هاينرش غايسلر

إسهامات هاينريتش جايسلر في مجال الكهرباء

عندما اتشرت الكهرباء في القرن التاسع عشر، حرص بعض العلماء على جعل الكهرباء تمر خلال الهواء في المعمل كما يحدث في الطبيعة في ضربات البرق. ولم يكن هذ سهلاً؛ حيث كان الأمر يحتاج إلى تيار عالي الجهد (١٨٢٦). وسرعان ما وجدوا أن التيار ينتقل بطريقة أسهل إذا تم ضخ بعض الهواء أولاً. فالفراغ الجزئي كان أكثر قابلية لحمل التيار أكثر من الهواء في الضغط العادي.

في عام ١٨٥٤ ، قام عالم الفيزياء الألماني هاينريتش جايسلر بتوضيح هذه الطريقة باستخدام أنابيب التفريغ الخاصة به. وقام بسد صفيحتين معدنيتين (إلكترود) في أنبوبة مغلقة من طرفيها ووصل الصفيحتين بملف حثي، وهو نوع من المحولات (١٨٣١) ليعطي كثيرا من الجهد. وتم شحن أحد الإلكترودين (الأنود) بشحنة موجبة والآخر (كاثود) بشحنة سالبة.

تم توصيل الأنبوب أيضا بمضخة هواء. وحدث ذلك بعد وقت طويل يقدر بحوالي ٢٠٠ سنة منذ أن قام كل من أوتو فون جاريك وروبرت بويل (١٦٥٧-١٦٥٩) بعمل ذلك من قبل. فقد استخدم كلاهما مكابس تنتج فقط فراغا عاديا. أما الآن فقد صمم جايسلر مضخة فراغ تستخدم بخار الزئبق لجمع وطرد أية ذرة هواء متبقية. والنماذج التي تلت ذلك كانت تترك ذرة هواء واحدة من كل ١٠٠٠٠٠ ذرة هواء.

يعد أنبوب التفريغ البسيط وعاء زجاجيا مسدوداً بصفيحتين معدنيتين مغلقتين بإحكام (كاثود وأنود) متصلتين بمصدر كهربائي عالي الجهد. تقوم مضخة الفراغ باستخلاص الهواء من الأنبوب. ونظراً لانخفاض الضغط، تظهر مساحات من الضوء تتخللها بعض مساحات الفراغ المظلمة.

في الضغط شديد الانخفاض، يكون الأنبوب معتما ولكن الزجاج في الطرف المقابل للكاثود يبدأ في التوهج. ويلقي الأنود بالظل على ضونه. يعمل المجالين الكهربائي والمغناطيسي على تحريك الظل، موضحين أن "أشعة الكاثود" غير المرئية التي تسبب الضوء هي عبارة عن جزيئات مشحونة.

عندما قام جايسلر بطرد الغاز، لاحظ أن الغاز بدأ في التوهج؛ فتفريغ الكهرباء أدى إلى حدوث أضواء مختلفة الألوان في غازات مختلفة؛ وكان هذا دلالة على وجود غاز النيون الذي ظهر بعد ذلك. ونظر لضخ كثير من الغاز وانخفاض الضغط، تركز الضوء في أماكن معينة تتخللها بعض الأماكن المعتمة. وبعد أن تم تفريغ كل الغاز فعليا، رأى جايسلر شيئا فاتنا. فقد أصبح أنبوب التفريغ نفسه معتما، ولكن أضيئت جدران الأنبوب في أحد الأطراف بضوء أخضر باهت.

بذل غيره من الأشخاص القائمين على إجراء التجارب - أمثال يوليوس بلاكر في ألمانيا ووليم كروكس في إنجلترا (الذي كان له نشاط بعد ذلك في البحث الفيزيائي) - قصارى جهدهما لإيجاد تفسير وراء ظهور هذا التوهج أو هذا الضوء. وفي البداية ظن البعض أن هناك صورة غير مرئية من الطاقة كانت تنطلق من كاثود، حيث إن الجدران العليا في ذلك الطرف من الأنبوب لم تكن مضيئة. وسرعان ما أصبح محورالحديث عن أشعة كاثود .

لكن أي نوع من الأشعة كانت هذه؟ لم يكن الدليل واضحا. فوراء الأنود مباشرة، لم تكن جدران الأنبوب مضيئة. وبعض الأنابيب يكون الأنود فيها على شكل تحويلة مالتيز لتوضيح تأثير هذا الظل. لقد ادعى الألمان أنه لكي تقوم بإلقاء ظل حاد يجب أن تنتقل الأشعة في خطوط مستقيمة، كما في الضوء. وقد صنع وليم كروكس أنبوبا تسمح للأشعة بلف عجلة صغيرة موضوعة في مسارها. مما يعني أن لها قوة دافعة وبإمكانها أن تبذل قوة، مثلما تستطيع الجزيئات.

بذلك، هل تكون أشعة كاثود مثل موجات الضوء أم مثل الجسيمات؟ وتجيب عن هذا السؤال الأبحاث التي أجريت بعد ذلك (أشعة كاثود ١٨٩٥) وترشدنا أيضا إلى كثير من الاكتشافات، مثل: أشعة إكس والإليكترونيات والتليفزيون والبنية الأساسية للمادة.