قبيلة البرنو


قبيلة البرنو

بسم الله الرحمن الرحيم

امارة عموم قبيلة البرنو

سلسلة مقالات رقم (3)

مؤجز تاريخ قبيلة البرنو

اعداد الدكتور / عبد الباقي محمد احمد كبير

استاذ التاؤيخ بجامعة امدرمان الإسلامية ونائب مدير جامعة الفاشر

مدخل :

وجدت دولة البرنو اهتماما كبيرا من المؤرخين والحغرافين العرب والاوربيين للدور التاريخي العظيم الذي قامت به في القارة الأفريقية فقد ثبت تاريخيا انها كانت من أكبر الدول الأفريقية مساحة فقد امتدت من نهر النيجر غربا وحتي نهر النيل شرقا ومن إقليم فزان شمالا وحتي الادماوا جنوبا (1) كما انها كانت أطول الدول عمرا فقد عاشت لاكثر من الف عام (700 – 1919م) ولهذا فقد قامت بدور كبير في نشر الإسلام في القارة الأفريقية بعامة ومنطقة السودان الغربي والاوسط بخاصة بل ان شعوب هذا الإقليم الواسع قد دخلوا في الإسلام علي ايدي البرنو وانتشرت الثقافة الإسلامية والعربية عن طريق معاهد البرنو ومساجدها التي ظلت تعمر هذه المنطقة طوال العصر الوسيط وجزءا من العصر الحديث ولم تنطفئ نيرانها القرآنية الا بعد الغزو الاستعماري للقارة. كما بسطت دولتهم الشوري والعدل بين رعيتها واتخذت من الشرع الإسلامي منهجا في كل نظمها السياسية والحضارية (2) فكانت منار اعجاب كل الرحالة الذين زاروها عربا كانوا أو اجانب فاستطاعت بذلك ان تقيم علاقات قوية مع حكام مصر ودول شمال أفريقيا ومدت يدها الي الخلافة العثمانية فقبلتها وامتدت ها بما يلزم من المد المادي والمعنوي فانطلقت قوافلها التجارية لتجوب الصحراء الأفريقية فكانت كسفن تموج في بحر عميق فازدهرت تجارتها مع مصر والحجاز وشمال أفريقيا بل ذهبت تجارتها حتي الصين والهند شرق أفريقيا (3). فظهر تجار البرنو فبيها كتجار ودعاة وكان الحج مظهرا إسلاميا مهما لسلاطين البرنو حتي يقال انه حج أكثر من ثلاثين سلطانا من سلاطين البرنو وهكذا ملأت هذه الدولة الفتية المنطقة الإسلامية جركة وبركة واستطاعت ان تحافظ علي املاكها طوال تلك الفترة حتي عندما دخل الاستعمار الاوربي القارة الأفريقية خلال القرن العشرين كانت في ثلاث جبهات البريطانية والفرنسية والالمانية (4) فسقطت الامبراطورية العجوز بعد أن جاهدت كل تلك الفترة ثم قسمت املاكها بين تلك الدول الثلاث لكنها تركت للمسلمين تراثا رائعا وصفحات خالدة من التاريخ الإسلامي والحضارة الإسلامية لهذه القارة.. ولهذا وجدت دولة البرنو ذلك الاهتمام ولا زالت تجذب انظار الباحثين الحديثين وسوف نحاول في هذا البحث إلقاء الضؤ علي جوانب من تاريخها ريثما ياتي بيانها مفصلا في كتاب يوافي أخبارها ويكشف اسرارها ان شاء الله تعالي..

دولة البرنو في التراث العربي والاوربي

إهتم الجغرافيون والمؤرخون العرب بدولة البرنو وقام بعضهم بزيارتها وسجلوا أخبارها في صفحات مشرفة حفظت لنا جزء من ذلك التاريخ ومن أهم هؤلاء المؤرخين العرب علي سبيل المثال :- -اليعقوبي المتوفي عام (292ههجرية \904م) في كتاب البلدان.. -المسعودي المتوفي عام (346هجرية \956م) في كتابه (مروج الذهب ومعادن الجوهر).. الادريسي المتوفي عام (560هجرية \1160م) في كتابه (نزهة المشتاق في اختراق الآفاق).. - أبو الفداء المتوفي عام (732هجرية \1332م) في كتابه المختصر في أخبار البشر - العمري المتوفي عام (748هجرية \1347م) في كتابه (مسالك الابصار في ممالك الامصار. -ابن بطوط المتوفي عام (779هجرية \1377م) في كتابه(تحفظة النظار في غرائب الامصار وعجائب الاسفار).. -ابن خلدون المتفي عام (808هجرية \1405م) في كتابه (العبر وديوان المبتدأ والخبر في تاريخ العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر).. -القلقشندي المتوفي عام (821هجرية \1418م)في كتابه (صبح الاعشي في صناعة الإنشاء).. المقريزي المتوفي عام (845هجرية \1441م) في كتابه (المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والاثار) -الحسن الوازن المتوفي عام (947هجرية\1540م) في كتابه (وصف أفريقيا).. -السلاوي المتوفي عام (1315هجرية \1898م) في كتابه (الاستقصال بدول المغرب الاقصي)..

اما الاوربيون فقد بدأ اهتمامهم بالدول الأفريقية وخاصة دولة البرنو منذ القرون الوسطي وعندما تفجرت الثورة الصناعية الاوربية في العصر الحديث ازداد اهتمامهم بالقارة وتنوعن طرق الاتصال بها. وقد زار برنو عدد كبير من الرالة الاوربيون في شكل وفود رسمية أو طرق ديلوماسية أو اتصالات تجارية أو رحلات استكشافية فسجلوا ماضي هذه الدولة التاريخي والحضاري وما شاهدوه بأعينهم عن حاضرها قكتبوا عنها الكثير الذي يشكل ذخيرة تراثية مهمة لماضي هذه الدولة ومن ابرز الكتاب الاوربيين الذين زاروا برنو وكتبوا عنها نذكر علي سبيل المثال لا الحصر :- بعثة(دنهام) (وداني) (وكلابرتون) الذين زاروا العاصمة كوكة عام 1823م وكانوا في شكل وفد دبلوماسي فاستقبلهم الشيخ الامين برنو سلطان برنو يومئذ، وسجلوا عنها مشاهداتهم بشكل لا يخلو من الاعجاب عن اهل برنو وتاريخهم. كما بعث ريتشاردسن رسالة بعثة كبري تحت رعاية الجمعية الحغرافية البريطانية لكنها ووجهت بالكوارث فلم ينج من الموت من افرادها سوي الدكتور(هنري بارث) الذي زار برنو عام 1850م ومكث فيها أكثر من ثلاث سنوات يجمع الوثائق التاريخية عن برنو ويسحل الروايات الشفهية، وكانت علاقته بسلطان برنو قوية مكنه من جمع مادة غزيرة، فرتبها وسجلها في كتابه الهام

                  Trevels and Dicoveries in north and C     enteral afica.Vols

ثم جاء من بعده كل من فوجل عام (1854م -1856م) وبيرمان الذي كلفه الملك (ولهلم) ملك بروسيا بحمل رسالة ومعها هدايا الي سلطان برنو يومئذ الشيخ عمر بن الامين الكانمي (1870م -1872م) كما وفد إليها كل من :(ماتيوس).(ومساري).في الفترة من (1880م -1881م) . ثم جاء بعدهم كل من (مونتي) و(بروان) و(بالمر) الذي كتب بدقة عن برنو في كتابيه : 1\The Bo ron sahara and sudan. 2\ The Growth of Borno

وغيرهولاء ممن لا يتسع المجال لذكرهم فكتبوا عنخا جميعا كتابات رائعة شكلت مصدرا مهما للباحثين فيمل بعد.. ام بالنسبة للكتاب المحدثين في العالم العربي والافريقي فنجدهم تناولوا تاريخ هذه الدولة باهتمام كبير خاصة في بلاد مثل نيجيريا والتي تهتم بالبحوث العلمية ولهذا نجد تراث برنو يشكل محور الدراسات التاريخية في تلك البلاد فكتبوا عن تاريخها مئات الرسائل العلمية من ماجستير ودكتوراة وبحوث اخري باقلام علماء البرنو وشيوخها.. ولهذا فان من الواجب ان نعرف من هم البرنو، قبل الخوض في تاريخهم..

البرنو

بفتح الباء الموحد وسكون الراء وضم النون وسكون الواو.. كما ضبطها العمري ((5)) اسم يطلق علي دولة إسلامية كبري في بلاد السودان كنا يطلق هذا الاسم علي الشعب الذي اقام هذه الدولة.. ام تفسير كلمة البرنو ومصدرها فتؤكد الدراسات التاريخية ان كلمة البرنو ذات اصل بربري وهو من تحريف لكلمة باران الصحراوية ومعناها المحاربون ((6)) اي الرجال المحاربين ثم حرفت الي برنو علي لسان القبائل المحلية التي خضعت لحكم البرنو.. ولعل هذا التفسير يكشف لنا شيئا عن موضوع اصل البرنو طالما ظل يشغل بال الكثيرين وقد دار جدل طويل حيث ذهبت وثائق برنو الرسمية الي انهم من حمير وان ملوكهم من أبناء سيف بن ذي يزن من اليمن ((7)) وقد مهروا كتاباتهم للدول والشعوب وبذلك وذهبت الدراسات الحديثة والروايات المحايدة الي ان البرنو ينتمون الي اصول بربرية انحدرت الي السودان الأوسط من الشمال والشرق ((8)) وباخلاطهم مع العناصر الافربقبة ضاعت الوانهم البيضاء وانقلبت الي سمرة. وأحيانا الي سواد خاصة البرنو الذين توغلوا في بلاد سودان وادي النيل وقد عالج هذا الموضوع الشيخ محمد بيلو في كتابه (انفاق الميسور في تاريخ بلاد التكرور).. حيث ذكر بانهم من بقايا البرابرة الذين يقطنون بين بلاد الزنج وبلاد كوش وهم الذين طردهم حمير من اليمن بعد افريقش التبع وذلك بعد أن اتي بهم افريقش من بلاد الشام الي اليمن ليعينوه في ملكه ثم تكاثروا في اليمن وفي عهد حمير طمعوا في حكم اليمن فطردهم حمير الي أفريقيا فدخلوا الحبشة ة بلاد كوش واشتركوا في احداثها وعقب سقوط كوش واصلوا رحلتهم غربا حتي منطقة الكانم والتي سبقهم إليها اخوانهم البربر المعروفين باسم (امكيتا) والذين جاءوا الي هذه البلاد عبر مصر وشمال أفريقيا فغلبوهم وحكموها ((9)) وقد ذهب الي مثل ذلك أيضا الشيخ ادم الالوري بقوله ان اصل البرنو من الربر البيض واختلط بهم العرب والفلاتة والزنج ((10)) والاهم من ذلك هو ان الهوسا ما زالوا حتي اليوم يطلقون علي البرنو اسم البربر أو البرابرة.. ولهذا فان كل هذه الروايات تؤكد ان البرنو ينحدرون من اصول بربرية صحراوية والبربر هم من سكان أفريقيا الاصليون وكذلك الصحراء الكبري واذا كان البرنو جميعا يدعون بانهم من اليمن فلا باس من تصديق روايات البرنو انهم من حمير طالما انهم اصلا من البربر.. ام أهم قبائل البرنو التي وردت في وثائقهم فهي الكانوري والماغومي الكي والنكلمة دغو والتري والكانمبو.. وكانت تقطن في بلاد البرنو الكثير من القبائل العربية وغير العربية ومن أهم القبائل العربية السو، والفيكة، والمسكو، والمرغي. والتبو، والتيدا ووالزغاوة، والقرعان، والطوارق، والفلاتة، والهوسا، والبلالة، والباقرمي، والكنين...الخ.. اما القبائل العربية في برنو فهي كثيرة وتعرف باسم ((الشوا)) أو عرب برنو ومن أهمها : السلامات والتعايشة والجوامعة والبني هلبة وبني حسن وبني حسين والمسيرية والهبانية وخزام وأولاد جمال ((11)) الخ.. وقد خضعت كل هذه القبائل وغيرها لدولة البرنو واندمجت القبائل العربية مع قبائل البرنو، بواسطة المصاهرة والمشاركة في الحكم حيث انخرط عدد كبير من هذه العناصر العربية في جيش برنو وقد اصيبت هذه القبائل بنفس الشتات الذي اصيب به البرنو عقب الغزو الاستعماري. ويشار ان موضمع العرب في برنو قد عالجه الشيخ إبراهيم صالح بن يونس في كتابه (تاريخ الإسلام وحياة العرب في امبراطورية كانم برنو)..

تأسيس دولة البرنو

مرت دولة البرنو بمرحلتين في تاريخها السياسي المرحلة الأولي عرفت بدولة الكانم (700-1398م) وعرفت الثانية يدولة البرنو (1398-1919م) ولم يتغير شيء خلال المرحلتين سوي اسم الدولة، اما الحكام فهم انفسهم فقط انتقلوا من شرقي بحيرة تشاد الي غربي البحيرة وسموا دولتهم بدولة البرنو. وتؤكد معظم الوثائق التاريخية الي ان دولة برنو قد نشات عند بداية عهدها في إقليم كوار جنوب منطقة فزان ((12)) وذلك عقب سقوط مملكة كوش علي يد اكسوم وما تلا ذلك من صراعات قبلية ادت الي هجرة هذه القبائل واستقرارها في إقليم كوار وتاسيس ملك لها في هذه المنطقة..ثم انتقلت هذه الدولة جنوبا واستقرت شرقي بحيرة تشاد والتي عرفت ببلاد الكانم، وذلك عفب الحروب الرومانية في شمال أفريقيا وما تلا ذلك من احداث الفتح الإسلامي فهاجرت قبائل ضخمة من العناصر البربرية واستقرت حول بحيرة تشاد وحوض النيجر.ويذكر المؤرخين ان هذه القبائل المهاجرة قد وجدت شعوبا أفريقية تعرف باسم (السو) فحاربتها وانتصرت عليها واقامت حكمها فيها وكان ذلك في حوالي عام 700م ((13)) ولعل هذا التاريخ يوافق الي حد كبير احداث الفتح الإسلامي لشمال أفريقيا، حيث تذكر المصادر التاريخية ان عقبه بن نافع قد توغل في الصحراء عقب فتحه لإقليم برقه حتي وصل جنوبا الي منطقة كوار عام 46هجرية \666م وقد وجد فيها مملكة صحراوية قاتل ملكها حتي انتصر عليه ثم عاد الي الشمال نظرا لعدم وجود دليل يهتدي به في الصحراؤ ((14)) الامر الذي يقرب الي الاذهان صحة نشأة هذه الدولة وفي ذلك التاريخ.. وكان أول ملك من بني سيف (البرنو) يحكم بارض كانم هو المعروف باسم(دوجو)اي الامر بلسان اهل كانم ويقال ان اسمه الحقيقي هو محمد الآمر ((12)) ويذكر انه تزوج من قبيلة كاي من الزغاوة وهو ما يفسر سبب التقارب والاحترام المتبادل بين الزغاوة وأيضا ينتمون الي عناصر البربر الصحراوية وقد بدات هجراتهم الي بلاد السودان منذ زمن بعيد.. اما عن دخول الإسلام الي يلاد البرنو فتذهب الوثائق البرنوية الرسمية الي ان أول بلاد دخله الإسلام هو بلد البرنو ((16)) ويبدو أنهم ربطوا ذلك بتوغل عقبة بن نافع في بلادهم عام 46هجرية وتشير المصادر الغربية الي ان الإسلام قد دخل الي بلاد كانم علي ايدي قوم بني امية هربوا الي الكانم عقب هزيمتهم من بني العباس ((17)).. المهم ان تحديد تاريخ بعيمه لدخول الإسلام في منطقة البرنو ليس بالامر السهل أو الدقيق، لاسيما وانها تقع خلف منطقة الفتوح الإسلامية الأولي مصر وشمال أفريقيا. ولهذا مرجح ان يكون دخول الإسلام مبكرا في حوالي القرن الثاني الهجري، واستمر في الانتشار التدريجي بين السكان خاصة التجار وعليه القوم حتي دخل البلاط الملكي وارتضاء ملوك البرنو نظاما لدولتهم، وكان ذلك في عهد الملك (بلو) الذي حكم في عام 411هجرية 1020م. وتذكر المصادر التاريخية ان هذا السلطان قد اقبل علي حفظ القرآن ودراسته ولتخذ له شيخا خاصا في قصره ليدرسه ,وهو الشيخ محمد بن ماني الذي عاصر خمسة من سلاطين البرنو وكان الخامس قد حفظ القرآن كله علي يديه فكافأه بمائة من الابل ومائة من البقر وماءة من الماعز والضان ((18)).. ومنذ هذا التاريخ اي تاريخ دخول الإسلام في بلاط الدولة. انطلقت دولة الكانم برنو نحو البناء والشهرة في شتي المجالات السياسية والحضارية حيث ارتبط تاريخعا بانتشار الإسلام بين اهلها، واتخاذ ملوكها الإسلام نظاما لحكمهم ومنهجا لحياتهم ومن ثم وهبوا حياتهم لنشر الإسلام في هذه البلاد السودانية واتخذوا في سبيل ذلك وسائل عدة منها الجهاد ضد القبائل الوثنية والدعوة بواسطة الدعاة والتجار وتاسيس المساجد والخلاوي ورعاية العلملء والمتعلمين كما اتخذوا الحج مظهرا إسلاميا ودعويا مهما فعبدوا له الطرقات واوقفوا له الاوقاف الطائلة.. وقد بؤز في هذا العصر الكانمي عدد من الملوك العظام، اتسعت الدولة في عهدهم وذلك مثل الساطان دونمة بن اومي. وحفيده السلطان دونمة دبلامي وقد حكم الأول في النصف الأول من القرن السادس الهجري.. فيذكر المؤرخين ان جيوشه قد بلغت مائة وعشرون الفا فيهم مائة الف فارس ((19)) كما انه جلب عددا من الاتراك اتخذهم حرسا خاصا له وقاد جيوشه لنشر الإسلام فاتسعت دولته تجاه الشمال الشرقي حتي بلغت حدود مصر الجنوبية.ويذكر ان هذا السلطان قد حج مرتين وترك في المرة الأولي خمسمائة من عبيده في مصر وفي المرة الثانية أيضا ترك عددا مماثلا وكان ياتي في ابهة عظيمة فخشي سلطان مصر يومئذ الخليفة الظافر أبو المنصور الفاطمية (544-549هجرية \1149-1154م) من أن يقوم هذا السلطان بغزو بلاده فدبروا له خطة في الحجة الثالثة، وخرق المصريون مركبه وهو في وسط البحر الاحمر فغرق السلطان دونمة امام احاشيه وهو يؤتدي جلبابه الأبيض ((20)). ام السلطان الثاني البارز في العهد الكانمي فهو السلطان دونمة بلامي واشتهر باسم دبلامي وهو اسم والدته كابن فاطمة وابن عائشة وهو نظام سكان الصحراء الأفريقية وقد اشتهر هذا السلطان بالجهاد، فقد شن حربا شرسة علي الوثنية واعداء الدولة حتي وصفته المصادر بانه كان اشد احراقا من النار. فاتسعت الدولة في عهده حتي وصلت الي نهر النيجر في الغرب والي نهر النيل في الشرق وامتدت شمالا حتي فزان، وجنوبا حتي مناطق ديكوه ومندرة ((21)) في بلاد الكمرون الحالية وقام بإنشاء المساجد والخلاوي لتحفيظ القرآن ونشر العقيدة كما وطد علاقة دولته الخارجية مع دول شمال أفريقيا خاصة ملوك بني حفص بتونس، فيذكر المؤرخين انه كان يتهادي مع السلطان محمد المنتصر الحفصي (647-675هجرية \ 1249-1276م) فبعث اليه بهدية فيها زرافة كبيرة كانت مثار اعجاب المواطنين ((22)). واستمرت دولة الكانم في المحافظة علي مكتسباتها السياسية والحضارية واستمرت ملوكها في نشر الإسلام وتمكينه في بلاد السودان حتي دب الضعف في اوصالها منذ بداية الرابع عشر الميلادي (الثامن الهجري) نتيجة لعوامل داخلية وخارجية تمثلت في الخلافات العميقة التي ظهرت بين افراد الاسرة السيفية المالكة، وتنافسهم علي السلطة. حتي قتل الوالد ولده ,مما شجع القبائل الاخري التي كانت خاضعة لهم وحانقة عليهم مثل قبائل البلالة ان تعلن ثورتها علي الدولة دعما من بعض القبائل العربية فاستفحل الداء واتسع الخرق علي الواقع وكادت الدولة ان تسقط.. ام العوامل الخارجية فكانت تتمثل في نشوب الحروب الصليبية في المشرق العربي، فتوقفت التجارة وتدهورت اقتصاديات منطقة السودان الأوسط والتي كانت مرتبطة بتجارة الشرق الإسلامي فتضافرت كل هذه الأسباب فالحقت بالدولة ضعفا كبيرا مما جعل حكام الكانم يتخذون قرارا حاسما بنقل عاصمة دولتهم (نجيمي)الي الجزء الغربي من بحيرة تشاد بعيدا عن مضارب خصومهم البلالة وقام السلطان عثمان بن ادريس (793-801هجرية \1390-1398) بتنفيذ هذا القرار ونقل عاصمته الي الجزء الغربي من البحيرة واطلق علي هذه الدولة اسم (دولة البرنو) وهي تمثل المرحلة الثانية من تاريخ الدولة التي استمرت حتي نهاية القرن التاسع عشر.. وقد برز خلال هذا العصر عدد من السلاطين الكبار الذين خلدوا اسم هذه الدولة وتاريخها مثل السلطان(علي غاجي) (877-910هجرية \1472-1504م) واشتهر بعلي بن زينب، ويلقب بالغازي لكثرة غزوه، فشن حربا شرسة ضد البلالة حتي كسر شوكتهم وغزا الصحراء وتوغل فيها حتي اعاد منطقة التبستي وما جاورها الي الدولة كما غزا بلاد الهوسا وضمها الي دولة البرنو ((23)) ووقعت مناوشات بينه وبين دولة سنغي التي كانت تنافسه في بلاد الهوسا ثم اتجه الي البناء الداخلي لدولته الناشئة في موقعها الجديد فاخذ يخطط في بناء عاصمته الجديدة ونقل افراد الاسرة السيفية إليها، وتكامل فيها سكان نجيمي فتمت وانتظمت فوصفها المؤرخين بانها كانت بديعة المنظر ومحاطة بلاسوار من كل جانب وتقع علي ضفاف نهر طوبى بين النيجر ونيجيريا حاليا واعتبرت المدينة من أكبر المدن الأفريقية التي نشات في العصور الوسطي ((24)). حيث ذكرت الوثائق ان شوارعها بلغت ستمائة شارع ولاهمية موقعها أصبحت مركزا تجاريا كبيرا يربط السودان بشمال أفريقية فظهرت برنو في الخرائط البرتغالية عام 893هجرية \1487م..((25)).. ثم جاء بعد السلطان علي غازي عدد من السلاطين يربو عددهم عن الثلاثين كان ابرزهم السلطان ادريس الوما الذي حكم دولة البرنو حوالي اربعين عاما (970-1012هجرية \1562-1603م) وتعتبر فترة حكمه من ازهي فترات التاريخ البرنوي فقد كانت والدته (الميرام عائشة) من اميرات البلالة وكان لها نفوذ سياسي قوي في البلاط البرنوي وهو نفوذ مشروع لوالدة السلطان في النظام البرنوي ولهذا هدأت ثورة البلالة مما اتاح الفرصة للسلطان ادريس ان يضع سياسة خاصة يسير عليها ,تقوم علي بناء القوة الحربية ثم الجهاد، لهذا قام بحشد الرجال في كل أنحاء برنو في الرباطات، ثم سافر الي الحج واشتري هناك اوقافا طائلة اوقفها علي حجاج بلاد السودان عامة ثم زار مصر في طريق عودته وفيها اشتري كميات كبيرة من السلاح الناري واحضر معه مجموعة من الجند الاتراك لتدريب جيشه علي استعمال السلاح الناري ((26)) وهو سلاح جديد علي منطقة السودان الغربي وبعد أن اكمل استعداده، اعلن الجهاد ضد القبائل الوثنية المناوشة لدولته، وخرج بنفسه لقيادة جيوشه وكان بصحبته اما مسجده الشيخ احمد بن فرتوا الذي سجل احداث تلك الحروب في كتاب سماه (كتاب حروب السلطان ادريس) ثم اتخذ السلطان ادريس رباطا كبيرا بالقرب من مواطن الاعداء واخذ يشن الحملات الجهادية منه ويعود بالاسري والغنائم وقد استغرق جهاده للقبائل الوثنية سبع سنوات ممتالية حتي استسلمت القبائل ودخلت في دين الله افواجا ويذكر الامام ابن فرتوا ان السطان ادريس كان يتاسي في كل جهاده بسيرة الرسول صلي الله عليه وسلم ((27)). ثم اتجه بعد ذلك الي الشرق حيث قبائل البلالة فبادرهم بالمراسلة ولما استعصت عليه اعلن الحرب ضدها فهزمها وشتت شملها واستعاد عاصمة اجداده مدينة نجيمي وتوابعها وبالتالي تكاملت كانم وبرنو في دولة واحدة ثم واثدصل فتوحه شرقا حتي دخل دارفور وضماها لبلاده عام 1012هجرية \1603م ((28)) ولم يواصل فتحه شرقا من دار فور كما فعل اجداده من قبل علي الرغم من أن المجال امامه كان مفتوحا لكن يبدو أن ثورات الطوارق في الشمال كانت مزعجة للدولة كما انهم كانوا يهددون الطريق التجاري الذي يربط برنو بشمال أفريقيا ولهذا اتجه اليهم وحاربهم وانتصر عليهم ويذكر المؤرخين انه طاردهم في كل مكامنهم حتي استاصل شأفتهم وجاءته قبائلهم طائعة ففرض عليهم اتاوات طائلة وقام بترحيل قبائل كثيرة من التبو والتيدا الي البرنو واخذ من سلاطينهم العهود والمواثيق ثم اسكنهم بالقرب منه ثم اتجه بعد ذلك غربا الي بلاد الهوسا الذين استغاثوا به عقب غزو سنغي لبلادهم وفرض ضرائب باهظة عليهم وكانوا من قبل تابعين لبرنو فاتجه اليهم السلطان ادريس، وفرض سيطؤته علي بلادهم واعادهم الي ما كانوا عليه من قبل، حيث كان الولاء السياسي والروحي لبرنو فقد ورد في بعض المصادر التاريخية ان ملوك الهوسا كلهم كانوا عبيدا لسلطان برنو..وان هولاء الملوك السبعة يدفعون الخراج لبرنو وكانوا يجمعونها لدي سلطان ولاية دورا، ويقوم هذا بتسليمها لسلطان برنو وعندما قام سلطلن برنو بقطع الجزية واعلن انهم احرار وانهم جرد اليه سلطان برنو الحسام حتي اخضعه واستمروا علي تلك الحالة حتي قامت ثورة ابن فودي..((29)). وهكذا امتدت دولة البرنو في عهدها البرنوي لتشمل كل منطقة السودان الأوسط فاستطاع السلطان ادريس الوما ان يمد سلطانه شرقا حتي دارفور وغربا حتي بلاد الهوسا وشمالا حتي فزان وجنوبا حتي تلال الادماوا وبسط الامن والاستقرار في كل هذه رقعة ونشر الإسلام في ربوعها حيث انطلق الدعاة والتجار يجوبون البلاد وينشرون دين الإسلام كما قام بإنشاء المساجد والخلاوي في كل بلاد السودان واستمر في جهاده حتي اصابه سهم فاستشهد في الناطق الغابية المعروفة بالكاميرون الآن عام 1603م واستمرت الدولة قوية بعد وفاته تؤدي رسالتها وتبادل حكمها عدد من السلاطين ذوي الهمم حتي دب الخلاف بينهم في نهاية القرن السابع عشر النيلادي (11هجرية) فاخذت الشعوب التي كانت تخضع لبرنو بالقوة في مناشدة الاستقلال ولما لم تجد الحسم من الدولة اعلنت ثوراتها واستقلت كدول منفصلة مثل سلطنة وداي وباقرمي ودار فور كما اخذت قبائل الطوارق في الاغارة علي القوافل التجارية.. اما بلاد الهوسا فقد ظهر فيها الشيخ(عثمان بن فودي) بدعوته واستولي عليها واخذ يهدد سلاطين برنو بالغزو. ان لم يتوقفوا عن مساعدة سلاطين الهوسا وان لا يفكروا في استردادها مرة اخري وكانت برنو تعاني من التدهور السياسي والعسكري مما اعجزها عن التصدي للشيخ عثمان، الامر الذي اغري الأخير بغزو دولة البرنو وهذا هو ما حدث بالفعل في عام 1808م حيث دخلت قوات الفلاتة العاصمة برني واستولوا عليها وخرج منها برنو يومئذ السلطان دونمة بن احمد، وفي تلك الأثناء ظهر في برنو عالم جليل هو الشيخ محمد الامين الكانمي اشتهر باسم (لامنو) وينحدر من اب برناوي وام عربية من طرابلس كان عالما بالمعقول حيث تلقي تعليمه في مصر وطرابلس وفزان فقام بارسال رسائل الي ابن فودي يسحب جيوشه بهدوء حقنا لدماء المسلمين.ولما لم يستجيب لنداء السلام استطاع ان يجمع قيائل البرنو وعربها تحت راية واحدة وان يقودهم في حربضروس ضد الفلاتة حتي اجلاهم عن بلاد برنو كلها بعد أن اخذ منهم مقتلة عظيمة زذلك في الحادي عشر من صفر سنة 1223هجرية \1808م. اي بعد اربعين يوما فقط من احتلالها وتمكن دونمة من العودة الي عاصمته ومزاولة حكمه إلا أن هذا الشلطان كما وصفته المراجع التاريخية بانه كان ضعيفا في وقت كانت الدولة تمر بمراحل حرجة في تاريخها، وهي في حاجة الي شخصية قوية ولهذا اتفق الشيخ محمد الامين مع مجلس شوري السلطان وكبار العلماء علي خلع السلطان دونمة وتولية الشيخ محمد الامين. وفي تلك الأثناء توفي السلطان دونمة وخلفه اخوه السلطان إبراهيم الا انه لم يغير في المخطط شيئا لا سيما وان شعبية الشيخ محمد الامين أصبحت كبيرة في برنو وقد ادرك السلطان إبراهيم انه ليس بإمكانه الوقوف امام تيار نفرة محمد الامين الكانمي المتدفق. ولهذا تنازل عن عرش برنو عام 1818م ((31)) بشروط قبلها الشيخ الامين.. وهكذا انتقل الحكم لاول مرة في تاريخ البرنو من الاسرة السيفية الماغومية الي الاسرة الكانمية كما تغير لقب سلطان البرنو الي لقب(شيخ) الذي طالب به الشيخ محمد الامين وأصبح ملك البرنو في ايديهم حتي سقوطها في يد الاستعمار الاوربي. وفي عهد الشيخ محمد الامين زار عدد من الرحالة الاوربيون في مقدمتهم كلابتون الذي وصف جلوس الشيخ الامين وهيئته بقوله : (كان جالسا علي ثوب اخضر.. متعمما والي جانبه اثنان من عبيده واقفان وبيد كل واحد منهما بندقية صغيرة.. وكانت هيئته جميلة تدعو للاعجاب كصورته من الناحية الخلفية .. كان بشوشا في اوجه زواره وجلساته لا يمل منه أحد.((22)). من الاعمال الهامة التي قام بها الامين أيضا بنائه عاصمة جديدة اطلق عليها اسم (كوكيا) وذلك بعد أن اكتظت برني بسكانها وتجارها، توفي الشيخ الامين عام 1835م واستمر الحكم في عقبه حتي عام 1893م عندما غزا رابح الزبير برنو في عهد السلطان هاشم فدمر البلاد. واهلك فيها الحرث والنسل . وقاتل الشيخ كياري الذي تولي الامر بعد مقتل السلطان هاشم وحقق نصرا مهما إلا أن لرابح من الخطط الحربية والسلاح والجيوش المدربة التي مكنته من تحقيق انتصار نهاءي علي برنو بعد مقتل الشيخ كياري وتولي السلطان إبراهيم السلطنة في ظروف حرجة واستمرت البلاد فوضي لمدة سبع سنين حتي مل اهل برنو الحرب وخرج الكثير منهم الي البلاد المجاورة. وفي تلك الظروف ظهرت القوات الفرنسية في منطقة وداي واخذت الاستيلاء علي البلاد فاصطدم بها رابح الا انه هزم وقتل علي يد لامي عام 1900م وتولي الامر من بعده ابنه فضل الله بن رابح واخذت لامي يزحف علي عاصمة برنو وبينما كان السلطان إبراهيم يعبئ البرنو لمواجهة الفرنسين ظهرت القةات البريطانية وهاجمت المنطقة الغربية من برنو واستولت علي بلاد الهوسا واخذت تزحف نحو العاصمة كوكيا. وحالو فضل الله بن رابح التفاوض مع الإنجليز لدعمه ضد فرنسا الا انه قتل وانهارت قواته عام 1901م كما ظهرت القوات الألمانية في الجزء الجنوبي الغربي من برنو عام 1893 وهكذا كانت دولة البرنو تعيش موقفا حرجا فاخذت تقاتل في كل الجبهات لكن دون جدوي فقد هزمت جيوشها امام هذه الأسلحة الحديثة واشتد التنافس بين الدول الاوربية الثلاث فوقعت فيما بينهم اتفاقية في الخامس عشر من نوفمبر 1893م بتقسيم مملكة البرنو بين الدول الثلاث فتحددت منطقة وداي وباقرمي والنيجر وشمال الكمرون وافريقيا الوسطي من نصيب فرنسا.. ومن منطقة ديكوه مرورا بنيجيريا وحتي المحيط من نصيب بريطانيا.. ومن منطقة كسري حتي ديكوه جنوب الكمرون الحالية من نصيب ألمانيا.((23)) وهكذا سقطت امبراطورية البرنو وتوزعت دون مراعاة لشعوبها وسكانها ولهذا تفرق البرنو في كل المنطقة التي كانت تخضع لدولتهم. فنجد الكثير منهم في نيجيريا والنيجر وتشاد وافريقيا الوسطي والسودان خاصة في الجزء الغربي منه بل غادر الكثيرون منهم أفريقية وسكنوا منطقة الحجاز بالمملكة السعودية. وشاركوا في بفعالية في بناء تلك البلاد الطاهرة واشتغل معظمهم في التعليم والتجارة كعادتهم. وعقب توقيع الاتفاقية بين الدول اثلاث عين الإنجليز الشيخ غرباي سلطان برنو حاكما علي برنو بريطانية وكان يقيم في منطقة ديكوه بالقرب من نهر شاري. فساق معه الكثير من قبائل البرنو الي المنطقة الجديدة في شرق نيجيريا الحالية. وأصبحت عاصمته مدينة (ميدوغري) كما عين الفرنسيون الشيخ سنده المندراوي شقيق الشيخ كباري سلطان برنو السابق حاكما علي برنو الفرنسية وعاصمته مدينة ديكوه وعندما انتقل الفرنسيون الي منطقة شاري وأصبحت ديكوه تابعة للنفوذ الألماني الشيخ سنده حاكما علي برنو الألمانية فيما يعرف بشرق الكمرون. وعندما نشبت الحرب العالمية الأولي 1914م هاجمت القوات البريطانية من نيجيريا القوات الألمانية في الكمرون فهرب السبطان سنده المنراوي الي ميدوغري وسلم نفسه للقوات البريطانية فعين الالمان بدلا عنه الشيخ عمر سنده سلطانا علي ديكوة طوال الحكم الألماني الرسمي لها عام 1917م وحتي 1937م ثم استدعي الشيخ عمر سنده سرا الي ميدوغري ليكون حاكما علي برنو البريطانية فخلفه اخوه الاصغر مصطفي الكبير حتي عام 1946م ثم خلفه مصطفي الصغير حتي عام 1956 ثم جاء بعده الشيخ باريمة بن إبراهيم الذي استمر في حكمها حتي استقلال الكمرون ولا زال هذا الإقليم حتي اليوم تحت حكم سلاطين البرنوفي الكمرون (34) ومعظم سكانه من العرب بجانب قبائل البرنو. اما البرنو في نيجيريا فقد تقلص نفوذهم عقب رسم الحدود واستقلال نيجيريا وقيام الفدرالية حيث أصبح من نصيبهم ذلك الإقليم الشرقي من نيجيريا والمعروف باسم ولاية برنو وعاصمته مدينة ميدوغوري. وعلي الرغم من قلة عددهم الا انهم يشكلون قوة روحية وعلمية كبري بجانب تاثيرهم الفاعل في مجريات السياسة النيجيرية واقامة الموازنة بين قبائل نيجيريا الكبري كالهوسا والفلاتة واليروبا والايبو في اقتسام الثروة ولهذا نجد مفاتيح السياسة النيجيرية في ايدي برنو وعلماءها.. اما البرنوفي إقليم تشاد تعرضوا لضغوط قوية من الاستعمار عقب سقوط دولتهم وكذلك من قبائل الجنوب المسيحية والوثنية والتي ركز الاستعمار الفرنسي فس تعليمها وتقويته ونظرا لتلك الضغوط هرب الكثيرون الي السودان وشمال أفريقيا والحجاز ومن بقي منهم اشتغل بالتجارة والتعليم بعيدا عن السياسة ويشكلون اليوم قوة اقتصادية كبري في تشاد ومعظم الحكومات كانت تستعين بهم حتي في رواتب موظفيها كما حكي لي أحد أبناء البرنو التشاديين. اما البرنوفي السودان فقد توزعوا في كل أنحاء سودان النيل واستقرمعظمهم في الجزء الغربي منه خاصة دارفور وشاركوا في كل احداث السودان السياسية منذ عهد الفونج وسوف نتناول دورهم في السودان لنذبل به البحث ان شاء الله..

العلاقات الخارجية لدولة البرنو

اهتمت دولة البرنو منذ نشاتها بعلاقاتها الخارجية خاصة وانها دولة إسلامية كبري في قلب القارة الأفريقية وقد وصلت مرحلة من القوة والعظمة في البناء السياسي الداخلي ونشر الإسلام في القارة السمراء فجذبت انظار العالم المتمدن يومئذ خاصة الدول الإسلامية..

يقول الشيخ احمد بابا ان سلاطين الدنيا العظام اربعة هم : الاعظم سلطان بغداد والمقصود به الخليفة العثماني وسلطان مصر وسلطان برنو وسلطان مالي  ((35)) هذا هو موقعها في العالم الإسلامي. اما في أفريقية فيقول الشيخ عبد القادر بن المصطفي في كتابه (روضات الافكار) ان دولة البرنو كانت اعظم الدول الأفريقية قاطبة ((36)) خلال العصر الوسيط ولهذه المكانة المرموقة حرص سلاطين برنو علي توطيد علاقاتهم بالدول الإسلامية الكبري مثل مصر ودول شمال أفريقية والدول العثمانية..

بالنسبة لمصر فقد كانت علاقة دولة البرنو الرسمية بها قوية وكان الحج يشكل مرتكزا مهما للعلاقات بين الدولتين فقد كان طريق مصر الي الاراضي الحجازية هو المفضل لدي حجاج برنو قد وردت رسائل عدة تعبر عن استمرارية هذه العلاقات ومتانتها. ومن ابرز تلك الرسالة التي دونها القلقشندي في كتابه (صبح الاعشي)تلك الرسالة التي بعث بها سلطان برنو عثمان بن عمرعام 1391م الي سلطان مصر(برقوق) جاء فيها ما نصه ((من المتوكل علي الله تعالي الملك سيف الإسلام وربيع الانام الملك المقدام القائم بامر الرحمن المنتصر بالله المنصور في كل حين واوان ودهر وزمان الملك العادل الزاهد ابن عمر وعثمان الملك ادريس الحاج امير المؤمنين المرحوم كرم الله ضريحه، الي ملك مصر الجليل ارض الله المباركة ام الدنيا..))..((37)).. ثم مضي في هذه الرسالة يشكو من الاعراب الذين قاموا بالهجوم علي بعض مناطق البرنو ونهبوها وقتلوا رجالها وسبوا نساءها واطفالها وهربوا بهم الي داخل مصر ويطلب من سلطان مصر ملاحقة هؤلاء الاعراب والقبض عليهم ومعاقبتهم. وكانت علاقة برنو التجارية بمصر اتسمت بالقوة والتميز وذلك منذ فجر تاريخها وكان حجم التجارة المتبادلة كبيرا حتي استقر عدد كبير من تجار برنو في مصر ومنحهتهم الحكومة المصرية رخصا رسمية للاقامة والتسويق في الداخل والخارج لهذا اسهموا بنصيب كبير في تجارة مصر الخارجية ويذكر المؤرخين ان تجار البرنو قد كانوا لهم نقابة تجارية عرفت باسم (الكارمية) ظهرت بشكل رسمي في اواخر العصر الفاطمي. وعن سبب تسميتهم بالكارمية يذكر الدكتور صبحي لبيب في بحثه عن التجار الكارمية في مصر في الغصور الوسطي ان الكارمية اصلها (الكانمية) ثم حرفت لتاخذ شكلا عربيا وترتبط بلفظ (الكرم) وقد اتخذ هؤلاء التجار من مدينة قوص في صعيد مصر مركزا لهم ((38)).وعندما قامت الدولة الايوبية قدمت لهم تسهيلات كبري ودعمت نفوذهم التجاري فأصبح لهم اسطول تجاري يجوب البحر الاحمر والمحيط الهندي فبلغ نشاطهم التجاري بلاد الهند والصين ((39)).وكان لهم نشاط كبير في شرق أفريقيا خاصة الحبشة. ويذكر الدكنور محمود ان هؤلاء التجار الكانمييم قد نمت ثروتهم نموءا عظيما وكانوا يقومون في عالم التجارة بنا يقوم به البنوك الحديثة فكانوا يقرضون السلاطين في مصر واللاد المجاورة ((40)) وكانوا يصدرون الي مصر البضائع المحلية كالعطور والياقوت والزياد والجلود وسن الفيل والذهب والرقيق وريش النعام وبعض المنتجات النباتية. ويستوردون منها النحاس والمنسوجات الحريرية والقطنية والأسلحة النارية والعطور والكتب والملح ((41)). وغير ذلك ويذكر الشيخ بن ينبوع صاحب كتاب(الإدارة في مملكة برنو) ان لمصر وكلاء في برنو يقومون بتذليل الصعاب للتجار والمواطنين في برنو كما للبرنو وكلاء مماثلين في مصر ((42)). وهؤلاء يقومون بدور السفارات اليوم كما استطاع تجار برنو وطلابها في مصر من تاسيس حي لهم في القاهرة عرف باسم (بولاق التكرور) انشأها أحد التكرور يدعي الشيخ يوسف بني عبد الله التكروري توفي في مصر ودفن فيها ((43)). وهكذا كانت العلاقات البرنوية المصرية قوية ومتنوعة ومستمرة وحتي اليوم نجد اهل برنو يرتبطون بمصر وجدانيا نظرا لاثرها القوي في حياتهم عامة.. اما علاقات البرنو مع تونس فقد وطيدة وقد برزت بوضوح في عصر الدولة الحفصية كما سبقت الإشارة وذلك عندما بعث السلطان دونمة الي السلطان الحفصي محمد المنتصر (647-675هجرية \1249-1276م) برسالة ومعها هدية عظيمة وقد كشف لنا محمد بن ينبوع ان لتونس وكلاء في برنو يتولون شؤونها سياسية كانت ام تجارية ولهم رئيس يقوم بدور السفير الآن كما ان لبرنو وكلاء بنفس الدور في تونس ((44)) كما ذكر الشيخ ادم الالوري بان لبرنو سفراء في الدول الإسلامية والعربية وخاصة تونس ومصر ((45)).. اما علاقات برنو بمراكش فقد كانت مستمرة وخاصة التجارية منها وقد شهدت العلاقات الرسمية تطورا ملحوظا في عهد السلطان ادريس الوما الذي اتسعت الدولة علي يديه بجهاده للوثنيين في الجنوب والغرب ونظرا لحاحته الماسة للسلاح الناري بعث الي سلطان مراكش يومئذ السلطان احمد الذهبي بوفد كبير ومعه هدايا عظيمة ورسالة رقيقة يطلب من السلطان ان يمده بالسلاح ليجاهد به اعداء الإسلام وقد دارت المراسلات المطولة بين الطرفين حول هذا الموضوع اوردها كل من عبد العزيز الفشتالي في كتابه (مناهل الصفا) والسلاوي في كتابه (الاستقصا) وكانت خلاصة المراسلة ان اعتذر السلطان المنصور عن مده بالسلاح ((46)) والسبب الحقيقي في امتناعه هو انه كان يخطط ويستعد لفتح بلاد السودان . وكان علي المام تام باسنيلاء السلطان ادريس علي بلاد الهوسا واشتباكه مع جيش سينغي وبالتالي ربما يفكر إذا ما اعطي علي السلاح في الاستيلاء عليها ومواجهة الجيش المغربي بسلاحه فيما بعد، لكن العلاقات التجارية ظلت مستمرة ولم تتوقف حتي دخول الاستعمار القارة.. اما علاقات برنو بالدولة العثمانية فقد ظهرت بوضوح عقب استيلاء الدولة العثمانية علي مصر وشمال أفريقيا وتوغلها في الصحراء الأفريقية فقد ذكرت المصادر التاريخية انه عندما استولت الدولة العثمانية علي طرابلس عام 1551م بعثت بحملة الي الصحراء بقيادة محمود بيه فاستولي محمزد علي فازان وقلعة قوران المهمة وكانت هذه الناطق تابعة لدولة البرنو منذ وقت طويل وقام محمود بطرد عامل برنو ويدعي الولد محمد ولكن سلطان برنو استقبل الخبر بهدوء فقد كانت نظرة اهل برنو للدولة العثمانية يومئذ نظرة وقار واحترام لانها كانت تمثل الخلافة الإسلامية التي يستظل تحت لوائها كل المسلمين ولهذا قام السلطان ادريس بابتعاث رسالة الي السلطان العثماني مراد الثالث افتتحها بتحية رقيقة تنم علي حسن الطوية واشار اليه فيها ما حدث بالنسبة لفزان وقلعة قوران. وطلب منه رد هذه القلعة التي تشكل رباطا مهما لدولة البرنو لحراسة الطرق التجارية ولتاديب الطوارق الخارجين علي الدولة والمهددين لامنها كما طالب بضرورة تحسين طرق الاتصال بينهما وتامين طرق التجارة بين برنو وشمال أفريقيا وحتي يتم كل ذلك فانه في حاجة الي السلاح الذي يجاهد به الاعداء وابدي رغبته في الانضمام تحت لواء الدولة العثمانية. ورد اليه السلطان العثماني برسالة مماثلة جاء في مطلعها (الي الجناب الاميري الاعدلي الكبيري.. المؤيد بنصر غزاة المؤمنين ظهيرة كماة الموحدين.. الحاكم بولاية برنو ملك ادريس ادام الله سعده((47)) الخ.. وهي رسالة مطولة استجاب فبها علي بعض المطالب لكنه رفض رد قلعة قوران. ووضع أسباب ذلك وقد تبادل الرسائل بين سلاطين برنو والدولة العثمانية والتعاون بينهم في ضبط طرق التجارة الصحراوية وارسال البعوث التي تاتي من أوروبا عبر طرابلسالي برنو وحتي عندما ضعف النفوذ العثماني في شمال أفريقية استمرت علاقة برنو بطرابلس وحكامها حتي عهد الشيخ محمد الامين الكانمي وفد بعث والي برسالة مع كلابرتون لتسهيل امورهم كما كان لبرنو علاقات ومراسلات مع المملكة المتحدة بريطانيا ولهذا كان الرحالة الإنجليز يجدون الرعاية والحماية من سلاطين برنو وخير دليل علي ذلك ما وجدته بعثة بارث ومن بعده كلابرتون والتي وجدت ترحيبا حارا من قبل الشيخ محمد الامين الكانمي وعندما ارادت البعثة التحرك الي بلاد الهوسا زودوها برسالة بليغة الي والي كانوا جاء فيها : (من عبد الله تعالي محمد الامين الكانمي) الي امام ارضه وزمام قومه العالم محمد دابو صاحب كانو..اما بعد فهاهو القادم اليكم محبنا (مجمد الوردي)ومعه رجاله من الانقليز اتوا الي ارض السودان بقصد النزهة بما انطوت عليه من بعض العجائب.. بعثهم ملكهم لذلك وقد كانت بينهم وبين المسلمين عهود ومحبة دنيوية من ابائهم واجدادهم دون غيرهم من اصحاب الملل الزائغة للملة الحنفية ولا كانت بينهم وبين المسلمين غزة.. ولذلك كانوا يتوغلون في بلاد الإسلام ويذهبون من حيث شاءوا آمنين وهم علي ما قبل من ذويه ملك الروم هرقل الذي اكرم كتاب رسول اللخ صلي الله عليه وسام المحتوي علي دعاءه للإسلام حين بعث اليه مع دحية الكلبي رضي الله عنه فاخذ الكتاب وجعله في قصبة من ذهب ولم يسلم كما هو مذكور في كتاب السير..((48)).. وهي رسالة من ذهب تحمل أكثر من مدلول واحد وتعبر عن تعمق في الدين واتساع في الافق السياسي للشيخ محمد الامين في ذلك الحين وهكذا كانت برنو تحظي بعلاقات خارجية واسعة مع معظم الدول المتدينة انذاك. ام علاقات مع دول القارة فكانت متينة خاصة مع دولة مالي وسينغي وغيرها من الدول التي كانت معاصرة لها..

دور البرنو في نشر الإسلام

كما سبقت الإشارة فان دولة برنو في الشهرة والانطلاق والغني عقب دخول ملوكها في الإسلام في تلك الفترة المبكرة واتخاذهم الشريعو الإسلامية نظاما لدولتهم ومنهجا لحكمهم وذلك منذ القرن الخامس الهجري 11م ويقول الدكتور احمد شلبي في هذا الصدد عني أكثر حكام امبراطورية برنوبالنظم الإسلامية واتخذوا الدين الإسلامي دستورا لحياتهم واشاعوا العدل والانصاف بين الجماهير وحاولوا ان ينفذوا الاقتصاد الإسلامي فاتجهت العناية الي جمع الزكاة وحسن توزيعها كما عني الحكام بتعليم القران واتباع ادابه ((49)).. وقد اهتم سلاطين البرنو بتطبيق تعاليم الإسلام علي انفسهم اولا فقد كانوا يحفظون القران منذ صغرهم ويتخذون العلماء العلماء في قصورهم لتعليمهم وقد وردت أسماء كثيرة لهؤلاء العلماء مثل محمد بن ماني والشيخ احمد بن فرتوا والشيخ محمد بن صفيه.. وغيرهم وكان هؤلاء يؤمنون مساجد السلاطين ويدرسونهم كما اتخذ سلاطين البرنو الشوري مبدأ للجكم فكان مجلس تلاثني عشر يشكل مجلس شوري السلطان ويختارون عادة من العلماء ويجلسون عن يمين السلطان في مجلسه ولا يحكم السلطان الا بعد أن يوافق عليه معظمهم أو جميعهم وعندما حاول السلطان بير بن دونمه (1150-1176م9 في بدء تطبيق هذا النظام وتجاهل امر هؤلاء العلماء زقع في الخطأ عندما قتل سارقا جيئ به اليه . فوبخته امه ودعته الي قصرها قائاة له كيف تحكم بقتل السارق..؟. افلم تسمع قول الله تعالي : (والسارق والسارقة فاقطعوا ايديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله) ثم حبسته في قصرها لمدة عام كامل ليدرس الشريعة الإسلامية ((50)). واهذا كانوا خليقين بنشر الدين والعدل بين شعوبهم حتي اشتهر اهل برنو بانهم من أكثر القبائل الأفريقية معرفة وتمسكا بالدين. قال العمري عن اهل برنو : (والعدل قائم في بلادهم ويتمذهبون بمذهب المام مالك رضي الله عنه وهم ذووا اختصار في اللباس. يابسون في الدين وعسكرهم يتلثمون) ((51)). ولهذا فقد كان اهل برنو نموذجا حقيقيا للدعاة المسلمين الذين استطاعوا ان ينشروا الإسلام في كل السودان الغربي كما كانت نظم حكمهم المرتبطة بالشريعو الإسلامية مصدر اعجاب الدول الأفريقية كلها والتي اخذت بهذا النظام الدقيق. كما كان من مظاهر اهتمام اهل برنو بالإسلام وتمسكهم بمبادئه اهتمامهم بالحج خاصة ملوكهم. حتي أصبح الحج وكانه شرط مكمل لشروط السلطنة فلا يهدا لسلطان البرنو بال حتي يقترن اسمه بلقب الحاج لهذا فقد كانوا يستعدون للحج استعدادهم للحرب ويبعثون الرسائل الي حكام الولايات والأقاليم ويحثونهم فيها باخذ الحذر في أثناء غياب السلطان وان يحفظوا ما بايدهم من امانة الله ورعاية رعيتهم بالعدل والاحسان وايتاء ذي القربي والنهي عن الفحشاء والمنكر والبغي ((52)). الخ.. ما ورد في رسالة السلطان ادريس الومه عندما اراد الحج وقد اشرنا من قبل الي ان السلطان دونمه قد حج مرتين وترك في مصر حوالي ستمائة عبد وكان ياتي في ابهة عظيمة ولهذا دبر له المصريون مكيدة فاغرقوه في البحر الاحمر. كما يذكر الدكتور شلبي ان قوافل الحج القادمة من برنو تمضي فترات طويلة في ارض النيل وقد انفقوا اموالا طائلة بارض الحجاز وارض النيل ((53)) وقد اشتري سلاطين برنو في الاراضي الحجازية حدائق ودورا اوقفوها لحجاج بلاد السودان كما سبقت الإشارة. هذا ولم يكن الحج مظهر إسلامي فقط وانما كان وسيلة دعوية هامة بما يواكبه من احتفالات وتظاهرات دينية كبري تترك اثرا مهما في نفس الناظرين. كما اتخذ اهل برنو التجارة وسيلة هامة لنشر الإسلام فقد كان معظم التجار من الدعاة، فكانوا ينشرون الإسلام بحسن تعاملهم وطيبة معشرهم، وجمال مظهرهم كما كانوا يشيدون المساجد والخلاوي ويوقفون الاوقاف علي طلبة العلم ومعاهدهم وقد برز هذا الدور بوضوح لدي طائفة الكارمية وهم تجار برنو الذي تقدم ذكرهم فقد وضفهم المؤرخون بانهم كانوا شديدي الغيرة علي الدين الإسلامي والدعوة اليه كما كانوا مركز التقاء وتجمع لمسلمي أفريقيا علي اختلاف شعوبهم واجناسهم ((54)) ويذكر الدكتور عبد المجيد عابدين ((ان هؤلاء الكارمية قاموا بدور كبير في تقديم العون المادي والنعنوي للقوي الإسلامية التي قاومت التيار الصليبي في ذلك الحين وشجعوا العلماء واسسوا كثيرا من المدارس والمساجد ((55)) وهكذا فتجار البرنو قد تخطوا القارة الأفريقية في نشرهم للإسلام..الي منطقة شرق أفريقيا والهند والصين، واشتراكهم مع اخوانهم في الشرق الإسلامي في مواجهة الصليبين عند غزوهم للعالم الإسلامي وكان هؤلاء التجار علي درجة من التعلم والمعرفة فقد برز منهم ادباء ينظمون الشعر ويؤلفون الكتب والرسائل ,. واشتغلوا بالعلم ورواية الحديث والتاريخ ((56)). ونظرا لدورهم المؤثر في مجال الدعوة الإسلامية في تلك المنطقة الهامة وجدوا مضايقات وتدمتاعب كثيرة من ملوك الحبشة وخاصة الملك المسمي (سيف ارعد) الذي امر بمصادرة اموال التجار الكارمية في بلاده إلا أن هذا القرار لم يوقفهم من مواصلة تجارتهم ودعوتهم ((57)). وتجدر الإشارة بان لتجلر البرنو سوقا مشهورا في مكة المكرمة معروفة باسم سوق البرنو ولا زال يعرف بهذا الاسم حتي اليوم. ويجانب تلك الاتصالات التجارية فقد كان لاهل برنو اتصالات علمية وفكرية عميقة مع الدول تلإسلامية خاصة مصر كانت في سبيل نشر الإسلام وتصحيح العقيدة في القارة الأفريقية، لان مصر كانت أحد منابع العلم التي ظل اهل برنو يغترفون منه طوال تاريخهم فقد عبر طلاب العلم من برنو الصحاري الي الازهر بمصر ليتزودا بالغلم والمعرفة وكان سلاطين برنو يشجعون العلم واهله.. فتذكر المصادر التاريخية لن السلطان دونمة دوبلامي قد قام بارسال وفد من الطلبة الي الازهر للدراسة عام 1241م وبني لهم مسكنا واوقف لهم اوقافا طائلة ((58)) وعندما راي المصريون ذلك الاهتمام وكثرة طلاب برنوفي الازهر منحوهم رواقا في الازهر الشريف عرف باسم رواق برنو ((59))وظل هذا الرواق يؤدي رسالته حتي قيام الثورة المصرية عام 1952م حيث صودر لصالح الازهر فاحتج طلاب برنو واهلها وخاصة القادمين من ولاية برنو في ميدوغري، لكن السلطات المصرية لم تستجب.. ولم يكتف اهل برنو بالرواق فقط انشأ حجاجهم وعلماءهم مدرسة بفسطاط مصر لتدريس الفقه المالكي عرفت باسم مدرسة ابن رشيق كانت مشهورة يرتادها علماء المالكية وطلبتهم كما كان يقيم فيها حجاج البرنو عند مرورهم بمصر ((60)) كما كان يتردد طلبة برنو وعلماؤها علي جامعة القيروان بتونس والقرويين بفاس وحتي بلاد الاندلس لياخذوا الفقه المالكي من منابعه تلاصلية كل هذه الجهود بذلها اهل برنو في تحصيل العلم ونشر الإسلام قد اتت اكلها، حيث انتشر الإسلام في ربوع القارة الأفريقية ونشات مدارس ومعاهد كبري في كل مدن المنطقة الواقعة تحت سيطرتهم، واخذت هذه المعاهد تخرج مئات الدعاة والقراء والعلماء وقد ذكر المؤرخون ان مداري برنو اشتهرت في القارة الأفريقية بتعليم القران وعلومه وذلك لاهتمام اهل برنو بالقران واتقانهم لقراءته وحفظه ونسخه وفي هذا الصدد يقول محمد بيلو عن اهل برنو : (لقد انتشر الإسلام فيها بين سلاطينهم ووزرائهم وعامتهم بل لا يوجد في هذه البلاد عامة من يعتنون بقراءة القران وتجويده وحفظه منهم ((61)). وعن جودة لسانهم في قراءة القران يقول الاستاذ ابكورة الامام في بحثه عن (تعليم القران في برنو) ان اهل برنو إذا قرأوا القران يتعجب منهم العرب والعجم لجودة لسانهم وحسن إخراجهم للحروف العربية من مخارجها ((62)).. ولعل الحقيقة أيضا ان جودة السنتهم جاءت من كثرة قراءتهم للقران وحبهم له وكانت قراءة القران في برنو تقوم علي قراءة الامام ورش المصري وقد اخذها اهل برنو من علماء مصر وشمال أفريقيا ومن برنو انتشرت الي أنحاء أفريقية..

ونظرا لعناستهم بالقران اشتهر اهل برنو أيضا بكتابة المصاحف ونسخها فقد كتب دنهام في تقريرله عام 1822م بعد زيارته لبرنو كانت تصدر المصاحف الي شمال أفريقية ومصر حيث كانت تباع باسعار تتراوح بين اربعين الي خمسين دولار للمصحف ((63))..

وكانوا يستعملون في الكتابة ثلاثة أنواع من الحبر فيكتبون الحروف بحبر اسود والحركات بحبر احمر والهمزات بحبر اصفر ويفصلون بين الايات والاحزاب والاجزاء بفواصل وعلامات معينة وكانوا لا سكتيون الا وهم علي طهارة كاملة فاذا اتهوا من كتابة المصحف يجعلون علي جانبيه غلافا من الورق السميك ويربط بحبل من الجلد ويصنعون له محفظة جلدية ويجعلون لها عروة يعلق بها في حالة السفر أو الحركة ((64)).. كما اشتهر اهل برنو بصناعة الالواح الخشبية لكتابة القران فقد ذكر الرحالة جون فرانسيس عند زيارته لإقليم فزان والصحراء عام 1818م انه شاهد التلاميذ في فزان يقرأون القران ويكتبونه علي الواح يجلبونها من برنو ((65)) ونظرا لهذه العناية والشهرة الكبري التي حققها اهل برنو انتظمت مدارسهم مئات الطلاب من كل أنحاء أفريقية وانتشرت معاهد برنو في كل مدنها وقراها مثل نجيمي وبرني وغسرغمو وكوكيا وديكوه وميدوغري وغيرها. كما هاجرت مع برنو هذه المناهج العلمية اينما حلوا، لهذا انتشر نظامهم التعليمي في كل أنحاء أفريقية وحتي سودان النيل خاصة دارفور وكردفان حيث انتشرت فيها الاحتفالات بحفظ القران أو جزء منه ومنح الالقاب العلمية مثل ماجروا (مهاجر) وامبدي وقوني..وغيرها وكلها انتقات من برنو التي كان ياتيها كل طلبة السودان الأوسط من الصحراء تنبكت ومالي وبلاد الهوسا ودارفور ووداي فانتشرت بينهم ادبيات ظلت ملازمة لطلبة العلم حتي اليوم.

ولذلك نجد مدارسهممشتعلة فيكل الدول التي يوجدون فيها كما نجد القبائل ملتفة حولهم لحفظ القران وتعليمهم له ونظرا لاعتماد اهل برنو علي الكتاب والسنة في عقيدتهم لم تظهر في بلادهم حركات دينية أو مناوئة بل تميزت عن سائر الدول الأفريقية بصفاء عقيدتها واصالة فقهها لاحتكاكها المستمر بمدارس الفكر الإسلامي في مصر وشمال افريقييا والاندلس وكذلك الحجاز وعندما جاءهم المذهب المالكي من المغرب والاندلس قبلوه لارتباطه بالكتاب والسنة فارتضه الدولة مذهبا لها في حكمها وتعيدها ثم قامت بنشره في المناطق المجاورة لها. وقد انعكس هذا التمسك علي نظم الحكم التي كانت تقوم علي الشوري وكانت الدولة مقسمة الي ولايات واللولايات الي اربعة أقاليم لكل إقليم حاكم ولكل ولاية وال والولايات الي مشيخات وهكذا كان النزام الإداري دقيقا بجانب القضاء الذي يتولاه العماء ويحكمون بحضور السلطان ومجلس الاثني عشر كما ذكر المؤرخون للمراة البرنوية مشاركة فاعلة في الحكم خاصة والدة السلطان (الماجيرا) وزوجته الكبري (الماجرام) ولهذا اعجب الرحالة الاوربيون بنظام الحكم في برنو ووصفوه بانه ارقي النظم الأفريقية ولنه لامثيل له الا في أوروبا المعاصرة ((66)) وهكذا استطاعت دولة البرنو بنظمها السياسية المتطورة ومحافظتها علي الدين ان تنشر الإسلام في كل تلك المنطقة وان تسيطر عليها ولن يدخل في طاعتها كل الأمم والشعوب البيض منهم والسود فاستطاعوا جميعا ان ينصهروا في بوتقة الإسلام فبرز اهل برنو كدعاة مهرة وحفظة للقران نشطاء لا يكلون ولا يملون فقد وصفهم بالمر (بانهم يتميزون تمييزا واضحا عن جيرانهم فهم لا يميلون لتعاطي الخمر وليس فيهم ما يؤخذ علي السودان من خمول وبلادة ((67)).. فهم نشطاء اذكياء امناء كل هذاه الصفات مكنت اهل برنو من بث الحضارة الإسلامية والثقافة العربية في هذا الجزء الهام من القارة الأفريقية قال المؤرخ ارفوي عن برنو : (انها كانت في العصور الوسطي استاذة الحضارة السودانية التي نعرفها بها اليوم، اخذت عن العرب وليست عربية واخذت عن زنج الجنوب ولم تكن زنجية مختلفة عنهما كليهما وهي منهما وتتميز بطابعها الفريد ((68))

البرنو في السودان

ان وجود البرنو في السودان امر طبيعي فقد كان دخولهم السودان قبل الإسلام حينما اشتركت قبائل في حوادث كوش واستقروافيها زمنا وعقب غزو اكسوم لكوش نزحوا غربا حيث استقروا حول تشاد واقاموا دولتهم فيها، ومن ثم سيطروا علي كل منطقة السودان الأوسط كما سبق الإشارة، كما امتدت دولتهم في بعض الأحيان من النيجر غربا حتي النيل شرقا ((69)) وبالتالي فان جزء من السودان كان ضمن املاكهم بل هنالك من المؤرخين من يقول بان مؤسس دولة الفونج كانوا عناصر من البرنو ((70)). وبالتالي فان البرنو هم سودانيون بالاصالة والتاريخ وكان للاستعمار الاوربي اهدافه الواضحة في تمزيق البرنو وتشتيتهم عقب إسقاط دولتهم وتقسيمها ولهذا كان وجود البرنو في السودان منذ عهد بعيد، فقد هاجر بعضهم الي السوان عقب سقوط دولتهم والاحداث التي واكبت ذلك واستقروا في كل أنحاء السودان. لكن كان من الطبيعي ان تتكاثر اعدادهم في مناطق غرب السودان خاصة دارفور وقد اشتركوا في كل احداث السودان وبنائه كما هو واضح منذ عهد الفونج وقبلهم ولا شك ان دورهم كان بارزا في كل المستويات لما لهم من علم وفهم في امور الدين والدنيا بعد أن صقلتهم وعركتهم لمدة تناهز الالف عام في البناء الحضاري والإنساني ولهذا كانوا مصدر عطاء ثر في كل الدول التي وجدوا فيها انفسهم أو التي هاجروا إليها.. وبقراءة الخارطة الاجتماعية لمناطق البرنو نجدهم استقروا في مناطق مثل عين صالح وفتابرنو وكلمة (فتاي) بلغة الفور تعني الأبيض اي البرنو البيض كما استقروا في منواش التي اسسها أحد امراء البرنو ومنطقة دارا والفاشر ونيالا وعد الفرسان وكبم ورهيد البردي وابوجابرة وتلس..الخ... وعندما قامت دولة الفور كانوا خير معين لهم، فقد كان علماء البرنو مقربين لدي سلاطين الفور يقدمون لهم النصح والمشورة وينشرون الإسلام وسط المواطنين وكان اخر المقربين الملك مصطفي جلخام الذي كان أحد الثقاة لدي السلطان علي دينار ولهذا كافأه بان زوجه اخته الاثيرة لديه وهب الميرم (تاجه) ذات الشهرة والنفوذ القوي في سلطنة الفور ((71)). اما عن مشاركتهم في الاحداث القومية في السودان فنجدهم منذ ان عرف السودان كدولة موحدة عقب الثورة المهدية، قد شاركوا بفعالية في كل احداثه، لكن نظرا لان تاريخ السودان لم يكتب باقلان حرة حتي الآن فقد ضاعت حقوق الكثيرين وكان البرنو من ضمنهم، لهذا نحاول ابراز بعض المواقف التي قام بها افراد من البرنو عبر تاريخ الشودان ذلك علي سبيل المثال : موقف مقام صالح بك حجازي البرناوي كان ضمن السودانيون الذين انخرطوا في الجيش المصري في السودان عام 1853م وتخرج برتبة ملازم وعندما نشبت الحرب المكسيكية عام 1862م اختير ضمن الاورطة السودانية التي طلبتها فرنسا من مصر لتحارب في المكسيك نظرا لفشل الجيوش الاوربية في مواجهة القوات المكسيكية وظروف المناخ الحار ولهذا طلب نابليون الثالث من سعيد باشا في مصر ان يمده بقوة سودانية لهذه المهمة فتكونت فرقة من 453 من ضباط وضباط صف وعسكر ((72)) فسافر صالح بك حجازي ضمن القوة وقاتلوا قتال الابطال في المكسيك حتي اطفأوا ثورتها ومات بعضهم فيها واثبتوا جدارة فائقة فقد جاء في تقرير القائد الفرنسي فيركروز عن الجيوش السودانية قوله : (لقد كلل هذا القتال رؤوس السودانين الذين قاموا بأعبائه باسمي اكاليل الفخر، فانهم لم يبالوا بالنار المنصبة عليهم من الاعداء فردوهم علي اعقابهم مدحورين بالرغم من أن الاعداء يزيدون عليهم في العدد تسع مرات ((73)).. وبعد الحرب نال صالح بك حجازي وسام (سقالييه دي لا جون دونور) عام 1862م وعندما عاد الي مصر منحه الخديوي إسماعيل باشا رتبة (صاغ) ثم عين قومندانا لحامية متتيب بكسلا وهنالك دخل في حروب شرسة مع الاحباش ثم سافر الي مصر في مامورية وعاد للخرطوم عام 1873م وصادف ان قام الزبير باشا باحتلال دار الرزيقات وتنازل عنها للحكومة المصرية وتعهد بفتح دارفور ولما كان الخديوي سشك في نوايا الزبير بعث الي إسماعيل أيوب حكمدار السودان ان يسرع لدخول دارفور خشية ان يكون الزبير فيها حكومة مستقلة فاصطحب إسماعيل أيوب معه البكباش صالح حجازي فدخلا الفاشر بعيد احتلالها من الزبير وقام اسماعبيل أيوب بتقسيم دارفور الي خمس مديريات وهي الفاشر ودارا وكبكابية وكلكل وام شنقا وشكا.. وهنالك رقي صالح بك حجازي الي رتبة قائمقام وعين مديرا لمديرية دارا ((74)) وذلك نظرا لاخلاصه وخدماته الممتازة وكان حوالي نصف سكان دارا من البرنو فقام صالح بك بدور كبير في تهدئة الأحوال واعمار المدينة وعندما قام سليمان بن الزبير بمؤامرة للاستيلاء علي دارا والفاشر وتخريب دارفور انتقاما من الحكومة المصرية للقبض علي ابيه فقام صالح بعد أن وصله خطاب غردون بذلك بالاعداد للامر وحذر الجميع من الفوضي مما اقنع المتآمرين بالكف عن الاذي فانقذ صالح الموقف دون اراقة دماء فقوبل بالثناء والرضي من قبل الجميع وظل صالح البرناوي حاكما علي دارا حتي توفي عام 1869م ((75)). وكان من بين رجالات البرنو البارزين في الجيش السوداني المصري انذاك أيضا البلالي بك واسمه محمد الحاج البلالي البرناوي. كان أول مدير تعينه الحكومة المصرية مديرا لمنطقة بحر الغزال عام 1869م لحزمه وشجاعته واخلاصه وعندما ظهر الزبير باشا دخل معه في مواجهة الا انه قتل فجأة في كمين اعده له الزبير واعوانه وكان قتله سببا في شهرة الزبير باشا إلا أن الأخير خشي علي نفسه من نقمة الحكومة المصرية فاسرع في الاستيلاء علي دارا لرزيقات واهداها للحكومة المصرية وتعهد لها بفتح دارفور كترضية لها نظير قتله البلالي بك الذي غضبت لمقتله الحكومة المصرية فقبل الخديوي إسماعيل هذا التنازل وهذا الوعد ومنح الزبير رتبة بك وامده ببعض الجند والسلاح وفي الوقت نفسه كتب سرا الي إسماعيل أيوب حكمدار السودان بالاسراع في الاستيلاء علي دارفور من بعد الزبير والقبض عليه وارساله الي مصر ((76)) وهذا هو ما تم بالفعل.. وعندما نشبت الثورة المهدية في السودان تدافعت قبائل البرنو لمبايعة المهدي لانها رفعت لواء ظلوا يرفعونه من الف عام في هذه اليلاد ولهذا انخرط الكثيرون منهم في جيش المهدي وبرزت منهم قيادات فاعلة لكنهم قتلوا في المعارك الأولي من الثورة المهدية كما ان البعض منهم اعلن مهديته وقاد ثورته ضد الإنجليز ومن هؤلاء مثلا : الفقيه محمد زين البرناوي الذي اعلن المهدية والثورة ضد الإنجليز في منطقة أبو شكة بالنيل الازرق عام 1882م جاءت ثورته عقب ثورة الشريف احمد ود طه في ابي حراز فيذكر نعوم شقير: ان الفقيه محمد زين وجد تاييدا كبيرا من اهالي المنطقة والتفت حوله جموع كثيرة من عربان رفاعة الهوي واستولوا علي بعض المناطق المجاورة واخذ يستعد للزحف علي سنار فادرك القائد الإنجليزي جيكلر خطر الموقف فبعث اليه بقوة كبيرة بقيادة السر سواري علي اغا كاشف وهنالك التقي بجموع الفقيه محمد زين فقاتلوه قتال الابطال حتي استشهد مجمد زين البرناوي وتفرقت جموعه ثم قطع راسه وجيئ به الي سنار في 25مايو 1882 ((77)). وتذكر المصادر التاريخية انه كان من المفربين الي الامام المهدي في مبدأ ثورته الملك عمر وهو من فقهاء البرنو وعندما كان المهدي معسكرا في البركة بكردفان بعثه علي راس سرية من الأنصار الي جبال النوبة وكان يعسكر في هذا الجبل يلوك من العساكر السود التابعين للحكومة البريطانية كانت مهمتهم هي منع تجارة الرقيق وحراسة كنيسة كبري قائمة بالمنطقة تابعة للمرسلين النمساويين وكانت مهمتها هي تنصير اهالي البلاد ,ويديرها اثنان من القس هما الاب واهر ولدر واخان ومعهما ثلاث راهبات فادرك المهدي خطورة ما يقوم به هؤلاء فارسل عمر البرناوي فسار اليهم بجيشه وهاجم العساكر ودار بينهم قتال فانهزم العساكر واستسلم الباقون فاحرق الكنيسة وساق الجميع الي المهدي في الجتزارة واسلمهم اليه في يوم 14سبتمبر عام 1882م ((78)) فسر منه المهدي ودعا له بالخير واستمر الملك عمر في جهاده مع المهدي حتي استشهد في ملاحم الخرطوم. ومن هؤلاء القواد أيضا ود ارباب البرناوي كان من برنو القلابات الذين وفدوا الي الامام المهدي وهو في منطقة الرهد فبايعوه وإنخرطوا في سلك المجاهدين وكان علي راسهم محمد ود ارباب الذي بعثه المهدي اميرا علي منطقة القلابات في يناير عام 1884م وكانت منطقة مزعجة لقربها من الحدود الحبشية وكانت بها حامية من الجيش المصري الناوئ للدعوة المهدية فشخص إليها محمد ود ارباب مسرعا الي القلابات وحاصرها من جهة الشمال والشمال الغربي فانزعجعت الحكومة المصرية للامر وحاولت فك الحصار بشتي الطرق لكنها فشلت مما اضطرها الي طلب المساعدة من الملك يوحنا ملك الحبشة ووعدته بمنحه منطقة القلابات وما فيها من سلاح إذا فك الحصار واخرج القوات المصرية منها وبعثت اليه الاميرال ماسون بك للمفاوضة فقبل الملك يوحنا العرض ووقع الاتفاق وندب اهذه المهمة قائده المسمي (دهنشوم) والكولونيل تشريسيد باشا محافظ البحر الاحمر في ذلك الحين، وتولي قيادة الجيش المصري القائمقام سعد بك رفعت، وخرج من مصر مصوع بخمسة وعشرين الف جندي وخرج الملك يوحنا الي عدوة وعسكرفيها وبعث قائده دهنشوم في خمسة عشر الف مقاتل واشتبك الجيشان مع جيش محمد ود ارباب امير القلابات وعلي الرغم من كثرة الجيوش المصرية الحبشية الا انها عجزت عن هزيمة جيش ود ارباب وعندما سعد بكثرة جراحاته وقلة المؤنة انسحب الي منطقة قريبة تعرف سرف سعيد وهنا انتهزت القوات المصرية الفرصة وانسحبت بسرعة بعد أن سلمت اسلحتها الخفيفة التي خرجت بها لدهنشوم، فاخليت حامية القلابات ومعها أكثر من ثلاث آلاف مصري في 28 فبراير 1885م الي المتمة وتقدم محمد ود ارباب بجيوش المهدية واحتل القلابات وتقدم في يوم الخميس الخامس من مارس سنة 1885م بعد خروج الحامية المصرية يخمسة ايام فقط فكتب محمد ود ارباب بالخبر الي المهدي وطلب منه المدد لطرد بقية المصريين من شرق السودان ((79)) فامده المهدي ومن بعده الخليفة عبد الله واستمر ود ارباب في جهاده حتي خرجت الجيوش المصرية من السودان بشكل نهائي وعندما توفي الامام المهدي عام 1885م وخلفه الخليفة عبد الله، ازداد تاييد اهل الغرب عموما للثورة المهدية خاصة بعد تلك النداءات التي اصدرها الخليفة للقبائل بان توافيه في امدرمان. وبعث بعض قواده لتنفيذ المهمة. حضر الكثيرين من البرنو ولحقوا باخوانهم الذين سبقوهم بالبيعة الي المهدي وانخرط الجميع في جيش الخليفة وكان الخليفة يوليهم اهتماما خاصة لمعرفته بهم واخلاصهم لان جد الخليفة نفسه جاء من بلاد برنو ((80)) بعد أن تربي فيها وتعلم في معاهدها وهم اصلا ينتمون الي اسرة (أبو صرة) العلمية في برنو ((81)) وابو صرة هو الجد الاعلي للخليفة عبد الله ولهذا كانت قبيلة البرنو تشكل احدي القبائل المنضوية تحت لواء الراية الزرقاء التي كان يقودها الخليفة ثم آلت الي اخيه الامير يعقوب قبيل وفاة المهدي ويؤيد ذلك ما ذكره صاحب كتاب (تاريخ السودان وجغرافيته) ان جيش الراية الزرقاء كان يتكون من ثلاث واربعين قبيلة من عرب وعجم هي ((التعايشة والهبانية والحمر والرزيقات زبني هلبة، الزيادية، المعالية، الماهرية، المحاميد، المسيرية، الهوارة، العريقات، بني جرارة، حمر، التمام، الغديات، بني عمران، الفور، المسبعات، التامة والبرتي، الميمة وجماعة الخبير علي، نوبة الحرازة، الميدوب، البزعة، الداجو، الترجم، البقو، البرنو، الباقرمة، الفلاتة، ومعهم نفر من الجعليين والسعداب والدناقلة والشنابلة والركابية))..((82))..

وكان وجود قبائل البرنو في جيش المهدية واضحا ومميزا فقد كانت لهم فرقة خاصة عرفت تاريخيا باسم (المشمرين) كلهم من البرنو وصفهم المؤرخين بانهم كانوا طوال القامة غلاظ الاجسام يحملون حرابا طويلة بيوضوية الشكل يبلغ طول الواحدة منها طول ذراع قناتها نحو اربعة امتار ويمتازون بلبس جبة قصيرة مشمرة الي فوق الركبة ولهذا عرفوا بالمشمرين يحمل الواحد منهم خنجرين في وسطه وعلي راسه طاقية ذات قرنين تعرف بام قرينات ((83)) وكان لها غالبا حسم كثير من المعارك. ويذكر نعوم شقيران ان هذه الفرقة كانت من مبتكرات الخليفة عبد الله وهكذا نجد وجود البرنو في جيش المهدية كان واضحا وفعالا وقد اشتركوا في كل معاركها الجهادية بدء من قدير حتي كرري واستشهد منهم المئات في سبيل دينهم ووطنهم وسالت دماؤهم الطاهرة مع اخوانهم في الدين والوطن ليرووا لنا شجرة الاستقلال والحرية التي ننعم بها الآن.. وعند ما جاءت فترة النضال الوطني السياسي ضد الاستعمار انخرطوا في الاحزاب السياسية وكل الفعاليات الوطنية وبرزت منهم قيادات فاعلة ناضلت بالكلمة الشريفة عبر كل وسائل الاعلام المحلي والدولي حتي نال السودان استقلاله المجيد وتبوأ الكثيرين منهم مراكز مرموقة في دواوين الدولة والقوات النظامية المختلفة.. كما دخل الكثيرين منهم في المجال التجاري فسجلوا نجاحات باهرة وامتلكوا اموالا طائلة في كل أنحاء السودان وخارجه وهم اليوم يشكلون راسمالية وطنية كبري، رغم عدم تعاونهم فيما بينهم اما في مجال حياتهم العلمية فانهم ما زالوا متمسكين بنهج اباءهم ويعنبرون انفسهم دعاة لهذا الدين بشكل تلقائي واهذا نجدهم من أكثر القبائل المتعلمة في السودان وربما تنعدم الامية بينهم بشكل نهائي بل نجد حتي نساءهم يحفظن القران في الخلاوي قبل المدرسة ولهذا فقد برز منهم جماعة من العلماء خلال العقود الماضية، ترجم لبعضهم الشيخ ابراهبم صالح بن يونس في كتابه الذي عنونه باسم (علماء البرنو) وقد ترجم فيه لاكثر من الف عالم من علماء برنو وقد زار السودان لهذه المهمة ولا زال هذا الكتاب مخطوطا.. وهكذا نري ان تاريخ البرنو هو ذلك التاريخ القديم المتجدد والذي من يحتاج من الباحثين الي جهود مطولة لانه موزع بين أفريقيا واوربا واسيا ولاهميته الفائقة فانه يشكل صورة مشرقة من صور التاريخ الإسلامي الأفريقي الذي يجب أن يعتز به جميع المسلمين..

المصادر والمراجع 1- دائرة المعارف الإسلامية مادة برنو ص 576 2- احمد شلبي الكتور موسوعة التاريخ الإسلامي لحضارة الإسلامية مكتبة النهضة المصرية ط 1983 ج6 ص278 3- صبحي لبيب لتجار الكارمية والتجارة في العصور الوسطي مقال في المجلة التاريخية المجلد الرابع العدد الثاني مايو 1952 4- الشيخ إبراهيم صالح بن ينس تاريخ الإسلام وحياة العرب في امبراطورية كانم برنو جامعة الخرطوم 1985 ص72 5- العمري التعريف بالمصطلح الشريف القاهرة 1312هجرية ص75

      palmer:the borno sahra and sudan (London 1936) p6    - 6  

7- ديوان سلاطين برنو مخطوط ورقة 21 وينظر أيضا القلقشندي صبح الاعشي في صناعة الانشا ج5 \ص278 8- الحسن الوزان وصف أفريقيا ط الرياض 1399 م ص553 وينظر Palmer ,op, 12 9- محمد بيلو انفاق الميسور في تاريخ بلاد التكرور ط دار الكتب المصرية ص33 10- ادم عبد الله الالوري موجز تاريخ نيجيريا دار مكتبة الحياة بيروت 1965 ص66 11- الشيخ إبراهيم صالح مرجع سبق ذكره ص66 وما بعدها 12 العمري : مسالك الابصارفي ممالك المصار مخطوط ج2 ورقة 23 ص493 13- الشاطري بصيلي عبد الجليل تاريخ وحضارات السودان الشرقي والاوسط الهيئة العامة المصرية للكتاب 1972 ص21 14- الشاطر بصيلي المرجع السابق ص 413 15- محمد بن ينبوع كتاب الإدارة في برنو مخطوط مركز ابحاث شمال نيجيريا جامعة احمد بيلو بزاريا ورقة 13 16- معرفة اجداد اليمانين مخطوط ورقة 4 مركز ابحاث شمال نيجيريا 17- البكري، المغرب في ذكري بلاد أفريقيا والمغرب طبع باريس 1911م ص184 18- مخطوط معرفة اجداد اليمانين ورقة 1,2 19- محمد بن علي الحاج سلطان برنو كتاب تواريخ برنو مخطوط بمركزابحاث شمال نيجيريا زاريا ورقة 2 20- احمد بن فرتوا ديوان سلاطين برنو مخطوط جامعة عبد الله بايروبكلنو ورقة ص 4 21- الشيخ إبراهيم صالح مرجع سبق ذكره ص68 22- القلقشندي مصدر سابق ج 5 ص 280 - ladylugard atropical dependency on out line of cient history of 23- westeren sudan (London 1905)pp. 254–273 24- جون جوزيف الإسلام وامبراطوريات أفريقية السوداء ترجمة محمد مختار السويفي دار الكتاب المصري اللبناني 1984م ص 95 stride G.T. and others peoples and empires of west Africa (100- - 25 1800)ibadnes 1969)p. 10. 26- احمد بن فرتوا حروب السلطان ادريس مخطوط ورقة 12 27- احمد بن فرتوا نفس المصدر ورقة 13 28- محمد المغربي الدكتور بداية الحكم المغربي للسودان دار الرشيد بغداد 1982م ص 157 29- عبد القادر بن المصطفي روضات الافكار مخطوط ورقة 12 30- الشيخ إبراهيم صالح مرجع سبق ذكره ص 116. - partr,op,p,231 - 31 - lugard,op,cit,p,231 - 32 33- الشيخ إبراهيم صالح مرجع سبق ذكره ص 116 34- الشيخ إبراهيم صالح مرجع سبق ذكره ص 116 35- ينظر محمد كعت تاريخ الفتاش مطبعة هوداس 1898م ص13. 36- روضات الافكار مخطوط ورقة 4 37- القلقشندي صبح الاعشي ج5,ص280\281. 38- صبحي لبيب في مجلة البحوث التاريخية المصرية مجلد عدد مايو 1952م 39- عبد المجيد عابدين الدكتور صور من وحدة الفكر العربي في أفريقية معهد البوث والدراسات العربية القاهرة 1970م ص69. 40- حسن احمد محمود الإسلام والثقافة العربية في أفريقيا مكتبة النهضة المصرية القاهرة 1958م ص236. 41- الشاطر بصيلي مرجع سبق ذكره ص 422. 42- محمد بن ينبوع كتاب في مملكة الامارة مخطوط ورقة 11. 43- إبراهيم طرخان دولة مالي الإسلامية ص 169. 44- كتاب الإدارة ورقة 12. 45- الإسلام في نيجيريا ص 30. 46- ينظر كل من الفشتالي في (مناهل الصفا)ص104-105. (والاستقصا)ج5 ص361 وما بعدها. 47- ينظر (رسائل عثمانية) مخطوطة بمركز ابحاث شمال أفريقيا زاريا.

48- الشيخ إبراهيم صالح مرجع سبق ذكره ص130. 49- موسوعة التاريخ الإسلامي والحضارة الإسلامية ج6 ص179. 50- مسالك الابصار مخطوط ج2 ق4 ص492. 51- العمري نفس المصدر السابق ورقة 12. 52- احمد بن فرتوا المصدر السابق ورقة 12. 53- موسوعة التاريخ الإسلامي ج6 ص282. 54- صبحي لبيب مرجع سبق ذكره ص2. 55- صور من وحدة الفكر العربي في أفريقيا ص69. 56- عبد المجيد عابدين نفس المرجع ص7. 57- صبحي لبيب مرجع سبق ذكره عدد2,1952م 58- إبراهيم طرخان امبراطورية البرنو الإسلامية ص73. 59- إبراهيم طرخان نفس المرجع 75 60- العمري مسالك الابصار ج2ق3ص482. 61- انفاق الميسور ص30. 62- ابكورة الامام علي تعليم القران في برنو ص32.

 hamsatic,o.p.cit,p20 63-

64- ابكورة الامام ص34. annarnective of travels in northeren in years 1818 – 1820.120 65- 66- دائرة المعارف الإسلامية مادة برنو ص579 palmer, op cit,p. 377.. 67- 68- ديدفسن :أفريقيا تحت اضواء جديدة ترجمو جمال محمد احمد ص166 arkel. History of sudan، pp. 206–207 69-

arkel، ibid,p. 20070- .  

71- حسن قنديل فتح دارفور ص29. 72- عمرطرسون الاورطة السودانية المصرية في حرب المكسيك طبع القاهرة 1983 ص4 73- عمر طرسون نفس الرجع ص11 74- عمر طرسون نفس المرجع ص118 75- عمر طرسون نفس المرجع ص118 - نعوم شقير تاريخ السودان وجغرافيته ص578 76- 77- نعوم شقير نفس المصدر ص673 78- تاريخ السودان وجغرافيته ص695 79- نعوم شقير المرجع السابق ص900 80- تاريخ السودان وجغرافيته ص582 81- نعوم شقير نفس المرجع ص581 82- تاريخ السودان وجغرافيته ص1253 83- نعوم شقير نفس المرجع ص1256