كاميراتا فلورنسا

كاميراتا فلورنسا (بالإنجليزية Florentine Camerata) هي مجموعة الشعراء والموسيقيين والمثقفين الإنسانيين الإيطاليين المؤثرين في فلورنسا في القرن ال16 في أواخر عصر النهضة الذين تجمعوا تحت رعاية الكونت جيوفاني دي باردي لمناقشة وتوجيه الاتجاهات في مجال الفنون وخاصة الموسيقى والدراما. التقوا في منزل جيوفاني دي باردي، واشتهرت مجالسهم بوجود جميع الرجال الأكثر شهرة في فلورنسا كضيوف متكررين. كانت ذروة نفوذ الكاميراتا بين 1577 و1582 حيث كسبت نفوذًا قبل هذا الوقت، وانتهت بنهايته.

من ضمنهم المؤلفون الموسيقيون فنسينزو جاليلي، وجاكوبو بيري وجيليو كاتشيني الذين سعوا لإحياء فن قدماء الإغريق خاصة بالنسبة لإثارة المشاعر الإنسانية خلال التعبير الدرامي وبدلا من ذلك أحدثوا ثورة في المادريجال واخترعوا الأوبرا.

أيضا من أحد أهم إسهاماتهم ظهور نوع جديد من الغناء الصولو وهو المونودي.

جماعة الكاميراتا

جماعة الكاميراتا هي مجموعة من المثقفين والموسيقيين كانت تجتمع في قصر الكونت(باردي)PARDI بفلورنسا كانت قد ثارت هي الأخرى على ما أصاب الشعر ومعانيه من جراء إخضاعه التام لسلطان الموسيقى والنسيج البوليفوني اللذان كانت لهما الأهمية المطلقة في العمل الغنائي وقد كانت دعوى هذه الجماعة تقوم على رفض مبدأ التشابك البوليفوني تماماً، وتنادي بالعودة إلى اكتشاف الطريقة التي كان يتبعها الإغريق القدامى وإعادة خلق الدراما الإغريقية القديمة. ولأن معنى الدراما يعتمد على وضوح نطق الكلمات بالنسبة للمستمع، لذلك اتجهت التجارب الأولى للكاميراتا إلى اكتشاف أسلوب موسيقي من شأنه أن يسمح بذلك الوضوح المنشود محققاً بذلك التوفيق بين الدراما والموسيقى والذي أضاف إلى المسرح اليوناني القديم ثراء وجمالاً بإلقاء الشعر المنغم مع نبرات معبرة من موسيقى القيثارات(الليرات)أو المزامير(الأولوس)وكانت المسرحيات والتراجيديات الإغريقية القديمة تؤدى في الأسواق والمسارح المفتوحة حيث يتوسط الممثلون والمؤدون والمنشدون دائرة كبيرة من الجمهور ويتم النقاش والحوار بين الممثلين والكورس والجمهور أحياناً بأسلوب بسيط إلقائي إيقاعي حول أحداث المسرحية خروجاً من النهاية بما تتفق عليه المجموعة كحل للمشكلة أو القضية التي تعالجها الرواية.

وقد طالبت جماعة الكاميراتا بالسير على أسلوب البساطة في أداء الشعر الغنائي بشكل واضح وأقرب ما يكون إلى النبرات الطبيعية للإلقاء التمثيلي وأن تؤدي الموسيقى وظيفتها في خدمة الشعر وإبراز معانيه دون أن تطغى عليه أو تخضعه لسيطرتها وسلطانها.

ورجال الكاميراتا كانوا من الأدباء والفنانين والموسيقيين المشهورين الذين ملكوا ناصية الفن الموسيقي البوليفوني الذي بلغ ذروته في نهاية القرن السادس عشر فمنهم الشاعر(رينوتشيني)الذي ساهم في كتابة أشعار الأوبرات الأولى فيما بعد، ومنهم(فنتشر جاليلي)وهو مغني وعازف عود ممتاز، ومنهم(بيري، وكاتشيني)المغنيان، و(كافالييري)الموسيقي من روما الذي قضى سنوات في فينيسيا.

وأغلبهم يتقنون فن الكنترابونت الصعب، إذن لم تكن فكرتهم عن إعادة أسلوب المسرح الإغريقي والعودة إلى الإلقاء(الرستاتيف البسيط)وليد عجز أو قصور عن استخدام الأسلوب البوليفوني، بل كانت الرغبة في البحث عن مسلك جديد ينقذ الموسيقى مما صارت إليه من تعقيد وجفاف لكي يمكن إعادة الحيوية للموسيقى وفتح آفاق جديدة لها في التعبير الإنساني الصادق خصوصاً في الموسيقى الغنائية.

وقد بدأت التجارب التي قامت بها جماعة الكاميراتا على أنواع التأليف الغنائي السائد، حينئذ وبخاصة المادريجال التي أدخلوا عليها تعديلات فنية تجاه المزيد من التعبير العاطفي ثم امتدت إلى الأغاني الفردية مثل الكانزونة والكانتاتا التي كانت تلحن بأسلوب شبيه بالإلقاء، يبرز فيه اللحن الواحد الذي تصاحبه الهارمونيات البسيطة بعيداً عن التشابك البوليفوني، أي بأسلوب مونوفوني ذو لحن واحد، ومن أشهر تجاربهم في الأغاني مجموعة المادريجالات التي لحنها(كاتشيني)ونشرت عام 1602، وتتسم تلك الأغاني بعمق تعبيري واضح أشهرها أغنية اماريللي المعروفة والتي ما زالت تؤدى حتى الآن في حفلات الغناء الفردي، وفيها يبدو واضحاً المحافظة على إخضاع الموسيقى للشعر والمحافظة على النبرات الطبيعية الصحيحة لإلقاء الكلمات وتستخدم فيها الهارمونية بشكل يعبر عن الجو العام للشعر.

ثم كانت محاولة الكتابة الدرامية المسرحية الموسيقية فكان أن لحن(جاليلي)مشاهد من(جحيم دانتي)،(مراثي أرميا)محاولاً تحقيق التعبير  الدرامي العاطفي بشكل جديد تماماً على موسيقى ذلك العصر. أما في عام 1597 لحن(بيري BIRIمسرحية كاملة لهذا الأسلوب الكلامي الإلقائي قصة(دافني)لتكون إحدى الأوبرات الأولى، ثم قدمت في عام 1600 لأول مرة أوبراه(يوريدتش)التي لحنها(بيري).

وبهذا أصبح يوجد أسلوبان مختلفان تماماً هما الأسلوب القديم بيوليفونتيه المعقدة إلى جانب الأسلوب الجديد المعبر الواضح، وقد عاش الأسلوبان جنباً إلى جنب خلال عصر الباروك، وقد اختص الأسلوب القديم بالمؤلفات الكنيسية الدينية، أما الجديد فقد اختص بالموسيقى الدنيوية المسرحية.

وبدأت جماعة الكاميراتا بتلحين وتأليف وعمل مسرحيات كاملة تؤدى بالموسيقى والغناء من أولها إلى آخرها، محاولين بذلك إحياء المسرح الإغريقي القديم، وبذلك كانت بداية أولية لظهور فن الأوبرا الذي قدر له أن ينمو في عصر الباروك رغم أنه يتنافى مع خصائص هذا العصر وأن يزدهر هذا الفن حتى يومنا هذا.