غرفة سحابية
الغرفة السحابية أو غرفة ويلسون السحابية في فيزياء الجسيمات هي جهاز لاكتشاف جسيمات الإشعاعت المؤية. وتتكون الغرفة السحابية من غرفة صغيرة زجاجية تحتوي على بخار الماء حيث يكون بخار الماء فيها في درجة التشبع. وعندما يتفاعل جسيم ألفا أو جسيم بيتا مع جزيئات الوسط، تتأين الجزيئات على طول مسار الجسيم. وتحفز الأيونات المتولدة على مسار الجسيم على تكثف الماء عليها، حيث تكون تلك الأيونات بمثابة الأنوية لتكثف بخار الماء عليها. وبذلك يصبح مسار الجسيم مرئيا.
وتختلف مسارات الجسيمات عن بعضها، فمثلا تكون مسارات جسيم ألفا عريضة ومستقيمة، بينما يكون مسار الإلكترون رفيعا.
قياس طاقة الجسيم
عند تسليط مجال مغناطيسي على الغرفة السحابية فإن الجسيمات الموجبة الشحنة والجسيمات السالبة الشحنة تنحرف في اتجاهين متضادين. ويبدو هذا الانحراف لمسار الجسيم المشحون على شكل قوس، طبقا لقانون لورينس الخاص بتأثير المجال المغناطيسي على شحنة متحركة.
بقياس نصف قطر تقوس المسار وطول المسار يمكن التعرف على كتلة الجسيم وسرعته. وبما أن طاقة الحركة لجسيم تتنايسب مع مربع سرعته، فيمكن حساب طاقة الحركة للجسيم. كذلك يمكن من مسار الجسيم معرفة مقدار شحنته، هل هو إلكترون مثلا ؟ فيكون مساره رفيعا أم جسيم ألفا وهو يحمل شحنتين (بروتونين)، فيكون مساره عريضا.
وتوجد للجسيمات ذات الطاقة العالية التي تنفذ بسهولة من الغرفة السحابية نوع آخر من الغرف لاكتشافها، وهي غرفة الفقاقيع وهي تعمل بنفس فكرة الغرفة السحابية إلا أن وسط الغرفة يكون الماء بدلا من الهواء، وفيها تظهر مسارات الجسيمات في هيئة فقاقيع غازية بدلا من تكثف بخار الماء عليها.
إسهامات تشارلز ولسون وهانس جايجر في حصر الجسيمات غير المرئية
كانت الفيزياء النووية مجالاً مزدهراً في أوائل القرن العشرين. ومع تنشيط هذا المجال باكتشاف النشاط الإشعاعي (١٨٩٦)، كان علماء الفيزياء يعملون على تفكيك الذرات التى اعتقدوا قبل ذلك في أنها غير قالة للمس، حيث توصلوا إلى اكتشاف النواة شديدة الصغر والإليكترونات التي تدور في مدارات (١٩٠٩). وفي الوقت المناسب، سيتم التعامل مع النواة ليتم فصلها عن الذرة (معمل كافندش ١٩٣٢).
لكن لم يتمكن أي شخص على الإطلاق من رؤية الإليكترون، ولن يتمكن أي شخص من رؤيته. حتى الذرات لم يتمكن أحد على الإطلاق من لمحها لعقود كثيرة. ومن ثم، اضطر الباحثون إلى الاعتماد على طرق أخرى لتحديد بقايا المادة وإحصائها. وقد أفادت هذه الأساليب علماء الفيزياء النووية، حيث أتاحت التليسكوبات والميكروسكوبات لعلماء آخرين لعدة قرون إمكانية جعل الأشياء التي لم ترى ولم تعرف من قبل مرئية ومعروفة.
دائما ما تكون هناك حاجة إلى استخدام أجهزة متطورة من أجل تعقب أجزاء المادة المتطايرة داخل الذرة وجعل مساراتها مرئية. وفي هذه النقطة تحديدا، تخترق الأشعة الكونية عالية الطاقة (بروتون أو أشعة جاما) الغرفة السحابية، التي تمتلئ بالهواء المتشبع ببخار الماء. تضغط الأشعة على عدادي جايجر من أعلى وأسفل، مما يؤدي إلى تنشيط العمليات التى تحدث داخل هذه الغرفة. فيتمدد الهواء نتيجة لهذه العمليات ثم يبرد مرة أخرى ويتكثف الماء كقطرات صغيرة على إثر ذرات الهواء المتأينة التي نشأت بفعل الأشعة الكونية.
في هذه الحالة، يتم تتبع مسارات كل من الإليكترون والبوزترون (ديراك ١٩٢٨)، الناتجين عن طاقة الأشعة الكونية. وتنحرف المسارات في اتجاهات متضادة في المجال المغناطيسي، الذي يسود الغرفة السحابية.
بعد ذلك بفترة قليلة، وجد علماء الفيزياء أن الأشعة الجديدة التي تطلقها الذرات ذات النشاط الإشعاعي (النشاط الإشعاعي ١٨٩٩)، كانت عبارة عن تدفق لجسيمات معينة، فضلاً عن أنها عملت على إظهار نقاط لامعة على شاشة معالجة بطريقة كيميائية (١٩٠٩).
وكانت عملية إحصاء النقاط البيضاء، بواسطة العين المجردة، عملية مرهقة للغاية ومعرضة للوقوع في الخطأ. اعتمدت الآلات في عملها على حقيقة قدرة الأشعة على تأيين الهواء. بحيث يكون قادرا، ولو لبعض الوقت، على توصيل الكهرباء وكان هذا هو الأساس الذي اعتمد عليه عداد العالم الألماني هانس جايجر والذي سمي بعد ذلك بعداد جايجر-مولر فكل جسيم من تلك الجسيمات المارة يحدث نبضة من التيار الكهربي، حيث تقوم أعداد كثيرة من هذه الجسيمات بتحريك إبرة لقياس كمية الإشعاع وإحداث صخب عال يمكن سماعها بسهولة.
تحتاج عملية جعل مسارات الجسيمات مرئية إلى استخدام آلة "الغرفة السحابية" التي تعتبر آلة رائعة صممها العالم الاسكتلندي الحائز على جائزة نوبل تشارلز ولسون في كامبريدج. واعتمدت هذه العملية أيضا على قدرة الإشعاع على تأيين الهواء مخلفا آثار من جسيمات الهواء المشحونة. إن تمدد الهواء داخل الغرفة يعمل على تبريده قليلاً — الأمر المعروف باسم ظاهرة جول وطومسون (١٨٥٢) — بالإضافة إلى أنه سمح لبخار الماء بالتكثف على هيئة قطرات مائية بطول مسار أيونات الهواء، لتعمل على تشكيل مسار واضح للعين المجردة. ويدل المسار الذي خلفه الجسيم وراءه على العديد من الأشياء. إذا كان المسار سميكاً، فإن الجسيمات المكونة لذلك المسار ستتحرك بشحنات بطي، أو أنها ستكون مشحونة بشحنات كبيرة. أما إذا كانت الجسيمات تتحرك خلال مجال مغناطيسي، فإن امسار سينحرف بطريق أو بآخر وذلك بمقدار صغير أو كبير اعتمادا على شحنة هذه الجسيمات وكتلتها.
يمكن أن يتم دمج كلا الأسلوبين معا لدراسة الإشعاع الكوني (هس ١٩١٢) - وهو تلك التيارات من الجسيمات المشحونة الواصلة إلينا من خلال الفضاء الخارجي. ويمكن لعدادات هانس جايجر الموجودة أسفل وأعلى آلات "الغرف السحابية" أن تعلن عن اختراق أشعة كونية للمجال الذي توجد فيه هذه الأجهزة، حيث تتمدد آلة الغرفة السحابية في الحال، ليتم التقاط حركة ومسار الأشعة الكونية من خلال فيلم ضوئي. وهذا هو ما قام به العالم باتريك بلاكيت في اختراعه لأزواج الإليكترون والبوزترون في عام ١٩٣٢ (معمل كافندش) ليثبت أن المادة المضادة لهذه الشحنات موجودة بالفعل.