قطار الموت
هذا المقال أو المقطع قد يحوي معلومات غير مسندة أو معلومات تعارض سياسة الأبحاث أصلية. رجاء ساعد ويكيبيديا بإضافة مصادر مناسبة، وإلا فقد يتعرض المقال للحذف. |
نبذة تعريفية
عرف التاريخ وعلى وجه الخصوص التاريخ الخاص بالحكومات العربية المتعاقبة السجون والمعتقلات والتعذيب ولكن لم يشهد التاريخ ابشع وافضع من قطار الموت هذا الاسم الذي يهز الضمير البشري لمجرد سماعه، عرف العراقيون هذا المصطلح بعد انقلاب 8شباط الاسود عام 1963 م، ويعد قطار الموت من ابرز طرق التعذيب الجماعية التي ابتكرتها السلطاة الحاكمة انذاك.و سنتحدث هنا عن كيفية بداية الرحلة وكيف انتهت وما آلا براكبيه. بعد انقلاب شباط الاسود عام 1963 زج برموز نظام الزعيم الشهيد عبد الكريم قاسم وكبار ضباط الجيش ولفيف من الادباء والمفكرين في سجون السلطة التي اشتهرت بقسوة سجانيها وشدة بطشهم، ومن أشهر تلك السجون سجن رقم (1) في معسكر الرشيد وسجن بعقوبة وسجن نقرة السلمان في السماوة، هذه السجون التي اوت مجموعة كبيرة من الرموز الوطنية الذين تلقوا فيها ابشع واقسى أنواع التعذيب على ايداي دعاة القومية العربية والذي كان من ابرزهم الرئيس الأول (الرائد) حازم الاحمر مسؤول سجن رقم (1) الذي عرف بشدة قسوته وباستخدامه كافة أنواع التعذيب لنزلاء السجن انذاك. لاقى نزلاء سجن رقم (1) بعد حركة معسكر الرشيد التي اقترنت باسم النائب الضابط حسن سريع اشد وابشع ما لاقوه حيث جاء في صبيحة 3 تموز 1963 صدور مرسوماً جمهورياً يقضي بترحيل النخبة الوطنية المعتقلة في سجن رقم (1) إلى سجن نقرة السلمان، وفعلاً جمع المشمولين بالمرسوم وهم لا يعلمون إلى اين ذاهبون، لا يعلمون ان اسمائهم قد حددت وفق مرسوم جمهوري المراد منه قتلهم جمعياً ولكن اتفاق قادة النظام على نقلهم بواسطة قطار الموت الجماعي المبتكر وان لم يموتُ فسيعدمون في سجن نقرة السلمان على يد (العميد عبد الغني الراوي) الذي كان من المفترض ان يعدم (500) من سجناء رقم (1) والذي خفض فيما بعد إلى (300) ومن ثم إلى (150) ونهاية ب(30) ولقلة العدد رفض الجلاد عبد الغني الراوي ان يذهب إلى السماوة وينفذ الامر.
كيف كان القطار
قطار الموت عبارة عن عربات (فاركونات) مخصصة لنقل البضائع والمواشي، شبيهه بعلبه حديدية صماء محكمة الاغلاق بلا نوافذ ولا مقاعد حيث كان المنفذ الوحيد للهواء الخارجي داخل العربات هو الشقوق الضيقة جداً الموجودة أحياناً بين أبواب الفاركونات واطاراتها علماً ان هذه العربات غير مبطنة من الداخل بمواد عازلة أو واقية من تسرب الحرارة أو البرودة، اما بالنسبة إلى الأرضية وبعض الجدران من الداخل كانت مطليه بمادة القير الذي هو اسوء من الحديد العادي، وكانت هذه العربات مقفلة معتمة توحي بانها فعلاً لنقل البضائع والماشية وان بعض العربات كانت اشبه باسطبل أو (طوله حيوانات متنقله) اما بالنسبة للحرارة والبرودة فالعربات كانت حارة جافه عند ظهور الشمس وباردة قاتلة في غيابها، يصف الكاتب المرحوم الدكتور علي كريم سعيد ركاب قطار الموت على انهم (لحوم بشرية في قدر مغلق).
التحضير لرحلة القطار
بعد صدور المرسوم الجمهوري وتحديد أسماء المعتقلين المراد ترحيلهم من النخبة الوطنية المعتقلة في سجن رقم (1) فعلا تم جمعهم وتقيدهم الواحد بالاخر وجهزة المركبات (الباصات) المراد نقلهم بواسطتها إلى محطة القطار العالمية، وفعلاً تم نقلهم ليلاً وهم لا يعلمون إلى اين يقتادوهم سجانيهم فبعض منهم يقول انهم ذاهبوان إلى ساحة ام الطبول لتنفيذ حكم الاعدام بهم واخر يقول سيفرجون عنهم ولكن عند وصولهم إلى محطة القطار العالمية تفاجئُ بوجود قوة كبيرة من الجيش والحرس القومي (المليشيات البعثية) كانوا قد فرضوا طوق على المحطة وقد لوحظا وجود بعض اقطاب النظام انذاك ويبلغن الضابط محمود الجلبي عضو محكمة الشعب (بأنه قد رأى عبد السلام عارف وطاهر يحي ورشيد مصلح واحمد حسن البكر وكانوا ظاهرين بشكل ملحوظ وهم يشرفون على عملية صعود المعتقلين إلى قطار الموت) يصف الدكتور علي كريم سعيد صعود المعتقلين إلى قطار الموت (و كأن الراكبين ليسوا ببشر بل حيوانات أو بضائع تود الحكومة نقلهم). و بعد الانتهاء من عملية صعود المعتقلين إلى داخل القطار غلقت الأبواب الحديدية وبدءت رحلة الموت المحتم بقيادة السائق (عبدالعباس المفرجي) الذي تسلم القطار بصورة غير طبيعية وغير معتادة واقتاد القطار وبصحبته الضابط المسؤول عن القطار وعدد من الحرس برحلة تزيد مسافتها عن 300كم من بغداد إلى السماوة وكانت التوجيهات تفرض على المفرجي بان يسير بأقل سرعة ممكنة وهو لا يعلم ما سر حمولته متوقعاً كونها حمولة بضائعية خاصة.
الحياة أثناء الرحلة
رحلة القطار كانت رحلة عصيبة على رموز النضال الوطني العراقي تحت تأثير الحرارة القاتلة في فاركونات الموت المحقق وبخار القير (الزفت) وحرارته اللهبة، وبدءُ يتساقطون الواحد تلو الاخر من شدة الاختناق والارهاق وقلة الأملاح التي فقدتها اجسادهم وهنا لعب الضابط الدكتور رافد صبحي اديب دور كبير في انقاذ ارواح النخبة حيث كان يعطيهم نصائحه الطبية.
كيف ومتى علم المفرجي بسر حمولته
و عند تواصل قطار الموت بمسيرته من بغداد إلى السماوة وهو يسير وفق التوجيهات وبعد أن قطع بما يقارب 160 كم عند توقفه في احدى المحطات شئت الصدفه أو الحظ قد حالف النخبة مرة أخرى ,حيث قد صعد ثلاث اشخاص وابلغُ المفرجي بسر حمولته وما ان عرف بهذا السر ارسل مسرعاً مساعده ليتاكد من صحة المعلومة. بعد أن تاكد المفرجي من الامر وأصبح امام مسئله إنسانية بالدرجة الأولى ووطنية شعر بان ارواح هذه المجموعة امانة في عنقه وعليه ان يقف وقفه مشرفة وهنا ظهرت عراقية هذا الرجل ووطنيته في اتخاذ موقف حاسم وان ينطلق بسرعة كبيرة جداً لانقاذ ارواح المناضلين الذي في عهدته وحتى انه لم يقف في المحطات المتبقية المقرر الوقوف فيها ويقول بعض ركاب هذا القطار (ان السائق انطلق بسرعة فائقة جداً حتى ان كادت العربات ان تنقلب من السرعة), وبهذا يكون المفرجي قد خالف الاوامر والتعليمات التي كان من المفترض ان يطبقها ووصل بذلك قبل الوقت المحدد إلى محطة قطار السماوة وبهذا كان المفرجي يخوض سباق مع الموت.
الوصول إلى السماوة وانتهاء الرحلة
بعد ثلاثين ساعة من انطلاق شرارة معسكر الرشيد وصدور المرسوم الجمهوري ونقل النخبة الوطنية من سجن رقم (1) إلى المحطة العالمية حتى وصولهم إلى محطة قطار السماوة كانت اشد واقسى الاوقات التي عاشها المناضلون بين يدي الزمرة الحاكمة انذاك خلال اليومين 3-4 تموز 1963، وبفضل السائق المفرجي وصلوا المحطة قبل 2الى 3 ساعة التي ساعدت على انقاذهم من الموت المحتم الذي اقرته السلطة بموجب ذلك المرسوم المعادي لجميع رموز ومناصري الزعيم عبد الكريم قاسم. و بهذه الظروف العصيبة وعند الوصول إلى محطة قطار السماوة كانت الحشود الجماهيرية بانتظار النخبة الوطنية المناضلة في ذلك القطار لتقديم المساعدة لهم والوقوف إلى جانبهم وانقاذهم من مصيبتهم المحتمة التي لم يشعر بها احداً سواهم. و يحدثنا الضابط محمود الجلبي عضو محكمة الشعب عن وضعهم عند النزول من القطار قائلاً : (عند توقف القطار في محطة السماوة كان الكثير منا قد فقد الوعي والبعض لم تحمله قدميه ولايستطيع السير على قدميه واذكر على سبيل المثل الضابط نادر جلال الذي فقد الوعي وتوفي، ولااستطيع ان انسى مناظر الجماهير التي كانت حاضرة لمساعدتنا والتي حذرها الاطباء المعتقلين الذين كانوا معنا من أن يعطون ماء لوحده بل يعطون ماء مع ملح لكي نعيد اتزاننا الذي كنا فاقديه جميعاً ولو كنا قد شربنا الماء لوحده لكان الموت حليفنا). و من ركاب هذا القطار : ((الضابط محمود جعفر الجلبي / عضو محكمة الشعب معتقل في سجن رقم (1) وسجن بعقوبة ونقرة السلمان الضابط لطفي طاهر/ شقيق المرافق الضابط الشهيد وصفي طاهر الضابط ساجد نوري / حماية الزعيم الشهيد عبد الكريم قاسم، الضابط نوري الونة، الضابط حسن عبود، الضابط غضبان السعد، الضابط غازي شاكر الجبوري، الضابط إبراهيم الجبوري، الضابط عبد السلام بلطة، الضابط الطبيب رافد صبحي اديب، الضابط الطبيب قتيبة الشيخ نوري، الضابط الطيار عبدالنبي جميل، الضابط الطيار حسين علي جعفر، الضابط طارق عباس حلمي، الضابط عزيز الحاج محمود، الضابط ارشد عبد الرزاق حسين (وهو شقيق نوري عبد الرزاق عضو الهيئة المركزية للحزب الشيوعي في ذلك الوقت) اما من المدنيين الراكبين فكان ((مكرم الطالباني، عزيز الشيخ محمود، عبد الوهاب الرحبي، كريم الحكيم، الدكتور احمد البامرني، علي حسين رشيد، جميل منير العاني، شاكر القيسي، حامد الخطيب، فاضل الطائي، عبد الصمد نعمان، علي إبراهيم)). هذه الرحلة التي عاشها هؤلاء المناضلين الذين لم ينظر اليهم فرد من الحكومة ليكرمهم تكرميا اجتماعياً ولم يذكرهم أحد من صحافينا أو كتابنا أو محطاتنا الفضائية وعرضهم إلى الشعب العراقي والعربي ليتعرف عليهم وينظر على ما عانوا.
شهادة السيد مهدي الموسوي من داخل احدى العربات
بمناسبة ذكرى 8 شباط 1963 - حركة الردة السوداء في العراق
في يوم 3-7-1963 صحونا على أصوات الرصاص الكثيف. لم نكن ندري بين من، فرفعنا أحدنا ليرى من الشباك الصغير الذي كان بغرفتنا الصغيرة لينقل لنا مايدور في ساحة سجن معسكر الرشيد المسمى برقم واحد. لقد كنت أنا وعدد من المعتقلين - منهم المحكوم بالإعدام ومنهم من ينتظر في المجموعة الثالثة وأطلق عليها مجموعة الإعدام - في غرفتين، كل غرفة فيها تسعة ومساحة الغرفة لا تتعدى مترين في مترين، فقد كنا نعاني الكثير من ضيق المكان خصوصا وان السجانين يخرجوننا مرة واحدة في اليوم ولمدة عشرة دقائق لا غير نذهب فيها إلى الحمامات، أو ما تسمى بالحمامات. وبعدما هدأ الرصاص علمنا عن انتفاضة الشهيد حسن سريع. وفي ليلة ذلك اليوم جمعونا - كل الموجودين في سجن معسكر الرشيد وفيه المجموعتين الأولى والثانية وفيهما خيرة ضباط الجيش العراقي، وكنا نحن 18 من المدنيين في المجموعة الثالثة - مجموعة الإعدام، أتذكر منهم: كمال عمر نظمي، بديع عمر نظمي، زكي عبد الرحمن، سلطان ملة علي، علي إبراهيم، حمدي أيوب، زهير الأنصاري، عبد القادر إسماعيل، فخري بطرس، عزيز الشيخ، علي ياسين، هاشم الأطرقجي، هاشم الحكيم، وغضبان السعد - العسكري الوحيد. وكان معنا خمسة من المحكومين بالإعدام أعرف منهم الرياضي البطل عبد الله والذين نفذ فيهم الإعدام بعد ذلك. وبعد جمعنا صعد أحد ضباط المعسكر وأعتقد اسمه حازم الأحمر وأعلن بالميكروفون على أن استعدوا للنقل، وكل من يذكر اسمه فهوباق وعلى الآخرين أن يتهيؤوا ويتركوا كل حاجياتهم. ثم أخرجونا بطوابير مرورا على طاولة جلس حولها ضابط وبجانبه ثلة من العسكريين وكل واحد منا وصل اليهم سألوه عن اسمه ثم ربطت يداه من الخلف بحبل وأصعدونا بسيارة نقل السجناء الحديدية. هذا ما كان لنا نحن في المجموعة الثالثة ولا علم لي بالآخرين. وسارت السيارة ونحن لا ندري إلى أين يذهبون بنا. كان الموت أمامنا، وفي الطريق إلى المكان الذي وصلنا له ولضيق التنفس كان معنا من يعاني من الربو وتأثر في الطريق إلى أن وصلنا إلى محطة القطار وهنالك أنزلونا وأيدينا مكتوفة إلى الخلف وواحدا بعد الآخر يصعدونا إلى العربة الحديدية - الجطلة - كما تسمى وأيدينا مكتوفة كما ذكرت. ثم أغلقوا الأبواب علينا وكنا لا ندري إلى أين. سار القطار ليلا وبسبب برودة الجو ليلا لم نتمكن من النوم لشدة البرد لأن عربتنا كانت مفروشة بالتراب الناعم الذي افترشناه لعلنا ننام وتحملنا تلك الليلة إلى أن أشرقت الشمس ونحن في محطة الديوانية وبدأت العربات تسخن شيئا فشيئا فغدت كالأفران. وكنا في عربتنا نحاول أن نوسع الفتحة التي كانت تحت الباب والتي لا تدخل منها عودة الشخاط ولكن لم نتمكن لأن العربة كانت جديدة ومن الحديد الصلب. ثم قمنا بمحاولة اسماع الناس في المحطات التي يمر بها القطار وكان أحدنا يترجى الناس بصوت قوي - باسم الحسين عليه السلام أو العباس لأنه يعرف أن العشائر بتلك المناطق هم من العراقيين الأباة الذين ينتخون ولكن القطار بجميع عرباته والتي كانت تحمل أكثر من ثلاثمائة وخمسون من خيرة أبناء العراق ضباطا ومدنيين - كانت العربات لم تقفل بقفل بل بالربد - أي البرجيم - ولذلك تحتاج إلى آلة لكسره. وكانت الحراسة مشددة جدا وسمع الكثير من الناس والماريين بالسيارات أصواتنا ونحن نضرب على الأبواب فأوصلوا الخبر إلى أبناء السماوة والى السائق الشهم الذي سار بالقطار بالسرعة العالية لايصالنا إلى محطة السماوة قبل الموعد المقرر.
الساعات الأليمة والمحزنة عندما بدأ الوضع يسوء داخل عربتنا وانهيار قوانا الجسدية نتيجة قلة الهواء وانعدام الماء وتصبب العرق من أجسادنا، وضعنا خمسة منا ممددين على الأرض وأنوفهم على تلك الفتحة الصغيرة تحت الباب المعاكسة لأشعة الشمس فالباب الثانية لم نكن نتمكن من الاقتراب منها لشدة الحرارة المنبعثة من جدار العربة الحديدي. ثم وضعنا ثلاثة فوقهم ممن بدأت أحوالهم تسوء وبدؤا يفقدون الوعي، وبدأ الآخرون يتساقطون ويئنون ومنهم يتكلمون أي كلام، فهذا يصيح أريد أن أوصي ويرد عليه ثان كلنا مثلك لمن توصي، وهذا يصيح يمة هاي شلون موته لو ميتين بالشارع جان أحسن. وآخر يهمس بإذن أخيه بصوت خافت. لقد كنت انظر هذه المشاهد المؤلمة: مثقفون وشخصيات معروفة ورئيس محكمة ومحامون وأساتذة جامعة يصارعون الموت للبقاء ساعة أكثر لعله هناك فرج. ثم همس بأذني آخر من كان لا زال واع وهو عزيز الشيخ الأستاذ الجامعي وقال: مهدي آنه ما أقدر بعد، ثم سقط على الأرض. كنت آخر من كان يشعر ويتحرك فحاولت مساعدته ولم أدري كيف لأنني لم أملك شيئا يمكن مساعدته به فوجدت بجنبي نعال زنوبة كما يسمى وعندما حاولت تحريك الهواء كان العرق يتصبب من يدي فامتنعت لألا يسقط على أنفه فيختنق بعد ذلك. ولا أتذكر كيف سقطت على الأرض ولم أشعر بأي شيء إلا وأنا نائم على صبة اسمنتية أمام محطة قطار السماوة ويصب على الماء ورأيت العشرات نائمون ويصب عليهم الماء وإذا بأحد الأخوان يضع ملح بيدي ويقول لي إلهمه بسرعة وهكذا مع الآخرين، لأن أجسامنا فقدت الأملاح ونتيجة ذالك أصيب الكثير بأمراض ولخطورة حال علي إبراهيم وزكي عبد الرحمن، فقد أرسلا إلى المستشفى. أما الشخص الذي توفي فقد كان من عربة أخرى. لقد كانت عربتنا ثاني أسوء عربة. ان من المهم أن أبين أنه لايوجد شخص يمكنه أن يكتب عن جميع العربات لأن كل عربة لها وضع خاص. كان عدد الجميع 350 معتقلا من الضباط والجنود والمدنيين. هذه الجريمة التي لا تغتفر هي احدى جرائم البعث الفاشي وقد كتبت أبيات شعبية تعبر عن تلك المأساة.
أسولف ما أبالغ بالسوالف هاي سجين انقطع عنه الهوه والماي
أسولف ما أبالغ لو ردت أحجي الجرى والصار ذاك اليوم اهو يحجي ظلم وغدر خلاني بألم أشجي وأكتب عن قطار المجرمين وعملته وياي
كعدنه على الرصاص الصبح مشدوهين غيوم ملبدة المطر جاي منين حسن واخوانه الشجعان ما ننساهم مبينيين ليوث احتلت الساحة الكل منهم نزل فداي
بعد ساعات شفنه هدات الساحة وشفنه الزلم من وجوهه ما بكت مرتاحة أثاري القدر غير فرصة اتجاحه حسن ذاك البطل ظل صوته الدواي
أشباه الرجال اتجمعت وتغطرست يمنه معروفه بجبنها وايدها ملطخة بدمنه شيريد الحاكم الظالم..بعد شيريد من عدنه بحبل الحقد، من الخلف، ربطوا يسرتي بيمناي
صعدونه بعد سيارة مخصوصة للمساجين ما بيهه ولا فتحة الهوه قلي يجينه منين تعبنه من وصلنه المحطة وكلنا بحبل متجتفين حشرونه بالجطلة..وكلهم اتفقوا بهذا الراي
صعدونه وايدينه مجتفة ما ندري وين نروح ومن عيونهم شمينه ريحة الجريمة تفوح الأكل ممنوع ويانه..وحتى الماي ما مسموح رمونه داخل الصندوق..انشلت ايده للرماي
قطار الموت ما ننساه وأبد ما التمت جروحه ولا فراكينه يوم الوجرت الشمس ملفوحه ولا ذيج الرجال الغدت من الألم مسدوحة تلوب الروح يوم الطف من حرموا حسين الماي؟
صرخنه بصوت عال وننخى بالثوار ونخينه الله ورسوله وحيدر الكرار وصاح بصوت واحد كصت بينه النار وواحد كال أوصي: كلنه مثلك المن التوصاي
وصلنا للسماوة واحنه ما ندري وصلنا شلون قسم جبير من عدنه أبد ما جانوا يحسون ومن ماي الحدايق كاموا يصبون شبه ميتين ممدودين عالصبة عري وحفاي
شفنه أهل السماوة مطوكتنه بسور ومن حقد العليهم جان دمهه يفور وعلينه دموع صبت من قلب ممرور ومن شافوا عطشنه.. صاروا الرواي
ملاحظات جديرة بتدوينها: 1) عند وصول القطار إلى السماوة وجدنا حشد كبير من أهالي السماوة كانوا ينتظرون وعند نزولنا حاجتنا الأولى كان الملح فوجدناه بمتناول أيدينا وكان يوزع على من يحتاجه إضافة إلى بعض المواد الغذائية كانت كلها من أهالي السماوة رغم تواجد الحرس القومي الفاشي وإحاطته بنا. 2) عند نزولنا من القطار وعندما أفقت نهضت وصرخت بالحرس القومي المجرم: إنكم أسوء من يزيد بن معاوية في جريمتكم هذه. ثم تقدم مني عزيز الشيخ وصافحني وودعني فظننت أنه يريد الهروب وإذا به يتوسطنا ويلقي كلمة سياسية قال فيها مخاطبة السلطة: إنكم جبناء ومجرمون لماذا لم تحاكموننا بالمحاكم وتحكموا علينا بما تريدون وغيرها من كلمات الإدانة وعن فاشيتهم بهذه الجريمة. 3) كان أحد أفراد الشرطة بجانبي وقد وضع على عينيه نظارات كان يبكي ويتمتم: وين العشائر...وين الناس، وكان متأثر جدا لوضعنا. 4) عندما تقدم معاون شرطة نحونا يطالبنا بالدخول إلى باحة محطة القطار وكان يتكلم كلاما بذيئا فاجأه أحد المعتقلين من الضباط بضربة كف جزاء على كلامه الوسخ. أراد ضابط أخذ ذلك الشاب الشهم من بيننا فرفضنا ذلك وقلنا لهم هذا عسكري ويجب اعتقاله من قبل الانضباط العسكري. فذهب وأحضر اثنين من الانضباط العسكري ودخلوا بيننا وكانوا يسألون عنه بصوت مرتفع: وينه هذا...وينه هذا، وبصوت خافت يقولون لنا: أخفوه بينكم. وفعلا تم إخفاءه ولم يلقوا القبض عليه كما أراد ضابط الشرطة البعثي. 5) جمعونا بعد ذلك في باحة محطة القطار وجاؤوا بسيارات حافلات وأركبونا بها ونقلونا إلى سجن نقرة السلمان الصحراوي الرهيب، ولذلك السجن قصص أخرى مأساوية ومؤلمة. 6) بالنسبة لي، تسبب النقص في الأملاح تكونت حصوتان في الكليتين عانيت الكثير بسببهما اللتين خرجتا بتناول العلاج لمدة طويلة.
مهدي أحمد الموسوي (أبو صلاح)
المصادر
1/ لقاء شخصي مع الضابط المتقاعد محمود الجلبي عضو محكمة الشعب.
2/ لقاء شخصي مع الضابط المتقاعد غازي شاكر الجبوري أحد منتسبي محكمة الشعب.
3/ البيرية المسلحة – الدكتور علي كريم سعيد.
4/ تجربة قطار الموت للسيد مهدي الموسوي - أحد المعتقلين في المعسكر والقطار - كتبها بخط يده بتاريخ 10 شباط 2011 في مونتريال - كندا.