نونية ابن زيدون



أَضْحَى التَّنَائِي بَدِيْلاً مِنْ تَدانِيْنا---- وَنَابَ عَنْ طِيْبِ لُقْيَانَا تَجَافِيْنَا

ألا وقد حانَ صُبح البَيْنِ صَبَّحنا---- حِينٌ فقام بنا للحِين ناعِينا

مَن مُبلغ المُبْلِسينا بانتزاحِهم---- حُزنًا مع الدهر لا يَبلى ويُبلينا

أن الزمان الذي ما زال يُضحكنا---- أنسًا بقربهم قد عاد يُبكينا

غِيظَ العِدى من تساقينا الهوى فدعوا---- بأن نَغُصَّ فقال الدهر آمينا

فانحلَّ ما كان معقودًا بأنفسنا---- وانبتَّ ما كان موصولاً بأيدينا

وقد نكون ومايخشى تفرقنا ---- فاليوم نحن ومايرجى تلاقينا

لم نعتقد بعدكم إلا الوفاءَ لكم---- رأيًا ولم نتقلد غيرَه دينا

ما حقنا أن تُقروا عينَ ذي حسد---- بنا، ولا أن تسروا كاشحًا فينا

كنا نرى اليأس تُسلينا عوارضُه ---- وقد يئسنا فما لليأس يُغرينا

بِنتم وبنا فما ابتلت جوانحُنا---- شوقًا إليكم ولا جفت مآقينا

نكاد حين تُناجيكم ضمائرُنا ---- يَقضي علينا الأسى لولا تأسِّينا

حالت لفقدكم أيامنا فَغَدَتْ ---- سُودًا وكانت بكم بيضًا ليالينا

إذ جانب العيش طَلْقٌ من تألُّفنا ---- وموردُ اللهو صافٍ من تصافينا

وإذ هَصَرْنا غُصون الوصل دانية ----- قطوفُها فجنينا منه ما شِينا

ليسقِ عهدكم عهد السرور فما ---- كنتم لأرواحنا إلا رياحينا

لا تحسبوا نَأْيكم عنا يُغيِّرنا ----- أن طالما غيَّر النأي المحبينا

والله ما طلبت أهواؤنا بدلاً ---- منكم ولا انصرفت عنكم أمانينا

يا ساريَ البرقِ غادِ القصرَ فاسق به ---- من كان صِرفَ الهوى والود يَسقينا

واسأل هناك هل عنَّي تذكرنا ----- إلفًا، تذكره أمسى يُعنِّينا

ويا نسيمَ الصِّبا بلغ تحيتنا ----- من لو على البعد حيًّا كان يُحيينا

فهل أرى الدهر يَقصينا مُساعَفةً ---- منه ولم يكن غِبًّا تقاضينا

ربيب ملك كأن الله أنشأه ---- مسكًا وقدَّر إنشاء الورى طينا

أو صاغه ورِقًا محضًا وتَوَّجَه ----- مِن ناصع التبر إبداعًا وتحسينا

إذا تَأَوَّد آدته رفاهيَة ----- تُومُ العُقُود وأَدْمَته البُرى لِينا

كانت له الشمسُ ظِئْرًا في أَكِلَّتِه ---- بل ما تَجَلَّى لها إلا أحايينا

كأنما أثبتت في صحن وجنته ----- زُهْرُ الكواكب تعويذًا وتزيينا

ما ضَرَّ أن لم نكن أكفاءَه شرفًا ----- وفي المودة كافٍ من تَكَافينا

يا روضةً طالما أجْنَتْ لَوَاحِظَنا ----- وردًا أجلاه الصبا غَضًّا ونَسْرينا

ويا حياةً تَمَلَّيْنا بزهرتها ----- مُنًى ضُرُوبًا ولذَّاتٍ أفانِينا

ويا نعيمًا خَطَرْنا من غَضَارته ----- في وَشْي نُعمى سَحَبْنا ذَيْلَه حِينا

لسنا نُسَمِّيك إجلالاً وتَكْرِمَة ----- وقدرك المعتلى عن ذاك يُغنينا

إذا انفردتِ وما شُورِكْتِ في صفةٍ----- فحسبنا الوصف إيضاحًا وتَبيينا

يا جنةَ الخلد أُبدلنا بسَلْسِلها ----- والكوثر العذب زَقُّومًا وغِسلينا

كأننا لم نَبِت والوصل ثالثنا ----- والسعد قد غَضَّ من أجفان واشينا

سِرَّانِ في خاطرِ الظَّلْماء يَكتُمُنا ----- حتى يكاد لسان الصبح يُفشينا

لا غَرْو فِي أن ذكرنا الحزن حِينَ نَهَتْ ----- عنه النُّهَى وتَركْنا الصبر ناسِينا

إذا قرأنا الأسى يومَ النَّوى سُوَرًا ----- مكتوبة وأخذنا الصبر تَلْقِينا

أمَّا هواكِ فلم نعدل بمنهله ----- شِرْبًا وإن كان يروينا فيُظمينا

لم نَجْفُ أفق جمال أنت كوكبه ----- سالين عنه ولم نهجره قالينا

ولا اختيارًا تجنبناه عن كَثَبٍ ----- لكن عدتنا على كره عوادينا

نأسى عليك إذا حُثَّت مُشَعْشَعةً----- فينا الشَّمُول وغنَّانا مُغَنِّينا

لا أَكْؤُسُ الراحِ تُبدى من شمائلنا ----- سِيمَا ارتياحٍ ولا الأوتارُ تُلهينا

دُومِي على العهد، ما دُمْنا، مُحَافِظةً ----- فالحُرُّ مَنْ دان إنصافًا كما دِينَا

فما اسْتَعَضْنا خليلاً مِنك يَحْبسنا ----- ولا استفدنا حبيبًا عنك يُثْنينا

ولو صَبَا نَحْوَنا من عُلْوِ مَطْلَعِه ----- بدرُ الدُّجَى لم يكن حاشاكِ يُصْبِينا

أَوْلِي وفاءً وإن لم تَبْذُلِي صِلَةً ------ فالطيفُ يُقْنِعُنا والذِّكْرُ يَكْفِينا

وفي الجوابِ متاعٌ لو شفعتِ به ----- بِيْضَ الأيادي التي ما زلْتِ تُولِينا

عليكِ مِني سلامُ اللهِ ما بَقِيَتْ ----- صَبَابةٌ منكِ نُخْفِيها فَتُخفينَ