قطاعات الاستهلاك

قطاعات أو أقسام الاستهلاك (بالإنجليزية: Consumption Sectors أو Consumption Cleavages) يقصد بها التقسيمات الاجتماعية التى تتكون من خلال كيفية استهلاك السلع المادية والخدمات -خاصة الأساسية منها مثل : المسكن، والصحة، والتعليم - فى المجتمعات الرأسمالية المتقدمة.

وقد تجاهلت الغالبية العظمى من علماء الاجتماع طويلا الأهمية التى قد تتسم بها أنماط الاستهلاك فى تحديد التدرج الطبقى الاجتماعى، على الرغم مما لاحظه ماكس فيبر من أن جماعات المكانة تتراتب وفقا للأسس التى تتبعها فى استهلاك السلع. وما أشار إليه فيبلن فى تحليله للاستهلاك المظهرى عند طبقة الأعيان. وإن كانت المناقشات التى تناولت مستويات الإسكان وا لاستهلاك الجمعى - خلال حقبتى الستينيات والسبحينيات - قد دفعت بعض علماء الاجتماع إلى القول بأن التقسيمات على أساس نمط الاستهلاك، وليس نمط الإنتاج، أصبحت هى التقسيمات الأكثر أهمية ودلالة. وتدعم هذا الرأى فى بريطانيا من خلال بحوث دراسة الانتخابات، التى أوضحت - خلال الثماتينيات - أن نوع ملكية المساكن- وانقسامها إلى حكومية وخاصة - أصبح أكثر أهمية من الانتماء الطبقى الاجتماعى فى تحديد السلوك الانتخابى (يطلق على ذلك أطروحة تراجع الانحياز).

وقد ذهب أحد كبار دارسى ومنظرى موضوع الاستهلاك، إلى أن "التحليل السوسيولوجى لأنماط الاستهلاك المختلفة - مثل مساعدة الدولة الحينية، والنقدية، والمساعدة الذاتية، وتسويق أو خصخصة المساعدات - يمثل عنصرا مهما لفهم بعض الملامح الأساسية للتنظيم الاجتماعى المعاصر (انظر مؤلف سوندرز، النظرية الاجتماعية والمسألة الحضرية، الصادر عام 1986). أما فى الواقع العملى فقد تركزت المناقشات حول المساعدة الخاصة (فى السوق) والمساعدة الاجتماعية (من الدولة)، لأن التقسيم الأساسى تبعا للاستهلاك فى المجتمعات الرأسمالية المعاصرة يقوم - فى رأى سوندرز -بين هؤلاء الذين يشبعون احتياجاتهم من خلال ملكيتهم الشخصية، وهؤلاء الذين يظلوا معتمدين على المساعدة الاجتماعية من الدولة. هذا فضلا عن أولئك الذين لو أتيح لهم حق الاختيار - يستطيعون اختيار الاستهلاك الخاص القاتم على السوق مفضلين اياه على الاستهلاك الاجتماعى، كما فى السكن والرعاية الصحية والتعليم. ومن شأن ذلك أن يقوض الدعم السياسى لحكومات الرفاهية (والأحزاب التى تشجعها)، كما أن لها آثارا سلبية على نوعية ما تقدمه مؤسسات الرعاية للمعتمدين عليها. ومن شان هذا أن يخلق تقسيما اجتماعيا أساسيا بين "الأقليات الهامشية الموصومة “ التى يلقى إليها طوق نجاة مما تبقى من دولة الرفاهية" - وبين أغلبية مخصخصة، تتميز بحرية متزايدة فى الاختيار بين أفضل إمكانيات الاستهلاك التى يتيحها السوق.

وقد تعرضت نظرية أقسام الاستهلاك هذه لانتقادات عدة. حيث أصبح علماء الاجتماع يتقبلون - بشكل متزايد - فكرة الحاجة إلى تحليل أدق للعلاقة بين أنماط مختلفة من الاستهلاك والتقسيمات الاجتماعية التى يحتمل أن تتشكل على أساس هذه الأنماط. و لكن الكثيرين يرفضون النتائج التى خلص إليها سوندرز (ذات الأساس المعيارى) عن مميزات وعيوب كل من أشكال الاستهلاك المخاصة والاجتماعية فى هذا الشأن. وهناك أغلبية تعترض على ما إذا كانت أقسام الاستهلاك، و ليست الطبقة الاجتماعية مثلا، هى التى تحدد فرص الحياة، والهوية الاجتماعية، والانتماء السياسى. هناك بعض الشواهد على أن أقسام الاستهلاك تتشكل وفقا للطبقة و ليس وفقا لمحددات مستقلة للعمليات الاجتماعية. ويذهب بعض النقاد إلى أن النظرية تتسم بالتمركز حول السلالة، (لأنها تركز بصفة أساسية على الوضع فى بريطانيا)، بينما يذهب آخرون إلى أن التفرقة بين الاستهلاك الاجتماعى، وبين الاستهلاك القائم على السوق أمر غير واقعى، لأن القطاع العام (الحكومى) سوف يدعم فى الغالب الاستهلاك الخاص بشكل واضح. كما أوضحت الدراسات الإمبيريقية أيضا

أن الاتجاهات نحو الرفاهية تتباين تبعا لنوع الخدمة الاجتماعية محل البحث، وأن الطبقة الاجتماعية مازلت هى المحدد الأساسى للسلوك الانتخابى (على الأقل فى بريطانيا). إن الجدل الدائر حول هذه النتائج قد أدى إلى إدخال بعض التعديلات والتنقيحات على النظرية الأصلية، مما أسهم - مع وجود تطور ات أخرى فى حقل علم الاجتماع - فى نمو تراث الدراسة الاجتماعية للاستهلاك.