مستكشف الخلفية الكونية
مستكشف الخلفية الكونية أو مسبار كوبي الفضائي (بالإنجليزية: COBE) ويُشار إليه أيضًا بـ"المستكشف 66"، كان قمراً صناعياً أمريكياً للقيام بقياسات من الفضاء خاصة ببحوث علم الكون الفيزيائي. و كانت مهمته هو قياس توزيع إشعاع الخلفية الكونية الميكروي وأجراء مسح شامل للسماء في قياسها بغرض تزويدنا بمعلومات تساعد على فهمنا للكون، تكوينه ونشأته.
وقد زوّدنا هذا المسبار بدليل يؤيّد نظرية الانفجار العظيم حول الكون: فالإشعاع الميكروي كان عبارة عن طيف جسم أسود مثالي تقريبًا، نتج عند نشأة الكون من حرارة عالية جداً بعد الانفجار العظيم، ثم بدأت درجة الحرارة في الكون النشأ تنخفض تدريجياً بسبب تمدده السريع وبدأت المادة تتكون كجسيمات منفردة من ضمنها الإلكترون والبروتون ثم تكونت منها ذرات مع انخفاض درجة الحرارة، فتكون غازي الهيدروجين والهيليوم، ثم بدأت تلك الغازات تتجمع بفعل قوة الجاذبية وتبني نجوماً ومجرات، وتزايد الكون في الاتساع وانخفاض درجة حرارته حتى وصل إلى الحالي حيث أصبحت درجة حرارة الكون نحو 3 كلفن. تلك الحرارة الكونية البالغة الآن 3 كلفن هي التي يقيسها المسبار كوبي، وتبين القاياسات الاختلافات الصغيرة جداً في درجة حرارة الكون الناشئة عن تكون المادة في القديم في مناطق ظهرت فيها المجرات وتجمعات المجرات فيما بعد، حتى وصل الكون إلى تكوينه الحالي الذي نشاهده إما بالعين المجردة أو مع ابتكارنا لآلات بصرية وهوائيات تساعدنا على مشاهدات أكثر وأعمق للكون.
تسلّم اثنان من محقّيقي "مستكشف الخلفية الكونية" كوبي الرئيسيّين وهما "جورج سموت" و"جون ماثر" جائزة نوبل في الفيزياء لعام 2006 عن أنجازاتهما العلمية على هذا السبيل. و قالت لجنة الجائزة تقييما لعملهما: "مشروع "مستكشف الخلفية الكونية" يُمكن أن يُعتبر أيضًا نقطة البداية لعلم الكون كعلم بالغ الدقة".
القمر الصناعي الاستطلاعي COBE
إن الاكتشاف الذي توصل إليه كل من روبرت ولسون وأرنو بينتسياس في عام ١٩٦٥ الخاص بالتوهج الخافت لطاقة الموجات الدقيقة القادمة من جميع أنحاء السماء لم يكن يعني مجرد التأكيد على نظرية الانفجار الكوني الكبير المتعلقة بأصل الكون (٠ ١٩٥). فقد كان هذا الإشعاع يمثل صورة خاطفة عن الحالة التي كان عليها الكون بعد مئات قليلة من آلاف السنين من تكونه. وقد كان من المهم القيام بالفحص عن قرب لرؤية التفاصيل التي قد تكون مختفية هناك.
تشير القياسات الأولية للخلفية الكونية إلى أن الإشعاع كان يمثل "نظيرا"، بمعنى أنه كان هو الإشعاع نفسه المنتشر في الاتجاهات جميعها، وقد كانت درجة حرارته واحدة (حوالي ٢٠٧ درجة فوق درجة الصفر امطلق). ونظر لأن القياسات أصبحت أكثر دقة، فقد تم رصد تغييرات بسيطة في أجزاء قليلة من آلاف الدرجات بالإشعاع الكوني. وقد اكتشف فيما بعد أن بعض هذه التغييرات كانت ناتجة عن ظاهرة Doppler (١٨٤٢). فقد أظهرت أن كوكب الأرض وباقي كواكب المجموعة الشمسية كانت تتحرك عبر الفضاء المتصل بالخلفية الكونية بسرعة تقدر بحوالي 300 كيلو متر في الثانية. كما أثبتت التغييرات حتى البسيطة منها حركة الأرض حول الشمس، التي تعد إثباتا قاطعا لنظرية كوبرنيكس (١٥٤٣) وجاليليو (١٦٣٣).
في عام ١٩٩٢ ، كان المسبار الفضائي الاستكشافي الذي أطلقته الولايات المتحدة الأمريكية تحت اسم القمر الصناعي الاستطللاعي COBE يقوم بجمع البيانات لسنوات عديدة. وعندما تم الاطلاع على ما تم جمعه من بيانات، أظهرت الملاحظات تلك التنوعات البسيطة في الخلفية الكونية من نقاط ساخنة وأخرى باردة تختلف عن بعضها البعض بنحو ٣٠ مليون جزء من الدرجة فقط وبالرغم من ضآلة حجم هذه التنوعات، إلا أنها كانت حقيقية دون شك، حيث تقوم كل واحدة منها بتغطية درجات قليلة من السماء ويبدو شكلها مثل التموجات. وقد كان من الواضح أنه على الرغم من قدم عمر الكون، وبعد وقت قصير من التوهج الناتج عن الانفجار الكوني الكبير، فإن الكون لم يكن متسقا تماما، حيث كان متسق في أغلب الأنحاء لكن ليس في جميعها وقد كان هناك بالفعل مناطق أكثر سخونة من غيرها وبالتالي كانت كثافتها أقل منها.
يعد الكون أقل انتظاما هذه الأيام، حتى بأكبر المقاييس. فمعظم الفضاء يعتبر تقريب خاليا من المادة. فالمجرات. ليست منتشرة في الفضاء بانتظام، لكنها تتجمع في مجموعات صغرى ومجموعات كوكبية كبرى. وفي بعض الأماكن توجد فراغات بين المجرات يصل عرضها إلى ٠ ١ مليون سنة ضوئية، والتي يبدو أنها خالية تماما من المجرات، بينما توجد في بعض الأماكن الأخرى خطوط طويلة من المجرات اللامعة. ويطلق على مثل هذا التكوين الذي يبلغ طوله مئات الملايين من السنين الضوئية الجدار العظيم (Great wall).
إن الصور المأخوذة من خلال القمر الصناعي COBE تربط الأزمنة البعيدة بالوقت الحاضر. فيبدو أن التقلبات الصغيرة في كثافة الكون في الفترات الأولى من عمره (والتي تمثلها التموجات الصغيرة) قد اكتسبت قوة أكثر بفعل الجاذبية على مدار مليارات السنين إلى جانب تجمع المواد معا لتتشكل منها المجرات والمجموعات النجمية والكوكبية التي نراها اليوم. وقد تم شرح هذه الملاحظات بصورة أفضل من خلال نظرية التضخم الكوني قبل حدوث الانفجار الكبير (جوث ١٩٨٠)، ومن ثم فقد اكتسبت هذه النظرية مصداقيتها. كما قامت الصور بتدعيم إحدى الأفكار الأكثر تطرفا والتي مفادها أن أكثر من 90% من الكون يعتبر غير مرئي (زويكي ١٩٣٦). فالكون غير مكون من إحدى المواد العادية كتلك المكونة لأجسامنا أو للكوكب الذي نعيش عليه. ويبدو أن جزءاً كبيرا من الكون يتكون من مادة معتمة لم يتم الكشف عنها، بل إن أجزاء أكبر من ذلك بكثير تتكون من تلك الطاقة المعتمة الغامضة.
كشف القمر الصناعي COBE عن المزيد من الاكتشافات. فقد أمدنا بأكثر التقديرات دقة حتى الآن عن عمر الكون (حوالي ٤ ١ مليار سنة) وعن ثابث هابل الذي أظهر لنا مدى سرعة اتساع الكون (١٩٢٩). وهذه القصة ما زالت تلقي رواجا. فمنذ إطلاق القمر الصناعي الاستطلاعي COBE، تم إطلاق مسبار ستكشافي آخر أطلق عليه اسم WMAP قام بعمل قياسات أكثر دقة، حيث تم استخدام معدات أحدث. ونظراً لأن ألغاز المادة المعتمة وكذلك الطاقة المعتمة لم تحل بعد، فإن الخلفية الكونية لا يزال بها الكثير للكشف عنه.
الاكتشافات العلمية
تمّت المهمّة العلميّة للمستكشف بواسطة ثلاث أدوات: "تجربة خلفية الأشعة تحت الحمراء المنتشرة" (Diffuse Infrared Background Experiment) و المطياف المطلق للأشعة تحت الحمراء البعيدة (Far Infrared Absolute Spectrophotometer)، و مقياس الموجات الراديوية التفاضلي (Differential Microwave Radiometer).
وهذه المعدّات متداخلة في الأطوال الموجيّة المخصّصة لها، مما جعلها تُعطي قياسات متشابكة ومتسّقة في مناطق التداخل الطيفي، وسَاعد هذا على تمييز الإشارات القادمة من كلّ من مجرتنا ومن النظام الشمسي ومن الخلفيّة الكونية. وسوف تقوم كل من أجهزة مستكشف الخلفية الكونية أهدافًا إضافيّة مستقبلاً بالقيام بأرصاد خارج مهمّتها المبدئية.
تطابق منحنى الجسم الأسود مع إشعاع الخلفية الكونيّة
خلال فترة الخدمة الطويلة لمستكشف الخلفية الكونية حدث تطوّران فلكيّّان هامان. الأول كان في عام 1981، حيث قام فريقان من الفلكيين (قاد أحدهما "ديفيد وِلكنسون" والآخر "فرناسيسكو مِلكيورّي" من جامعة فلورنسا) في الآن ذاته اكتشفا توزيعا رباعي الأقطاب للخلفية الميكروية الكونية، واكتشفوا ذلك باستخدام أجهزة محمولة على مناطيد تستطيع مسح الفضاء من إرتفاع بعيد عن التأثيرات الجوية. وبين اكتشافهم توافقاً بين أشعة الخلفية الميكروية الكونية (عند 3 كلفن) و الطيف الحراري للجسم الأسود (أي الطيف الذي نحصل عليه في المختبر عن إشعاع جسم أسود، وهو معروف بمثالية إشعاعه ). وأعلنت مجموعة علماء من فلورنسا عن عثورها على اختلافات قليلة في توزيع درجة الحرارة تصل في المتوسط نحو 100 مايكرو كلفن.
ثم قام العلماء بالقياس بواسطة جهاز آخر "فيراس" FIRAS موجود على متن مسبار كوبي وتنطبق قياساته مع المنحنى النظري لإشعاع الجسم الأسود الذي تبلغ درجة حرارته 7و2 كلفن.
وقد قامت تجربة فيراس بقياس اختلافات الطيف لكل بقعة سماوية قدرها 7° ومقارنتها بإشعاع جسم أسود داخلي، واستمرت قياسات المطياف فيراس مدة 10 أشهر.
مستجدات
بعد تلك النتائج القيمة التي حصل عليها العلماء من بعثة المسبار كوبي فكروا في تجربة جديدة تكون أكثر دقة في مسحها وقياسها السماء، فكان مسبار ويلكينسون لقياس اختلاف الموجات الراديوية الذي أطلقته ناسا عام 2001 هو خليفة المسبار كوبي.