ميليسوس من ساموس
ميليسوس من ساموس (القرن الخامس ق.م) كان ثالث وآخر عضو في المدرسة الإيلية الفلسفية القديمة، والتي انتمى إليها زينو وبارمنيدس، ولا نعرف الكثير عن حياته، سوى أنه قاد أسطول مدينة ساموس قبل حرب البلوبونيز بقليل، وكانت مساهمته الفلسفية عبارة عن محاورات تدعم فكر المدرسة الإيلية، وبالرغم من أنه اتّبع بارمنيدس في آرائه، إلا أن ميليسوس كانت له اضافات أصيلة في الفلسفة، وقد زعم أن الحقيقة هي شيء أصيل، غير قابل للتدمير، أو التجزئة، لا يتغير ولا يتحرك. وقد أراد أن يثبت أن الحقيقة غير محدودة، وأنها تتمدد في كل الاتجاهات على الدوام، وبما أن الوجود ليس له حدود، اذن لابد وأن يكون واحد.
حياته
تاريخ مولده الدقيق غير معروف، لكن يعتقد أنه كان في وقت ما من القرن الخامس ق.م، وتاريخ وفاته مجهول، وما نعرفه عن حياته مصدره فقرة صغيرة من كتاب بلوتارك :حياة بيريكلس، كان قائداً لأسطول مدينة ساموس، كما أنه هزم بيريكلس والأسطول الأثيني عام 441 ق.م، ويقال أن ميليسوس كان تلميذاً لبارمنيدس، ومعلّماً لليوكيبوس، ولكن هذه المعلومات مشكوك في صحتها. ما تبقى من فلسفة ميليسوس وصل إلينا عن طريق تعليقات سيمبليكيوس على كتابيّ أرسطو، الطبيعة، وعن السماوات، وخلاف بارمنيدس، كتب ميليسوس نظرياته نثراً، وليس شعراً، مما جعلها أسهل فهماً من نظريات معلّمه، ومثل بارمنيدس، يفترض ميليسوس أن الوجود هو واحد، أصيل، غير قابل للتدمير أو التجزئة أو التغيير أو الحركة، وبينما يدعي بارمنيدس أن الوجود محدود، يخالفه ميليسوس ويقول العكس، فالوجود غير محدود كلياً، ويقول بارمنيدس أن الوجود يحدث في حاضر بلا زمان، بينما يفترض ميليسوس أن الوجود هو أبدي، أي الزمان كله.
فلسفته
كان مليسوس أقل حظاً من القدرة على الجدل إذا قورن بزميله زينون ، كما أنه انحرف عن مذهب برمنيدس واختلف عنه بعض الاختلاف- على العكس من زينون .
ولما كات الحجج التي يسوقها مليسوس ليست بمختلفة كثيرا عن حجج برمنيدس نفسه ، - لأن مليسوس يسيرعلى نفس المنهج المباشر الذي سار عليه برمنيدس ، فيحاول أن يستنبط من نفس فكرة الموجود كل صفات الموجود ، على خلاف زينون الذي سلك مسلكا غيرمباشر ، بأن أثبت تهافت حجج الخصم لأنها تؤدي إلى تناقض ؛ وبهذا ، وبطريقة غير مباشرة ، أثبت صحة مذهب أستاذه - نقول إنه لا كان مليسوس لم يأت بشيء جديد في هذا الباب ، فلن نتحدث عنه إلا فيما يتصل بانحرافه عن مذهب أستاذه .
لقد قال برمنيدس إن الوجود أزلي أبدي فاستنتج مليسوس من هذا أنه إذا كان الوجود أزلياً أبدياً ، فهوأيضاً لا متناه ، لأنه إذا لم يكن له أول من حيث إنه أزلي ، وإذا لم يكن له آخر من حيث إنه أبدي ، فمعنى هذا أنه لا متناه سواء من ناحية البدء ومن ناحية الختام أو النهاية . وهنا يلاحظ أن مليسوس قد اختلف بهذا مع استاذه وانحرف عن مذهبه بل ناقض هذا المذهب ، ولم يكن هناك من ذافع يدفعه إلى مثل هذا القول . والذي حدث هنا هوأن مليسوس قد جمع بين الزمان وبين المكان ، فاعتقد اللانهائية هي في المكان . ولكن هذا ، كما سيثبت ارسطومن بعد ، غيرصحيح . وأغلب الظن أن ما دفع مليسوس إلى هذا القول هوأنه كان متأثراً إلى حد كبيربعلم الطبيعة الأيونية فتصور الوجود تصورا ماديا صرفا ، واستخلص من لا نهائية الزمان لا نهائية المكان ، وليس من شك أيضاً في أن مليسوس حين قال بهذا القول قد قصد اللانهائية في المكان بالفعل ، ولم يقل إن هذه اللانهائية هي اللانهائية العقلية أو لا غهائية المعقولات ؛ فإن حديثه عن الموجودحديث ماديخالص، كمافعل برمنيدس من قبل، إلا ان برمنيدس جعل هذا الموجود متناهياً ، بينما جعل مليسوس هذا الوجود غير متناه في المكان.