مفضليات

المُفَضّـَلِيّـَات كتاب للمفضل بن محمد الضبيّ (ت 168هـ، 784م)، العلاّمة الكوفي راوية الأخبار والآداب وأيّام العرب وأحد القُرّاء البارزين. وهو مجموعة شعرية، تضم 130 قصيدة، وهي أقدم مجموعة في اختيار الشعر العربي. ظهرت من بعدها كتب أخرى، منها الأصمعيات لأبي سعيد عبد الملك بن قُرَيْب الأصمعي، و جمهرة أشعار العرب لأبي زيد محمد بن أبي الخطاب القُرَشِيّ، و مختارات شعراء العرب لأبي السعادات بن الشجريّ، وغيرها.

أما تسميتها بالمفضّليات فالغالب على الظّن أنها لم تصدر عن صاحبها، المفضّل، وربّما نُسبت إليه، ثم اشتهرت بذلك.

سبب الاختيار

عمد المفضّل إلى الجيِّد من الشعر القديم فاختار منه مجموعة اختلف الناس في سبب تأليفها، فقيل: "كان ذلك بطلب من الخليفة المنصور" وقيل: " ألَّف ذلك الاختيار للمهدي". والرّوايات في ذلك مختلفة؛ فقد روى أبو الفرج الأصفهاني عن المفضّل نفسه أنه قال: "كان إبراهيم بن عبدالله بن الحسن متواريًا عندي، فكنت أخرج وأتركه. فقال لي: إنك إذا خرجت ضاق صدري فأخرج إليّ شيئًا من كتبك أتفرَّج به. فأخرجت إليه كتبًا من الشعر فاختار منها السبعين قصيدة التي صدَّرت بها اختيار الشعراء، ثمّ أتممت عليها باقي الكتاب".

سبب اختيار المفضل مجموعته الشعرية أنه عندما كان إبراهيم بن عبد الله بن الحسن بن الحسين بن علي مختفيا عند المفضل لأنه خرج على الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور كان المفضل يتركه ويخرج وفي إحدى المرات أراد المفضل الخروج من بيته لبضعة أيام فقال الخليفة: إنك عندما تخرج يضيق صدري فأخرج لي شيئا من كتبك أتفرج به، فأخرج له المفضل كتباً من الشعر والأخبار.. فلما عاد المفضل وجده قد علّم على سبعين قصيدة اختارها، وكان له ذوق حسن في الشعر، فاستخرج المفضلُ القصائدَ السبعين وزاد عليها عشرةً فأصبحت ثمانين قصيدة وعندما قبض المنصورُ على إبراهيمَ ومعه المفضل، عفا الخليفة عن المفضل وجعله يؤدب ولده وولي عهده المهدي فقدم المفضلُ لتلميذه القصائدَ الثمانين فقرأها عليه، ثم قرأها الأصمعي فأقرها وزاد في قصائدها وزاد في بعض القصائد التي وضعها المفضل بعض الأبيات، ثم جاء مَنْ بعدَ الأصمعي وزادوا في بعض القصائد أبياتا أخرى حتى لم يعد ميسورا معرفة الأبيات الأصلية أو المزيدة.

وخلاصة كلّ هذه الروايات أن المفضّل هو الذي اختار القدر الأوفى من الشعر القديم الذي حوته هذه المجموعة الرائدة.

تنظيم الكتاب

يُعتبرُ «المفضليات» أولَ كتابٍ يضمُّ مختارات من الشعر الجاهلي والمخضرم والإسلاميّ بروايات موثوق بها، كما يضم قصائد كاملة كانت أروع ما في الشعر العربي من قصائد.

أما القصائد المختارة في هذه المجموعة فقد تراوحت بين 128 و 130 قصيدة حسب الروايات، إلاّ أن الرواية المعتمدة والتي عليها الناس هي رواية ابن الأعرابي عن المفضّل. ومجموع أبيات المفضّليات نحو2,700 بيت.

وشعراء المفضّليات أكثرهم من الجاهليين وفيهم قلّة من المخضرمين والإسلاميين، وعددهم 66 شاعرًا، منهم تأبّط شرًّا والشَّنْفَرَى الأزدي، والمرقّشان: الأكبر والأصغر، والمثقّب العبدي وأبو ذؤيب الهذلي، ومتمّم بن نويرة، وبشر بن أبي خازم، وسلامة بن جندل وغيرهم.

يتراوح عدد أبيات القصائد الواردة في الكتاب ما بين عشرة (10) أبيات ومائةٍ وثمانيةِ (108) أبيات (لأطول قصيدة)، ولم يورد المفضل لكل شاعر أكثر من 3 قصائد إلا نادراً، وهذا معناه أن المفضل كان يختار أفضل القصائد بغضِّ النظر عن الموضوع.

طبعات المفضليات

صدرت الطبعة الأولى من الكتاب عن دار المعارف المصرية عام 1942 بتحقيق كل من أحمد محمد شاكر وعبد السلام محمد هارون، وأول من قام بشرح المفضليات هو أبو محمد القاسم بن بشار الأنباري، وقد حقق الشرح ونشره المستشرق شارل ليال، وقد أصدرته مطبعة الآباء اليسوعيين في بيروت على نفقة جامعة أكسفورد سنة 1920.

وقد تمت طباعة ست طبعات من كتاب المفضليات.

شرح المفضليات

حظيت المفضّليات بعناية القدماء، فشرحوها شروحًا وافيةً مفيدةًَ، وفي مقدمتها شرح الأنباري (ت305هـ، 918م). وابن النّحاس (ت 338هـ، 949م). والمرزوقي (ت 241هـ،855م). والتبريزي (ت502هـ، 1108م). أما في العصر الحديث فقد لقيت أيضًا اهتمام العلماء عربًا ومستشرقين، فحقّقوها وضبطوها ونشروها في طبعات عديدة.

قيمة المفضليات

تتبوأ المفضّليات مكانة مرموقة بين مجموعات الشعر القديم. فبالإضافة إلى قيمتها التاريخية وإبقائها على جانب مهم من الشعر الجاهلي، وحفظه من الضّياع، وأنّها أقدم مجموعات الشعر، فهي تمتاز أيضًا بأن القصائد التي اختارها المفضّل قد أثبتها كاملة غير منقوصة، يضاف إلى كل ذلك اشتمالها على طائفة صالحة من أشعار المقلِّين من الشعراء.

قال شوقي ضيف عن المفضليات: ولو لم يصلنا من الشعر الجاهلي سوى هذه المجموعة الموثقة لأمكن وصف تقاليده وصفا دقيقا؛ فقد مثلت جوانب الحياة الجاهلية ودارت مع الأيام والأحداث. وعلاقات القبائل بعضها ببعض وبملوك الحيرة والغساسنة، وانطبعت في كثير منها البيئة الجغرافية. وقد جاء فيها كثير من الكلمات المندثرة التي لم ترد في المعاجم اللغوية على كثرة الألفاظ المهجورة، مما يرفع الثقة بها ويؤكدها. قال علي الجندي في كتابه في تاريخ الأدب الجاهلي في أثناء حديثه عن المفضليات القصائد التي تتضمنها هذه المجموعة أصيلة، وأهل للثقة والاعتماد عليها. وقال أيضا: وقد لقيت المفضليات اهتمامًا كبيرًا من العلماء والأدباء والباحثين في شتى العصور، فكان لها شهرة عظيمة في الأوساط الأدبية والعلمية، وقام بدراستها كثير من الأدباء العرب والمستشرقين.

انظر أيضا