته الكاريكاتورية من بطولة وايل إي كايوتي ورود رنر.
في الثقافة العامة
يُشار إلى سانتايانا في كلمات أغنية للمغني بيلي جويل 1989 عنوانها "We Didn't Start the Fire". اقتباس المقولة "الموتى فقط شهدوا نهاية الحرب" أسيء إسقاطه لأفلاطون في فيلم سقوط الصقر الأسود عام 2001.
الجوائز
- ميدالية بينسون للأدب من الجمعية الملكية 1925.
- ميدالية باتلر الذهبية من جامعة كولومبيا 1945.
- درجة فخرية من جامعة ويسكونسن 1911.
المؤلفات
- 1894. سوناتات وأشعار أخرى.
- 1896. الإحساس بالجمال: تخطط لنظرية في علم الجمال.
- 1899. الشيطان: مأساة لاهوتية.
- 1900. تفسيرات في الشعر والدين.
- 1901. أغنية لكرمل وقصائد أخرى.
- 1905-1906. حياة العقل: أو أطوار التقدم الإنساني في 5 مجلدات.
- 1910. ثلاثة شعراء فلسفيين: لوكريتيوس ودانتي وغوته.
- 1913. نوافذ المذهب: دراسات في الرأي المعاصر.
- 1915. الأثرة في الفلسفة الألمانية.
- 1920. شخصيات وآراء في الولايات المتحدة: مع ذكر وليام جيمس وجوسيا رويس والحياة الأكاديمية في أمريكا.
- 1920. مقالات صغيرة من كتابات جورج سانتايانا للوغان بيرسول سميث بالتعاون مع المؤلف.
- 1922. مناجيات في إنكلترا والمناجيات الأخيرة.
- 1922. قصائد.
- 1923. النزعة الشكية والإيمان الحيواني: مقدمة في نظام الفلسفة.
- 1926. محاورات في ليمبو.
- 1927. الأفلاطونية والحياة الروحية.
- 1927-1940. عوالم الوجود في 4 مجلدات.
- 1931. التقاليد القديمة في الخليج.
- 1933. بعض التحولات في الفلسفة الحديثة: خمسة مقالات.
- 1935. البيوريتاني الأخير: مذكرات في شكل رواية.
- 1936. كتابات متناثرة: محاضرات ومقالات ومراجعات.
- 1944. أشخاص وأماكن.
- 1945. الفترة الوسطى.
- 1946. فكرة السيد المسيح في الأناجيل أو الله في الإنسان: مقال نقدي.
- 1948. محاورات في ليمبو مع ثلاثة حوارات جديدة.
- 1951. السيطرة والقوة: تأملات حول الحرية والمجتمع والحكومة.
- 1953. مضيفي العالم.
أعمال معدلة/مختارة بعد وفاته
- 1955. رسائل جورج سانتايانا (دانيال كوري).
- 1956. مقالات في النقد الأدبي لجورج سانتايانا (إرفنغ سينغر).
- 1957. الكسول وأعماله ومقالات أخرى (دانيال كوري).
- 1967. تسعة مقالات من قبل جورج سانتايانا (دوغلاس ويلسون)
- 1967. أمريكا سانتايانا: مقالات في الأدب والحضارة (جايمس بالو)
- 1967. الإيمان الحيواني والحياة الروحية: كتابات سابقة غير منشورة وغير مجموعة بقلم جورج سانتايانا مع مقالات نقدية عن فكره (جون لاكس).
- 1968. سانتايانا عن أمريكا: مقالات وملاحظات ورسائل حول الحياة والأدب والفلسفة الأمريكية (ريتشارد كولتون لايون).
- 1968. كتابات نقدية مختارة من جورج سانتايانا في مجلدين (نورمان هنفري).
- 1969. النظام الفيزيائي والحرية الأخلاقية: مقالات غير منشورة سابقًا لجورج سانتايانا (جون وشيرلي لاكس).
- 1979. القصائد الكاملة: معدلة مع مقدمة من قبل (W. G. Holzberger).
- 1995. مولد الفكر ومقالات أخرى (دانيال كوري).
- 2009. سانتايانا الأساسي: كتابات مختارة عُدِّلت من سانتايانا، وجمعت مع مقدمة كتبها مارتن أ. كولمان.
عبد الرحمن بدوي
فيلسوف وشاعر وناثر ممتاز، اسباني المولد، اميركي التربية. ولد في مدريد لابوين اسبانيين بتاريخ ٦ ١ ديسمبر سنة ١٨٦٣ ولم يتخل مطلقا عن جنسيته الأسبانية طوال حياته. وعلى الرغم من أنه فاتن الأسلوب في اللغة الانكليزية ، فإنه لم يبدأ تعلم اللغة الانكليزية إلا وهوفي سن التاسعة حين لحق بوالدته في بوسطن سنة ١٨٧٢ وعاش سنتايانا في نيوانجلند (شرقي اميركا) طوال ربعين سنة بعد ذلك. ودرس في كلية هارفرد وتخرج منها بتقدير ممتاز في سنة ١٨٨٦ وسافر بعد ذلك الى المانيا فأقام بها عامين، عاد بعدهما الى هارفرد للحصول على الدكتوراه، فحصل منها على الدكتوراه في الفلسفة برسالة عن «رودلف لوتسه» Rudolf Lote وفي أثر ذلك عين في هيئة التدريس في هارفرد واستمر في هذا المنصب حتى سنة ١٩١٢، حين ورث ميراثاً بسيطاً كفل له المعاش فاستقال من هارفرد ٠ ثم عاش في انجلتره، عدة سنوات وأقام فترة في باريس، وفي ايطاليا، وفي بلاد الشرق. وكان أستاذه في هارفرد الذي حضر معه الدكتوراه هووليم جيمس. ولما عين في هارفرد كان هو ووليم جيمس وجوسيا رويس Royce ثالوثاً لامعاً في الفلسفة بين الجامعات الأميركية كلها.
وقد كتب ترجمة ذاتية نشرها بعنوان: «أشخاص وأماكن» places لل Person في ثلاثة مجلدات ظهرت في اكوات ١٩٤٤، ١٩٤٥، ٣ه١٩.
وتوفي سنتايانا في ٢٦ سبتمبر سنة ٤١٩٥٢ قبيل بلوغه التاسعة والثمانين بأشهر قليلة في روما، ودفن في القسم المخصص للأسبان في مقبرة روما بناء على وصيته.
فلسفته
أ- عمالك ا وجود :
كان سنتايانا واقعياً تجريبياً، ولكن من نوع خاص لأن واقعيته مشوبة بمثالية متعالية قوية . ولهذا ينعت بأنه «واقعي نقدي» ااألم:٣ التااأ٣ن ه.
يشاهد سنتايانا هوة عميقة بين العقل بأفكاره، وبين العالم وأشيائه، ويقر بأنه عاجز عن سد هذه الفجوة، ولهذا
لا يمكن - منطقيا - الافلات من الشك. ولكن امنطق ليس كل شيء، ذلك لأن كل فكرة يتصورها لعقل ترتبط بدافع جسمافي، وهناك أمور لا بد لنا - بوصفنا حيوانات -أن نؤمن بها. وهذا الايمان يسميه سنتايانا باسم «الايمان الحيواني» animal faith، وهو الأصل في اعتقادانا المتعلقة بالوجود. لكن الهوة لا تزال ماثلة ولا يحق لنا أن نتغافل عنها. ولقد تغافل عنها أفلاطون، وقال بأن الوجود الحق هو وجود الصور (المثل)، وديكارت تغافل عنها وأكد معقولية العالم المادي . وهيجل تغافل عنها ونسب الوجود الى المنطق العقلي. وهذه التغافلات ، أو الأخطاء ، هي مصدر ما يسميه سنتايانا باسم «الميتافيزيقا».
ان الشعور (الوعي) يدرك وجود عالم من الخصائص والطبائع مثل الحمرة، المثلثية، قانون الجاذبية - من ناحية، وهذه يسميها سنتايانا باسم : الماهيات essences . ومن ناحية اخرى يدرك موضوعاً substratum لها تجري عليه كل هذه الماهيات ، وهو المادة.
ولكن ستتاياا يقرر أن المادة والماهية لايستنفدان كل الموجودات بل يوجد أيضاً الحق والروح . ولهذا فإن ممإلك الوجود realms of being أربع: الماهية، المادة، الحقيقة، والروح. ولكن هذه الممالك الأربع تؤلف في الحقيقة وحدة، انها «مجرد مقولات موجزة لمنطق قصد بها الى وصف عملية ديناميكية طبيعية واحدة». فلنأخذ في بيان هذه الممالك الأربع:
١ - مملكة الماهية :
يقصد سنتاياا بالماهية خصائص الثي ء بعامة. لكن إلى جانب الماهيات المتحققة، يوجد ما لا غهاية له من الخصائص غير المتحققة بالفعل. وكل واحدة منها مفردة، عينية concrete، ومستقلة استقلالا مطلقا عن غيرها من الماهيات. فهي اذن لا تندرج بعضها في بعض مثل الأنواع والأجناس. ولهذا يجب ألا ننظر إلى بملكة الماهيات على أنها تكون بناء هرمياً تتوقف درجاته بعضها على بعض؛ وليس يسودها «لوغوس» يسري فيها جميعاً كما في الصور الأفلاطونية وما شاكلها. ذلك أنه لا يوجد «عقل سرمدي» لا في السماء ولا ض الأرض-
٢ - ملكة المادة :
والمادة تمثل الطرف المقابل للماهية. ونحن لا نعرف حقيقة المادة، وحين نتكلم عنها ينبغي أنغميز ينها وبين
٥٨٢
متا يا نا
فكرة تقليدية لدينا عنها، - مثل فكرة أرسطو أو ديكارت أو ديمقريطس أو الفيزيائيين المحدثين. أما سنتايانا فيرى أن المادة هي «سيال الوجود» flux 0( existence انها ليست لها خاصية محددة، بل تتخذ أولاً هذه الماهية، وبعد ذلك ماهية أخرى، وهكذا. ونحن لا ندركها مباشرة ولا بالاستدلال، بل بنوع من «التأمل المتعالي» . من ذلك النوع الذي أشار اليه امانويل كنت، بمعفى أنه كيما نجعل التجربة معقولة يجب علينا افتراض مادة لجعل الماهية موجودة بالفعل ونستخلص بعد ذلك صفات امادة وهي أنها تبقى ولا تغنى، وتبقى كميتها كماهي، وأن كل حالة من احوالها تتحدد بالحالة السابقة عليها. ان المادة سيال في تغير مستمر، متخذا هذه الماهية، ثم نابذاً إياها وقابلاً ماهية أخرى.
٣- مملكة الحقيقة :
وكلما ارتدت امادة ثوب ماهية، أوجدت «حقيقة» ، وعن هذه تتكون مملكة الحقيقة. والحقيقة لا تنتسب الى العالم المادي وينبغي ألا يخلط بينها وبين الأحداث، بل الحقيقة تنتسب الى ىملكة الماهية، وتؤلف قطاعاً منها. ولهذا فإنه في بداية الأمر لم يفرد للحقيقة ملكة خاصة بها وإنما الذي دعاه الى فصلها عملكة قائمة بذاتها هو ضرورة التمييز بين التحديدات المنطقية للماهيات وتحديداتها امادا.
ونظرة سنتايانا الى الحقيقة هي نظرة الادراك العام 2000000 sense فهويقرر ان وقائع (حقائق) العالم مستقلة عن آرائنا الذاتية. والماهية المتحققة بالفعل هي «حقيقة» ومملكة الحقيقة مطلقة وسرمدية، وتثمل كل تفصيلات العالم وتتعلق بكل حادث. ان الحقيقة ليست فكرة أو رأياً، وان كان هذان يشاركان في الحقيقة بمقدار ما يناظران اموراً في الواقع، ولما كانت الحقيقة مرتبطة بواقع، فإنه لا يوجد حقائق منطقية، محضة. ولهذا فإن الرياضيات وهى تتناول فقط العلاقات بين الماهيات ، هي ملزمة شكلا Formally cogent، ولكتها ليست حقيقية. وفقط حين تطبق الرياضيات على عالم الوجود فإغها تدرج ضمن الئق.
٤ - ملكوت الروح:
المقصود بالروح عنده هو العقل أو الشعور. وهو يرى أن النفس مجرد تعبير مجازي trope عن المادة. انها
تنظم سلوك الجهاز العضوي في الجسم الانساني، وفقاً لبادىء الميكانيكا. وارتباط الروح بالنفس psyche يؤمن، في المقام الأول، دوافع الجسم واشباعاته وعدم اشباعاته. لكن للروح تلقائية خاصة بها تجعلها تتجاوز الحاضر متطلعة الى المستقبل. والروح spirit هي الوعي الطبيعي لدى الحيوان، لذي يكشف له عن ذاته. «انها ليست شيئاً أو جوهراً، انهامعطى، انها حالة تعرضها المادة في بعض الظروف. كما أن الروح ليست قوة power بأي معنى من المعافي، كما أنها ليست فاعلاً Igent؛. وهي لا توجه ولا تؤثر في عمليات الجسم بأي حال من الأحوال. انها فقط مجرد ملاحظة الجسم لنفسه ولتركيبه، وللدوافع والقوى الطبيعية فيه. وبالجملة الروح هي مجرد وعي، أما الجسم فهو وحده الفعال ذو القوة والنفوذ».
ب- حياة العقل أو فلسفة التاريخ:
وفي كتابه «حياة العقل» يقدم لنا سنتايانا فلسفة في التاريخ تقوم على تفير ماضي الانسان على ضوء تطوره المثالي. ذلك أن حياة العقل، وهي التي تعطي للتاريخ معناه، هي الوحدة المعطاة للوجود بواسطة عقل يحب الخير. وباستعمال الانسان لعقله يميز بين الروح والمادة، ويصل الى فهم حاجاته وكيف يشبعها. والغريزة، التى تجلت أولاً في الدوافع الحيوانية فقط، تتخذ معبراً مثالياً وتقود الانسان الى خدمة المجتمع وعبادة الله. وتبلغ حياة العقل ذروتها في الفن - وهو يقوم في فرض أشكال وصور على المادة - وفي العلوم وهي تمتحن مطالب العقل بمعيار الع.
وفلسفة التاريخ عند سنتايانا لا تتضمن أي فكرة عن عناية إلهية أو خلاص للبشرية بل هي مجرد تفسير للماضى على ضوء التطور المثالي للانسان. وفيها يحاول أن يجد تغيراً علمياً لأحداث التاريخ. صحيح أن الناس يحاولون ان يجدوا للتاريخ معنى واتجاهاً معيناً، لكن الحقيقة هي أنه ليس لمجرى التاريخ معفى ولا مقصود. لكن هذه المحاولة لها فائدتها مع ذلك، وهي أن تتعرف ماذا يؤمل الناس من مجرى الأحداث وما هي الأغراض التي يتمنون ان تكون للتاريخ . وتبعاً لذلك يمكن من تدريس التاريخ الذي جرى فعلا ان نعرف الى أي مدى حقق الانسان أهدافه، وماذا بقي عليه أن يفعله ابتغاء تحقيق هذه الأهداف الباقية.
-ازا
٥٨٣
والموضوع الذي يتخذه سنتايانا معيارا لامتحان معى التاريخ هو تطور العقل الانسافي، أو على حد تعبيره نشأة العقل ونمره. والعقل، عنده، نشأ في مرحلة متأخرة من التطور؛ وفي مرحلته الأولى لم يكن العقل إلا الغريزة، ثم أصبحت الغريزة على وعي بأغراضها ومتصورة لأحوافها . ذلك ان الحياة كانت قد حلت في المعامل المنظمة للطبيعة أعسر مشكلة، وهي مشكلة حياة الجسم، ولم تترك لطفلها الغريب - العقل - شيئأ يعمله غير أن يتسلى بالصور التي تتراءى في العقل بينما الجسم يستمر في أداء وظيفته. وانما يسمى العقل عقلا بمعنى الكلمة بعد أن يميز بين هذه الصور وبين الموضوعات، ويدرك كيف يجري عمل الجهاز العضوي. عندئذ يبدأ العقل في القيام بدوره. فبينما الغريزة تعتمد على الأمور الحاضرة، يستطيع العقل أن يدعو الأفكار من بعيد، وأن يقترح تسهيلات في العمل ويوازن بين مختلف الاحتمالات ٠ صحيح ن لكثير من قتراحات العقل، الصادرة عنه بحسن نية، يؤدي الى ادمار، لكن احياناً يقدم نصائح ثمينة تتحول الى عادات وأعراف. و عن هذا الطريق تصبح للعقل حياته الخاصة به .
وبهذ المعنى يكون العقل خادماً للارادة أو المصلحة ويستقرىء سنتايانا حياة العقل خلال خس مراحل، يسيرعليها تقسيم كتابه هذا: «حياة العقل».
١- العقل في الادراك العام:
في هذه المرحلة يتعلم العقل الانساني كيف يميز الطبيعة الثابتة القابلة للتنبؤ بها، فيدرك فيها الانتظام والنظام regularity and order ويلاحظ ما يتكرر وما هنالك من عادات.
٢- العفل في المجتمع:
والعقل في المجتمع يتابع مجرى ارتباطات الانسان ابتداء من حب رجل لامرأة، مروراً بخيالات رجل ذواقة، وانتهاء بعبادة القديسين. والغريزة التي تربط بين الجنسين، وتصل ما بين الآباء والأبناء، وتنتزع المتوحدين من عزلتهم ليتجمعوا في شعوب وقبائل ومدن - هذه الغريزة اذا استنارت اتخذت بعداً جديداً وولدت الحب والاخلاص والايمان. وعلامة الحب أنه يجمع بين الدوافع والتصرر ومن أحب حباً هادئ لن يكون في أذنه وقرعن سماع صرت العقل.
٣- العفل في الاين:
يرى سنتايانا أن الدين محطة وسطى على الطريق بين الخيال غير المسؤول وبين الخقيقة الحقة وليس لنا - في نظره - أن ننبذ الدين بوصفه خرافة، ولا ان نؤوله تأويلاً عقلياً نينفق مع العلم. ان الدين يلعب في تاريخ التقدم الانسانفي دورا حضاريا ووظيفة التمدين، لكن وسط ظروف معرقه ، لأنه يعتمد على الخيال بدلاً من أن يعتمد على العقل والمنطق والتجربة. وقد زود الدين الانسان بنظرات عميقة في الأخلاق كان من شأنها الوفاء ببعض حاجات الإنسان، لكن هذا المكسب قابلته خسارة ناجة عن اصراره العنيد على التعلق بنظرة في الطبيعة تشبهها بالانسان مما كان من شأنه أن يعوق التقدم. ويفحص سنتايانا اليهودية والمسبحية وفقاً لنظرته هذه .
٤-قلفيالفن:
النشاط الفني يقوم في فرض الشكل على المادة. والفن مثل الدين يستند الى الخيال، لكنه يمتاز عن الدين في هذه الناحية بأنه يسعى الى صياغة المثل الأعلى في العمل الفني الذي يبدعه. ولهذا فإن كل عمل فني هو خطوة في الطريق الى تحقيق الغرض من الحياة العقلية . بيد ان تقدم الحضارة ليس دائما مشجعاً على الخلق الفني الحر، لأن الأعراف ذا تحولت الى غرائز خنقت لابداع الفني،
٥لعقلفيالعلم:
والعقل في العلم يبلغ حياة العقل الى نتيجتها المنطقية، لأن العلم هو ذروة المثل الأعنى العقلي، وعلى ضوء العلم تفسر سانر أوجه الحياة الانسانية.
ج )مع ىالجمال:
وقد اهتم سنتايانا بعلم الجمال، وكرس له واحداً من أوائل كتبه، وعنوانه «معنى الجمال « ( سنة ١٨٩٦ ). وقد كسره على أربعة أقسام :
في القسم الأول تناول تحديد مفهوم «الجمال» ، فقال ان الاستاطيقا aesthetics تعفي في الأصل اللغوي: «الادراك الحسي» perception، وربط الاستعمال بينه وبين موضوع خاص للادراك الحسي هو الدي نصفه بأنه اجيل». زا هو الجمال؟ .
يجيب سنتايانا بأن الجمال هو اللذة اذا تجسدت
٥٨٤
سنكا
فحينما يرى المشاهد أن Pleasure objectified موضوعا لذته هي صفة في الموضوع الذي يشاهده فأنه يقول عنه انه جميل.
وللجمال خصائص ذاتية تجعلنا نميزه عن غيره من اللذات. ومعظم اللذات التي نستشعرها يمكن تميي ها من الموضوع المدرك ففي الأكل والشرب تجري عملية ويتلوها اللذة. لكن هناك لذات تستشعر أثناء عملية الادراك نفسها. وفي هذه الحالة ندرك اللذة على أغها صفة كائنة في الموضوع نفسه . وهذا النوع من اللذة هو اللذة التي تستشعرها في الجمال. ان الجمال، كا يقول سنتايانا، لذة ايجابية ذاتية متمثلة في الموضوع الجميل اوهواللذة منظوراً إليها على انها صفة في الشيء.
مؤلفاته
— Life ()٤ Reason. 1905.
— rhe sense of beauty, 1892.
— Character and opinions 11 the United States, 1924.
— Dialogues 11 Limbo. 1925.
— 11٦ Genteel tradition at Bay, 193ا .
— Interpretations of poetry and religion, 19(05.
— Three philosophic poets, 1935.
— Scepticism and animal Faith, 1923.
— The Realms of Being.