برونسيلاف مالينوفسكي
برونيسلاف أو برونيسلاو كاسبر مالينوفسكي (بالبولندية: Bronisław Kasper Malinowski) (7 أبريل 1884- 16 مايو 1942) كان عالماً بولندياً مختصاً في علم الإنسان ويعد من أهم علماء الإنسان في القرن العشرين، وهو من أهم الرواد في علم الإنسان التطبيقي.
ولد فى كراكاو، ومنها حصل على الدكتوراه فى الفيزياء والرياضيات. وقد أطلع بالمصادفة على كتاب جيمس فريزر بعنوان: الغصن الذهبى، ومن هنا اجتذبته الأنثروبولوجيا الاجتماعية. وفى إثر ذلك، أعد أطروحته فى لندن عن سكان أستراليا الأصليين. وفيما بين عام 1915 - 1918 أجرى بحثاً ميدانياً لفترة تقترب من سنتين فى جزر التروبرياند بغينيا الجديدة. وهناك طور ما أصبح الآن منهجاً كلاسيكياً فى العمل الميداني المكثف، حيث كان ينصب خيمته فى القرى ويعيش هناك. وقد أكد على أهمية تعلم لغة المواطنين واستيعاب وجهة نظر "السكان المحليين". وفى عام 1927، عين أستاذاً لأول كرسى للأنثروبولوجيا الاجتماعية فى كلية لندن للاقتصاد، حيث اجتذبت محاضراته العديد ممن يعدون الآن من مشاهير الأنثروبولوجيين الذين تتلمذوا على يديه.
وقد نشر مالينوفسكى عدداً من التقارير الوصفية المهمة التى تستكشف جوانب مختلفة من حياة سكان جزر التروبرياند. ومن بين هذه التقارير "سكان الأرجوناوتس فى غرب المحيط الهادئ"، (الصادر عام 1922)؛ الجريمة والعادات فى مجتمع بدائي (الصادر عام 1926)؛ والجنس والكبت فى مجتمع بدائى (الصادر 1927)؛ والحياة الجنسية للبدائين (الصادر عام 1929)؛ والحدائق المرجانية وسحرها (الصادر عام 1935 وعام 1948) وهى تعد الآن جميعاً من كلاسيكيات علم الأنثروبولوجيا. وقد جلبت له شهرته الدولية دعوات لزيارة مناطق عديدة فى العالم، و أتاحت له تولى مناصب فى أفريقيا والولايات المتحدة. وقد طلب منه الإدلاء برأيه حول السياسات الاستعمارية، وبخاصة فى المناطق التى لم تكن تتوفر عنها معلومات إثنوجرافية. بيد أن وظيفيته لم تستطع أن تتوقع حق تقرير المصير لأهل المستعمرات. وقد اعتبر مؤلفه "يوميات بالمعنى الدقيق للكلمة" (الصادر عام 1967) على الرغم من فزع بعض حوارييه المبكرين، مصدراً مهماً لفهم المواجهة الثقافية بين الأنثروبولوجى و الآخرين.
حياته
ولد مالينوفسكي في مدينة كراكوفيا في بولندا، لعائلة ميسورة. كان والده يعمل أستاذاً في الجامعة أما أمه فكانت ابنة أحد الإقطاعيين. كان يعاني من مشاكل صحية وضعف عام في مرحلة طفولته ولكنه كان مبرزاً في دراسته. حصل على درجة الدكتوراه في الفلسفة من جامعة ياغيلونيا عام 1908, وكان تركيزه على الرياضيات والعلوم الفيزيائية. تدهورت حالته الصحية أثناء فترة دراسته وأثناء فترة نقاهته قرر أن يصبح مختصاً في الأنثروبولوجيا وكان ذلك بعد أن قرأ كتاب جيمس فريزر الغصن الذهبي. فقرر دراسة الإثنولوجيا في جامعة لايبزيج حيث درس عند الاقتصادي المعروف كارل بوخر وعالم النفس فيلهلم فونت. وانتقل في العام 1910 إلى إنجلترا حيث درس في كلية لندن للاقتصاد التابعة لجامعة لندن حيث درس عند كارل ويستيرمارك. سافر مالينوفكسي في العام 1914 إلى بابوا غينيا الجديدة حيث قام بإجراء بعض الأبحاث الميدانية في منطقة مايلو ثم في منطقة جزر تروبرياند. وفي رحلته إلى تلك المنطقة تاه فيها وضاع أثره واندلعت أثناء ذلك الحرب العالمية الأولى، فألقت القوات الأسترالية القبض عليه وعرضت عليه خيارين ليختار أحدهما: إما أن ينفوه إلى جزر توربرياند أو أن يحتجزوه حتى تنتهي الحرب، فاختار مالينوفسكي الخيار الأول وذهب إلى الجزر وحيداً وأجرى أبحاثه الميدانية فيها، وما زالت النتائج التي توصل إليها في تلك الرحلة والعمليات التي اتبعها ذات أثر كبير على الدراسات الإنسانية التطبيقية حتى هذا اليوم.
وفي العام 1922 حصل مالينوفسكي على درجة الدكتوراه في علم الأنثروبولوجيا وأصبح أستاذا في كلية لندن للاقتصاد. وفي العام نفسه أصدر كتابه الذي ألفه تحت عنوان (Argonauts of the Western Pacific)، والذي احتل مكانة عالمية مرموقة وأصبح مالينوفسكي على أثره من أهم وأشهر علماء الإنسان في العالم، وبفضله أصبحت كلية لندن للاقتصاد خلال سنتين من أهم مراكز تدريس علم الإنسان في بريطانيا.
وقد حاضر مالينوفسكي لفترات متقطعة في الولايات المتحدة وعندما بدأت الحرب العالمية الثانية كان هنالك فاضطر المكوث فيها وأصبح يدرس في جامعة يايل والتي بقي فيها حتى وافته المنية. وقد أسس مالينوفسكي الجمعية البولندية للآداب والعلوم في أمريكا.
توفي مالينوفسكي في 16 مايو 1942 عن عمر يناهر الثمانية والخمسين نتيجة نوبة قلبية.
أفكاره
ارتبط اسم مالينوفسكى بالنظرية الوظيفية. فكافة الثقافات الإنسانية يمكن فى الواقع أن تختزل الى إشباع الحاجات الأساسية. فالشعائر، وأنماط القرابة، وعمليات التبادل الاقتصادية (بما فيها واقعة حلقة الكولا الشهيرة)، لا ينبغى أن تفسر فى ضوء أصولها التاريخية، بل فى ضوء أستخداماتها الحالية. فالنظريات السابقة التى حاولت أن تفسر كافة العادات والممارسات بوصفها "رواسب" من الأزمان الغابرة يجب أن ترفض. وقد قصد مالينوفسكى بتأكيده على الأهمية الآنية فقط للنظم، إهمال أى إطار تاريخى لها. وأضفى طابعاً مثالياً على التوازن المتناغم لأى مجتمع. وقد أعطى هذا الاتجاه اللاتاريخي انطباعاً بأن أهل جزر التروبرياند كانوا ما بزالون يعيشون فى مرحلة العصر الحجري دون أن يعرفوا صراعات قوية قد تفضى إلى التغير. كما أن التأكيد على العمل الميدانى المكثف مع السكان المحليين، والذى يؤكد فى صورته المثالية على تجاوز المصادر الثانوية المستمدة من موظفى الإدارة الاستعمارية ورجال الإرساليات والتجار كان يعني المخاطرة بإغفال التدخلات العميقة للقوى الخارجية والاستعمارية. بل إننا نجد أن حديثه عن البناء السياسى لسكان التروبرياند بوصفه كياناً مستقلا معزولاً قد أهمل التغيرات الحديثة فيه. وتكشف يوميات مالينوفسكى - التى نشرت بعد وفاته - عن الوجود الشديد الوضوح لحائزي القوة من الغرباء البيض، والذين حاول أن يستبعدهم من عمله الميدانى القائم على الملاحظة المشاركة، ومن الصياغة النهائية لمؤلفاته. وقد كانت منهجيته الوظيفية ذات آثار طويلة الأمد - على الرغم من أخطاء النظرية. فقد شجعت الأنثروبولوجيين على أن يدرسوا المجتمعات ككيانات كلية. فما عاد بالإمكان دراسة كل من المعتقدات، والشعائر والقرابة، والتتظيم السياسى، والممارسات الاقتصادية بمعزل عن الأخرى، بل يجب أن تدرس فى علاقتها المتبادلة.