محمد بن حمود المعيقلى



ولد محمد بن حمود بن محمد بن محمود بن عبد الكريم بن جابر بن حمد بن معيقل المعيقلى في ينبع النخل سنة 1323هـ. تعلم على علماءها المحليين وعلى قضاتها المعينين في العهد السعودي بعد انضمام الحجاز إلى الدولة السعودية سنة 1344هـ. وكان من أشهر أولئك العلماء الشيخ ناصر الوهيبي قاضي ينبع في أواخر عهد الملك عبد العزيز، حيث تعلم على يده علم الفرائض حتى برع فيه، أشتهر بإجادته، كما كان ضليعاً بالعلوم الشريعة الأخرى، وفوق ذلك كان ذا خط جميل، ورثه عن والده المشهور بحسن خطه وقد مارس الشيخ محمد بن معيقل التعليم في قريته، ولما جاء التعليم النظامي عين مدرساً ثم مديراً لأول مدرسة نظامية في قرية الجابرية إحدى قرى ينبع النخل، وذلك في شهر جمادى الأولى 1370هـ وكان مدير التعليم آنذاك الشيخ محمد بن مانع.

وكان حلمه الذي يراوده افتتاح مدرسة في قرية سويقة إيماناً منه بأهمية التعليم ومحو الأمية من قريته، وأخذ جاهداً في مساعيه حتى تم افتتاح مدرسة سويقة في 1 - 1 - 1371هـ وكلف بإدارتها. وكانت مدرسة قروية تنتهي بشهادة الصف الرابع، وبعد سنتين من افتتاحها أي عام 1373هـ حولت المدرسة من مدرسة قروية إلى مدرسة ابتدائية تمنح الشهادة الابتدائية من الصف السادس، وأول دفعة تخرجت من المدرسة كان في عام 1376هـ. أستمر معلماً جنباً إلى جنب مع زملائه السعوديين وغير السعوديين وهو يرى المدرسة تتطور يوماً بعد يوم بتطور النهضة التعليمية في بلادنا برعاية خادم الحرمين الشريفين حينما كان وزيراً للمعارف. وفي شهر رجب من عام 1383هـ أحيل للتقاعد لبلوغ السن القانونية. كان مجلسه يمكان لحل مشاكل أهل القرية والإصلاح بينهم، وكثيراً ما يكلف رسمياً من قبل إمارة ينبع مع عدد من مشايخ قرى ينبع بالوقوف على القضايا وحلها بإصلاح ما أمكن. كان واسع الاطلاع في الكتب الزراعية، وكان يحاول أن يطبق ما يقرأه عملياً في زراعة النخيل وغيرها لأنه كان عاشقاً للزراعة. بعد أن رأى جفاف عيون ينبع عزم على الانتقال منها إلى المدينة المنورة، وكان ذلك عام 1405هـ وبعد أربع سنوات من نزوله في المدينة وافاه الأجل المحتوم. وكان ذلك ظهر يوم الثلاثاء الموافق 4/10/1409هـ وصلى عليه في المسجد النبوي الشريف ودُفن في البقيع بعد أن شارك في تشييعه كثير من تلاميذه ومحبيه، رحمة واسعة. بالإضافة إلى ذلك فقد عمل مأذوناً شرعياً بموجب المأذونية الصادرة من محكمة ينبع الشرعية بتاريخ 6/3/1365هـ كما مارس الكتابة للناس في أمورهم اليومية، وقد اطلعت على عدد من الوثائق وعقود الأنكحة، المكتوبة بخطه الجميل وعباراته المتقنة، مما يدل على تمكنه العلمي واللغوي. كما تدل الوثائق والأوراق والدفاتر التي تركها الشيخ محمد بن حمود بن معيقل على ماله من مكانة تجارية مرموقة، فقد كان من أمناء عيون سويقة العارفين بتوزيع حصص الماء على أهل القرية، كما كان من المسؤولين عن نظارة العيون وعمارتها. وقد توفي سنة 1409هـ بعد حياة حافلة بالعلم والصلاح والمكانة الاجتماعية. وخلف من الأبناء الذكور: الاستاذ معيقل، يقيم في ينبع البحر مع أولاده، الاستاذ عبد العزيز، والاستاذ حمود، يقيمون الآن في المدينة المنورة مع أولادهم.وكلهم من أهل الفضل والصلاح ومن الجوانب التي تميز بها الشيخ محمد بن حمود بن معيقل بالإضافة إلى ما سبق، حسه التاريخي، واهتمامه بتدوين بعض ملحوظاته الشخصية وبعض المعلومات المتعلقة بحياته وأسرته، وقد رأيت أن أستعرض أمثلة منها مما وجدته في بعض دفاتره وأوراقه، وخاصة أحد دفاتره التي سلمت من الضياع والتلف، ومنها دفتر تجاري استخدمه لتسجيل حسابات مالية لبعض المتعاملين معه. كتب ورقته الأولى بخط جميل: (بسم الله الرحمن الرحيم، هذا دفتر مبارك إن شاء الله تعالى لصاحبه العبد الفقير إلى الله سبحانه وتعالى الراجي عفو ربه محمد بن حمود معقيل)..ثم كتب تحتها مباشرة: (تحرر به الحساب ابتداء في 25 رمضان سنة 1352هـ و 11 يناير 1934م و 3 طوبة 1650) وذلك الدفتر مليء بالقيود والتسجيلات التجارية اليومية العادية، كما يتضمن أيضا بعض المبايعات أو العقود الدارجة في ذلك الوقت، مما يعني أنه كان يقوم بدور كبير في الكتابة بين الناس، خارج محكمة ينبع الشرعية، وهذا يدل على مكانته وشهرته في الكتابة والقضاء المحلي غير الرسمي، لكن الذي يهمني هنا هو المدونات التاريخية البسيطة المتناثرة بين ثنايا ذلك الدفتر التجاري، وهذه المدونات التاريخية تدل على الحس التاريخي لكاتبها، وتدل على مدى إلمامه واهتمامه بالأمور المحيطة بها، واطلاعه على تواريخ بعض الصحف والتقويم المتاحة في زمنه، حيث نجده يدون التواريخ بالهجري والميلادي والشمسي. ومن أمثلة مدوناته التاريخية اليومية ما يأتي: - بهذا التاريخ يوم الخميس 23 شوال 1352هـ (8 / فبراير / 1934م) غرسنا في بلادنا اللياح، غرسنا شجيرات وعيدان الحماط. وأيضا غرسنا بهذا التاريخ شتلة يوسفي. وفي أول فبراير قلمنا العنب حقنا الكاين باللياح. أيضا أول فبراير غرسنا عقل العنب عندنا في البستان في محلة المستديم، ونسأل الله الصلاح (ص10). - زرعنا المقثاة حبحب وخربز وخيار في يوم الاثنين المبارك الموافق 27 ربيع أول سنة 1353هـ الموافق 9 يوليو 1934م فرنجي، وتلك المقثاة في بقع ابن جودة (ص28). - في يوم الأحد الموافق 7 صفر 1364هـ وصل صاحب الملك المملكة العربية السعودية الملك عبد العزيز إلى المحل المسمى الشرم بقرب ينبع البحر وفي يوم الأربعاء الموافق 10 صفر سنة 1364هـ وصل صاحب الملك مصر فاروق الأول، وذهب الملك فاروق للمدينة للزيارة وفي يوم الخميس الموافق 11 من الشهر الجاري، ورجع من المدينة السبت الموافق 13 منه. وفي يوم الاثنين الموافق 15 من الشهر الجاري ملك مصر توجه على ظهر الباخرة قاصداً مصر، وصاحب العبدالعزيز توجه على السيارات قاصداً مكة المكرمة، فأهلا بالملكين الجليلين ونسأل الله التوفيق والهداية لهما وإصلاح المسلمين (ص29). - بيان شغل في بيتنا الذي اشتريناه من حامد بن بنية في 24 صفر سنة 1355هـ. إلخ (ص32). - يستفاد من مراسلاته مع أمين أموال ينبع في 2-4-1354هـ أن أمين أموال ينبع كان محمد العثمان الناجم في ذلك التاريخ (ص46). - شراء بيت من حامد بن عودة بن بنية بتاريخ 24 صفر سنة 1355هـ (ص57).

المقال السابق كتب ونشر في جريدة الجزيرة في عددها الصادر رقم 11924 يوم الأحد الموافق 14 من ربيع الآخر 1426هـ 22 من مايو " أيار " 2005م بقلم فايز بن موسى البدراني الحربي

هذا المقال بقلم/ عبد الله عبد العزيز محمد القايدي وهو تلميذ من تلاميذ الشيخ محمد بن حمود بن معيقل من عام 1378هـ إلى 1382/1383هـ

رحمك الله يا شيخنا الفاضل رحمة الأبرار وأسكنك عالي الجنان. اللهم أجزه خير الجزاء لقاء ما قدم لأبناء هذه القرية أنا وغيري ممن تتلمذ على يد هذا الشيخ الفاضل محمد بن حمود معيقل. كان عطوفاً وأباً حنونا يرعى مصالحنا ويوجهنا دائماً. ولا أنسى أسلوبه التربوي الذي كان يسلكه دائماً فمبدأ الثواب والعقاب لديه مع أنه كان يرجح أسلوب الثواب. ولا أعتقد أن أبناء القرية الذين درسوا في مدرسة سويقه ينسون (الحلاوة النعناع) التي يحملها في جيبه باستمرار والتي يكافئ بها أي طالب يتفوق دراسيا أو يؤدي واجباته وكذلك معاملته لطلاب الصف الأول حينما يكونون غير متقبلين للدراسة فكان يقوم بتطيب خواطرهم وبهذا سبق وزارة التربية والتعليم في برنامجها الأسبوع التمهيدي لطلاب الصف الأول بما يتناسب مع عهده وزمنه. وطبق مبدأ الثواب والعقاب من خلال سجل اسمه (سجل الجزاء) الثواب والعقاب. هذا السجل يسجل فيه كل مدرس الطلاب الذين يود شكرهم لاهتمامهم في دراستهم وكذلك من يتقاعسون في تأدية واجباتهم. ويمر الشيخ محمد معيقل في نهاية الدوام الحصة الأخيرة ويقرأ بصوت عالي ما كتب في هذا السجل ويقوم بمكافئة المتميزين ومعاقبة من عليهم ملاحظات. ومما أتذكره أنه كان يرفع العصا حتى يخوف الطالب وإذا نزلت العصا على اليد تنزل بشكل لطيف غير مؤذي وكان يتحسس الطلاب الفقراء لمعرفته بأحوال أهل القرية فيقدم لهم المساعدة من دفاتر ومراسيم وأقلام. وكان يستخدم الوسائل الإيضاحية المتاحة في عهده كالتشبيه والتمثيل والتصوير ليقرب المعنى لأذهان تلاميذه وكان حريصاً عل تنقية العقيدة الصحيحة من كل ما يفسدها وكان ينبهنا بعدم زيارة قبور الصالحين والتبرك بها والنذور لأهلها لأن المجتمع في تلك الأيام كان لا يسلم من هذه الأمور وخصوصاً من بعض الجاهلين. ويذكر الدكتور عايش عياش الحبيشي أستاذ في الجامعة الإسلامية حاليا وكان من تلاميذ الأستاذ محمد بن حمود بن معيقل وكيف كان الشيخ يشجعه على مواصلة تعليمة وتحفيزه لنيل الشهادة ومواصلة التعليم فيما بعد. والحقيقة أن مناقب الشيخ محمد حمود معيقل كثيرة جداً وهي أكبر من أن تحصى في مقالة صغيرة مثل هذه ولكنني وجدت من الوفاء له البر به وحفظ جميل صنعه تدوين هذه الأسطر ليبقى في ذاكرة أبنائه وتلاميذه من أبناء القرية. وكان محباً لقرية سويقة الذي نشأ بها هو وأجداده ويتغنى بحبها ومن قوله فيها

هاذي سويقه دارنا دار الجدودي ما نبيحها للي نواها بمنواه حامينها عن كل جمع الوفودي في يوم كل طايل الفعل يمناه

وكثيرٌ هم الذين تتلمذوا على يد هذا الشيخ وتسنمو ذروة المجد ووصلوا إلى أعلى المناصب أذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر الدكتور علي بن داخل بن طلال الجهني وزير الإتصالات سابقاً الدكتور عبد الله بن حامد بن معيقل أستاذ جامعي كلية الآداب جامعة الملك سعود بالرياض الدكتور عايش عياش بخيت الحبيشي الذي أصبح أستاذ في الجامعة الإسلامية الأستاذ فايز عايش رجاء الله الأحمدي الذي يشغل منصب نائب رئيس الإتحاد السعودي لكرة السلة الشيخ بدر بن حمدان شفيع القايدي مدير شؤون الموظفين بشركة أرمكو السعودية. الأستاذ أحمد معتق رشيد الصيدلاني مدير إدارة هيئة الرقابة والتحقيق بمنطقة مكة المكرمة ألا يستحق منا هذا الشيخ وقفة. وألا يستحق منا وعلى الأقل الدعاء له جزاء ما قدم لنا في حياتنا الدراسية. إنه لن يحتاجنا في شيء من أمور هذه الدنيا. وليتحقق فيه قول الرسول صلى الله عليه وسلم " إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث وذكر علم ينتفع به أو ولد صالح يدعوا له " من وجهة نظري الخاصة أننا جميعاً من تعلمنا في قرية سويقه على يده أبناء له وهو أول من علمنا كتاب الله (القرآن الكريم) والسنة المطهرة كانت البدايات على يديه. لك مني ومن جميع أبنائك يا شيخنا الجليل وأستاذنا الفاضل خالص الدعاء بأن يتجاوز الله عنك ويغفر لك ويعلي منزلتك ويسكنك الفردوس الأعلى من الجنة. ومن لا يشكر الناس لا يشكر الله. ومن صنع لكم معروفاً فكافئوه فإن لم تستطيعوا فأدعوا له. وكان صديقاً حميماً لوالدي رحمهما الله جميعاً وكانت الزيارة بينهما على استمرار وبدون انقطاع. وحينما أكتب عن هذا الشيخ فإنني لا أنسى زملائه أساتذتي وهم لا يقلون شأنا عنه. فجميعهم لهم الفضل وندين لهم بالعرفان والجميل ونسأل الله أن يجزيهم خير الجزاء لقاء ما قدموه ومنهم

الشيخ حمد جابر بن نويجع

الشيخ عيد سليمان الذبياني

الشيخ محمد صالح دهيثم

الشيخ عبد العزيز سعد العمري

الشيخ حامد بن أحمد المغامسي

الشيخ يحي عواد الحجيلي

الشيخ محمد حامد الصبحي

الشيخ عبد العزيز محمد بن معيقل

رحم الله من مات منهم وأسكنه فسيح جناته وبارك وأطال في عمر الأحياء منهم.

قُم للمعلمِ وفّهِ التبجيلا ***** كاد المعلمُ ان يكونَ رسولا

أعَلِمتَ أشرفَ أو أجل من الذي ***** يبني ويُنشئُ أنفساً وعقولا

سُبحانكَ اللهم خيرَ معلمٍ ***** علّمتِ بالقلمِ القرونَ الأولى

أخرجتَ هذا العقل من ظُلُماتهِ ***** وهَديتهُ النورَ المبينَ سبيلا

و طبعته بيدِ المعلمِ تارة ***** صدئ الحديدُ وتارةً مصقولا

أرسلتَ بالتوراةِ موسى مُرشداً ***** وابن البتول فعلّم الإنجيلا

علّمتَ يوناناً ومصرً فزالتا ***** عن كل شمس ما تريدُ أُفولا

وصلى الله على ونبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

عبد الله عبد العزيز محمد القايدي المدينة المنورة 29 / 7 / 1428هـ