ماري هاسكل



نبذة عن حياة ماري هاسكل ( 1873 – 1964 )

ولدت ماري إليزابيت هاسكل في 11 كانون الأول، 1873، في مدينة كولومبيا، في ولاية ساوث كارولينا. وكان لها خمس شقيقات وأربعة أشقاء. وكان والدها الكسندر شافيز هاسكل يحمل أوسمة شرفية عدة، لكن الفقر المدقع شلّ عائلته بُعيد الحرب الأهلية الأميركية. ولم تكن الحياة سهلة لأحد من أفراد عائلته، فاضطرت ماري أن تتعلم القناعة منذ حداثتها. وقد تعلمت عادة صرف المال في طفولتها وبقيت هذه العادة معها طوال حياتها، حتىإذا توفرت لها الدراهم، صعب عليها جداً إيداعها المصرف أو صرفها على ترفيه نفسها، كما كانت تقول: "خُلق المال ليصرف" أو "خلق المال ليُرصد في سبيل هدف إنساني نبيل"! فإذا ، تيسر لأحد الفنانين التحرر والتفرغ للرسم بواسطة ماري، أو إذا تمكن شاب من الذهاب إلى المدرسة، فإن ذلك يحقق أمنية ماري. وحين كان يزورها أقاربها، وهي تلميذة في مدرسة ويلسلي كانت تتوسل إليهم ألا يخرجوا بها إلى الغداء في أحد المطاعم، بل أن تُعطى ثمن الغداء لشراء ما تحتاجه من كتب.

أصبحت ماري مديرة لمدرسة ويلسي بعد زواج شقيقتها لويزا. وذات يوم من أيام العام 1904. خطرت في بالها فكرة إرسال جبران إلى باريس لدراسة فنّ الرسم.

وبعد مناقشة المشروع مع مريانا، تقدّمت ماري من جبران وعرضت عليه الفكرة، متعهدة بتأمين نفقات سفره إلى باريس، وبمده بخمسة وسبعين دولاراً شهرياً. قبل جبران العرض، ووصل باريس في 13 حزيران 1908. وبناءً على طلب ماري، استقبلته "شارلوت تيلر" صديقة ماري الأخرى، قد اعتادت زيارة جبران في باريس. وكانت كاتبة مسرحية، ومناضلة من أجل حقوق المرأة. وكانت ماري تمدها أيضاً بالمال، ولكن الحظ لم يكن ليحالفها.

العلاقة بين جبران وهاسكل

كحوض من الأزهار وسط صحراء قاحلة جرداء، تغذيه ينابيع المحبة والعطاء، وترعاه شمس العلم الساطعة أبداً مدى الأجيال، هكذا كانت علاقة جبران بماري... فيا عروسة الأدب الجميلة التي رسمك جبران بريشته السحرية، وجسدك بشعوره الفني، باركي جنتك الوسيعة ومنبعك الأصيل، ذلك الحوض الذي حوّل غبار الفضاء إلى أريج منعش عابق بشذا الطيب، يمازج نفوس البشر فيجعلها قرباناً قدسياً، ويخالط أرواحهم فيعصرها نبيذاً صافياً موحياً نقرب به إلى هياكل الإنسانية الخاشعة...

العلاقة الأولى:

أول علاقة بين جبران وماري كانت عام 1904 ، عندما صار لجبران عدد من الرسوم واللوحات التي تصلح لإقامة معرض، وقد اطلع عليها السيد "فريدهو لندادي أحد مشاهير المصورين في بوسطن، وعرض على جبران محترفه لكي يستعمله كمعرض لرسومه ولوحاته، وأخبر داي صديقته ماري بأنه وجد فناناً شاباً، وبأنه يريدها أن تجيء لتتعرف عليه وعلى أسلوبه الجديد الذي ينتهجه.

وهكذا شهد محترف السيد داي أول لقاء بين جبران البالغ من العمر إحدى وعشرين سنة، وبين ماري التي شارفت على الحادية والثلاثين. وهنا يفرض السؤال نفسه، كيف كانت ظروف ماري هاسكل في تلك الفترة؟ إنها ابنة غني من أغنياء كولومبيا. يحمل أوسمة شرف متعددة، إلا أن الفقر المدقع شل عائلته بعيد الحرب الأهلية الأميركية، فاضطرت ماري وقتئذ إلى الاعتماد على نفسها، وهي حديثة السن، حتى إذا توفر لها المال، كانت تقول: "خلق المال ليرصد في سبيل هدف إنساني نبيل". من ذلك يفهم أنها لم تعش حياة رخاء متواصلة، بل تذوقت مرارة الألم التي عانى منها جبران. كما أنها كانت محبة للأدب والفن منذ حداثتها، مما ساعد في تكوين الوحدة الفكرية التي نشأت بينهما فيما بعد.

فأثناء العرض الذي أقيم في محترف السيد داي، شرح جبران لماري نظريته الفنية التي يحاول التعبير عنها في رسومه، وشيء سري في شخصية الفنان الناشئ أخذ بلب ماري التي بدأت تفصح عنه أمام ميشلين وهي فتاة كانت تدرس اللغة الفرنسية في مدرستها (هاسكل – دين) الداخلية للبنات. ويقال إن جبران علق رسومه في هذه المدرسة بدعوة منها ومن المدرسات والطالبات. وكان من شأن ذلك ان ازداد التقارب بين جبران وماري، رغم أن كلاً منهما كان خجولاً وبعيداً في طريقته الخاصة. ولكن العلاقة الفكرية كانت تتعزز وتقوى أكثر، من خلال الزيارات التي نشأت بينهما بصورة مستمرة، بعد انتهاء العرض في المدرسة الداخلية.

منذ أن التقاها لأول مرة ، كان جبران يشعر بانجذاب يشده نحوها؛ لأنها كانت توحي إليه بكثير من الأشياء، ربما كانت له بمثابة الشعلة التي أضاءت أمامه وسط محيط من الظلام الكثيف، يكاد يغرق كل شيء. فاستعاد جبران ما انتزعته الرياح من روحه الضائعة، فلملم شتات نفسه المنثورة؛ ومنذ ذلك الحين توطدت أسس علاقة فكرية بينه وبين ماري تبشر بمستقبل زاهر، كما يقول إلى أمين الغريب: "اعلم أن وجودي في بوسطن، ليس بداعي حبي لهذه المدينة، ولا لكراهيتي لنيويورك، إنما وجودي هنا مرتبط بحضور ملاك يشبه امرأة، يقودني نحو مستقبل زاهر ويمهد لي الطريق إلى النجاح الأدبي والمادي".

..

طبعاً البحث طويل ويتناول علاقة جبران بماري هاسكل المادية والفكرية والروحية ويظهر كيف أن علاقتها به لم تكن فقط بإمداده بالمعونة المادية لإكمال دراسته وإنما كانت ملهمة ومستفرة لآراءه الاجتماعية والسياسية ومنقحة لكتاباته فنجده يكرر في رسائله:

"أنت اعطيتني هذه اليد . وانت تجعلين تفكيري أدفأ وأصفى".

"أنت أم هذا الكتاب (الأجنحة المتكسرة). ولا يستطيع أحد أن يكتب النبي بدونك أنت" و "أنت عارضتي ووكيلتي ومحررتي".

" رسائلك تذكرني بذاتي الحقيقية وتجعلني أتخطى كل ما ليس سامياً وجميلاً في الحياة.. وأما مقر راحة نفسي، فهو بستان جميل تعيش فيه معرفتي بك..."

"سأكتب هذين الحرفين (م.هـ) على كل لوحة سأرسمها ، لعل أولئك يرغبون في النظر إلى رسومي، وسيفهمون يوماً أنهما رمز الخير الحق. والإيمان الحق، والحب الحق".

"آمل أن يجيء الوقت الذي أتمكن فيه من القول: لقد صرت فناناً بفضل ماري هاسكل"

" لقد حررت حياتي، والحياة بدون حرية موت هي".

" ليست المسألة مسألة المال الذي أعطيتني إياه، لكن المسألة مسألة الطريقة التي أعطيتني بها، والحب والاهتمام واليقين أن ثمة شخصاً يعبأ بي".

الرسائل بين ماري وجبران

وتحتوي المجموعة على 325 رسالة من جبران إلى ماري في السنوات 1908-1931، و290 تقريباً منها إليه، بالإضافة إلى دفاتر يومياتها الـ 47 والمؤلفة من خمسة سطور اليوم الواحد، والتي سجلت ماري فيها نشاطاتها الخاصة وملاحظات موجزة عن اجتماعاتها بجبران. فهناك سبعة وعشرون دفتراً خصصت لوصف مسهب لاجتماعاتهما، وتتضمن فقرات منقولة من آرائه في الأدب، والفن، والفلسفة، والدين، وتصف ما كان جبران عاكفاً على عمله، وثيابه، وصحته، وحميته عن الطعام.