الرأي العام
الرأي العام (بالإنجليزية: Public Opinion) مفهوم غير محدد تحديداً دقيقاً، يستخدم بعدة طرق، ولكن الأرجح أن يشير - بوجه عام - إلى موافقة أو عدم موافقة قطاع معين من المجتمع عن بعض المواقف أو السلوكيات العامة. أو هو تكوين فكرة أو حكم على موضوع أو شخص ما، أو مجموعة من المعتقدات القابلة للنقاش وبذلك تكون صحيحة أو خاطئة، وتخص أعضاء في جماعة أو أمة تشترك في الرأي رغم تباينهم الطبقي أو الثقافي أو الاجتماعي، فيعترض ذلك مع الرأي الخاص الذي يشير إلى أمور ومسائل شخصية تتعلق بفرد واحد. والرأي العام هو ذلك التعبير العلني والصريح الذي يعكس وجهة نظر أغلبية الجماعة تجاه قضية معينة في وقت معين.
الرأي العام تعبير يقصد به عملية رصد آراء الناس في مجتمع، أو قطر ما حول مسائل خلافية عامة، مثل الآراء، والمعتقدات. ويمكن القول على سبيل المثال، بأن قضية التعاون بين الأمم في إطار المنظمات الدولية، والصيغ التي يمكن أن تتخذها، أمر يمكن أن تتباين حوله الآراء، بينما لا يمكن أن يعد دوران الأرض حول الشمس، مسألة قابلة للاختلاف لأنها حقيقة لا يرقى إليها الشك.
يتبلور الرأي العام، عندما تبرز على السطح مسألة تؤثر على عدد كبير من الناس، فتصبح موضوعًا مطروحًا للمناقشة الحرة، والمناظرة، ويدور الجدل حولها إلى أن يصل الناس إلى إجماع. والرأي العام هو نقاش القضايا مطروحة على بساط البحث في بداية الأمر. وهو يختلف في محتواه ومضمونه، حسب المراحل التي يمر بها، فهو مثلاً يتسم في مراحله الأولى بالغموض، وعدم وضوع الرؤية. كما لا تتوفر المعلومات حول القضايا المطروحة في هذه المرحلة. ولكن في مراحل أخرى يمكن أن تتطابق وجهات نظر عدد كبير من الناس حول مسائل عامة، ومن ثم تشكل رأي الأغلبية. ويتم الاتفاق على السبل التي يمكن اتباعها لتحقيق هذه الأهداف. مثل التصويت الذي يضفي شرعية للرأي العام.
يتخذ تأثير الرأي العام على صانعي القرارات الحكومية من القيادات، والمجموعات، صوراً شتى ولا تقتصر على وسيلة واحدة. وفي الأنظمة الغربية تعد انتخابات القيادات السياسية، من أهم الأساليب، التي يحكم من خلالها الرأي العام على اختيار المرشحين للمناصب العامة. ولكن يمكن القول في هذا الصدد، بأن عملية صنع السياسات الحكومية تتسم بالبطء، والتقيد. كما أن التعبير عن الرأي في القضايا العامة، يمكن أن يؤثر على السياسيين عند اتخاذهم القرارات. ولكن هذه الآراء قد لا تؤخذ في الحسبان، لأن الرأي العام غير ثابت، وعاطفي، ويمثل عادة شريحة اجتماعية نشطة في رفع صوتها بالاحتجاج. كما يوجد في المجتمع ما يطلق عليها الأغلبية الصامتة، التي لا تفصح بوضوح عن آرائها.
ورغم هذه الإشكالات التي تواجه الرأي العام، ينصب محور اهتمام المجتمعات الديمقراطية الغربية على دراسة واستقصاء آراء الأفراد، والجماعات. وتستخدم عدة وسائل لقياس الرأي العام من خلال الاستبانات، ومسح عينات من آراء مختلف الشرائح الاجتماعية. وتعتمد دقة نتائج استقصاء الرأي العام على جهود جميع القائمين بها، ومقدرتهم في اختيار العينات، وتصميم الاستبانة المناسبة. وقد يجانب الصواب هذه النتائج في بعض الأحيان.
أصل الكلمة
اشتُق مصطلح «الرأي العام» من نظيره الفرنسي opinion publique، الذي استخدمه ميشيل دي مونتين للمرة الأولى في عام 1588 في الإصدار الثاني لمقالاته (الفصل الثاني والعشرين).
يظهر المصطلح الفرنسي أيضًا في عام 1761 في رواية جولي، أو هيلويز الجديدة لجان جاك روسو.
تتضمن سالفات العبارة في الإنجليزية «الرأي العموميّ» لويليم تيمبل (الذي يظهر في كتابه عن أصل الحكومة وطبيعتها الصادر عام 1672) و«قانون الرأي» لجون لوك (الذي يظهر في عمله مقال خاص بالفهم البشري الصادر عام 1689).
تاريخه
يرجع ظهور الرأي العام بصفته قوة مهمة في المملكة السياسية إلى أواخر القرن السابع عشر، لكن اعتُبر أن الرأي يتمتّع بأهمية استثنائية من قبل ذلك بكثير. كانت فاما بوبليكا أو فوكس إيت فاما كومونيس تتمتع بأهمية قانونية واجتماعية عظيمة منذ القرن الثاني عشر والثالث عشر فصاعدًا. في وقت لاحق، دعا ويليم شكسبير الرأي العام «بخليلة النجاح» واعتقد بليز باسكال أنه كان «ملكة العالم».
في دراسته: مقال خاص بالفهم البشري، اعتبر جون لوك أن الإنسان خاضع لثلاث قوانين: القانون الإلهي، والقانون المدني، والأهم في رأي لوك، قانون الرأي أو السمعة. اعتبر الأخير صاحب الأهمية الأبلغ لأن المقت والرأي الفظ يدفعان الأشخاص إلى الالتزام في سلوكهم بالمعايير الاجتماعية، لكنه مع ذلك لم يعتبر الرأي العام مصدر تأثيرٍ ملائمًا للحكومات.
في مقاله الصادر عام 1672 عن أصل الحكومة وطبيعتها، قدم ويليم تيمبل صيغة مبكرة لأهمية الرأي العام. لاحظَ أنه: «وقتما يسلم عدد كبير من البشر حيواتهم وثرواتهم تسليمًا مطلقًا لإرادة شخص واحد، لا بدّ أن قوة العُرف أو الرأي هي التي تخضع القدرة للسلطة». اختلف تيمبل مع الرأي الشائع بأن أساسات الحكومة تكمن في العقد الاجتماعي واعتقد أن الحكومة قد سُمح لها بالوجود بسبب استحسان الرأي العام فقط.
كانت المتطلبات الأساسية لظهور الميدان العام هي زيادة مستويات التثقّف التي حفّزها الإصلاح، ما شجع الأفراد على قراءة الكتاب المقدس باللهجة العامية، والصحافات المطبوعة سريعة التوسّع. خلال القرن الثامن عشر، استُبدل بالأدب الديني الأدبُ الدنيوي، من روايات ونشرات. كانت مجتمعات القراءة والنوادي تنمو بالتزامن مع ذلك. افتُتحت في مطلع القرن أول مكتبة إعارة وصارت المكتبة العامة رائجة على نطاق واسع ومتاحة للعموم.
في الولايات المتحدة، بزغ الرأي العام في ثلاثينيات القرن الماضي.
المقاهي
كان المقهى مؤسسة ذات أهمية محورية في تطوير الرأي العام، والتي صارت دارجة في جميع أصقاع أوروبا في أواسط القرن السابع عشر. رغم محاولة الملك تشارلز الثاني قمع مقاهي لندن باعتبارها «أماكن حيث يلتقي المحرورون وينشرون تقرارير فاضحة فيما يتعلق بسلوك جلالته ووزرائه»، فقد توافد الناس إليها. لعدة عقود تلَت الإصلاح، تجمّع الحاذقون حول جون دريدن في مقهى ويلز في راسل ستريت، كوفينت غاردن. كانت المقاهي ممهّدات اجتماعية ممتازة، متاحة أمام الجميع وغير عابئة بالمكانة الاجتماعية، ومقترنة نتيجة لذلك بالمساواة والجمهوريّانيّة.
على نحو أعمّ، صارت المقاهي ملتقيات حيث يمكن تنفيذ الأعمال التجارية، وتبادل الأنباء وقراءة ذا لندن غازيت (نشرات الحكومة). ترجع أصول لويدز لندن إلى مقهى كان يديره إدوارد لويد، حيث التقى وكلاء تأمينات السفن للعمل. بحلول عام 1739، كان ثمة 551 مقهى في لندن. اجتذب كل منها زبانة معينة مقسّمة بحسب المهنة والموقف، كالمحافظين واليمينيين، والحاذقين والسماسرة، والتجار والمحامين، وباعة الكتب والمؤلفين، ورجال الموضة أو «مواطني» مركز المدينة القديم. أراد جوزيف أديسون أن يقال عنه إنه «أخرج الفلسفة من الخزائن والمكاتب لتسكن في النوادي والمجالس، على طاولات الشاي وفي المقاهي». وفقًا لزائر فرنسي، هو أنطوان فرانسوا بريفو، كانت المقاهي «حيث تتمتّع بحق قراءة كل الأوراق الموالية والمعارضة للحكومة، مقاعدَ الحريّة الإنجليزية».
نوادي النبلاء
انتشرت نوادي النبلاء في القرن الثامن عشر، ولا سيما في ويست إند في لندن. تولّت النوادي الدور الذي كانت المقاهي مضطلعة به إلى حد ما وبلغت أوج تأثيرها في أواخر القرن التاسع عشر. تضمنت الأسماء البارزة وايتس، وبروكس، وآرثرس، وبودلز والتي ما تزال موجودة اليوم.
كان مقدرًا لهذه التغيرات الاجتماعية، التي تحوّل فيها جمهور منغلق وأمّي في معظمه إلى واحدٍ منفتحٍ ومُسيّس، أن تصير ذات أهمية سياسية هائلة في القرن التاسع عشر عندما ذاع تداول وسائل الإعلام على نطاق أوسع من أي وقتٍ مضى وأخذ التثقّف يتطور تطورًا ثابتَ الخطى. تزايد إدراك الحكومات لأهميّة إدارة الرأي العام وتوجيهه. ويتمثّل هذا الميل في مسيرة جورج كانينغ الذي أعاد قولبة حياته السياسية من أصولها الأرستقراطية إلى واحدة ذات قبول شعبي وقتما تنافس على المقعد البرلماني في ليفربول وفاز به، وهي مدينة ذات طبقة وسطى نامية وثرية ساهمت في النفوذ المتنامي «للرأي العام».
كان جيريمي بنثام مدافعًا متحمّسًا عن أهمية الرأي العام في تشكيل الحكم الدستوري. اعتقد أنه من المهم أن تكون كل قرارات الحكومة وتصرفاتها خاضعة لرقابة الرأي العام، ذلك أنه «الضابط الوحيدُ على المارسة الخبيثة لسلطة الحكومة». ارتأى أن الرأي العام يمتلك القدرة على ضمان أن يحكم الحكام من أجل السعادة الأعظم للعدد الأكبر. أدخل الفلسفة النفعية بغية تعريف نظريات الرأي العام.
مفاهيم
جادل خبير علم الاجتماع الألماني فيرديناند تونيز عبر استخدام الأدوات الفكرية لنظريته عن الجماعة المحلية والمجتمع العام، بأن ’الرأي العام‘ يتمتع بوظيفة اجتماعية في المجتمعات العامة مكافئة للتي يتمتّع بها الدين في المجتمعات المحلية.
ساهم المنظّر الاجتماعي الألماني يورغن هابرماس بفكرة الحيز العام في مناقشة الرأي العام. وفقًا لهابرماس، فالحيز العام، أو العموم البرجوازي، هو حيث «يمكن أن يتشكل شيء يقترب من الرأي العام» (2004، الصفحة 351). ادعى هابرماس أن الحيز العام يتميز بالوصول الشامل، والنقاش العقلاني، وتجاهل المرتبة. ومع ذلك، فهو يعتقد بأن هذه السمات الثلاثة لكيفية تشكيل الرأي العام على أفضل وجه لم تعُد موجودة في البلدان الديمقراطية الليبرالية الغربية. الرأي العام، في الديمقراطية الغربية معرض بصورة كبيرة لتلاعب النخبة.
تعريفات للرأي العام
- التعبير عن آراء جماعة من الأشخاص إزاء قضايا، مسائل أو مقترحات معينة تهمهم، سواء أكانوا مؤيدين أو معارضين لها، بحيث يؤدي موقفهم بالضرورة إلى التأثير السلبي أو الإيجابي على الأحداث بطريقة مباشرة أو غير مباشرة في لحظة معينة من التأريخ.
- حكم عقلي يصدر من جمهور من الناس يشتركون بالشعور بالانتماء ويرتبطون بمصالح مشتركة إزاء موقف من المواقف أو تصرف من التصرفات أو مسألة من المسائل التي يثار حولها الجدل بعد مناقشة عقلية.
- الرأي الغالب أو الاعتقاد السائد أو إجماع الآراء أو الاتفاق الجماعي لدى غالبية فئات الشعب أو الجمهور تجاه أمر أو ظاهرة أو قضية أو موضوع معين يدور حوله الجدل، وهذا الإجماع له قوة وتأثير على القضية أو الموضوع الذي يتعلق به.
- مجموع معين من الأفكار والمفاهيم التي تعبر عن مواقف مجموعة أو عدة مجموعات اجتماعية إزاء أحداث أو ظواهر من الحياة الاجتماعية، إزاء نشاط الطبقات والأفراد.
- وجهات النظر والشعور السائد بين جمهور معين في وقت معين إزاء موقف أو مشكلة من المشكلات.
- اتجاهات ومواقف الناس إزاء موضوع معين حين يكون هؤلاء الناس أعضاء في نفس الجماعة المعينة.
- الرأي الذي ينتج عن المؤثرات وردود الأفعال المتبادلة بين أفراد أية جماعة كبيرة من الناس.
- اصطلاح مستخدم للتعبير عن مجموعة الآراء التي يدين بها الناس إزاء المسائل التي تؤثر في مصالحهم العامة والخاصة.
- الرأي المشترك خصوصا عندما يظهر أنه رأي العامة من الناس.
- قبول وجهة نظر واحدة من بين وجهتي نظر متعارضتين أو وجهات نظر كثيرة متعارضة على حين أن كل واحدة منها تصلح لأن يتقبلها العقل الرشيد بوصفها وجهة النظر الوحيدة الصادقة.
الرأي العام والاتجاه العام
- الاتجاه العام هو حالة افتراضية أو متوقعة تعكس دافع واستعداد أو ميل لدى معظم أفراد الجماعة لتبني وجهة نظر لتأييد أو رفض موقف لم يتحدد بعد، والاتجاه له تأثير توجيهي على استجابة الفرد حول جميع المواقف والموضوعات التي تستثير هذه الاستجابة ... إذن فالاتجاه هو استعداد نفسي لاستجابة سلوكية معينة تجاه موقف معين لم يتحدد بعد.
- بمعنى آخر فالاتجاه العام في حد ذاته لا يعدو كونه منطلقاً فكرياً أو دافعاً سلوكياً للأفراد، ويشير الاتجاه العام إلى ما توارثه المجتمع من قيم اجتماعية (معتقدات، ميراث ثقافي وحضاري، عادات وتقاليد) تلك القيم أو العوامل تعمل كموجه أو محفز للأفراد في أي مجتمع، وتسهم في نهاية الأمر في تحديد أو تكوين آراء الأفراد بصدد القضايا المتعددة (مختلفة كانت أم متشابهة) التي ترتبط باهتماماتهم ومصالحهم الرئيسية.
- إذن فالاتجاه العام هو مجرد ميل يعكس خلفية ثقافية ورصيداً قيمياً غالباً ما يستخدمه الفرد في تقديره وتقييمه للمواقف والأحداث المحيطة.
- والاتجاه قد يكون مصدراً أساسياً للرأي، أي أن الرأي قد يقوم جزئياً على الاتجاه ويرتبط به.
أقسام الرأي العام
للرأي العام عدة أقسام منها:
- الرأي العام العفوي: الذي يحصل تجاه جماعة في وقت ومكان محدد ويتقلب للعوامل المؤثرة فيه، مثلا عندما يجتمع الناس حول الخباز، يجمعهم شيء واحد وهو الحصول على الخبز، فهذا نمط يحصل بصورة عفوية.
- الرأي العام التحصيلي: الذي يريده الإنسان لتغيير بنية المجتمع من سيء إلى حسن، أو من حالة فساد إلى حالة إصلاح، ولتحقيق هذه الغاية لابد من تهيئة الرأي العام، الذي يمثل أداة فاعلة وحقيقية للوصول إلى الهدف.
- الرأي العام الخامل: كأن يقف الشعب موقف اللامبالاة أمام الحكومة لضغف أو لخوف أو ما أشبه ذلك[بحاجة لمصدر].
- الرأي العام الفعال: كأن يقوم الشعب ضد الحكومة القائمة بثورة شعبية تسقط الحكومة[بحاجة لمصدر].
- الرأي العام المؤقت: وهو الذي يرتبط بموضوع أو زمان أو مكان محدود بسبب كارثة أو زلزال أو فيضان.
- الرأي العام الكلي: وهو ما يتصل بالدين والأخلاق العامة والعادات والتقاليد.
- الرأي العام الباطني: هو رضى المجتمع عن شيء دون أن يستطيع اظهار رأيه والتعبير عنه جهرا فيحتفظ في باطنه سلبا أو إيجابا، وسبب عدم الإفصاح عن الرأي هو الخوف من الضرر أو فوات المنافع أو بدافع ملاحظة الأهم والمهم أو ما شابه ذلك.
- الرأي العام الظاهري وهو أن يكون الشعب قد استطاع بوسائل الإعلام المختلفة أن يعبـّر عن رأيه في موضوع معيّن كتعبير الأفراد في المجتمعات الديمقراطية.
عناصر الرأي العام
- الناس.
- المعرفة.
- القيم المشتركة.
- السلوك.
- الأحداث والوقائع.
- المعتقدات.
- الأرض.
- العادات.
- الاتجاهات والميول والمواقف.
- الأسرة.
- المدارس.
- الخرافات والأساطير.
- القادة.
صعوبة إجماع الجمهور على رأي
يشير مصطلحالجمهور، إلى مجموعة من الأفراد تشارك في مناقشة قضايا خلافية. وقد تتأثر مصلحة هؤلاء الأشخاص بالنتائج المتمخضة عن حسم الخلاف. تتسم المجموعة بالاستقرار، ودقة التنظيم، كما قد تشمل قطاعًا من السكان المحليين، أو المواطنين كافة في القطر. ويمكن أن يتكون الجمهور من أفراد غير منظمين، حيث يصعب تحديدهم، أو معرفتهم. ولكن لأسباب مختلفة قد تجمع بينهم مصلحة مشتركة في القضايا المطروحة للنقاش. وقد يكون هذا الجمهور صغير الحجم بحيث تتاح الفرصة لمناقشة القضايا من خلال المحادثات والاتصال المباشر.
تمخض عن تطور وسائل الاتصال الحديثة، انتشار المعلومات المتعلقة بالمسائل العامة المثيرة للجدل. وقد ترتب على اتساع دائرة المشاركين في مناقشة هذه القضايا ذات الاهتمام المشترك، ظهور نمط جديد لتجمعات إنسانية عريضة لا ترتبط معًا بعلاقة شخصية مباشرة. وأصبحت هذه التجمعات لا تقتصر على المواطنين المنتشرين في أرجاء الدولة، بل امتدت إلى حدود الأقطار الأخرى. أدى هذا التطور إلى صعوبة الاتصال المباشر بين هذه الجماعات. وهنا برز دور وسائل الإعلام من صحافة، وتلفاز، وإذاعة، وأفلام، في ربط هذه الجماعات في المجتمعات بعضها ببعض. وتعددت أنماط هذه الجماعات في المجتمعات المعاصرة المعقدة التركيب، وأصبحت كل مجموعة تدير وسائل اتصالاتها المتخصصة، مثل الصحف، والمجلات. كما تقدم الدعم المالي لبرامج في التلفاز، والإذاعة. وشملت عضوية هذه الجماعات منظمات محلية ووطنية، بحيث أصبحت تمثل أفكارًا متباينة في القضايا المثيرة للجدل. ويحق لأي شخص الانضمام لعضوية عدد من هذه المنظمات في وقت واحد، كما يمكنه المشاركة في مناقشة عدد من المشكلات المختلفة، وتبني آراء في قضايا معينة يمكن أن تتضارب مع آرائه في قضايا أخرى. فتبني الرأي في مسائل اقتصادية على سبيل المثال، يمكن أن يتعارض مع المعتقدات الدينية، والقناعات الأخلاقية، والانتماءات السياسية. ويحتدم الجدل في خضم هذه المحاولات التي تبذل للتوفيق بين هذه الآراء المتباينة.
عملية تشكيل الرأي العام
تؤثر عدة عوامل على الموقف الذي يمكن أن يتخذه الجمهور إزاء المسائل العامة. وتلعب القيم والميول دورًا كبيرًا في تشكيل آراء الناس. ويمكن في هذا الصدد تحديد أربع مجموعات: المجموعة الأولى: يتشكل الرأي وسط هذه المجموعة من خلال الاطلاع الواسع ومحاولة الإلمام بالمعلومات. المجموعة الثانية: ترتكز قناعتها من خلال الانطباعات العارضة. المجموعة الثالثة: تتشكل آراؤها من غير تأثر بالآخرين، وباستقلالية فكرية كاملة. أما المجموعة الرابعة، فتتأثر بآراء الأصدقاء، والرفاق، والجماعات المحيطة بها. ويمكن التأكيد في هذا السياق بإمكانية تبني الأشخاص المستنيرين أفكارًا متباينة ترتكز على تفسيرهم للحقائق من منطلقات مختلفة تتأثر بمصالحهم، ورغباتهم، وهمومهم، أو أحكام مسبقة.
يؤدي بعض الأشخاص المشهورين دورًا كبيرًا في تشكيل الرأي العام. ويتميز هؤلاء الأشخاص بإلمام كامل بجميع الحقائق المتعلقة بالقضايا العامة. وبمقدرة فائقة في تحديد أساليب التعامل معها، مما يمكنهم من إقناع الجمهور بتبني فكرة معينة أو اتخاذ قرار بشأنها. ويمكن أن يتصدى للقيادة أشخاص عاديون أو مغمورون بصفتهم أفراداً أو مجموعات. تستطيع هذه الجماعات أن تنشر أفكارها وسط الجمهور تدريجيًا من خلال الأحاديث الشفهية التي تؤثر بمرور الوقت على آراء الجماهير وتساهم في صياغتها. إضافة لهذه العوامل تؤثر الأحداث الدرامية المثيرة التي تتسم بالبعد الشخصي في جذب انتباه عدد كبير من الأفراد، ومن ثم تقوم بدور كبير في تشكيل آرائهم. ويمكن الاستشهاد في هذا الصدد بمدى إسهام الكساد الاقتصادي الكبير الذي ضرب أمريكا في عام 1930م في جذب الانتباه لأهمية الإصلاحات الاقتصادية. إضافة لذلك يمكن القول بأنه لم يكن من الممكن لمئات المحاضرات، والأحاديث الاذاعية، وافتتاحيات الصحف، والمواعظ الدينية، أن تترك آثاراً أعمق في وجدان الجمهور أكثر مما أحدثه تفاقم ظاهرة البطالة، وانتشار الفقر في التحول الجذري للرأي العام. يتمخض عن مختلف المواضيع المثيرة للجدل ردود فعل سريعة من الجمهور. وفي المجتمع الغربي تشمل هذه المواضيع الإجهاض والتشريعات المتعلقة بالمخدرات، والسلطة الحكومية، وقضايا السياسة الخارجية. كما تشكل القضايا بالحرب والسلام قوة مؤثرة على الرأي العام.
أدوات التأثير على الرأي العام
تؤدي أدوات التأثير على الرأي العام، دورًا كبيرًا في نشر المعلومات المتعلقة بالقضايا العامة. وتتخذ هذه الوسائط أشكالاً شتى. فقد تتكون من أفراد أو مجموعات، أو ربما تتخذ شكل وسائل آلية، تساعد في تواصل الجماعات بعضها ببعض. ويمكن القول في هذا الصدد، بأنه ليس من الضروري أن تصبح أدوات التأثير على الرأي العام صانعة لهذا الرأي ولكن يمكن أن تؤثر على صناعته.
أقدم مؤسسة إعلامية
ذكر الناشر الإنجليزي باجوت، في القرن التاسع عشر الميلادي، بأن أقدم وسائل التأثير على الرأي العام تتمثل في الأحاديث العامة التي يتبادلها الأصدقاء والمعارف في عدة أماكن، مثل الشوارع، والأماكن العامة، والمنتديات، والمنازل. ولا تزال هذه الوسيلة تؤدي دورًا مؤثرًا في تشكيل الرأي العام. ففي الأزمان الغابرة، كانت الأحاديث الشفهية الوسيلة الوحيدة التي تعكس الرأي العام. وتبدأ هذه الأحاديث، التي تشكل الخطوة الأولى في التواصل بين الجماعات، بمناقشات ودية بين الأصدقاء، ثم تتحول في مرحلة لاحقة إلى خطبة عامة مؤثرة، أو موعظة دينية، يتمكن فيها خطيب بليغ من التعبير عن الرأي السائد فيما يتعلق بقضية معينة، أو مشكلات مطروحة للبحث.
الصحافة
كانت الخطب، والكتب، والنشرات، تشكل الوسائل الرئيسية التي تعكس الرأي العام، حتى مطلع القرن التاسع عشر الميلادي. وبرزت في أعقاب ذلك الصحف بأعداد ضخمة. وانتشر تداولها، الأمر الذي جعلها من أهم الوسائل فاعلية في تشكيل الرأي العام. وطورت كل صحيفة قاعدة عريضة من القراء الذين يستقون منها الأخبار، والآراء المتعلقة بالمسائل العامة. أصبحت الصحف تؤدي دورًا كبيرًا، وتمارس نفوذًا قويًا على الجمهور، لا تحده إلا الصحف الأخرى المنافسة التي تعرض آراء مخالفة. كما أصبحت المجلات قوة مؤثرة في تشكيل الرأي العام. صاحب انتشار الصحف، تطور فن الكاريكاتير السياسي الذي أصبح قوة فاعلة في تشكيل الرأي في الصحف. فرسام الكاريكاتير، يمكن أن يبالغ في رسم الأشخاص البارزين، ويعكس الأفكار، والقضايا، بأسلوب ساخر مؤثر أكثر من الكتابة. ويهدف معظم رسامو الكاريكاتير من وراء ذلك، إلى مخاطبة العواطف، والتأثير عليها أكثر من محاولة مخاطبة العقول، التي ترتكز على التحليلات العميقة للأحداث.
الأفلام
أصبحت الأفلام أيضًا من أهم الوسائل الفعالة في التأثير على الرأي العام. وتتميز الأفلام عن غيرها من الوسائل، بتقديمها عروضًا حية عن الأحداث التي لم تكن لتعرف من الوسائل الشفهية، أو التقارير المطبوعة. كما تقدم الأفلام للمشاهدين عروضاً موثقة لعادات، وأفكار، وأساليب حياة تختلف عن ثقافتهم، ولغتهم. وتُعَرضُ على الشاشة أفلام تعبّر عن وجهات نظر في قضايا عامة. وتستخدم شرائط الأنباء، والصور والأفلام الوثائقية، والأفلام المتخصصة في بث الأخبار، ونشر الدعاية. وتخاطب الوسائل البصرية عواطف المشاهدين، الأمر الذي يؤدي إلى استجابة سريعة بينهم لهذه المؤثرات.
الإذاعة والتلفاز
يخاطب كل من هذين الجهازين مباشرة، ملايين البشر في منازلهم من خلال أصوات، وكلمات المذيعين والمعلقين، والشخصيات ذات الأهمية الخبرية. وتبث هذه الوسائل صورًا حية للأحداث عند وقوعها. إن الإذاعة والتلفاز لم يحلا محل الصحف، والأفلام، في الإعلام المعاصر بل أصبحتا تكملان هذا الدور بوصفهما وسائط لنشر المعلومات والآراء. وأخيراً يمكن القول بأن وسائل الاتصال القديمة، مقارنة بالحديثة، كان يتوافر لها الوقت الكافي مما مكنها من تقديم دراسات أكثر عمقاً من تقارير الإذاعة والتلفاز.
الوسائل التعليمية
تؤدّي المدارس، والمؤسسات التعليمية الأخرى، دورًا مهمًا بوصفها جزءًا من وسائل صنع الرأي. وتتركز أهمية هذه الوسائل في المقدرة التي تتمتع بها في تنمية وتطوير الميول الأساسية، ووجهات النظر. كما تؤثر في تشكيل آراء الجمهو إزاء القضايا التي تظهر يومياً على مسرح الأحداث. وتنشر الوسائل التعليمية المعارف التي ترتبط بجميع جوانب الحياة الاجتماعية، والسياسية، والاقتصادية. كما تقدم المهارات الضرورية التي تساعد الجمهور في تحليل المعلومات المتعلقة بالتطورات المعاصرة.
الوسائل الأخرى
تُعد الجماعات المتخصصة في الدعاية الاقتصادية، والسياسية، والدينية، من أهم القوى المؤثرة في المجتمع. كما توجد جماعات أقل نفوذًا، لها دور في تشكيل أنماط مختلفة من الرأي العام في الأخلاق، والأمور الوطنية، والتوجّهات العرقية، والمذاهب الأدبية والفنية بالإضافة إلى أنماط أخرى من الرأي العام. انظر: الدعاية السياسية. تؤدي الأحزاب دورًا مؤثرًا في صناعة الرأي العام من خلال جهازها الإعلامي الضخم. كما تسعى الحكومات في إطارها المحلي، والوطني، إلى استمالة الرأي العام لكي تتمكن من تنفيذ برامجها. وتجدر الإشارة في هذا الصدد لأهمية دور الجماعات الاقتصادية من خلال الدعاية، والإعلان، والعلاقات العامة في التأثير على الجمهور لتسويق خدماتها، وبضائعها. وهناك جماعات أخرى في المجتمع، مثل النقابات العمالية، والزراعية، واتحادات المستهلكين. تقوم هذه الجماعات بتنظيم أنفسها بهدف صياغة وتطوير رأي عام يخدم مصالحها.
الرأي العام والحكومة
يقتضي التعايش الاجتماعي بين مختلف الجماعات، وجود ضوابط، وتنظيمات،تضفي على المجتمع صبغة الاستمرارية مما يقلل من الصراع، والفوضى. في النظم الديمقراطية الغربية، يعتمد استخدام وسائل الضبط على القبول الطوعي لأغلبية أعضاء المجتمع. وقد قام بعض القادة في المجتمعات السابقة، وبعض المجتمعات المعاصرة، باستخدام العنف لإرغام الناس على الامتثال للقوانين التي فرضت عليهم. وقد كان يكفي في هذا النمط من المجتمعات مجرد التهديد باستعمال العنف، لإحداث الأثر المطلوب. كما استخدمت بعض القيادات وسائل مختلفة لخداع شعوبهم. وقد تمخض عن ذلك قيام بعض الحكومات بسن التشريعات التي تحمي الجمهور من هذه الممارسات المنافية للأخلاق في الطب، والإعلان، والبيع. وامتدت هذه التشريعات لتشمل مجالات أخرى. انظر: الاحتيال.
تعد الدعاية، والرقابة على المطبوعات، من أكثر الوسائل التي تستخدمها الحكومات بهدف التأثير على الرأي العام. وتحاول الحكومة من خلال الدعاية، إقناع مواطنيها بأن قبول برامجها، وسياستها، يشكل المخرج الوحيد الذي ينقذهم من الأخطار المحدقة بهم، ويحقق لهم النصر في الحرب، كما يمكنهم من مواجهة أي طارئ. ويمكن القول في هذا الصدد بأن الدعاية تستخدم وسيلة لصياغة الرأي العام، أكثر من كونها أداة للسيطرة عليه. وترتبط مراقبة المطبوعات، بالدعاية المضادة، التي تحاول دحض فكرة معينة بفكرة موالية، ومؤيِّدة للحكومة. انظر: الرقابة؛ الدعاية السياسية.
قياس الرأي العام
يتم قياس الرأي العام فى العادة عن طريق استطلاعات الرأى. معنى ذلك أنه يعد مرادفا لما "تردده الاستطلاعات" عن أمور : الأخلاق، أو أنواع السلع الاستهلاكيه المفضلة، أو السياسة، أو غير ذلك من موضوعات. وأكثر المجموعات التى أجريت دراسات لاستطلاع رأيها على هذا النحو البالغون فى سن العمل (ويختلف تحديد هذا السن، فأحياناً يبداً بالسادسة عشر أو الثامنة عشر أو العشرين عاما وحتى الستين أو الخامسة والستين أو أكثر)، وكافة البالغين الذين تجاوزت أعمارهم سن التعليم الإلزامى، بمن فيهم المتقاعدون وكبار السن (ويعرفون عمرياً فى العادة بأنهم كل من بلغ السادسة عشر أو الثامنة عشر عاما فما فوق).