محمد أمين زين الدين
محمد أمين بن الشيخ عبد العزيز | |
---|---|
صورة معبرة عن الموضوع محمد أمين زين الدين | |
تعديل طالع توثيق القالب |
آية الله العظمى الشيخ محمد أمين زين الدين (1333 - 1419) مرجع دين شيعي راحل، سكن في النجف الأشرف وكان الكثير من الشيعة يرجعون إليه في أحكامهم الشرعية فمن العراق ومن الخليج وغيرها من المناطق.
هو الشيخ محمد أمين بن الشيخ عبد العزيز بن الشيخ زين الدين بن علي بن الشيخ زين الدين بن علي بن مكي البصري ثم البحراني. كان أبوه الشيخ عبد العزيز –- المتوفى سنة 1347هـ. من علماء محافظـة البصرة، وكذلك كان جده الأدنى الشيخ زين الدين –- وهو أول من هاجر من البحرين إلى البصرة. أما جده الأعلى الشيخ زين الدين بن علي الأول فقد كان من علماء البحرين المعروفين في عصره. فشيخنا () -إذن- ينحدر عن بيت عريق في العلم والدين، عرف أفـراده بمسحة مميزة خاصة في البساطة والصدق الفطري، والأخلاق الفاضلة والولاء والتقوى. وتروى عن والد شيخنا—في ذلك شواهد ذات دلالة فائقة في ذلك.
ولادتهُ ونشأتهُ :
في ليلة مباركة من شهر مبارك (1) من سنة 1333هـ، ولد شيخنا المعظم (قدس الله نفسه الطاهرة).
كان مسقط رأسه في قرية (نهر خوز) من قضاء أبي الخصيب في محافـظة البصـرة، وبهذه الربوع الخضراء الوادعة الجميلة، الممتدة على ضفاف شط العرب، وفي ظل غابات النخيل والسدر والمانكَا، بين زقزقة العصافير وأغاريد العنادل من جهة، وبين أصـوات المجاديـف وأناشيد الملاحين في شط العرب من جهة أخرى، فتح عينيه وقضى أيام طفولته المباركة، وفي مناخ الدين والتقوى مع أبيه وأفراد أسرتهِ الكريمة ثم أهل الولاء من المؤمنين في المنطقة تفاعل في الأيام الأولى من صباه.
ولا بد أن يكون لذلك كله أثر في ما امتاز به من صفاء وتفتح، ورهافة حسّ وتذوّق شاعري للجمال، بمعناه الأوسع، وفي ما طُبع عليه من حرية وبساطة وتواضع وصدق عفوي في التعامل، مضافاً لما أخذ به نفسه وراضها عليه، على علمِ ووعي من أخلاقٍ نفسيةٍ وعمليةٍ، شأن الكبار من أهل المعرفة، وللجو العلمي أثره الكبير في حياة الإنسا ن ومن أصحابه الشيخ عبد الحميد الخطي قده شبل آية الله المرجع الكبير الشيخ أبو الحسن الخنيزي قده، وقد قدم لأحد مؤلفات الشيخ أبو الحسن الخنيزي بقلمه البديع، وعرف الشيخان زين الدين والخطي بذوق أدبي مرهف قل نظيره في عصرهما مع علم أصيل من حوزة علي ع
بداياتهُ الدراسِيَة (المقدمات) وأساتذته فيها:
يبدو أن والد شيخنا المعظم –قدس الله نفسه- تعّهده باكراً بالتوجيه والتعليم، فحين جاء شيخنا –رحمة الله عليه- وأخوه الأصغر العلامة الحجة الشيخ علي–- (2) ليلتحقـا بالحوزة العلمية سنة 1351هـ وعمره لما يجاوز الثامنة عشرة. كان قد أكمل بإتقان مقدّمـات الدراسة الحوزوية، نحواً وصرفاً وبلاغة ومنطقاً وأصولاً، على يد والده الجليل في قسم منها وعلى يد العلامة الشيخ عبد الحميد الخاقاني وعلى ولده آية الله الشيخ محمد طاهر الخاقاني المحمـري –رحمهما الله- في القسم الآخر.
المَرْحَلة العليا من السطوح :
ولذلك باشر دراسة المرحلة العليا من السطوح، وكان من أساتذته فيها آية الله العظمى السيد الخوئي -قدس الله نفسه- وقد أخبرني انه درس عليه الكفاية في الأصول للمحقـق الخراساني –-.
وكان من أساتذته فيها آية الله الشيخ باقر الزنجاني، وآية الله السيد عبد الله الشيرازي، وآية الله السيد جواد التبريزي –رحمهم الله- وقد درس عليهم الرسائل والمكاسب.
التفسير :
وحضر درس التفسير على العلامة الحجة الشيخ محمد جواد البلاغي - وهـو –كما يبدو من حديثه- مملوء إعجاباً به وتقديراً لعمله وموسوعيته وأسلوبه وجهادهِ، وبعض كتاباته وكتبه كانت تأثراً باستاذه هذا وانعكاساً لخطه وفيه تأشير إليه كرسالات السماء.
الفلسفة والعرفان :
ودرس الفلسفة على الأساتذة الحجج الشيخ علي محمد والد آية الله الشيخ مرتضى البروجردي، والسيد حسين البادكوبي، والسيد جواد التبريزي -رحمهم الله- وعلى أستاذه الأكبر الشيخ محمد حسين الأصفهاني—ويبدو أنه أكثر تأثراً بهذا الأخير من أي شخص آخر، وذلك واضح من حديثه وانطباع آرائه لديه، ومنها ما يمكن أن نقرأه في إجابته على سؤال: (يـا من دل ذاته بذاته) (3).
وقد رأيت بعض تقريرات درسه في الفلسفة بخطه وقد برزت فيها قدرته البيانية –كما في غيرها- رغم موضوعها الدقيق والمعقد الذي يفرض أسلوباً علمياً خاصاً.
وذكر لي أنه التقى الأخلاقي المعروف السيد علي القاضي—وقال:
إن للقائه أثراً في النفس وإن لكلماته نفوذاً، وكنت حاضراً في مجلس ضمه وآية الله الشيخ البروجردي فكان حديثهما يدور حول السيد المذكور وانطباعات والد الشيخ البروجردي أستاذ الشيخ—عنه وبعض ما سمع من أقواله وأحواله الملفتة..
دراساته المعاصرة :
من يقرأ كتب شيخنا –- يجد أنه درس دراسة شخصية بعض الفلسفات المعاصرة والعلوم الطبيعية التي تتماس والمفاهيم المتصلة بالعالم والعصر، كعلوم الحياة والفيزياء والفلك، وكعلمي النفس والاجتماع وتاريخ الأديان المقارن وذلك مما لا يهتم به الدارسون في الحوزة عادة إلا استثناءاَ، ومن قبل أفراد لهم نزوع شخصي نحو الموسوعية والمعاصرة رغم أن ذلك ضرورة في التعامل مع العصر، ولغته ومفاهيمه، ويكفي في التعرف على ذلك أن تقرأ كتابه (الإسلام: ينابيعه، مناهجه، غاياته)، وتقرأ تحت عنوان (هل يستطيع العلم أن ينظم الحياة؟): وقفته من الفلسفة الماركسية والمنطلقات الفلسفية الأخرى السابقة لها بدءاً من فلسفة. هيجل، واوجست كونت، ولودفج فيورباخ، وفيتشة. وتتأمل كيف يحلل ويحاكم ويحكم برؤية ووضوح ومنطق حاسم. واقرا رسالته في كتابه (إلى الطليعة المؤمنة ص 95-105) حول نظرية العقد الاجتماعي لجان جاك روسو ومن سبقه كتوماس هوبز وجون لوك، والفرق بينه وبينهما والأساس في اهتمام الغرب بالنظرية، وعدم اهتمام الإسلام بها لانتفاء هذا الأساس لديه.
واقرأ هناك معلوماته في الفيزياء وعلوم الطبيعة من (ص 62حتى 87) تحت عنوان شكوك حول الدين من (ص 125 حتى 135) من كتاب (الإسلام)، واقرأ حول علم الأديان المقارن ما كتبه تحت عنوان: (مقارنة الإسلام مع الأديان) وتحت عنوان (لا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا) من ص (212 إلى 225) وغير ذلك، مما لا مجال للتأشير إليه.
وتجد إشارات كهذه في جوانب أخرى ومتابعة لأحوال المجتمعات اللا إسلامية (الغربية خاصة) وما تعطيه الإحصاءات على ما وصلت إليه الأخلاق وأوضاع الأسرة كما في كتابه (العفاف بين السلب والإيجاب) و(من أشعة القرآن) و(إلى الطليعة المؤمنة).
دراساته العُليا (الخارج) وأساتذته فيها :
التحق شيخنا –قدس الله نفسه- بعد ذلك بالدراسات العليا أو (البحث الخارج) –حسب ما يطلق عليه في الدراسة الحوزوية- لدى أعلام ذلك العصر ومراجعه في الأصول والفقه، فحضر بحث الشيخ أغا ضياء الدين العراقي (قدس سره) المتوفى في سنة 1361 هـ وهو من أبرز أساتذة الأصول آنذاك. وقد لازم دروس الشيخ العراقي (ره) سبع سنين، وكتب تمام تقريرات درسه في الأصول (هذا ما سمعته منه شخصياً)، وإذا ما علمنا ما تقدم من تاريخ وفاة الشيخ العراقي فإن حضور شيخنا لديه يكون قد بدأ سنة 1356 -كما في تقريره لبحثه (قده) إن لم يكن قبلها، وهذا يعني أن عمره لدى التحاقه بالدراسات العليا كان بعد العشرين بقليل، وذلك بعض دلائل نبوغه وتفوقه الذين نم عنهما استيعابه لدروس هذا الأصولي العظيم وكتابته لها كاملة ومؤشرات أخرى معروفة متقدمة ولاحقة.
واستمر شيخنا بعد وفاة استاذيه العلمين العراقي والاصفهاني (رحمهما الله) يـواصل الحضور فـي بحث آية العظمى السيد الحكيم (قدس الله نفسه) لعدة سنوات، ورغم أنه –كما قال لي- لم يحضر بحوث الخارج لآية الله العظمى السيد الخوئي () استاذه في المرحلة العليا من السطوح فقد ظلَّ على علاقة حميمة بهِ حتى آخر أيامه، ويكفي للتدليل على ذلك انه من صاغ بقلمه امتثالا لرغبته - بحوثه في علوم القران والتفسير والتي صدرت باسم (البيان في تفسير القرآن).
كتب عنه قبل 44 عاماً الأستاذ علي الخاقاني صاحب البيان فقال في ترجمته ص 295 من كتابه شعراء الغري ط1: (والمترجم له شخصية علمية رصينة تلفعت بالفضائل وتمنطقت بالعفة والتقى مثال الإنسان الذي ينشد الكمال ومقياس الشخص الذي يحب الخير ويسعى للحق عرفته بهذه الصفات وأكبرته لها، وأشدت بفضله في كثير من أحاديثي التي أقوم بها أثناء زيارتي للأصدقاء).
وكتب العلامة الحجة الشيخ (أغا بزرك الطهراني () في طبقات أعلام الشيعة –قبل أكثر من خمسين عاماً- وهو يترجم لشيخنا الذي كـان ما يزال في الـثلاثينات من عمره بقول: (وهو اليوم من الفضلاء المبرزين في حلقات دروس أعلام العصر وممن يؤشر إليه في الكتابة وحسن السيرة).
وذكر المؤشرات الأولى مما طبع من نتاجه العلمي والأدبي فقال: (وله تصانيف جيدة نافعة منها (مع الدكتور أحمد أمين) ردّبهِ على كتابه المهدي والمهدوية، و(الأخلاق عند الإمام الصادق (ع)) وهما مطبوعان. وله ديوان صغير سماه (أمالي الحياة).).
جديته طالبا وأستاذاً :
كان انصرافه للدرس والبحث وجديته في ذلك على مستوى المثل والقدوة، فهو لا يضيع من وقته -في غير اضطرار- شيئا لا أيام دراسته للمقررات العلمية في المقدمات والمرحلة الأعلـى من السطوح، ولا أيام دراسته العليا (بحوث الخارج). حتى أيام العطل المقررة -كالخميس والجمعة ومناسبات مواليد ووفيات المعصومين (ع) -قد كيّفها لتصبح دروساً لا نظامية في الأدب -خاصة-، نثراً وشعراً، ليجمع بها بين هدفين؛ الترويح بالطرائف الأدبية قراءة وإنشاءً، وإيجاد المناخ الأدبي الذي يربي ذوق طلابه وحضار مجلسه، (وسيأتي الحديث عن ذلك -إن شاء الله-).
ومما ينقل عن جديته الصارمة أنه قال لأحد أساتيذه وهو السيد الشيرازي، وقد رأى أن درسـه من الناحية الكميّة لا يبلغ قدراً كافياً، ربما بالنظر لقدرات الشيخ –- خاصة قــال له:-
(هل ترون أن هذا المقدار من الدرس يومياً يسوّغ لي أن أعيش على سهم الإمام (عليه السلام))، ثم ترك أستاذه هذا إلى آخر.
ولم يرض أن ينصرف طلابه في غير أيام التعطيل لأي عمل آخر … نقل لي الدكتور صالح الظالمي أنه دخل () ذات يوم غرفة الشاعر المعروف الدكتور مصطفى جمال الديـن –- (وكان من أبرز وألمع طلابه) فرآه منبطحاً وبين يديه دواوين شعر قديمة وحديثة لعـدد من الشعراء، فقال في أسى -رغم حبّه للشعر-: (لو بذل السيد جمال الدين هذا الجهد الذي يعطيه للشعر لدراسته الحوزوية لأصبح مجتهداً).
استقلالهُ واجتهادهُ :
قلنا: إن آخر أساتذة شيخنا () في الدراسات العليا كان السيد الحكيم—المتوفى 1390هـ. وقد حضر لديه الشيخ عدة سنوات حصل بعدها وفي حياة أستاذه السيد –- على الاجتهاد المطلق، واستغنى عن الحضور واستقل منهجاً ورأياً.
إجازاته في الحديث :
حصل من بعض أساتذته السابقين على إجازات في رواية الحديث. هكذا ذكر لي على الإجمال دون تسمية لأحد منهم.