وقتها
كانت وقعة فيف الريح وقد بُعث النبيّ بمكة.
سبب القتال
وهو بين بنو عامر بن صعصعة وبني مذحج والحارث بن كعب ومن لف لفيفهم من خثعم وشهران وناهس وزبيد وجعفي وغيرهم وكان خبره أن بني عامر كانت تُطلب بني الحارث بن كعب المذحجية بأوتارٍ كثيرة فجمع لهم الحصين بن يزيد بن شداد بن قنان الحارثي، وهو ذو الغصة، واستعان بقبائل جعفي وزبيد وقبائل سعد العشيرة ومراد وصداء ونهد وخثعم وشهران وناهس وأكلب ثم أقبلوا يريدون بني عامر وهم منتجعون مكاناً يقال له فيف الريح، ومع مذحج النساء والذراري حتى لا يفروا. فاجتمعت بنو عامر، فقال لهم عامر بن الطفيل: أغيروا بنا على القوم فإني أرجو أن نأخذ غنائمهم ونسبي نساءهم ولا تدعوهم يدخلون عليكم. فأجابوه إلى ذلك وساروا إليهم. فلما دنوا من بني الحارث ومذحج ومن معهم أخبرتهم عيونهم وعادت إليهم مشايخهم، فحذروا فالتقوا فاقتتلوا قتالاً شديداً ثلاثة أيام يغادونهم القتال بفيف الريح، فالتقى الصميل بن الأعور الكلابي وعمرو بن صبيح النهدي، فطعنه عمرو، فاعتنق الصميل فرسه وعاد فلقيه رجل من خثعم فقتله وأخذ درعه وفرسه. وشهدت بنو نمير يومئذ مع عامر بن الطفيل فأبلوا بلاء حسناً وسموا في ذلك اليوم بحريجة الطعان لأنهم اجتمعوا برماحهم فصاروا بمنزلة الحرجة، وهي شجر مجتمع. وسبب اجتماعهم أن بني عامر بن صعصعة جالوا جولة إلى موضع يقال له العرقوب، والتفت عامر بن الطفيل فسأل عن بني نمير فوجدهم قد تخلفوا في المعركة، فرجع وهو يصيح: يا صباحاه! يا نميراه! ولا نمير لي بعد اليوم! حتى اقتحم فرسه وسط القوم، فقويت نفوسهم، وعادت بنو عامر بن صعصعة وقد طعن عامر بن الطفيل ما بين ثغرة نحره إلى سرته عشرين طعنةً. وكان عامر في ذلك اليوم يتعهد الناس فيقول: يا فلان ما رأيتك فعلت شيئاً، فمن أبلى فليرني سيفه أو رمحه، ومن لم يبل شيئاً تقدم فأبلى، فكان كل من أبلى بلاءا حسناً أتاه فأراه الدم على سنان رمحه أو سيفه، فأتاه رجل من الحارثيين. فقال له: يا أبا علي أنظر ما صنعت بالقوم! انظر إلى رمحي! فلما أقبل عليه عامر بن الطفيل لينظر وجاءه بالرمح في وجنته ففلقها وفقأ عينه وترك رمحه وعاد إلى قومه. وإنما دعاه إلى ذلك ما رآه يفعل بقومه، فقال: هذا والله مبير قومي! فقال عامر بن الطفيل:
جاؤوا بشهران العريضـة كلـها
|
|
وأكلـبها ميلاد بكـر بن وائـل
|
وسـعـت شيـوخ الحـي بين سويـقة
|
|
وبين جنـوب القهر ميل الشمائل
|
فلـو كـان جمع مثلـنا لم يبزتا
|
|
ولـكن اتـانا كل جـن وخـابـل
|
فبتنا ومن ينزل به مثل ضيفنا
|
|
يبـت عن قـرى أضيافه غير غافل
|
وأسرت بنو عامر بن صعصعة يومئذ سيد مراد جريحاً، فلما برأ من جراحته أطلق وممن أبلى يومئذ أربد بن قيس بن حر بن خالد بن جعفر، وعبيد بن شريح بن الأحوص بن جعفر وأسرع القتل في الفريقين جميعاً، ثم إنهم افترقوا ولم يشتغل بعضهم عن بعض بغنيمة وكان الصبر فيها والشرف لبني عامر بن صعصعة.
وقال عامر بن الطفيل:
لقد عَلِمَتْ عُلْيَا هَوَازِنَ أَنَّنِي
|
|
أَنا الفارِسُ الحامِي حَقِيقَةَ جَعْفَرِ
|
وقد عَلِمَ المَزْنُوقُ أَنِّي أَكُرُّهُ
|
|
علَى جَمْعِهِمْ كَرَّ المَنِيحِ المُشَهَّرِ
|
إِذَا ازْوَرَّ من وَقْعِ الرِّماحِ زَجَرْتُهُ
|
|
وقُلتُ لَهُ ارْجعْ مُقْبِلاً غيرَ مُدْبِرِ
|
وأَنْبَأْتُهُ أَنَّ الفِرَارَ خَزَايَةٌ علَى
|
|
المَرْءِ ما لم يُبْلِ جَهْداً ويُعذِرِ
|
أَلَسْتَ تَرَى أَرماحَهُمْ فِيَّ شُرَّعاً
|
|
وأَنْتَ حِصَانٌ ماجِدُ العِرْقِ فاصْبِرِ
|
أَرَدْتُ لِكيْ لا يَعْلمَ اللهُ أَنَنِي
|
|
صَبَرْتُ وأَخْشَى مِثْلَ يومِ المُشَقَّرِ
|
لَعَمْرِي وما عَمْرِي عليَّ بِهَيِّنٍ
|
|
لقَدْ شَانَ حُرَّ الوَجْهِ طعْنَةً مسْهِرِ
|
فَبِئْسَ الفَتَى إِن كُنْتُ أَعْوَرَ عاقِراً
|
|
جَباناً فَما عُذْرِي لدى كُلِّ مَحْضَرِ
|
وقد عَلِمُوا أَنِّي أَكُرُّ عليهمُ
|
|
عَشِيَّةَ فَيْف الرِّيح كَرَّ المُدَوِّرِ
|
وما رِمْتُ حتي بلَّ نَحْري وصَدْرَهُ
|
|
نَجيعٌ كَهُدَّابِ الدِّمَقْسِ المُسيَّرِ
|
أَقُولُ لِنَفْسِ لا يُجادُ بِمِثْلِها
|
|
أَقِلِّي المِراحَ إِنَّنِي غيرُ مُقْصِرِ
|
فلو كانَ جَمْعٌ مثلُنا لم نُبالِهِمْ
|
|
ولكِنْ أَتَتْنا أُسْرَةٌ ذاتُ مَفْخَرِ
|
فَجَاؤُوا بِشهرانِ العَرِيضَةِ كُلِّها
|
|
وأَكْلُبَ طُرًّا في لباسِ السَّنَوَّرِ
|
وامتنّت بنو نُمير على بني كلاب بصَبرهم يوم فَيف الريح، فقال عامر بن الطفيل:
تَمُنُّون بالنُّعمى ولولا مَكَرُنا
|
|
بمُنعرجِ الفَيفا لكنتُم مواليَا
|
ونحن تداركْنا فوارسَ وَحْوحٍ
|
|
عشيّة لاقينَ الحُصين اليَمانيا
|
وقال عامر بن الطفيل أيضاً:
ويا لفيفاً من اليمن استثارت
|
|
قبائل كان ألبهم فخاروا
|
مصادر
1.^ سبائك الذهب في معرفة قبائل العرب للسويدي، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان
2.^ الكامل في التاريخ لابن الأثير