أريستوفان
أريستوفان أو أريستوفانس (بالإنجليزية: Aristophanes؛ باليونانية القديمة: Ἀριστοφάνης؛ 446–386 ق.م. تقريبا) مؤلف مسرحي كوميدي يعتبر من رواد الكوميديا القديمة في اليونان القديمة وعميد الملهاة وأشعر شعرائها. بلغت مسرحياته نحوًا من أربعين، لم يصل لنا منها إلا إحدى عشرة مسرحية. وفيها يسخر من كل أنواع البشر بما فيهم الشخصيات المعروفة أمثال سقراط الذي كان يعدّه صديقاً، كانت مسرحياته تغص بالنكات والمبالغات والنقد السياسي اللاذع على الرغم من إلباسها بمهارة فائقة ثوب العبارات الهزلية.
وفي ملهاة أريستوفانس كان يمتزج آخر أحاديث المدينة وأحداثها بالخيال الخصب، كما تختلط فيها الأهداف الفلسفية والسياسية بأدنى درجات الخلاعة والمجون، فكل قول جائز وكل فعل مقبول، وتظهر الشخوص في صور الحيوان، على حين يرتدي الممثلون أردية هزلية تضيق عند الأفخاذ، كما تظهر عوراتهم في وضوح كرمز للإخصاب. كذلك كانت الأقنعة مضحكة غاية في التطرف، بيد أن ثمة هدفًا كان يكمن وراء الملهاة، وكان أريستوفانس معاصرًا لأوريبيديس ذي الأفكار التقدمية الذي كان يهدف من وراء مأساته إلى نقد العقائد مسفها التقاليد وناحيًا إلى تحرير الفكر، بينما كان أريستوفانس يرمي من وراء فكاهته ومرحه وهزله إلى نقد الجيل التقدمي المنحل ورده إلى التمسك بالتقاليد والعرف السائد واحترام الآلهة وتقديسهم.
حياته الشخصية والأدبية
كان ينتمي إلى أسرة مثقفة غنية من طبقة ملاك الأراضي في أثينا، وكان في عنفوان الشباب حين دارت بين أثينا وإسبرطة حربا أضحت فيما بعد موضوعاً مشئوماً لمسرحياته وأخذ يندد بهذا التطاحن الذي يقتل فيه اليوناني أخاه، ويدعو في كل مسرحية يكتبها إلى السلم.
وحين أصبحت السـلطة العليا في أثينا عام 429 ق.م. في يدي كليون Cleon دابغ الجلد الغني ممثل المصالح التجارية التي تدعو إلى القضاء قضاءً مبرماً على إسبرطة منافسة أثينا في السيادة على بلاد اليونان، سخر أريستوفان في مسرحية له مفقودة تدعى “البابليون” سخريةً لاذعة من كليون وأساليبه السياسية قدم بسببها إلى المحاكمة بتهمة الخيانة وحكم عليه بغرامة. وثأر أريستوفان لنفسه بعد عامين من هذا الحكم بإخراج مسرحية «الفرسان»، وكانت أهم شخصية في هذه المسرحية هي شخصية ديموس Demos (أي الشعب)؛ وكان لديموس هذا رئيس خدم يدعى “الدباغ”. ولم يكن أحد يجهل من المقصود بهذه الألقاب حتى كليون نفسه الذي كان ممن شاهدوا المسرحية. وكان الهجاء فيها لاذعاً شديداً إلى حد امتناع الممثلين جميعاً عن تمثيل دور الدباغ خوفاً.
كما هاجم أريستوفان كذلك أصحاب الفكر الجديد -في ذلك الوقت- من السفسطائيين، وجرّح أفكارهم ورماهم بأقذع التهم، ولم يترك أي فرصة تمر في مسرحياته دون أن يستثمرها لتسفيه الفلاسفة بوجه عام، وفي مقدمتهم سقراط مثلما فعل في مسرحية «السحب».
أعماله
يعتقد أنه ألَّف نحو خمسين مسرحية تغطي جوانب الحياة الأثينية في زمنه، ولم يبق منها إِلا إِحدى عشرة هي:
- أهل أخارناى Acharnians (425ق.م): كانت أول ملهاة قدمها أريستوفانس ضمن مرحها المجلجل الذي لم يتحرج عن إثارته باستخدام بعض الاشارات الماجنة البذيئة - هجومًا على الحرب التى كانت دائرة أيامها، وأن يسخر من أوريبيديس الذي كان يعيب عليه خروجه على التقاليد، وأن يكشف الكثير من الحيل التي يخدع بها الحكام العامة.
- الفرسان (مسرحية) Knights (424ق.م): يتابع أريستوفانس في هذه المسرحية هجومه على الحرب، رغم أنه كان أقل مرحًا وأعلى صوتًا وإعلانًا لغضبه على الحرب.
- السحب (مسرحية) Clouds (423 ق.م): يترك أريستوفانس في هذه المسرحية السياسة جانبًا، لينزل إلى خضم الفلسفة، مستهدفًا تسفيه فلسفة السوفسطائيين Sophists، وإن كان قد اختار لهم سقراط، وهو ما يمثل اختيارًا بعيدًا عن التوفيق.
- الزنابير (مسرحية) Wasps (422ق.م): قدم في هذه المسرحية جرعة من المرح الرقيق المتسم بالعمق في نقده الاجتماعي حيث يهاجم المحلفين الذين يعبثون في عالم السياسة.
- السلام (مسرحية) (421ق.م)
- الطيور (مسرحية) Birds (414ق.م.): عندما اقتربت أثينا من محنتها لتشهد مصرع ديموقراطيتها لاذ أريستوفانس بالخيال والأحلام محاولاً التعبير عن اشمئزازه من الواقع، فلجأ إلى ابتكار شخصية المواطن الأثيني العاقل في ملهاة «الطيور» الذي يسخر من حماقات الساسة، ويتساءل لم لا تتولى الطيور حكم العالم فتشيد مدينة في الفضاء يكون لها السلطان على الآلهة .
- ليسستراتي (مسرحية) Lysistrata (411ق.م): يعود أريستوفانس في هذه المسرحية إلى الضحك من جديد وإن كان ضحكًا مزوجًا بالمرارة، فليزيستراتا الأثينية تحاول وضع حل للحرب بأن تتعهد نساء المدن المتحاربة بالامتناع عن الاتصال الجنسي بأزواجهن حتى يقلع الرجال عن الحرب. وهي مسرحية مضحكة ومسلية للغاية، ولكنها كذلك محاضرة في عدم فائدة الحرب. والفكرة وإن بدت إنسانية بسيطة إلا أنها ترتبط بقدر من فلسفة اللذة التي تبعث على التطلع المستمر إلى استيفاء الرغبات وتحقيقها، كما ترمز إلى لهفة الرجال إلى نسائهم. والملهاة محتشدة بالحيل الآدمية الطريفة التي استخدمتها ضعيفات الإرادة من النساء للتحايل على التحلل من عهدهن لليزيستراتا ومحاولات الرجال استرجاع نسائهم، كل ذلك في أسلوب فكه لاذع ومرح ساخر.
- النساء في أعياد الثيسموفوريا (مسرحية) (411ق.م)
- ملهاة الضفادع Frogs (405ق.م): تبدأ ملهاة «الضفادع» بقلق الإله ديونيسوس على المسرح بعد وفاة أوريبيدس فيقرر القيام بزيارة لعام الموتى طامعًا في إعادة أوريبيديس إلى عالم الأحياء. وهناك تثور منافسة بين أوريبيديس وأيسخولوس، ويزنان أبياتهم الشعرية على كفتي ميزان هائل ترجح عليه كفة أيسخولوس على كفة أوريبيديس. وهكذا تتجلى مناصرة أريستوفانس لأيسخولوس المحافظ ونهجه المتشدد، فيجعله يعود إلى الحياة ليصلح عالم المسرح الذي خربه أوريبيديس.
- برلمان النساء (مسرحية) (392ق.م): وفي معالجة فريدة رقيقة تناول أريستوفانس في مسرحية «إكلسيا زوسيا» Women in assembly أو «جمعية النساء» موضوع قيام النساء بثورة تهدف إلى إقامة دولة شيوعية حقيقية تقوم على ملكية جميع المواطنين لثروة البلاد وإباحة الحب للجميع بلا تمييز على أن تقدم العجائز والدميمات على الفتيات والحسان. ونراه يسخر من هذه الأفكار في مرح شائق، كما سخر من أفلاطون دون أن يذكر اسمه ومن الاتجاهات الشيوعية التي ظهرت في «جمهورية» أفلاطون، وفيها يجلو وجهة نظره فيما يترتب على تطبيق النظام الشيوعي من إفساد للمجتمع وما ينتج عنه من الانحلال والخداع في معاملات الناس بعضهم لبعض.
- بلوتوس (مسرحية) (388ق.م).