هبة نيسان 1989
هبّة نيسان هي فترة من الاحتجاجات والمظاهرات الغاضبة التي شهدها الأردن في 15 نيسان / أبريل 1989 والأيام التي تلته أثناء شهر رمضان، حيث بدأت في مدينة معان جنوب البلاد وسرعان ما انتقلت إلى باقي المدن كالكرك والسلط وإربد، نتيجة للظروف الاقتصادية السيئة التي كان كانت البلاد تعاني منها وانخفاض سعر صرف الدينار الأردني في نهاية حرب الخليج الأولى، بالإضافة إلى قرار الحكومة برفع الأسعار. ولكن هذه المظاهرات سرعان ماتطورت إلى المطالبة بالحريات العامة وإسقاط الحكومة وبقانون للأحزاب في البلاد بعد أن انتقلت إلى مرحلة الاشتباكات المسلحة مع رجال الأمن الذين قمعوا المتظاهرين وأصابوا الكثير منهم.
أدت هذه المظاهرات إلى إقالة الحكومة الأردنية برئاسة زيد الرفاعي، وتكليف الملك الراحل الحسين بن طلال للأمير زيد بن شاكر بتشكيل حكومة جديدة. كما تم إجراء انتخابات برلمانية وتشريع العمل للأحزاب الأردنية وإلغاء قانون الطوارئ الذي كانت تعيشه البلاد منذ نكسة 1967. يرجع الكثير من المراقبين إلى أن هذه المظاهرات هي سبب نشوء الحريات العامة في البلاد وظهور الأحزاب إلى العلن بعد منعها لعقود. ______________________________________________________________________________________________
أحداث "هبة نيسان" 89
ففي الخامس عشر من نيسان قرر مجلس الوزراء برئاسة رئيس الوزراء آنذاك زيد الرفاعي تعديل اسعار بعض المواد والسلع، وذلك تنفيذا لقرار المجلس بمعالجة العجز في الموازنة بزيادة واردات الخزينة وضبط النفقات، حيث ان مجلس الوزراء وبعد أن اطلع على تنسيبات لجنة المالية والتخطيط والتجارة والصناعة والتموين، وافق على تعديل اسعار السلع التالية: اسطوانة الغاز من دينار و800 فلس إلى دينارين، لتر البنزين الخاص من 210 فلسات إلى 270 فلسا، لتر البنزين العادي من 180 فلسا إلى 220 فلسا، وقود الطائرات.. والسولار والكاز من 65 فلسا للتر إلى 75 فلسا. كما قرر زيادة الجمارك على المشروبات الكحولية وتعديل اسعار المشروبات الغازية، والمعدنية واسعار السجائر، وتعديل رسوم ترخيص وتسجيل المركبات. وبحسب ما جاء في تقرير اصدرته لجان الدفاع عن الحريات الديمقراطية في الأردن بعد يوم الاثنين 24 نيسان 1989 فإن الملاحظ من هذا القرار أنه شمل المحروقات بشكل اساسي وسلعا أخرى ليست اساسية كالسجائر والمشروبات الكحولية والاحداث اللاحقة بينت ان المحروقات هي المحرك الاساسي للناس.
تقول يوميات الاحداث كما وردت في ذلك التقرير الخاص بتلك الاحداث أن الاحتجاجات بدأت صباح يوم الثلاثاء الموافق 18 نيسان في مدينة معان، عندما قام خمسة عشر سائقا بالتعبير عن سخطهم على الارتفاع الجديد والكبير في أسعار المحروقات، واخذوا يدعون الناس للتضامن معهم، وبسرعة التف حولهم آلاف المواطنين، وراحوا يهتفون ضد السياسات الحكومية.تصدت قوات الامن للمتظاهرين - كما جاء في التقرير- وأوقعت في صفوفهم العديد من القتلى، مما جعل المتظاهرين يستبسلون في الدفاع عن أنفسهم، وقام الامير الحسن في نفس اليوم بزيارة المدينة لاحتواء الانتفاضة -حسب التقرير- من دون أن يعرب عن نية الحكومة التراجع عن قراراتها والاستجابة لمطالب المتظاهرين.
بعد الافطار -شهر رمضان- استأنف المتظاهرون تحركاتهم، وامتدت الاحتجاجات إلى مدن وقرى محافظة معان، كالشوبك، وادي موسى، الحسينية، النقب، الجفر، والى مدينة الطفيلة وقراها، التي شهدت مواجهات عنيفة بين المواطنين وقوات الامن -حسب التقرير-، ادت مواجهات الطفيلة إلى مقتل أحد المتظاهرين واعتقال العشرات منهم.
اليوم الثاني الاربعاء 19/4/1989 نتيجة عدم استجابة الحكومة لمطالب المتظاهرين، ودفعها باعداد اضافية من القوات والمدرعات إلى داخل المدن، استمرت المظاهرات في معان، الحسا، الجفر، البتراء، القويرة، والطفيلة وقراها، وامتدت إلى مدينة الكرك وقراها، خاصة بلدة المزار، القصر، غور الصافي، فقوع، الربة، والجديدة، إضافة إلى خروج طلاب الجامعة الأردنية واليرموك والعلوم والتكنولوجيا بمظاهرات صاخبة.
قدم المتظاهرون في الكرك عريضة موقعة من ثلاثمائة شخصية في المحافظة، بينهم نائب الكرك في البرلمان د. رياض النوايسة، ورئيس المدينة د. عبد الله الضمور، طالبوا فيها بتخفيض الاسعار ووضع حل مناسب للأزمة الاقتصادية يستجيب ومصالح الفئات الشعبية، وتشكيل حكومة منبثقة عن انتخابات نيابية نزيهة، ومحاسبة المقصرين في الأجهزة الحكومية واعادة الاموال العامة التي نهبها كبار المسؤولين، وتحويل قرار فك الارتباط مع الضفة الغربية إلى سياسة ثابتة على قاعدة التضامن الكامل مع الشعب الفلسطيني وانتفاضته الباسلة.
وتقول "اليوميات" ان الحكومة بدلا من أن تتفاوض مع المحتجين حول مطالبهم، شددت من حملاتها القمعية ضد المواطنين، وتسببت في استشهاد ثلاثة منهم في المزار الجنوبي، وقامت باعتقال أكثر من ثلاثمائة مواطن في محافظة الكرك، وفي نفس اليوم الاربعاء اندلعت مظاهرات طلابية حاشدة في الجامعات الأردنية واليرموك والعلوم والتكنولوجيا، داخل حرم الجامعات، طالب فيها المتظاهرون بالاستجابة لمطالب التحرك الشعبي في المدن والقرى، ونددوا بسياسات الحكومة، ولكن قوبلت الاحتجاجات الطلابية بالقمع والملاحظات والاعتقالات.
اليوم الثالث - الخميس الموافق 2 نيسان 1989 استمرت المظاهرات واعمال الاحتجاج الشعبي في الكرك والطفيلة ومعان وقراها، وامتدت الفعاليات إلى مدينة مادبا وقراها، خاصة ذيبان، وماعين، ومن ثم امتدت المظاهرات إلى مدينة السلط، والجامعات الثلاث، واعتقلت السلطات في هذا اليوم عددا كبيرا من أبناء الكرك، والسلط، والطفيلة، ومعان، ومادبا وطلبة من الجامعات.
اليوم الرابع - الجمعة 21 نيسان 1989 استمرت المظاهرات في مدن وقرى الجنوب، واشتدت بشكل واضح في مدينة السلط وبلدات الفحيص، ماحص، ناعور، بيادر وادي السير، عين الباشا وقرى العدوان وحي الطفايلة وحي المعانية في عمان، وامتدت لاحقا إلى مدينة عجلون والى الطيبة وايدون، وكفر اسد في الشمال، والى عدد من المناطق التي تسكنها عشائر بني حسن في المفرق والزرقاء.
سقط في هذا اليوم العديد من الجرحى في مدينة السلط، وتم اعتقال اعداد كبيرة من مواطني المدينة وبلدات الفحيص وماحص وناعور وعين الباشا.
اليوم الخامس - السبت 22 نيسان 1989 اشتدت المظاهرات في مدينة السلط، وامتدت حركة الاحتجاج إلى قرى مدينة اربد حوشا، الطيبة والزمال، ونفذت السلطات حملة اعتقالات واسعة في هذه البلدات، وشددت من حصارها لمدن اربد والرمثا وجرش وفرضت نطاقا من الحواجز والمدرعات حولها، كما شهدت بعض أحياء عمان والجامعة الأردنية مسيرات احتجاج كرر المتظاهرون فيها مطالب الناس، وعبرت عن اصرارها وتمسكها بهذه المطالب، فيما واصلت السلطات عمليات الاعتقالات في عمان، مادبا، اربد والرمثا، وكان ابرز احداث اليوم العريضة التي رفعتها عشر نقابات مهنية من اصل احدى عشرة نقابة مهنية، هي نقابات المهندسين والمهندسين الزراعيين واطباء الاسنان والاطباء، الاطباء البيطريين، الممرضين، المحامين، الجيولوجيين، الصحافيين، والصيادلة، وكان من ابرز ما جاء في العريضة "ان المظاهرات التي اندلعت تعكس احتجاج الشعب على ظلم واستهتار حكومة كان امل الشعب ان تُستبدل منذ مدة، وتحل محلها حكومة تنبع من احاسيس قريبة من حياة الشعب ومشاكله وتتمتع بمصداقية وطنية.. الخ"، كما طالبت العريضة بمحاسبة الفاسدين والمفسدين لردع كل من تسول له نفسه التلاعب بمقدرات الوطن، وإناطة ذلك بحكومة ائتلاف وطنية قوية أمينة يراقبها برلمان منتخب بنزاهة.
اليومان السادس والسابع - الاحد والاثنين 23 و 24 نيسان،1989 استمر التوتر مخيما على المدن والقرى خلال اليومين بانتظار مدى استعداد الحكومة للاستجابة لمطالب الشعب، بانتهاج سياسات اقتصادية تستجيب لمصالح اوسع الفئات الشعبية وتشكيل حكومة وطنية منبثقة عن انتخابات نيابية حرة ونزيهة، فيما واصلت السلطات حملات الاعتقال وشددت من قبضتها القمعية على المدن والقرى.
الهدوء والاستقرار
عاد جلالة الملك الحسين بن طلال طيب الله ثراه إلى الوطن بعد أن كان في زيارة إلى الولايات المتحدة الأمريكية يوم الاحد في 23 نيسان، وكان واضحا ان تغييرات جوهرية ستحدث، فالاحداث كانت أكبر من أن يمر عليها رجل دولة مخضرم كالحسين طيب الله ثراه من دون اتخاذ اجراءات وقرارات مصيرية، وعلى اثر ذلك تم تكليف الشريف زيد بن شاكر بتشكيل حكومة، ضمت العين طاهر المصري نائبا لرئيس الوزراء ووزير دولة للشؤون الاقتصادية ومروان القاسم نائبا لرئيس الوزراء ووزيرا للخارجية، الشيخ عبد العزيز الخياط وزيرا للاوقاف، د. زهير ملحس للصحة والتنمية الاجتماعية، د. هشام الخطيب للطاقة، د. عبد الله النسور للتربية، د. ناصر الدين الاسد للتعليم العالي، ويوسف حمدان للبلديات، ود. عوض خليفات للشباب، وينال حكمت للسياحة، إبراهيم عزالدين وزير دولة لشؤون رئاسة الوزراء ود. عدنان بدران وزير زراعة، وغيرهم.
لكن سبق اقالة حكومة الرفاعي وتكليف الشريف زيد بن شاكر بتشكيل حكومة خطاب وجهه الحسين إلى الشعب الأردني، عبر شاشة التلفزيون مساء يوم الاربعاء في 26 نيسان، كان أهم ما فيه ان النية تتجه بسرعة لاجراء انتخابات نيابية، وان النية تتجه لمراجعة ما حدث أسبابا ومسببات لاستخلاص النتائج والعبر لكن الملك في الوقت نفسه ادان التخريب والحرق والتدمير والقتل، وأشار إلى الضائقة التي يعيشها الأردن وقال أنها ليست وليدة الصدفة أو انعكاسا لتوجه وطني معين، وأضاف "نعم، ربما وقع خطأ هنا، أو خطأ هناك نتيجة اجتهاد هذا المسؤول او ذاك، لكن المدقق المنصف في هذه الأخطاء لا يمكن ان يرى فيها الا عوامل هامشية اذا ما قورنت بحجم الضائقة التي نحن بصددها".
استقبل الأردنيون خطاب الحسين واقالة حكومة الرفاعي وتكليف الشريف زيد، والحديث عن انتخابات نيابية بارتياح، فمن دون ذلك ما كان للمتغيرات اللاحقة ان تأتي، خاصة المتعلقة بالانتخابات النيابية عام 1989 وقانون الأحزاب.. الخ.
ref>> نظرا للواقع الاقتصادي الصعب وتردي المعيشة... شخصيات أردنية تحذر من هبّة نيسان جديدة جريدة العرب اليوم</ref>
مراجع
- ^ قراءة في اوراق هبّة نيسان بعد عشرين عاما من الديمقراطية. وكالة عفرا الاخبارية