مدرسة أبولو
جماعة أبولو الشعرية هي إحدى المدارس الأدبية الهامة في الأدب العربي الحديث. مؤسسها هو الشاعر أحمد زكي أبو شادي الذي ولد في عام 1892م. ضمت الجماعة شعراء الوجدان في مصر والوطن العربي، ومن روادها: إبراهيم ناجي، وعلي محمود طه، وأبي القاسم الشابي، ومحمد عبد المعطي الهمشري وصالح جودت وعلي العناني، وكامل كيلاني، ومحمود عماد، وجميلة العلايلى صلاح أحمد إبراهيم.
اسم لحركة شعرية انبثقت من الصراع الدائر بين أنصار المدرسة التقليدية وحركة الديوان والنزعة الرومانسية، لتتبلور عام 1932م بريادة الشاعر أحمد زكي أبي شادي، في حركة قائمة بذاتها متخذة من أبولو إله الفنون والعلوم والإلهام في الأساطير اليونانية اسمًا لها.
لم يكن لجماعة أبولو مذهب شعري بعينه، كما كان لحركة الديوان، التي انتمت للحركة الرومانسية ضد الاتجاه الكلاسيكي في الشعر. ولم يكتبْ لها بيان شعري يحدد نظرتها إلى الإبداع وقضاياه المتفرقة، من أسلوب ومضمون وشكل وفكر... إلخ. بل اكتفى أبوشادي بتقديم دستور إداري للجماعة، يحدد الأهداف العامة لها من السمو بالشعر العربي، وتوجيه جهود الشعراء في هذا الاتجاه، والرقي بمستوى الشعراء فنيًا واجتماعيًا وماديًا، ودعم النهضة الشعرية والسير بها قدما إلى الأمام.
انتخبت الجماعة أمير الشعراء أحمد شوقي أول رئيس لها. وبعد وفاته بعام واحد، تلاه خليل مطران، ثم أحمد زكي أبوشادي. واستمرت الحركة من (1932- 1936م). وكان لها مجلة دورية، مجلة أبولو التي توقفت (1934م)، تعد وثيقة أدبية وتاريخية وفكرية لهذه الجماعة التي نازعت حركة الديوان سيطرتها، وحّلت محّلها، فأنتجت جيلاً شعريًا ينتمي إلى الاتجاه الرومانسي بحق، من أمثال: إبراهيم ناجي، وعلي محمود طه، ومحمود حسن إسماعيل، ومحمد عبدالمعطي الهمشري وغيرهم.
وكان أثر مطران على الجماعة بارزًا، باعتراف محمد مندور وقولة إبراهيم ناجي المشهورة: (كلنا أصابتنا الحمى المطرانية). ويقصد بها نزعته التجديدية في الشعر وطابعه الذاتي الرومانسي.
ورغم أن هذه الحركة الشعرية لم تُعَمَّر طويلاً، إلا أنها تركت أصداءها في العالم العربي، وراسلها العديد من الشعراء والنقاد، أمثال: أبي القاسم الشابي، وآل المعلوف، ومن بينهم عيسى إسكندر وشفيق ابنه صاحب عبقر. كما نرى هذه الأصداء في بعض نتاج شعراء الحجاز أمثال: محمد حسن عواد وحسين سرحان. كما تجاوب معها ميخائيل نعيمة رائد حركة التجديد في المهجر، وقد نص على تجاوبه معها في مقدمة ديوانه الغربال.
اتسمت حركة جماعة أبولو، بأنها عمّقت الاتجاه الوجداني للشعر، وانفتحت على التراث الشعري الغربي بوساطة الترجمة من الشعر الأوروبي، ودعت إلى تعميق المضامين الشعرية واستلهام التراث بشكل مبدع، واستخدام الأسطورة والأساليب المتطورة للقصيدة، ولفتت الأنظار إلى تجريب أشكال جديدة للشعر المرسل والحر. كما التفتت إلى الإبداع في الأجناس الشعرية غير الغنائية لاسيما عند أبي شادي، ومهدت الطريق لظهور مجلة وحركة أخرى هي حركة مجلة الشعر في بيروت (1957م).
بالإضافة إلى ماتركه لنا شعراء هذه الجماعة من دواوين ومجموعات شعرية، تبدو فيها النزعة الرومانسية هي الأقوى مضموناً وشكلاً وانفعالاً، فإن مجلة أبولو التي كانت تنشر على الملأ قصائدهم وأفكارهم، كانت المنبر الذي التفّ حوله الشعراء من العواصم العربية والمنارة التي نشرت إشعاعاتهم. انظر: الشعر (مدارس الشعر).
ومجلة أبولو تعد وثيقة فنية تاريخية فكرية لهذه الحركة، التي لم تعمّر طويلاً، لكنها شعريًا كانت أكثر تأثيرًا من حركة الديوان التي عاقتها عن النمو الشعري هيمنة العقاد مُنظِّرًا وقائدًا، وارتبطت إنجازاتها بالنقد أكثر مما ارتبطت بالشعر، وغرَّبت عنها عبدالرحمن شكري الذي ينسجم شعره مع شعر الجيل الثاني لحركة أبولو.
وبرز دور الشاعر بوصفه فنانًا في حركة أبولو، كما برزت أهمية التجربة النفسية والوجدانية في عملية الإبداع الشعري لا محاكاة نماذج القدماء. وتحوّلت قضايا الشعر من قضايا المجتمع إلى قضايا الذات، واستكشف بعض شعراء الجماعة لغة شعرية جديدة متماسكة أكثر صفاءً ونقاءً من شعر التقليديين وأغراضهم الشعرية الموروثة.
بداية مدرسة أبولو
ظهرت في العقد الرابع من القرن العشرين بعد أن واجه الديوانيون الشعراء المحافظين في معركة أدبية بينهما.
وبعد أن توقف عبد الرحمن شكري عقب صور ديوانه السابع أزهار الخريف سنة 1918م, وعارضه صديقاه: العقاد والمازني، ثم انصراف المازني إلى الصحافة والقصة والمقال، وبقى العقاد وحده من الديوانيين تشغله أنواع أدبية أخرى غير الشعر. وبعد أن صار الطابع العام من الديوانيين هو المبالغة في الذهنية الجافة، ووجدنا العقاد يقترب من بعض ماسبق أن نقده من سمات الشعراء المحافظين من مدح، وتهان، ورثاء، وارتباط بالمناسبات.
وفي هذا الواقع الشعري الذي شهد تجمد الإحيائيين المحافظين والديوانيين، ظهرت مدرسة أبولوا محاولة أن تتجاوز الاتجاهين السابقين وتكمل ما بها من نقص. وأقترن شعر هذه المدرسة بظهور مجلتها "أبولو" التي ظهرت سنة 1932م، وتكونت جمعية أبولو في العام نفسه حاملة نفس الاسم، واتخذوا خليل مطران أبا روحياََ لهم.
سبب تسمية مدرسة أبولو
سميت المجموعة بهذا الاسم نسبة إلى صحيفتهم صحيفة أبولو التي أصدرها شعراؤها عام 1932. تسمية جماعة أبولو بهذا الاسم يوحي من زاوية خفيفة باتساع مجالات ثقافتهم وإبداعهم كما اتسمت بوظائف (الإله الاغريقية أبولو) التي تتصل بالتنمية الحضارية ومحبة الفلسفة وإقرار المبادئ الدينية والخلقية. واتجاه هذه المدرسة هو الاتجاه الرومانسي. واللفظ "أبوللو" مأخوذ من "أبوللون"وحذفت النون للتخفيف، إله النور والفن والجمال عند اليونان واتخاذ هذا الاسم يدل على التأثر بالثقافات الأجنبية عند رواد مدرسة أبولو.
بماذا تأثرت مدرسة أبولو
تأثروا بشعر الرومانتيكيين الأوروبيين، وبخاصة الإنجليز، نتيجة ثقافة أصحاب هذا الاتجاه فقد عاش رائد المدرسة أحمد زكي أبو شادي نحو عشر سنوات في إنجلترا يدرس الطب، وأجاد زملاؤه: إبراهيم ناجي، وعلي محمود طه، ومحمد عبد المعطي الهمرشي، وصالح جودت... وغيرهم اللغات الأجنبية، واطلعوا على الآداب الأوروبية والروسية. وتأثر شعراؤها بأدب المُهاجَر، وبخاصة شعر جبران خليل جبران مما جعلهم يتجهون بشعرهم وجهة عاطفية حادة.
أهم الصفات المميزة للمدرسة
وجد هؤلاء الرومانسيون على اختلاف إبداعهم في صورة الحب الحزين والمحروم الذي ينتهي إما بفراق وإما بموت معادلا موضوعيا ليأسهم في الحياة وعجزهم الاقتصادي وعجزهم عن التصدي للواقع. كانت صورة الإنسان في أدبهم فردا سلبيا حزينا، وهذا ما نجده واضحا في أشعار إبراهيم ناجي وعلي محمود طه وروايات محمد عبد الحليم عبد الله ومحمد فريد أبو حديد ويوسف السباعي وازدهار المسرح والرواية في هذه المرحلة يدل دلالة واضحة وأكيدة على الرغبة الواعية في الهروب من الواقع. كانت المدرسة أقل إثارة للجدل من مدرسة الديوان. لاحقا أغلقت مجلة أبولو بسبب خلاف مع عباس محمود العقاد.
أعمال رواد مدرسة أبولو
لقد صدر لأعضاء هذه المدرسة إنتاج شعري قليل، قبل صدور المجلة، منذ أخرج منشئ هذه المدرسة أحمد زكي أبو شادي ديوانه الأول (أنداء الفجر) سنة 1911م ومن بعض أعمالهم (أطياف الربيع - وأشعة وظلال - وعودة الراعي - وفوق العباب - واليبوع )لـأحمد زكي أبو شادي وأغنيات على النيل لـصالح جودت وأغاني الكوخ لـ محمود حسن إسماعيل و(من وراء الظلام - والمساء الحزين - ورثاء فجر - وأنشودة الراعي - ومن أغاني الرعاة - وصوت من السماء) لـ أبي القاسم الشابي. ونرى من اختياراتهم لأسماء قصائدهم حب الطبيعة والولع بها وبجمالها، ومناجاتها ومخاطبتها.