إرادة
الإرادة هي تصميم واعٍ على أداء فعل معين، ويستلزم هدفاً ووسائل لتحقيق هذا الهدف، بالإضافة إلى العمل الإرادي، وليد قرار ذهني سابق.
أوضح إنجلز أن حرية الإرادة لا تعني شيئاً إلا المقدرة على اتخاذ القرارات بمعرفة الذات. أن الطابع الإرادي لفعل ما، يظهر بوضوح شديد حينما يتعين على شخص أن يتغلب على عقبات معينة، خارجية أو داخلية، ليحقق هدفه والمرحلة الأولى لفعل إرادي تكمن في وضع الهدف واستيعابه، ويتبع هذا قرار الفعل واختيار أنجح وسائل الفعل. ولايمكن وصف فعل بأنه فعل إرادة إلا إذا كان تنفيذاً لقرار ذاتي، وقوة الإرادة ليست منحة من الطبيعة، فالمهارة والمقدرة في اختيار هدف ما، واتخاذ قرارات سليمة وتنفيذها، وإتمام ما بدئ فيه هي ثمار معرفة وخبرة وتربية ذاتية.
تعريفات
يقول الشريف الجرجاني في كتابه التعريفات: «الإرادة صفة توجب للحي حالاً يقع منه الفعل على وجه دون وجه، فهي ميل يعقب اعتقاد النفع.»
يذهب المثاليون إلى أن الإرادة خاصية مستقلة عن المؤثرات والظروف الخارجية، في حين يرى الماركسيون أنها ثمرة المعرفة والتجربة والتربية؛ أما الرواقيون فيرون أن الإرادة أساس المعرفة والسلوك، لأنها جهد نفسي يقوم عليه الإدراك الذهني؛ وذهب ديكارت إلى أنه لا إرادة حيث لا استطاعة.[١]
الأنواع
إرادة الحياة
عند شوبنهاور جهد غريزي يحقق به كل كائن نموذج نوعه، ويناضل الكائنات الأخرى للحفاظ على صورة الحياة التي توافرت لديه، وهي غريزة أصيلة راسخة في الإنسان ومفروضة عليه بقوة قاهرة، فلا تستمد من الرأي أو الشعور الغامض بأن الحياة خير.[١]
إرادة الخير
استعداد المرء لبذل أفضل ما عنده من جهد لفعل الخير، وهي عند كانط إرادة العمل بمقتضى الواجب، والواجب وحده، دون اعتبار لمصلحة أو أنانية، فهي مستقلة استقلالاً تاماً، وتستمد ناموسها من ذاتها وحريتها من داخلها.[١]
إرادة القوة
تعبير قال به نيتشه في عنوان كتاب له، ومؤداه أن الصراع من أجل الوجود ينمو حتى يصير إرادة القوة، وهذه الإرادة هي الدافع الحقيقي إلى التطور، وهي عند نيتشه معارضة للعقل، وفلسفته كلها ضرب من الإرادية.[١]
الإرادة في القرآن
وردت مادة «راد» واشتقاقاتها في القرآن ( 132 ) مرة، وفي ( 45 ) سورة، منها ( 32 )سورة مكية، و( 13 )سورة مدنية.ومن أنواع الإرادة التي وردت :
- الإرادة الإلهية: كقوله تعالى : ﴿ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ﴾.
- الإرادة الإنسانية: وهي إما أن تكون إرادة في الخير قال الله تعالى :﴿ وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَىٰ لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَٰئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا ﴾ ، أو أن تكون إرادة في الشر، قال الله تعالى : ﴿ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا﴾.
- الإرادة الشيطانية : قال الله تعالى : ﴿ إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ﴾
اقرأ أيضاً
الإرادة
يعرفها معجم لالاند كما يلي ١: شكل الفعل الشخصي الذي يتضمن - في صورته الكاملة امثاا للفعل المراد احداثه، وقراراً وقتياً بالميل الى هذا الفعل، وتصور الاسباب الداعية الى انجازه او عدم انجازه، والشعور بقيمة هذه الأسباب، والتصميم على الفعل وفقاً لما تشير اليه واانتهاء الى التفنيد او الاقناع النهائي. وديكارت يقول: ٣الارادة تقوم فقط في انه من اجل ن نؤكد و ان ننفي، وان تواصل او ان نتجنب الامور التى يقترحها العقل علينا - نحن أن تفعل بحيث لا نشك ابدا في أن قوة خارجية ترغمنا على ذلك» ١ ديكارت: «التأملات»؛: V).
(٢) صفة للخلق تقوم في القوة المتفاوتة المقدار، والتي بها يبقي الميل، الذي يشعر به المرء انه هو هو عن وعي، ويصير فعلاً على الرغم من مقاومة ميول اخرى بالنسبة اليها يعد نفسه سلبياً، وبهذا المعنى يقال: «ارادة
ضعيفة، و« لديه ارادة»
(٣) وفي لأخلاق: الارادة هي استعداد اخلاقي للفعل على نحو معين إما بوجه عام، وإما في حالة معينة .
وبهذا المعنى الأخلاقي أثيرت مشكلة الارادة في الفلسفة منذ سقراط، وأفلاطون على النحو التالي : هل يفعل الانسان الشر ارادياً؟ وقرر كلاهم أن الانسان لا يفعل الشربارادته، بل عن جهل بالخير ومن ثم قالاإن الفضيلة هي العلم بالخير، ويكفي ان يعلم ما هو الخير لكي لا يفعا , الشر لكن ارسطو جاء فشكك في هذم النظرية، وقال إن الانسان قد يفعل الشر بارادته وعن علم بأنه شن (راجع: «ااخلاق الى نيقوماخوس» م٣ ف٥) ومن هنا يمكن التمييز بين الارادة الطيبة، والارادة السينة: فالأولى هي العزم الراسخ على فعل الخير، والثانية هي الإرادة الموجهة نحو فعل الشر . لقد رأى أرسطو أن لدى الانسان ارادة للخير وإذا امتزج هذا مع الحكم على ما يؤدي الى لخير في ظروف معينة، فإنه ينتج عن هذا: اختيار يإ1يإح1ة والمعايير التي رفقاً لها يتم الاختيار يمكن ان تختلف من شخص الى آخر وليست واحدة بين الناس جميعاً («الأخلاق الى نيقوماخوس» ص ١١١٢أ١٣-١٨).
وكما أن «الفضيلة تتوقف علينا نحن، فكذلك الرذيلة تتوقف علينا نحن، لأنه حيث لا يتوقف الأمر إلا علينا كيما نفعل، فإنه لا يتوقف إا علينا أيضاً الا نفعل، رمتى كنا تستطيع ان نقول : لا ! - كذلك نستطيع أن نقول: نعم! رتبعاً لذلك فإنه إذا كان فعل الخير يترقف علينا فكذلك يتوقف علينا فعل ما هو شائن، وبالعكس، إذا كان عدم فعل الخير يتوقف على إرادته، فإن فعل الشر يتوقف عليها أيضا» («الأخلاق الى نيقوماخوس» م٣ ف٦)٠
أما المفكررن المسيحيون في عصر الآباء ثم في العصور الوسطى فقد استلهموا : «سفر التكوين ل ورسائل القديس بول من ناحية، واستندوا من ناحية اخرى الى ارسطو، ومن أوائل من عالجوا مسألة حرية الإرادة القديس ارغسطين في كتابه: «في حرية الارادة» (مجموعة الآباء اللاتينية 1? ج٣٢، عمود ١٢٣٥ ، ١٢٤٠، ١٢٤١» وكتابه (ام ج٣٢
عمود ٥٩٦)، ثم يوحنا الدمشقي في كتابه «الدين المستقيم» (مجموعة PG ج ٩٤). وقد أكد اوغسطين حرية الاحتيار.
وقال القديس أنسليم (من كنتربري) أن حرية الارادة هي القدرة على المحافظة على الارادة المتحيزة («الحوار حول حرية الارادة PL ج١٥٨ عمود ٤٩٤) بينما قال أنسليم اللاؤني إن حرية القرار هي «القدرء على فعل الخير او الشر» ورأى أن الملائكة والمسيح كانوا قادرين على استعمال هذه القدرة ينوعيها، لكن الملاثكة وحدهم هم الذين استعملوها (ابليس)، بينما المسيح م يستعملها وان كان يملكها. وبرأي أنسليم اللاؤني أخذ القديس ألبير الكبير، ولكنه أنكر ان يكون الله او القديسون قادرين على فعل الشر، وإن كان ذلك لا يسلبهم حرية فعل الشر بالامكان العام (ألبير الكبير الخلاصة في الانسان Summa de homine من ٥٨٥ -٥٨٦، ٥٨٩- ٩٠ه).
أما القديس توما الاكويني فاتخذ في هذا الموضوع مواقف متباينة طوال حياته. ابتداء من شرحه على كتاب «الأقوال» لبطرس اللومباردي» مروراً بكتاب «في الحقيقة» وشرحه على كتاب «الأخلاقا لارسطو، حتى كتابه «الخلاصة للاهوتية" في اخريات عمره، ففي الكتب الثلاثة الأولى أكد أن الارادة تهدف إلى الخير، أما في «الخلاصة اللاهوتية» فإنه مي: بين القدرة العقلية، والقدرة الارادية. وقال إن للعقل الدور الأكبر في الأفعال الأخلاقية، لأن العقل هو الذي يحدد اهداف الارادة وهكذا أكد ان الارادة إنما تفعل بحسب توجيهات العقل
لكن في النصف الثاني من القرن الثالث عشر اتخذ المفكرون المسيحيون المنتسبون الى طريقة القديس فرانسيسكو الأسيزي موقفاً متعارضاً تماماً مع موقف القديس توما الاكويني، إذ جعلوا للارادة المقام الأول، وبهذا وضعوا اول صورة لمذهب |لاراددلح]ال١00 فجاء رالتر الذي هو من بروجه Walter de Bruges وميز بين الارادة الطبيعية - وهي الشهوة السلبية التي تميل الى الخير، وبين الارادة الحقيقية التي لها القدرة على الحكم رالتفريق، وهي ثقة ايجابية تقدر على أن تقبل، او ترفض ما يقدمه العقل لها. وهذه الإرادة مستقلة عن العقل -
كذلك قال جيوم دلامار Guillaume de la Mare أن للإرادة قدرتين : ايجابية وسلبية : سلبية من حيث ان عليها ان تتلقى موضوعها من العقل، وايجابية من حيث أنها تحرك نفسها وتحرك سائر اجزاء النفس.
وحاول يجيدوس الذي من روما Gilles de Rome أن يوفق بين توما الاكويني وبين هؤلاء الفرنسيسكان، فقال إنه حين يقدم العقل الى الارادة الخير المطلق، فإن الارادة لا تملك إلا لأخذ به، لكن الارادة حرة في التحكم في أفعالها هي حينما يكون هناك مجال للاختيار بين درجات نسبية من الخير: انها هنالك تستطيع أن تأخذ بالأوجه الخيرة او الشريرة للأمر الذي يقدمه العقل
لكن أكبر انصار مذهب «الارادية» هو يوحنا دونس اسكوت Jean Duns scot. لقد نظر الى المشكلة من حيث التقابل بين نظام أو مذهب الطبيعة، وبين نظام ال مذهب الحرية. فالعقل لانساني الواحد ذو الموضوع الواحد لا يمكن أن ينتسب الى كلا النظامين (أو المذهبين) في وقت واحد، إنه لا يكن أن يكون ناتج الضرورة الطبيعية، وفاتج حرية الارادة في وقت واحد معاً. وفي الله لا يمكن ان تجتمع حرية الارادة والضرورة معا: إن الم يحب بالضرورة اللامتناهية، وليس الأمر كذلك بالنسبة الى الارادات المخلوقة. قحب الله وارادته هما عين ماهيته، أما حب الإنسان وارادته فليس عين ماهيته. والارادات الانسانية لا تحتاج الى التشوق الى الغرض الذي يقدمه اليها العقل الانساني، ان في استطاعتها أن تفعل، ولا تفعل، وفي وسعها ان تفعل على النحو الذي وجب لها. والارادة هي التي تتحكم في سائر الاستعدادات(أو القدرات) الانسانية فالارادة اذن اسمى من العقل، لأنها هي التي تتحكم في العقل، لأن المحبة charité أسمى من المعرفة، والخير أسمى من الحقيقة (دونس اسكوت: Questiones quodlibetales ١٤- ٢١).
وبمثل هذم النظرية قال وليم الأوكامي. لقد تصور حرية الارادة بمعنيين: الأول هو الاستقلال عن القهر، والثاني هو تلقائية الفعل، إن الارادة حرة، وهي قدرة فعالة، تستطيع ان تشتهي والا تشتهي ما يقدم اليها من جانب العقل. وللارادة حرية في اختيار غرضها، كما أنها
حرية اختيار الوسائل المؤدية الى تحقيق غرضها. أن الطبيعة محكومة بالقوانين المفروضة عليها، أما الانسان فلا ينتسب الى نظام الطبيعة، وإنما ينتسب الى نظام الحرية.
وفي العصر الحديث نجد أولاً ديكارت، الذي اتخذ موقفاً قريباً من موقف دونس اسكوت، من حيث توكيد دور الارادة في الأحكام إذ يرى ديكارت أن العقل لا يخطىء، وإنما يحدث الخطأ بسبب لارادة. فالمسؤول عن الوقوع في الخطأ هو لارادة، ما دام العقل قد توصل الى أفكار واضحة متميزة. إن العقل لا يخطى ابداً من حيث هو عقل، ودوره هو تأمل الأفكار وعلاقاتها بعضها ببعض، والبحث عنها حينما لا تتوافر لديه. اما الإقناع فهو من عمل الارادة، ولهذا فإن المسؤولية تقع عليها في حدوث الخطا، ومن هنا كان الدور الكبير الذي يعزوه ديكارت الى الارادة في مواجهة العقل
يقول ديكارت في التأمل الرابع من «تأملاته»: أما اذا تأملت في نفي عن قرب، وأدركت ما هي أخطائي (وهي وحدها التي تشهد على أن عندي نقصاً) فإنني أجد انها تتوقف على تضافر سببين: هما قوة المعرفة التي في باطني، وقوة الإختيار أي حرية إرادتي، أعني عقلي وارادتي معاً . ذلك لأنه بالعقل وحده أنا لا أوكد ولا أنفي أي شيء بل اتصور فقط الأفكار عن الأشياء، راستطيع ان أذكرها او ان انفيها، وإذا تأملتها على هذا النحو يمكن القول أنه في العقل لا يوجد اي خطأ، بشرط ان نأخن كلمة: «خطا» بمعناها الصحيح. رعلى الرغم من وجود ما لا نهاية له من لأشياء في العالم، مما ليس وفي ذهني أي فكرة عنه، فإنه لا يمكن أن نقول بسبب هذا إنه محروم من هذه الأفكار كشيء راجع الى طبيعته، بل ينبغي ان يفال فقط إنه لا يملكها، لأنه لا يوجد أي دليل على أن الله كان عليه أن يهبني رؤية أكبر وملكة أقوى على المعرفة من تلك التي وهبني إياعا. . وإذا فحصت عن الذاكرة، أو الخيال، أو أية ملكة أخرى، فإني لا أجدعا إلا صغيرة جداً ومحدودة. بينما هي في لم كبيرة جداً را متناهية. اللهم إا الارادة وحدها، فإني أشعر بأنها في كبيرة جداً الى درجة أنني لا أستطيع أن أتصور في نفي فكرة أكبر منها واوسع، حتى
إنها هي التي تجعلني اعرف أنني أحمل صورة التشابه مع اله. ذلك لأنه على الرغم من أنها في الش أكبر جداً مما عي في أنا - إما من حيث المعرفة أو من حيث القدرة، وهما مرتبطتان مما يجعلهما أكثر رسوخاً وفعالية، وإما بسبب الموضوع، بقدر ما تتعلق الارادة بالكثير من الأشياء (مجموع مؤلفات ديكارت، نشرة آدم وتانري، ج٩، ص٤٥ - ٤٦، باريس١٩٧٣). والفارق بين الارادة الالهية والارادة الانانية هو أن الارادة الالهية تخلق الوجود وما فيه من حق وخير، بينما الارادة الانسانية لا تستطيع ذلك.
وبعد ديكارت جاء اسبينوزا فأكد أولاً الفارق بين الارادة والعقل عند الانسان، وقال إنهما لا يشتركان إلا في الاسم فقط (اسبينوزا: «الأخلاق» ق١ ، القضية رقم ١٧، الحاشية) ثم رد بعد ذلك الارادة الى العقل ولهذا قال ان التصور المسيحي لعملية الحق، بوصفه فعل حرية مكلفة، تصور باطل «لأن الارادة لا يمكن أن تسمى علة حرة، بل هي علة ضرورية» (الكتاب نفسه، القضية رقم ٣٢) ويجب أن تشارك في ضرورة الفكر. ومن هنا ينتج أن «الله لا يفعل عن ارادة حرة، وإنما يصدر كل شيء عن الله عن ضرورة باطنة في طبيعته، وتلك هي الطبيعة الطابعة nature naturans ، التي منها مصدر الطبيعة المطبوعة nature naturata أي الوجود. وبالجملة يهاجم اسبينوزا رأي ديكارت وآراءه في سيادة الارادة على العقل، ويرد الارادة الى العقل.
وهنا نصل الى امانويل كنت الذي عني خصوصاً بدور الارادم في الأخلاق، ومن هنا بحث في علاقتها بالخير والشر، وبحث في النيات. وأوسع ما كتبه في موضوعها هو ما ورد في كتابه: «نقد العقل العملي، وهذا طبيعي لأنه بحث في الأخلاق
يتحدث كنت عن «الارادة المحضة» في مقابل «العقل المحض» ، ويقول: •إن الحقيقة الموضوعية لارادة محضة - أو وهو نفس الشيء - لعقل محض عملي، تقوم في القانون الأخلاقي، المعطى قبلياً a Priori بواسطة واقعة لأنه هكذا يمكن أن نسمي تحديد الارادة، الذي هو أمر لا مفر منه، وإن لم يقم على مبادى: تجريبية. وفي تصور الارادة يوجد، متضمناً من قبل تصور عيه، مع حرية، أعني عيه غير قابلة للتحديد
بوا سطة القوانين الطبيعية، وتبعا لذلك فإنها ليست قابلة لعيان تجريبي كبرهان على حقيقتها الفعلية . ومع ذلك فإنه في القانون العملي المحض القبلي، فإنها تبرر تبريراً كاملا، حقيقتها الموضوعية، لا من أجل( ومن السهل ادراك هذا) الاستعمال النظري، بل فقط من أجل الاستعمال العملي. وتصور موجود له ارادة حرة هو تصور لعلة في ذاتها Causa noumenon وبهذا يتأكد المرء أن هذا التصور لا يناقض نفسه بنفسه من جراء ان تصور علة على أنها صادرة عن الذهن المحض، ومضمن من حيث حقيقته الموضوعية فيما يتعلق بالموضوعات بوجه عام بواسطة لاستنباط، ومستقل ذهنياً بسبب اصله عن كل لاحوال المحسوسة، وليس محصوراً في الظواهر (اللهم إلا اذا تعلق الأمر باستعماله استعمالاً نظرياً معيناً) - يمكن قطعاً أن يطبق على الأشياء من حيث هي موجودات للذهن محضة». (كنت: «نقد العقل العملي»، ترجمة فرنسية ص ٦٨، باريس ١٩٧٤).
ولتفسير هذا النص نقول إن كنت يميز بين نطاق فعل العقل النظري المحض، ونطاق فعل العقل العملي المحض: فبينما العقل في استعماله النظري ملزم بعدم تجاوز حدود التجربة، وسيضل إن هو جاوزها بحثاً عن موضوعات غير ميسورة له ادراكها، فإن العقل في استعماله العملي يستطيع أن يكفي نفسه بنفسه وأن يحدث موضوعه وبالتالي فإن له حقيقة موضوعية، لأن الارادة هي القدرة إما على انتاج موضوعات مناظرة للامتثالات، وإما القدرة على أن تحدد نفسها بنفسها وتحقق هذم الموضوعات أي القدرة على أن تكون علة، أي عندها القدرة على الخلق والابداع، وهو الأمر الذي لم يكن في مقدور العقل النظري. وبالجملة، فإنه بينما شكل المعرفة في الاستعمال النظري للعقل، يجب أن يتلقى مادته من الخارج، أي من العيان التجريبي، فإنه في الاستعمال العملي للعقل، نجد أن العقل، بما له من معرفة، يضع المادة في نفس الوقت الذي فيه يضع الشكل الخاص بموضوعه.
والشكل هو القانون الذي يهيمن على الارادة الخيرة التي لا تتوقف على العاطفة او اللذة او المصلحة. ان الارادة الخيرة هي الواجب، وهي الأمر المطلق الذي يطالب بأن يتم الفعل احتراماً للقانون الذي يقول: «يجب
عليك لأن هذا واجب عليك» وهو الذي يأمرنا بأن نفعل دائماً بحيث نكون - في وقت واحد معاً - خاضعين لتشريع كلي في ملكوت الجنات التي فيها تعامل الانسانية من حيث هي غاية، وليس ابداً من حيث هي وسيلة.
والقانون الأخلاقي هو السبب في حريتنا، والحرية هي السبب في وجود القانرن الأخلاقي
ولم يبلغ توكيد لارادة أوجه عند فيلسوف مثلما بلغ عند فشته Fichte يقول فشته: «إني أجد ذاتي، من حيث هي ذاتي، كإرادة فقط» فالارادة هي التي توجهني نحو المبدأ الأول لوجودي، رهي التي تهبني المعنى الحقيقي للذاتية المحضة. "إن التجلي الوحيد الذي استشعر به في الأصل هو الارادة، وفقط حين أشعر شعوراً جلياً بأنني أريد، هنالك فقط أصبح واعياً بذاتي» (نظرية العلم) فالارادة اذن هي السبيل الوحيد المؤدي إلى ادراك الذات.
وجاء مين دي بيران فنقل مشكلة «الارادة» من ميدان الميتافيزيقا الى ميدان علم النف، لقد رأى أن الواقعة الأصلية ليست هي الفكر، كما قال ديكارت، بل «المجهود» L effort ، أي المجهود الذي تقوم به الارادة من جل التغلب على مقارمة، هي مقاومة الجسم في الوحدة المعنية للشخصية الانسانية. وفي هذه الواقعة الأصلية يرجد أيضاً المعنى الأرلي للعلية. يقول بيران: «لاشك في أن الانان يتجلى في الاحساس الباطن بالمجهود او الحركة الارادية التي تدركها النفس في الباطن كناتج نشاطها، ومعدل علته هي الارادة(مين دي بيران: «العلاقة بين المادي والمعنوي في الانسان"، القسم الأول، بند٢) والمقاومة هي أيضاً قوة عضوية للحياة الجسمية، تبقى خارج الوعي، لأنها لا تنعكس على نفسها. «إن فكرة التجلية نمطها الأول والوحيد يوجد في السكون بالأنا، ممتلاً في المجهود"، فالتجربة الأصلية للارادة هي مصدر فكرة العقلية، كما انها مصدر فكرة الحرية. إن •الكوجيتو» (أنا أفكر اذن أنا موجود) عند بيران هو: أنا اريد. والمجهود يمارس مباشرة على القصور الذاتي للجسم العضوي حتى أن الواقعة الأولية هي اضافة: فحيث لا مجهود لا توجد مقاومة. وتبعاً لذلك فإن الجسم حاضر في: •أنا اريد».
وعند شوينهور عادت «الارادة» لتحتل المكان
لأول في التفكير الميتافيزيقي إذ رأى ان «الشيم في ذاته» الذي تحدث عنه كنت ولم يستطع تحديده هو الارادة، وانتهى الى القول بأن العالم امتحال وارادة - على حد تعبير عنوان كتابه الرئيسي - ولم تعد "الارادة» محصورة في علم الأخلاق، بل صارت هي الأساس في تصور الوجود والكون والعالم ولم تعد الارادة مجرد صفة او وظيفة للفكر. وتتصف الارادة بثلاث صفات مميزة: الأولى انها واحدة، والشانية انها لا يمكن أن تفنى، والثالثة: أنها حرة-
إن ارادة الحياة هي - عند شوبنهور - الشيء في ذاته، الحاضر دائماً في كل شيء حضوراً مجلياً رهي اندفاع اعمى لا يقاوم، يدفع بالضرورة كل الموجودات نحو الفعل. وكل حركة للجسم هي فعل للإرادة، والعكس بالعكس، حتى ان الجسم ما هو إلا الارادة متجسدة. والارادة هي المعرفة القبلية a Priori للجسم، والجسم هو المعرفة البعدية a a Posteriori للارادة («العالم ارادة وامتثال» ج١ص ١٥٠-١٥٤)، والارادة، في مجموعها هي ارادة الحياة بكل ما تتضمنه. فهي في الانسان مبدأ وجوده، وجوهره الذي لا يفنى، وهي سابقة على الوعي وعلى العقل وقد حاول شوبنهور في كتابه: «الارادة في الطبيعة» أن يبين وجود الارادة وهي تعمل عملها في العالم في المادة اللاعضوية، كما في قوة الانبات في النبات، وفي تركيب كل كائن. ونقتصر على هذا القدر من البيان، ونحيل القارى ء الى كتابنا: «شوبنهور» (طا سنة ١٩٤٢، القاهرة وطبع بعدذلك مراراً).
واستبدل نيتشه بارادة الحياة التي قال بها شوينهور -إرادة القوة، بمعنى أن جوهر العالم هو النزوع الى المزيد من القوة إن الحياة تريد الفيض، والتوسع وازدياد القوة باستمرار. يقول نيتشه في كتابه: «هكذا تكلم زرادشت]: «لقد أفضت الحياة إلي بهذا السر؟ أنا من يجب عليه دائماً أن يتجاوز ذاته» «إن الإنسان شيء يجب أن يعلى عليه» وقد عرضنا في كتابنا «نيتشه»(ط١ القاهرة ١٩٣٩، وطبع بعد ذلك مراراً، نظرية ارادة القوة فنجتزىم بالاحالة إليه.