معركة غليوين
مقدمة
هذا نص خطاب ألقاه الامير/ حمود بن ثامر السعدون شيخ مشايخ قبائل أمارة المنتفق أمام عدد من شيوخ عشائر وقبائل المنتفق قبيل مواجهته للجيش العثماني ولوالي بغداد عبد الله باشا سنة 1227هـ في معركة (غليوين) التي انتصت بانتصار المنتفق, ومقتل الوالي, ودخول جيش المنتفق شوارع بغداد ظافراً, وتسليمه مقاليد الولاية لسعيد باشا بن سليمان باشا الذي لجأ إليهم محتمياً من بطش الوالي السابق عبد الله باشا ومساعده طاهر آغا:
وقد تجمعت في هذه المعركة قبائل ربيعة والجشعم وبني لام, وقوات عقيل المتحضرة من أهل نجد, والمرافقين لوالي بغداد بالإضافة إلى عسكر الدوله العثمانية والكثير من أبناء الحاضرة لحرب المنتفق
سبب المعركة
هو التجاء سعيد بك إلى ديار المنتفق التي كانت تحت مشيخة الامير حمود بن ثامر السعدون في الفترة (1797 – 1826) بعد تأكده من نيات والي
بغداد (عبد الله التوتنجي) لقتله وسعيد بك هو بن سليمان باشا الكبير الذي كان والياً على العراق للفترة من 1780 – 1802 والذي كان
مشهوراً بحسن أدارته وطيب علاقته مع العشائر والقبائل العربية وخاصة قبائل امارة المنتفق وامتناع الامير حمود بن ثامر السعدون من تسليم الدخيل
اليه على عادة وطبيعة العروبة والإسلام.
تفاصيل المعركة
حشد والي بغداد قواته العثمانية وأسندها بالعشائر العربية (ربيعة وعقيل والجشعم والخزاعل) الموالية آنذاك له والطامعة بنهب خيرات
ومواشي وابل المنتفق فوقعت المعركة في 10 كانون الثاني 1813 قرب نهر صغير بين الناصرية وسوق الشيوخ يسمى " اغليوين " قاد المنتفق
فيها الشيخ برغش بن حمود الثامر الذي جرح في المعركة وتوفي بعدها بيومين من أثار الجراح وانتهت المعركة بانتصار قبائل المنتفق بعد
الصمود البطولي الذي لا يوصف بوجه مدفعية وقوات جيش الوالي وتمكنت خيالة المنتفق بقيادة الشيخ علي بن ثامر من اسر الوالي عبد الله
التوتنجي وكبار قادة جيشه فنقلوا إلى سوق الشيوخ كاسرى ثم تم قتلهم تحت أقدام سعيد بك (دخيل المنتفق)، وبعد المعركة توجهت قوات
المنتفق إلى بغداد واحتلتها لتعيد تنصيب سعيد بك والياً على بغداد بالقوة وهذا ما لم تتمكن من فعله أي قبيلة أو أمارة عربية طيلة حكم
الدولة العثمانية أن تقيل وتقتل والياً معين بفرمان "مرسوم" عثماني وتعين أخر بالقوة وحسب رغبتها.
بعد المعركة لم تتجرا أي قبيلة أو قوات نظامية من الاقتراب من ديار المنتفق والاهم من ذلك هو عودة الشيخ حمود بن ثامر السعدون
ومعه مقاتليه من بغداد إلى ديارهم وبكل تواضع المنتصرين ليعيشوا حياتهم في بوادي المنتفق ولم تغرهم قصور بغداد وجمال وترف العيش
الباذخ فيها... رحمهم الله فقد ضحوا كثيراً من اجل الأرض والعرض وتركوا تاريخاً مرصعاً بالمآثر كالنجوم المسفرة في الليل الاظلم.
(ورد نص الخطاب في كتاب تاريخ المنتفق لسليمان فائق).
أيها الأمراء والرؤساء والمشايخ:
أخاطبكم اليوم لعلمي أنكم الممثلون للعرب، وأعلم أيضاً أن قد تجسمت فيكم الشهامة والغيرة والحمية، وبما أنكم أمراء ورؤساء القبائل
أخاطبكم بخطاب يليق بكم، فليكن معلومكم أيها الأجلاء العظام والسادة الكرام...أن دخيلنا (سعيد بك) لما علم أن حياته بخطر، وأن
الداعي كنت المتفق الخاص لوالده التجأ إلينا كي يتمكن من المحافظة على حياته المهددة بالخطر، ووقع دخيلاً عندنا، وها هو هذا: تعرفونه
وتعرفون أباه، وتعرفون منزلة أبيه وهو من ذوي البيوت لا من العتقاء والسوقة، وإني قد تعهدت وتكفلت بحمايته حماية مطلقة، وأنه
الدخيل عندي، ولم تظهر له أدنى مظاهرة تشغل الحكومة بل ولم يتحرك بحركة مخالفة لرضاء الدولة، وكررت هذه الكيفية للولاية مراراً فلم
تفد جميع مراجعاتي واسترحاماتي.
ولذا لم يبق للحكومة حق إن خالفتها وعصيتها لأني قد اخترت جواب السلب، وأمرتنا الولاية بهذا الأمر الذي قرأته عليكم بتسليم الدخيل،
فإن لم نسلمه تأخذه الحكومة من عندنا قسراً بقوة السلاح، وهذا تهديدهم كما سمعتموه.
و قد حاكمت نفسي مراراً بكيفية تسليم الدخيل، فأبت نفسي وشيمتي العربية تسليم الدخيل كتسليم الشاة إلى القصاب، وجزمت وعزمت على
أن أقاوم وأدافع الحكومة بكل مجهودي وقوتي لآخر نفس، فإن عجزت عن المقاومة أكون مجبوراً على ترك أولادي وعيالي وآخذ دخيلي، وأهرب به
إلى الديار النجدية حفظاً لناموسي وشرفي، فمن كان منكم يكره هذه الحالة فليعتزل إلى جنب، واعتقدوا أني لا أجبر ولا أكره أحداً على أن
يكون معي. فكل منكم مختار برأيه حيث أن هذه المسألة خاصة بنفسي، وعائدة علي، ولا شك أن هذا ناموسي وشرفي، ولا أقبل أن يدنس أو يكون
فيه العار، وتسليم الدخيل هو أكبر عار علينا، ولهذا لا بد أن أهرق آخر قطرة من دمي للمحافظة على الناموس، واعلموا جميعاً أني لا أكلف أحداً منكم بتكليف لا يطيقه.
فردوا عليه بالموافقة، ومما قالوا له:
ألم نكن نحن مثلك عرب ومن العرب؟.
أما نحن الذين قبلناك رئيساً علينا لعلمنا أنك الرجل الوحيد بل الشريف الغيور الفريد المنصف بهذه الديار؟،
فكما أن شيمتك العربية تأبى تسليم الدخيل فشيمتنا وغيرتنا العربية تأبى أيضاً أن نعتزل عنك بمثل هذا اليوم الأسود،
وكيف تقبل شيمتنا الاعتزال عنك فلا نبقيك أنت ودخيلك مادام فينا دم الحياة؟،
وها نحن حاضرون نفدي أنفسنا وأرواحنا ومالنا في سبيل تخليص دخيلك.
وهذي قصيدة الشيخ الشريف/ علي بن ثامر السعدون في رثاء أخيه الشيخ الشريف /عبدالمحسن بن ثامر السعدون, وذكر انتصارهم في معركة
(غليوين) على والي بغداد عبد الله باشا سنة 1228هـ حماية لدخيلهم سعيد باشا, وقد قامت المنتفق بقتل الوالي القديم, واحتلوا بغداد,
ونصبوا سعيد باشا والياً عليها:
الورق يلعي فوق عالي قصورها ......................................................... حمايمٍ يطربن الغنا من فجورها
تغنّت بصافي النوح عندي, وانا الذي ........................................................ من البعد والفرقا أصالي مرورها
أيا أيها الورق الذي أنت ساهر ........................................................ لك النوح شطرٍ من معالم شطورها
آه وا عضيدي الـ راح ما عاد يرجع ........................................................ باللحد ثاوي في مطاوي قبورها
(أبا براك) زبن الجاذيات ابن ثامر .................................................... وان همّلوا عصمان الايدي سيورها
أيا ليت(أبو براك) بالكون حاضر ...................................................... به صولةٍ جتنا.. كفى الله شرورها
لفتنا: ربيعة وابن جشعم ولامها ................................................... معا.. عسكر الدولة وجملة حضورها
ومعهم عقيلٍ والقبايل جميعها ...................................................... واللي بقلبه حسفةٍ جا.. يدورها
واشاروا علينا بالقطيعة, وذبحنا .................................................... والاطواب تكفي في ملاهي زمورها
دعونا الصبح, واحنا نلملم جموعنا .................................................... وحاروا, وداروا.. كيف حالٍ ندورها
و(صالح) نهار الكون زيزوم حربنا ......................................................... عزنا وزبن رجالنا عن عقورها
وانا على قبّاً قحومٍ وعندلٍ ....................................................... شعوى رفوع اليا تمثنت وعورها
ركضنا عليهم ركضةٍ(هاشميّة) ....................................................... وراحت تناحي بالعوالي صدورها
غدا ذاك مذبوح, ٍ والاخر مخلاّ .......................................................... وهذاك حقٍّ للحدا مع نسورها
وليناهم, وطابت بهم نفس لابتي .................................................... ليا عاد أبو برغش حماها وسورها
ولمن خاب ذاك اليوم منّا ومنهم ...................................................... رايات سودٍ تنتشر في نشورها
خاتمة
معركة غليوين تعتبر من مفاخر أسرة السعدون تاريخيا وهذه المعركة تبرز قوة نفوذ آل سعدون في العراق حيث ان الامير حمود بن ثامر السعدون عين
دخيله (سعيد) والي وبالقوة العسكرية واحتلال بغداد واضطرت الدولة العثمانية إلى ان تبلع الاهانة وتقبل بالوالي الجديد على الرغم من انه
كان صغير في السن (عمره واحد وعشرين سنه) وكان أيضا غير مؤهل للولايه وبعد التعيين أصبح الامير حمود بن ثامر السعدون يدير العراق من خلال هذا
الوالي ولعدة سنوات وقام الوالي سعيد باشا بإعطاء الامير حمود السعدون مافي جنوب البصرة من القرى والتي يعادل ايرادها ثلث ايراد العراق
وقصد الشعراء الامير حمود السعدون.
ينقل الدكتور علي الوردي عن ابن سند البصري، كتاب لمحات من تاريخ العراق الحديث، ج1 ص : 218 (((ان امر سعيد باشا صار بيد حمود شيخ
المنتفق كالطفل في يد وصيه، وقد أعطاه سعيد باشا مافي جنوب البصرة من القرى جميعها وهو ما يقارب ثلث ايراد العراق، وضحك لآل المنتفق
الزمان ,وأطاعهم الحاضر والبادي، وقصدهم الشعراء من جميع النواحي، وأجازوا بجوائز تفوق جوائز بني العباس، وكنت لاتسمع في المجالس الا
صفاتهم ومدحهم بما هو زائد عن حدهم، بل عن حد الملوك.)))
يقول ماكس فرايهير فون أوبنهايم في كتابه البدو، ج3، ص: 285 (((فدخل حمود إلى بغداد مع سعيد الذي كان في حمايته، وكان هذا نصرا لآل
سعدون لا مثيل له. لم يكن سعيد مؤهلا لمنصبه، فلم يكن عمره سوى واحد وعشرين عاما ولم تكن لديه أي خبره في إدارة شؤون الدولة))).
يقول حمد بن لعبون في كتابه تاريخ ابن لعبون ص:660 (((وجرح برغش بن حمود. ثم : أنه مات وقتلوا عبد الله باشا وسار حمود وجه أسعد لبغداد،
وملك العراق ورجع))).
يقول سليمان فائق بك (وهو عدو للمنتفق واحد كبار موظفين الدولة العثمانية) في كتابه عشائر المنتفق، ص:35 (((وبناء على هذه الوقعة
الكبيرة نالت عشائر المنتفق الشهرة العظيمة، وانتشر خبر حمود الثامر في كل الأطراف، وهابته العشائر، ولقبته بسلطان البر. وبدؤوا يسمونه
سلطان حمود الثامر))).
المصادر
1- تاريخ المنتفق - سليمان فائق.
2- التحفة النبهانية في تاريخ الجزيرة العربية - النبهاني.
3- أمارة المنتفق واثرها في تاريخ العراق والمنطة الإقليمية - د.حميد حمد السعدون.
4- كتاب لمحات من تاريخ العراق الحديث للدكتور علي الوردي، ج1 ص :217-218.
5-تاريخ ابن لعبون، ص:659- 660.
6- كتاب البدو، ماكس فرايهير فون أوبنهايم، ج 3، ص: 285، 601.
7- عنوان المجد، ابن بشر ,ج 1, ص: 337.