قورينية

القورينائيّة أو القورينية، مدرسة تقول بمذهب اللَّذَّة في الأخلاق، هي المدرسة الثانية -بعد المدرسة الكلبيّة- التي ظهرت متأثرة بسقراط الذي كانت (السعادة)، تحتل الصدارة في فلسفته، وكان يعدها هي الغاية التي تستهدفها أفعال الإنسان، فرغب بعض تلاميذه بهذه الفكرة وأبرزهم: (أرستبس)، فحوّلها بالانصراف عن حياة الزهد والإقبال إلى مباهج الحياة الحسيّة، فأنشأ مدرسة تبشر بهذه النزعة وهي المدرسة (القورينائيّة)، وقد نسبت هذه التسمية إلى قرية قورينا، (باليونانيةΚυρήνηKyrēnē)، في إقليم برقة في ليبيا، وتسمّى في الوقت الحاضر (شحات)، ومازالت آثارهم إلى الآن تشهد على إقامتهم فيها.

التأسيس

أسسها أرستبس القورينائي صديق سقراط، أو أنَّ حفيدَه الذي يَتسمّى بنفس الاسم هو الذي أسَّسَها، ازدهرت القورينائية في أواخر الرُّبع الرابع والرُّبع الأول من القرن الثالث ق.م وذلك في الفترة التي كان فيها تيودورس، وهيجيزياس، وأنيسيريس يتزعمون فِرقًا فرعيّة من المدرسة، أما بعد ذلك فقد اندثرت المدرسة قبل مَقدَم الأبيقورية. 

فلاسفة القورينائية

أرستبس - أرستبس (الحفيد) - تيودورس - هيجيزياس - أنيسيريس

أهم سمات المدرسة القورينائية

كانت الأخلاق في نظر القورينائية هي الفرع الوحيد المفيد من بين فروع الفلسفة، وغاية الأخلاق هي الاستمتاع باللذة الجُزئيَّة بِنْت ساعتِها، والاستمتاع في نظرهِم هو الخيرُ الأوحدُ الذي ينبغي أن يُشتهى لذاته، وأساس هذا الرأي هو - من ناحية - أنهم لاحظوا أن الغريزة الطبيعية الرئيسة في جميع الكائنات الحية هي طلب اللذة وتجنب الألم، وهو - من ناحية أخرى - نظريّة في المعرفة تُنكر معرفة الموضوعات الخارجية وتقصير المعرفة على مجال الاحساسات، فأنا أَحُسُّ بالحلاوة لكنني لا أستطيع أن أعرِفَ أنَّ العسلَ حُلْوٌ؛ واللذة والألم حَرَكَتان وهما من هذه الناحية احساسان مُوجبان، أمّا مُجرّد غياب الألم فليس لذّة ولا ألمًا. والماضي والمستقبل كلاهما لا يُثير الحركة المباشرة، وإذن فلا ينبغي للفيلسوف أن يَشْعُرَ بأيِّ أسىً له على الماضي ولا أن يَكُدَّ في سبيل المستقبل، كلا وليس له أنّ يقرَّ باطل الرأي أو الحسد أو الخرافة ما دامت احساساته المباشرة هي المعرفة الوحيدة. 

وبناءً على ذلك كان إشباع اللذة في الحال هو الهدفُ الوحيد، وجميع الأفعال والحالات والفضائل الاجتماعية والأخلاقية لا تنصف في ذاتها بخير ولا شر. وهي ليست خيرًا إلاَّ بقدر ما تُتيح لنا هذه الغاية. 

لكن القورينائيين قد رأوا - بالإضافة إلى ذلك - أنّ السعادةَ ليست في الخضوع لِلَذّةٍ ولكنْ في السيطرة عليها؛ وتختلف اللذات من حيث الدرجة، وقد يعقب اللذة الحاضرة ألم أقوى منها، ومن هنا لا يجوز لنا أن نغفل ما يترتب على الفعل من نتائج. وسلاح الفيلسوف - إذا ما كان عليه أن يختار- هو الذكاءُ العمليّ الذي يمكن أن يعلم ويدرب، وفن الحياة هو معالجة الظروف على نحو ذكي، وهو تكيُّف المرء تكيفًا بصيرًا بهذه الظروف لكي ينال اشباعه في الحال. 

من هنا لم تكن إجابة الفيلسوف القورينائي عن مشكلات عصرٍ مضطرب هي التخلي والانفصال كما رأى الكلبيُّون، ولكن هي أن نسلِّمَ بتقلُّبات الحظّ وأن نحاول التحكُّم فيها على نحو ذكي من أجل غاية شخصية هي اللذة، فَـرَبُّ الحصان أو السفينة - فيما قالوا ليس هو من يتنحّى عن استخدامه (أو استخدامها)، بل هو مَن يَعرف كيف يقوده (أو يقودها) في الاتجاه الصحيح. 

لكن صعوبة التوفيق بين الغاية الحسية والوسائل العقلية، بين المنبه الخارجي والسيطرة العقلية كانت تُؤرق المدرسة، فقد حاول تيودورس أن يحرَّر نفسه من الاعتماد على الأشياء الخارجية بأن يعيد تحديد غاية الأخلاق بأنها - وإن كانت حسية ما تزال- حالة من حالات العقل في السُّرور الناتج عن الحكمة، وقال تيودورس بالاكتفاء الذاتي على الطِراز الكلبي؛ إذ يمكن تحصيل الإشباع عن طريق أيِّ فعلٍ من الأفعال على أساس منفعته لفاعله. 

أما هيجيزياس، فقد أكّد أن اللذة والألم يتوقفان إلى حدٍّ كبيرٍ على موقفنا من الظروف الخارجية من فقر وثروات وسلالة... إلخ، وهي التي ليست بذاتها لذيذة أو مؤلمة؛ لكنه أثبت على نحو بيِّن أن التشاؤم هو على الأرجح ما قد ينتج عن الموقف الأصلي الذي نُسلِّم فيه بأن اللذة مستحيلة التحقيق، وأنّ ليس في استطاعة الفيلسوف أن يُخفِّف من وطأة الألم.

أما أنيسيريس، فقد لطَّفَ من حِدّة الموقف المُشكل على نحو آخر، وذلك بأن أباح إلى حد ما لذائذ الصداقة والوطنية، وبهذا أثار مُشكلة المشاعر الايثارية التي سَبَق أنْ أنكرتها المدرسة على أساس نزعتها إلى اللذة الأنانية. 

أهمية المدرسة القورينائية

إن الأهمية الرئيسة للمدرسة ترجع إلى كونها قد مهَّدَتْ لفلسفة أبيقور التي تفوقها إحكامًا وتوفيقًا. 

القورينائيون

مؤسس هذه المدرسة هو أرسطيفوس من قورينا ( مدينة و شحات» في برقة بليبيا حالياً ) ، تأثر بالسوفسطائية كما تأثر بسقراط . وعن السوفسطاثية اخذ النزعة الحسية ، الي على اساسها بفى مذهبه في اللذة . ولكنه اشاع في مذهبه في.اللذة روحاً سقراطية، بأن جعل العلم هو سبيل الوصول إلى تحقيق الغاية من اللذة .

يرى القوريناثيون أن انطباعاتنا الذاتية هي اليقينية عندنا . ولهذا ينبغي أن نتخذهامعاييرلاًفعالنا القي ينبغي بدورها ان تهدف إلى اللذة . ويعرف أرسطيفوس اللذة بأنها الحركة الناعمة في مقانل الألم الذي هوحركة خشنة . والغاية عنده هي تحصيل اللذة الايجابية الراهنة الحاضرة ، لا مجرد الخلومن الالم . واللذة دائياً ذات قيمة ، حق لو صدرت عن أفعال ينظر إليها عادة على انها ذميمة . والوسيلة لتحصيل اللذة هي العلم الذي يمكن الحكاء من الافادة من كل موقف لاكتساب اللذة منه ، مع التحرر من سيطرة اللذة .

ومن بين أتباعه اهتم ثيودوس بابراز أهمية العلم

كمصدر للنعيم ؛ وحارب عبادة الآلهة حى لقب , بالملحد » . وجاء هجيياس فأنكر اللذة الايجابية ورأى ان الغاية هي التحرر من الألم والحزن. لكن جاء انيقيرس فجعل الغاية هي اللذة الايجابية، وأبرز أهمية اللذة النابعة عن الصداقة واحترام الوالدين وخدمة الوطن. ويمكن أن ينسب أويهيميروس إلى المدرسة القوريناثية ، وإن كان القدماء لا يذكرون ذلك صراحة . وامتاز أويهيميروس بنقد الأساطير الدينية، فرأى في آلهة الأساطير اليونانية مجرد سلاطين حكماء عاشوا في أقدم العصور وأمروا بعبادة اشخاصهم .

أرسطيفوس

ولد كا قلنا في مدينة قورينا ( إحدى مدنبرقة الحالية ) الي كانت تسكنها جالية يونانية مزدهرة . ثم رحل إلى آثينة للتتلمذعلى سقراط. ولكن يبدو أنه تلقى من السوفسطائية تعليما ، كما يظهر من مذهبه . على أن أرسطو( ا ما بعد الطبيعة» مقالة البيتا ف٢ ص٩٩٦ ، ٣٢٢ ) يعده من بين السوفسطائية .

وكان، كما يقول ذيوجانس اللائرسى ، قادراً على التكيف مع الظروف ايا ما كانت ، ولهذا استطاع ان ينال الحظوة ، أكثر من غيره ، لدى ديونوسيوس طاغية صقلية ، لأنه كان يحسن الاستفادة من الظروف .

ولابدأنه استمرطويلاًيدرس في بلده : قورينا ، وإلا لما سميت مدرسته بالقورينائية ، وقد استمرت هذه المدرسة لعدة اجيال : فقد تتلمذ على أرسطيفوس ليثيوفس Aithiops وأنطيفطرس Antipatros وابنته أريته Arete ، وهذه تتلمذ عليها ابنها ارسطيفوس تلميذ أمه : وبتوسط شخصين متتالين تتلمذ على انطيفطرس كل من هجسياس وأنيقيرس .

والتواريخ الرئيسية في حياة ارسطيفوس هي : ولد حوالى سنة ٤٣٥ ق،م؛ وجاء إلى أثينا سنة ٤١٦، وإلى إيجينا سنة ٣٩٩، وكان رفيقاً لأفلاطون سنة ٣٨٩-٣٨٨ عند ديونوسيوس الأكبر، وسنة ٣٦١ مع ديونوسيوس الأصغر؛ ويبدو أنه عاد إلى أثينا بعد سنة ٣٥٦، وتوفى سنة ٣٥٠ ق.

م٠

وينسب إليه ذيوجانس اللائرسى الكتب التالية :

١ - تاريخ ليبيا في ثلاث مقالات، بعث به إلى ديونوسيرس

اللوريابون

٢٤١

٢ - كتاب يحتوي على ٥ ٢ عحاورة بعضها كتب باللهجة الأتيكية ، والبعض الآخر باللهجة الدورية .

مذهبه : قلنا إن مذهبه ، كمذهب أنطسثانس ، يجمع بين عناصر سوفسطائية وأخرى سقراطية .

وقد انجه بالفلسفة إلى الأخلاق، فلم يحفل بالطبيعة والمنطق لأنه رأى أن الغاية من الفلفة هي سعادة الإنسان ، وفي هذ يتفق مع أنطسثانس ؛ ولكنه يختلف عنه اختلافاً بيناً في أن أنطسثانس يرى ان السعادة في الفضيلة ، بينما يرى أرسطيفوس أن السعادة في اللذة ، إن اللذة هي الخير المطلق ، وما عداها فلا قيمة له إلا بوصفه وسيلة إلى تحصيل اللذة . وهكذا نرى أن تلميذي سقراط اتخذا طريقين متناقضين منذ البداية ، وإن كانا في النهاية سيتقاربان بعض التقارب .

يقول أرسطيفوس وتلاميذه إن كل إدراكاتنا ليست إلا انطباعات لأحوالنا الشخصية ، ولا تستطيع أن تخبرنا بشيء عن الأشياء في ذاتها .

فنحن نشعر بالحلاوة والبياض ألخ، ولكن هل الأشياء نغسها حلوة أو بيضاء ؟ هذا أمر محجوب عنا معرفته ، وكثيراً ما يحدث الشيء الواحد أثرين متلفين في شخصين مختلفين ، ولماكنا لا نعرف أين الحق ، فإن الأمر يتوقف إذن على الإدراك الشخصي الذاقي . ولهذا نحن لا نعرف يقينياً غير انطباعاتنا الخاصة ، ولا يمكن أن ننخدع بها ؛ أما الأشياء نغسها فلا نعرف عنها شيئاً يقينياً . إن لدينا أسماء واحدة ، ولكن معانيها تختلف باختلاف الأشخاص، ولهذا يرى القورينائيون أن جميع امتثالاتنا وتصوراتنا ذاتية شخصية والنتيجة لهذا انه من الحماقة البحث عن معرفة الأشياء ، لأن هذا غير ميسور لنا ؛ ومن ناحية اخرى يكون الإحاس هو المعيار الذي يحكم به على أفعالنا وهو الذي يهبها قيمتها .

وعلى هذا الأساس الحسي الذاقي يقيمون مذهبهم في الأخلاق. ان كل إحساس عبارة عن حركة فيمن يحس. فإن كانت هذه الحركة ناعمة نشاً الشعور باللذة ، وإن كانت خثنة نشأ الشعور بالألم . وإذا أصبحنا في حالة سكون لم نشعر بلذة ولا بألم . ومن بين هذه الأحوال الثلاثة : اللذة ، الألم ، الخلومن كليهما ، الأفضل هو اللذة قطعاً . تشهد على ذلك الطبيعة نفها ، لأن الجميع يطلبون اللذة ويتجنبون الألم. والخلو من الألم لا يمكن ان يكون أفضل من اللذة،

لأن عدم الحركة هوعدم شعور،كما في النوم . فالخيرإذن هو اللذة، والشر إذن هو الألم؛وما ليس لذة ولا ألماً فليس بشر ولا بخير، ( انظر سكستوس أمبريكوس : « ضد المشين,م١٩٩:٧).

ولهذا كانت الغاية من الأفعال جلب اللذات. ولا يمكن الخلو من الألم- الذي رأى فيه أبيقور فيما بعد الخير الأسمى - أن يكون غاية. ولهذا أيضاً جعلوا واجب الإنان هوتحصيل أكبرقدرمن اللذات، ولكن في اللحظة الحاضرة لأن اللذة المقبلة واللذة الماضية كلتيها غير موجودة. إن الحاضر هو ملكنا أما الماضي والمستقبل فليسا لنا، ولهذا ينبغي الا نحفل بهما ( ذيوجانس ٦٦ ) .

وكل لذة خير، ولا تفاضل بين اللذات، ولا بين الأمور المولدة للذات؛ فليكن الجالب للذة ما يكون، المهم أنه يجلب لذةفقط. إن اللذات كلها سواء . ولهذا لا يفرقون بين لذات تسمح بها العادات والقوانين، وأخرى لا تسمح بها. إنكل لذة مطلوبة، حق لو أنتجها فعل قبيح.

لكن القورينائيين لم يستطيعوا التمسك طويلاً بهذا الموقف الحاد بل اضطروا إلى الاعتراف بوجود تفاضل، لأنه إذا كانت كل لذة خيراً فلا شك ايضاً في أن ي بعضها مزيداً من الخيرعن الأخرى،كا لاسبيل إلى إنكارأن بعض اللذات يشترى بالام كبيرة، ولهذا اضطروا الى الاقرار بأن بلوغ سعادة خالية من الأحزان أمر عسير المنال . ولهذا قالوا فيما بعد إن العمل السيء هو الذي ينشا عنه ألم أكثر مما تنشاً لذة ، ولهذا ينبغي على العاقل أن يمتنع عن الأعمال الني تحرمها القوانين المدنية والرأي العام . وكذلك اهتموا بالتميز بين اللذات الجسدية واللذات الروحية ، وإن كانوا استمروا يقولون بأن كل لذة أوألم يتوقف على الإحساس الجسمافي . ولم يتمسك القورينائيون بالقول بأن العادة تتوقغ على لشباع الشهوات الحسية وحدها ، بل لا بد أن يحسب المرء حساباً ، الى جاب ذلك ، للمزاج النفي . ولا بد من تقدير ذلك كله،وهوما لا يتم إلا بالعلم والنظروالفطنة، لأن ذلك يجعلنا نطلب اللذات الممكنة ، ويبعد عنا الأمور القي تعوق سبيل السعادة مثل الحسد والحب العنيف ، والخرافات ، ويحمينا من التطلع الى ثهوات مستحيلة .

ولهذا طالبوا بتربية الروح، واتخاذ الفلسفة سبيلاً إلى الحياة الحقة ، لأنهم راوا فيها الشرط لطلب السعادة .

القور ينائيون

وهكذا ينتهي مبدأ اللذة إلى تحديد يختلف عما بدأ أول الأمر . والمبدا الذي وضعه ارسطيفوس وهو ان يستمتع المرء بكل ما تقدمه له الحياة من متع في كل لحظة ، وأن الاستمتاع أفضل من الزهدوقد طبقه في مسلكه هوفي الحياة . فكان يعيش عيشة فاخرة ، ويستمتع باطايب الطعام ، ويلبس افخر الثياب ، ويتطيب بأفخر العطر ، ويستمتع لدى بنات الهوى . ولم يزدر الوسائل الى تحصيل هذه اللذات ، فكان يحصل على المال من طرق كان يتورع عنها سائر الحكماء .

لكن ينبغي الا نرى فيه مجرد ماجن ناهب للذات. لقد كان يريد الاستمتاع ، ولكنه في الوقت نفسه كان يريد أن يتحكم في شهواته ، وأن يستمتع بدون الام ، وان يجتفظ لنفسه بالنصاعة والوضوح . وعدم اهتمامه بالماضي والمستقبل إنما كان لتوفيرهذه النصاعة والوضوح الذهني . ولهذا نادى بالحرية الباطنة بإزاء اللذة . ومن هنا كلمته المشهورة في علاقته مع الغانية لايس : < إنى أقود ولا أقاد،، وهكذا يتقارب مذهب أرسطيفوس ومذهب أنطسثانس .

ثيودورس الملحد

ومن القورينائيين الآخرين نذكر اولاً ثيودورس الملحد . قال اللائرسى ( ٢ : ٩٧ ) : « كان ثيودورس ينكر العقائد الثائعة عن الآلهة، وقد اطلعت على كتاب له عنوانه : « في الآلهة » له قيمته . ويقال إن أبيقور قد استعار من هذا الكتاب معظم ما كتبه في هذا الموضوع، وكان ثيودورس أيضاً تلميذاً لانيقيرس ولد يونيسوس الديالكيتكي،كما ذكر ذلك أنطسثانس في كتابه« طبقات الفلاسفة »، وكان يعتقد أن السرور والحزن هما أعظم الخير والشرعلى التوالي، وأولهما تجلبه الحكمة، والثافي الحماقة. وسمى الحكمة والعدالة إلهتين، وعدوتيهما دعاهما الشرور، أما اللذة والألم فيتوسطان بين الخير والشر . ونبذ الصداقة لائبا لا توجد بين الحمقى ولا بين العقلاء ؛ فعندما تزول الحاجة لدى الأولين تزول الصداقة ، أما العقلاء فقانعون بأنفسهم ولا حاجة بهم إلى اصدقاء . ورأى أن من العقل الا يضحي المرء بحياته دفاعاً عن وطنه ، لانه ينبغي الا نطرح الحكمة لمصلحة الجاهلين . وكان يقول إن العالم وطنه . ويرى أن السرقة والزنا والكفر مباحة في بعض الظروف ، لأن هذه الأفعال ليست شراً بطبيعتها ، إذا ما طردت الحكم السابق ضدها ، وهو حكم يحافظ عليه ابتغاء ربط العامة الجاهلة بعضها ببعض . والعاقل من استمتع بكل وجداناته

صراحة دون أدنى مراعاة للظروف» .

هجسياس

يرى هجسياس أن الغاية هي اللذة . ويرى أنه لا عرفان بالجميل ولا صداقة ولا إحان، لأننا لا نختار فعل هذه الأمور من اجل ذاتها ، بل للمصلحة . وأنكر امكان السعادة ، لأن الجسم مصاب بالام شديدة ، والنف تشارك في هذه الألام ، ويعروها الاضطراب ، والحظ كثيرا ما يخيب الآمال . لهذا فإن السعادة غيرعمكنة . ويقول إنه لا يوجد شيء سار أو غير سار بطبعه ، فبعض الناس يسرون ، وغيرهم يتألمون من نفس الشيء . ولا أهمية للفقر أو الثراء بالنسبة إلى اللذة، لأنه لا الفقير ولا الغفي، بوصفهما كذلك ، ذوا نصيب خاص من اللذة . والعبودية والحرية ، والنبل وخسة العنصر، والشرف والعار- كلها تتساوى في تقدير اللذة . والحياة مزية عند الأحمق ، أما العاقل فهي عنده سواء . والعاقل من انقاد في كل أفعاله بمصالحه الذاتية ، لأنه لا يرى غيره كفؤاً له في الاستحقاق .

أنيقيرس

اما مدرسة أنقيرس فترى أن الصداقة والاعتراف بالجميل وتبجيل الوالدين- امور توجد فعلاً في واقع الحياة، وأن الرجل الصالح يفعل أحياناً بدوافع وطنية . وسعادة الصديق لا تطلب لذاتها ، لأن جاره لا يشعر جها . ولا يعز الصديق لمجرد نفعه ، بل للشعور بالجميل الذي من أجله قد نعاني المتاعب .

أويهميروس

على الرغم من أنه ليس ثم دليل على ارتباطه بالمدرسة القورينائية ، فلا بأس من التحدث عنه هاهنا .

وقد اشتهر بكتاب عنوانه « الكتاب المقدس» كتبه على صورة قصة رحلة ، وفيه عبر عن رأيه في ماهية الآلهة الشعبية. فقال إن الآلهة الشعبية ليسوا إلا رجالاعاشوا في العصور السحيقة كانوا ذوي فطنة وقوة، ففرضوا على الناس تأليههم ، ونجحوا في ذلك عند معاصريهم ورعيتهم . لكن ليس معنى هذا أنه أنكر الألوهية بعامة .

وقد رأى ر . ريتسنشتين ( امسالتان في تاريخ الأديان» استراسبورج سنة ١٩٠١ ص ٩٨ وما يليها ) وف . ياكوي ( مادة : أويهميروس في دائرة معارف باولى - فيسوقا»

فياس

ص ٩٦٨ وما يتلوها ) أن من المرجح جداً ان أفكار أويهميروس مستمدة من تقاليد الفكر المصري .

وقد نشاً أويهميروس في أجريجنتم اومينا في صقلية ، أو في تاجه او في جزيرة كوس، أو اخيراً - وهو الأكثر احتالأ، في مسانة بالفلوفونين . وعاش في عهد كساندروس الذي حكم بين سنة ٣١ إلى ٣٩٨ ق. م.

ومصدرنا الرئيسي عنه هو ديودورس الصقلي. ٠ وكتابه المقدس هذا لم يصل إلينا . لكن الشاعر أنيوس Aenius ترجمه إلى اللاتينية ترجمة فقدت هي الأخرى، لكن أشار إلى مواضع منها لاكتانس في كتابه ٠ النظم الإلهية»، الجزء الأول . وقد جمع ريمرن دي بلوك Block عل . في رسالة للدكتوراه كل الشذرات اليونانية واللاتينية التي وردت فيها آراء أويهميروس .