غابريل مارسيل
غابريل مارسيل (بالفرنسية: Gabriel Marcel) (7 ديسمبر 1889 – 8 أكتوبر 1973)، الفيلسوف الفرنسي، والكاتب المسرحي، والناقد الموسيقى، وقائد الوجودية المسيحية. ألف أكثر من اثني عشر كتاباً وثلاثين مسرحية على الأقل، ركزت أعمال مارسيل على نضال الفرد في المجتمع من الناحية الإنسانية. وعلى الرغم من أنه يعتبر في كثير من الأحيان الوجودي الفرنسي الأول، إلا أنه انفصل عن شخصيات مثل جان بول سارتر، ويفضل مصطلح "فلسفة الوجود" أو "السقراطية الجديدة" لتحديد فكره. "سر الكينونة" هو عمل معروف مكون من مجلدين من تأليف مارسيل.
حياته المبكرة وتعليمه
ولد مارسيل ومات في باريس. توفيت والدته لور ماير، التي كانت يهودية عندما كان صغيراً، وترعرع من قبل عمته وأبيه، هنري مارسيل. عندما كان في الثامنة من عمره انتقل لمدة سنة مع والده الذي كان الوزير المفوض.
أكمل مارسيل أطروحته (diplôme d'études supérieures)، وهو ما يعادل تقريباً أطروحة ماجستير الآداب) وحصل على درجة عالية في الفلسفة من السوربون في عام 1910، في سن مبكرة وهي في العشرين من عمره. خلال الحرب العالمية الأولى، شغل منصب رئيس دائرة الإعلام، كلفه الصليب الأحمر لنقل أخبار الجنود المصابين إلى أسرهم. كان يدرس في المدارس الثانوية، وكان ناقداً درامياً لمختلف المجلات الأدبية، وعمل محرراً لدار النشر الفرنسية الكاثوليكية الرئيسية.
كان مارسيل ابن لأب ملحد،[١] وكان نفسه ملحداً حتى تحول إلى الكاثوليكية في عام 1929. كان مارسيل يعارض معاداة السامية وأيد تمكين غير الكاثوليكيين.
الموضوعات الوجودية
كثيراً ما يصنف مارسيل على أنه واحد من أقدم الوجوديين، على الرغم من أنه رفض وضعه في نفس فئة جان بول سارتر؛ حيث جاء مارسيل ليفضل تسمية " سقراط الجديد" (ربما بسبب سورين كيركغور، والد الوجودية المسيحية، الذي كان مفكراً سقراطياً). وفي حين اعترف مارسيل بأن التفاعل البشري غالباً ما ينطوي على توصيف موضوعي "للآخر"، فإنه لا يزال يؤكد إمكانية "الشراكة" - وهي حالة يمكن لكل من الأفراد أن يدركوا فيها الذاتية لبعضهم البعض.
في "الخلفية الوجودية لكرامة الإنسان"، يشير مارسيل إلى مسرحية كان قد كتبها في عام 1913 بعنوان "قصر الرمال"، من أجل تقديم مثال على شخص لم يتمكن من التعامل مع الآخرين.
روجر مويرانز، الشخصية المركزية في المسرحية، السياسي الذي يكرس حياته للدفاع عن حقوق الكاثوليكية ضد الفكر الحر. وقد وضع نفسه كبطل للنظام الملكي التقليدي وحقق نجاحاً كبيراً في مجلس المدينة حيث هاجم العلمانية في المدارس العامة. ومن الطبيعي أن يكون معارضاً لطلاق ابنته تيريز، التي تريد أن تترك زوجها الغير مخلص وتبدأ حياتها من جديد. بهذه الحالة أثبت لنفسه أنه بلا قلب تقريباً؛ فكل حبه ورحتمه تتوجه إلى ابنته الثانية، كلاريس، والتي يجعلها وجودية مثله. ولكن كلاريس تخبره أنها قررت أن تضع الحجاب وتصبح كارمليت في الدير. موريانز يشعر بالفزع من فكرة أن هذا المخلوق، الجميل، الذكي، والمليء بالحياة، قد يذهب ويدفن نفسه في الدير ويقرر أن يبذل قصارى جهده لجعلها تتخلى عن نيتها ...[٢][٣]
وهناك موضوع رئيسي آخر مرتبط بمارسيل، وهو النضال من أجل حماية ذاتية الفرد من الإبادة من خلال المادية الحديثة، والتكنولوجيا. وقال مارسيل أن الأنانية العلمية تحل محل "الغموض" لكونه سيناريو كاذب للحياة البشرية يتكون من "مشاكل" تقنية و "حلول". بالنسبة لمارسيل، فإنه لا يمكن أن يكون الوجود البشري موجوداً في العالم التكنولوجي، ولكن يحل محله جسم بشري.[٤]
تأثيره
لسنوات عديدة، استضاف مارسيل مجموعة مناقشة الفلسفة الأسبوعية التي التقى بها وأثر على الفلاسفة الفرنسيين الأصغر سناً مثل جان وهل،
وإيمانويل ليفيناس، وجان بول سارتر. كان مارسيل في حيرة وخيبة أمل لأن سمعته كانت تستند تقريباً إلى أطروحاته الفلسفية وليس على مسرحياته التي كتبها على أمل أن تناشد جمهور أوسع.
الأعمال الرئيسية
كتبه الرئيسية هي اليوميات الميتافيزيقية (1927)، والكينونة والتملك(1933)، والإنسان العابر(1945)، وسر الكينونة (1951)، و عدو التقاليد "(1955). وقدم محاضرات وليام جيمس في هارفارد في 1961-1962، والتي نشرت لاحقاً ككتاب "الخلفية الوجودية لكرامة الإنسان".
انظر أيضًا
مارسل (جبرييل)
ولد جبرييل مارسل فيجو من التجريد الروحي الذي يهزأ بالتجربة، ويعيش فيما وراءها، متجاوزاً عالمه اليومي -وأولع بالأفكار والصور العقلية، وناداه لمجهول امستسر منذ بدء تفكيره، فلم يحفل إلا بال مفكرين الصوفيين.
وكان أبوه كاثوليكى امولد والنشأة، ولكنه سرعان ما انفصل عن الدين مؤثراً اللاأدرية التي دعا إليها تين وسبنسر ورينان، على الكاثوليكية التي رآها حافلة بالأساطير غير المعقولة . ومع ذلك لم يكن شهواني المنزع، بل كانت حياته تتسم بالضبط والقناعة والحرص على أداء الواجب . أما امه فكانت من أصل يهودي ، لكنها اعتنقت البروتستنتية في أشد أنواعها تحرراً من العقائد الجامدة؛ وكانت تؤثر الشعراء المتشائمين في القرن التاسع عشر، من ألفرد دي فني حتى مدام اكرمن، لأن شعورها بأن الحياة خلو من المعنى كان سيطر على نفسها . وكانت تعشق الحق والاستقامة الخلقية .
ولد جبرييل مارسل في السابع من شهر ديسمبر سنة ١٨٨٩ في باريس ، ابنا وحين:ا لوالديه؛ وكان أبوه موظفاً كبيراً في الحكومة الفرنسية تقل في عدة مناصب دبلوماسية،
وكان مستشارا للدولة، ومديرا لأكاديمية الفنون الجميلة، ومديراً لدار الكتب الوطنية، وواحداً من كبار المثقفين في عصره . ثم عين في سنة ١٨٩٨ وزيرا مفوضا في استوكهلم بالسويد، وجبرييل في التاسعة من عمره، وقد قال يصف هذا الجو : « إن المناظر السويدية التى عرفتها وأنا في سن التاسعة إبان الفترة القصيرة التي كان فيها أي وزيراً مفوضاً في استوكهلم، هذه المناظر المؤلفة من الصخور والأشجار والمياه، وبقيت سنوات طوالا أحن إليها، قد بدت لي خيرما يرمز إلى العالم الألبم الذي كنت أحمله في نفسي». (« الوجودية المسيحية» ص٣٠٣، باريس سنة ١٩٤٧ ). على أنه شاهد في طفولته ومطلع شبابه بلاداً عديدة أخرى في أوربا وتعرف إلى آدابها . ثم عاد إلى باريس ودخل الليسيه بعد أن أقام في السويد ثمانية عشر شهراً . وهنا أحس بالضيق لأن الحياة في الليسيه تضاد الحياة الحرة الشخصية المفتوحة على المجهول ، التي عاشها في استوكهلم ، حرا من الدراسة ، يغشى أولاد الدبلوماسيين ، ويستطلع طلع عوالمهم الغريبة . لكنه وجد في الإجازات الصيفية ما يعوض عن جدب الحياة في الليسيه . وكان أهله يمضونها في الجبال ، وفي أماكن مختلفة باستمرار . وكان يجد في هذه الأماكن الموحشة وطنه الذي يحن إليه ، لأنه كان يهوى اكتشاف أعماق الأبعاد ، « إن كل ما يهمني هو أن أكتشف موضعاً آخر يمكن أن يصيرعندي هنا جوهرياً لقد كان العالم يبدو لي آنذاك ، ولا شك أنه يبدو لي اليوم هكذا أيضا ، على أنه المكان غير المحدد الذي ينبغي أن يسعى المرء فيه إلى مد منطقة الذات الباطنة إلى أقصى حد ممكن ، وتقليل منطقة ما يتصور بالتجربة ، أو يتخيل بطريقة مشوشة ، أو يعرف بالسماع ، وبالجملة ما لا يحياه المرء . وأعتقد أننى مصيب حين أقول إن حبي للأسفارارتبط دائماًبالحاجة التي أشعربهاإلى لاستيلاء على عالمي الباطن بالتوطن فيه قدر الإمكان«. ( الكتاب نفسه، ص٣٠٦) ثم دخل السوربون حيث حصل على ليسانس الفلسفة ، وكان في الوقت نفسه يغشى عحاضرات هنري برجسون في الكوليج دي فرانس . ولما بلغ الثامنة عشرة كتب رسالة للحصول على دبلوم الدراسات العليا بعنوان « الأفكار لميتافيزيقية عند كولردج وعلاقاتها بفلسفة شلنج » . ثم عي مدرسا للفلسفة في فندوم سنة ١٩١٢، وفي باريس ١٩١٥-١٩١٨، وفي صا نص ١٩١٩-١٩٢٢؛ ولما قامت الح ى العالية الأولى تبين أنه لا يصلح للخدمة العسكرية فالتحق بألصليب الأحمر الدولي . وهذا هيأ له أن
مارسل (جبرييل)
يعاني الحرب من زاويتها الوجودية ، لا الياسية ، من حيث تأثيرها في النظام الأخلاقي للإنسان . واستقر في باربس مائياً ابتداء من سنة ١٩٢٢، وأشرف على بعض السلاسل الأدبية ، وخصوصاً على سلسلة القصص المترجمة عن اللغات الأوربية ، التي كان يصدرها الناشر بلون تحت عنوان ا النيران المتقاطعة » . واشتغل بالنقد المسرحى في الصحف والمجلات الباريسية وخصوصاً <ل الفرنسية الجديدة » الني كان يصدرها جيد ( عند الناشر جافار )و« الأنباء الأدبية »، ولا يزال يتابع نقده المسرحي في هذه المجلة الأخيرة الأسبوعية
Nouvelles Littéraires
ثم انعقدت أوااصر الصلة الوثيقة بينه وبين الناقد الأدبي الكاثوليكي النزعة ، شارل دي بوس 805 لالم Charles ( ١٨٨٢ - ١٩٣٩ )، فتأثر مارسل بنزعته الكاثوليكية . وبمناسبة رسالة كتبها إليم القصصي المعروف فرنسوا مورياك ( ولد سنة ١٨٨٥ ) اعتنق جبرييل مارسل الكاثوليكية في سنة ١٩٢٩ ، وفي سنة ١٩٣٧ حصل على جائزة برييه Brieux الأدبية ، وفي سنة ١٩٤٨ جائزة الأكاديمية الفرنسية للأدب ، وفي سنة ١٩٥٦ حصل على جائزة جيته الهانزياسية ، ثم حصل على الجائزة لوطنية الكبرى الفرنسية سنة ١٩٥٨ . ثم عين في سنة ١٩٥٢ عضواً في أكاديمية العلوم الأخلاقية والسياسية في المعهد الفرنسي .
سته :
وجبرييل مارسل يستمد فلسفته من تجاربه الذاتية الباطنة ، ولهذا اتخذت تأملاته صورة اليوميات Journal. ولا نجد له أثراً فلسفياً على هيئة كتاب ، إنما كل إنتاجه يوميات أو مقالات . ولهذا يصعب على المرء ، بل يستحيل عليه ، أن يستخلص من مزلفاته مذهباً محكم الأجزاء معماري البناء ، شان الفلاسفة ، وحتى الفلاسفة الذين كتبوا يوميات مثل كيركجور ومين دي بيران ، قد كتبوا إلى جانبها كتبا مؤلفة تأليفاً يمكن من العرض المذهبي المتصل السابغ · اما مارسل فصاحب خواطر وشذرات ، ولهذا جاءت فلفته غير تامة ، وفي تقدم مستمر لا ينقطع ، ولا تكتمل أساريره . ومن هنا لا يمكن عرضها إلا في تقريبات وكمناظر جانبية ، من مجموعها تتألف صورة .
وقد نشر مارسل « يومياته » في مجلدين حتى الآن : المجلد الأول سنة ١٩٢٧ ( في ١١+ ٣٤٢ صفحة عند الناشر
جاليمار ) ، وبعنوان « يوميات ميتافيزيقية» Journal Métaphysique ؛ والثاني بعنوان « الوجود والملك» سنة ١٩٣٥ (في ٢٢٢ صفحة ، وأضيف إلى اليوميات ٩٨ صفحة تحتوي ثلاث مقالات في عدم التدين المعاصر، وتأملات في الايمان والتقوى عند بيترفوست ) عند الناشر أوبييه
وله إلى جانب هذين المجلدين من اليوميات المؤلفات الفلسفية التالية ، وهي عبارة عن مجموعات من المقالات والأبحاث المختلفة التواريخ :
١-»من الإباء إلى النداء » ( عند الناشر جاليمار سنة ١٩٤٠ ي ٣٢٧ص)
٢-» الإنسان المسافر» ( عند الناشر أوبييه ، سنة ١٩٤٤ في ٣٥ ص)
٣- «ميتافيزيقا رويس» (عند الناشر أوبييه سنة ١٩٤٥) وكان في الأصل بحثاً نشره في «مجلة الميتافيزيقا والأخلاق،سنة ١٩١٧, ٠١٩١٨
٤ - و وضع واقترابات عينية من السر الانطولوجي»، بحث نشره ملحقاً بمسرحية « العالم المكسور» ( عند الناشر دكليه دي براوفر، باريس سنة ١٩٣٣ ).
ه-ا ر الوجود» في جزئين ( عند أوبييه سنة ٥٠:
(أ) اتأمل والر. (ب) الإيمان والواقع
٦-« الناس ضد ماهو إنساني» ( في ٢٠٨ صفحة، عند الناشر فييه كولومبييه سنة ١٩٥١ ).
٧- « الانسان المشكل» ( عند أوبيييه ١٩٥٥).
٨-»الكرامة الانسانية» ( عند اوبييه سنة ١٩٦٤ في ٢١٩ صفحة ) .
ومعلوم طبعاً أن جبرييل مارسل مؤلف مسرحي وافر الانتاج ، مثل الكثير من مسرحياته في ملاعب باريس وألمانيا وإيطاليا وسائر بلاد أوربا ؛ ويتضمن جوانب فلسفية وأفكاراً عميقة لا بد من الاهتمام بها في دراسة شاملة عن فكره ولكنها لا تعنينا هنا كثيرا.
اليوميات الجتافيزيفية
والمجلد الأول من « اليوميات الميتافيزيقية» ينقسم بدوره إلى قسمين : يبدا أولهما بتاريخ أول يناير سنة ١٩١٤
مارسل (جبريل)
وينتهي بتاريخ ١٦ مارس سنة ١٩٢٣ ؛ والثافي يبدأ بتاريخ ١٥ سبتمبر سنة ١٩١٥، وينتهي بتاريخ ١٦ مارس سنة ١٩٢٣ . ولهذا كانت فقرات القسم الأول أطول بكثيرمن فقرات القسم الثاني .
ومارسل يصرح في مقدمة « اليوميات الميتافيزيقية » بأنه لم يقصد أساساً إلى نشره ، بل كان في نظره مجرد تحضير لكتاب دوجماتيقي فيه يعرض الأقوال الجوهرية التي انتهى إليها في تفكيره ، مترابطة قدر المستطاع . لكنه كلما تقدم في ٠ اليوميات» تبدى له نفوره من طريقة العرض الدوجماتيقي ، وما في الموضوعات التي دار حولها تفكيره من طابع احتمالي افتراضي . لهذا تخلى عن فكرة العرض المذهبي الدوجماتيقي ، وآثر هذه الطريقة : أعني الخواطر والشذرات ، ما دامت لا تقبل التنظيم المعماري . ورأى في ذلك ما يثير القارىء إلى أن يسلك معه نف السبيل الذي سلكه بمافيه من عقبات والتواءات .
والقسم الأول منميز تماماً من القسم اكثافي . فالأول موجه ضد الديالكتيك ، أو بالأحرى ضد كل مذهب يدعي تقويم الواقع بوسائل ديالكتيكية ؛ ومن هنا اتسم هذا القم بالجفاف والإحكام المنطقي . اما القم الثافي فمختلف تماما : إذ هو يعفى بالأمور التي يغفلها المذهب العقلي ، بدعوى أنها تفلت من قبضة العقل ، مثل الاحساس ، اتحاد النفس بالبدن ، وقائع النفس فوق السوية
وجبرييل مارسل يبدا من هيجل ليقضي على هيجل، شأنه شأن كيركجور الذي كان له في مارسل تأثير بالغ . فهو يبدأ من نقد هيجل لفكرة المباشر كما يظهر ذلك النقد في مستهل كتاب ه ظاهريات الروح » ، ويأخذ عنه فكرة العلم المطلق التى تسود مذهبه لكنه سرعان ما يعدل عن هيجل إلى تلاميذه لانجليز ، وخصوصاً برادلي وبوزنكيت ، غيرأنه بنتهي ايضاً إلى رفض تفسيرهم .
ذلك أن مارسل ينتهي إلى الأخذ بفكرة المباشر، ويوحد بين المباشر والمطلق، ويصل إلى نوعمن التجريبية، لكنها تجريبية صوفية باطة ، تنبع من التجربة الحية المباشرة ، وتستمد قوتها من المعاناة . ومن هنا يؤكد أولية الوجود ، ويأخذ في تحليل الأحوال العينية للموجود.
يبدأ مارسل فينقد التفاؤ ل المنطقي عند الهيجليين المحدثين الذين يعتقدون أنهم يستطيعون أن يؤلفوا بين المطلق
والظواهر ، بين الخالد والزماني في كل منسجم ، ذلك انهم لا يستطيعون في الواقع الوصولإلاإلى القضاء على القيم التي يدعون أنهم يتجاوزونها . ويقررأنه يبدو من المستحيل الافلات من محرجة الواقع المنخرط في الزمان من ناحية والواقع اللازماى من ناحية اخرى ( ونظام تغيره لن يكون إلا الظاهر) , وإذن فما هو المخرج الثافي ؟ هذا المخرج يلزمنا بوضع المشكلة العامة للعلاقات بين الظاهر والراقع ( « يوميات ميتافيزيقية » ص ١٠، باريس سنة ١٩٣٥ ).
ولهذا يدعو مارسل إلى أن يستبدل بالمقولات العددية للكثرة والوحدة ، مقولات الملاء والنقص . يقول في ١٨ أبريل سنة ١٩١٤: « لازلت اعتقد انه لا يوجد أي سبب للقول بأن المقولات يستغرق بعضها بعضاً ؛ فمثلا كون الشخصية هي أعلى درجة نعرفها لا ينتج عنه أبد ان كل شيء يمكن أو يجب أن يفكر فيه تحت مقولة الشخصية ، إن النقدية الجديدة الواحدية صحيحة . وأشعر بابتعادي عما استطيع أن أسميه بالواقعية الكلية». ( ص٩٣ ).
وينتهي مارسل من هذا إلى فكرة الذاتية، بمعفى الذات المشخصة الوجودية. والشعور بالذاتية يتم في عمل الايمان؛ والايمان يتحدد بالمشاركة، وفكرة المشاركة من الأفكار الأساسية في مذهب مارسل . ويقصد بها اولا مفهومها في الأفلاطونية المحدثة بخاصة ، بمعنى أننا نشارك في الكون ، وأن بضعة منا تضم بضعة من الكون . وفي هذا يقول : ٠ الايمان هو شعور المرء أنه بمعنى ما في داخل الوهية».
ولهذا ينتهي مارسل إلى دمغ المعرفة النظرية (أو العلمية ) بأنها غير كافية سواء من ناحية الموضوع لأنها تقضي في الواقع على الظواهر التي تريد إدراجها؛ ومن ناحية الذات، لأنها تقضي على أشكال التوكيد المتميزة من المعرفة.( اليقين ال واردعن الايمان).
وميزة الإيان في نظر مارسل هو انه يجعل المرء بدرك أنه لي مجرداً عضاً ، ولي العالم مجرداً عضاً؛ بل يجتمع الموضوع والذات في فعل الإيمان ، كما يجتمع العلو والبطون ( المحايثة ) .
ويوغل مارسل في هذا الاتجاه في القسم الثاني من اليوميات ، فيؤكد أن المشكلة الميتافيزيقية هي في « أن يستعيد-بواسطة الفكرووراء الفكر- ( اليقين التام ) عصمة
مارسل(جبريل)
جديدة ومباشرأ جديدا » ( ص١٣١) أي ان حلم الميتافيزيقي هو أن يسترد الفردوس الذي فقده بسبب الفكر النظري .
ولكنه يفهم المشاركة بعد ذلك بمعفى الشعور بالاعتماد التام بإزاء العلو الإلهي منظوراً إليه على أنه قوة مستقلة تماماً وحرة ، ويقول عن المشاركة إنها « تلك العلاقة بين الحرية الإنسانية والحرية الإلهية التي هي السر المركزي في الديانة المسيحية»(« اليوميات» ص٤٥ ) . فلم يعد يفهمها بالمعفى الأفلاطوني ، أي إعطاء طبيعة واحدة لجملة أفراد ، بل على انها العلاقة الروحية بين حريتين توافق كل منهما الأخرى وتتحدان معا مع احترام شخصية كل منها .
ونظراً إلى الطابع « المشتت» لليوميات، فإننا لا غملك إلا التحدث عن بعض المعافي الأساسية التي تعرض لها في هذه اليوميات الأولى .
الجم : إن فكرة الجسم ليستواضحة متواطئة (ذات معفىواحد). ذلك ان فكرة الجسم تختلف وفقاً لاختلاف فكرة النفس . وتحديد الجسم بأنه مركب آلي هو لون من الوان تحقق النفس . وليس معنى هذا طبعاً أن النفس تولد الجسم ، لأن النفس لا تصبح عارفة إلا حين تفكر في ان المعروف يوجد قبل فعل المعرفة . ومع ذلك فإن طريقة تصور العلاقات بين النفس والجسم تتوقف على الطريقة التي بها يدرك الجسم ، وبطريق غير مباشر على الحركة التي بها تتحقق النفس في العلم ، أي أن فكرة النفس عن العلاقة بين الروح والجسم ينبغي ان تتوقف على الحركة التي بها تتكون فكرة الجسم . وهذا التكون يتوقف بدوره على طريقة تركيب العالم الخارجي.
ويرى مارسل أنه لا د من الابتداء من هذا المدأ الذي يقرر أن النفس لا تتحدد ولا يمكن التفكير فيها خارج علاقتها بالعالم الخارجي.
ولكن هذا يفضي يم إلى نتيجة سلبية وهي أنه لا يمكن تحديد العلاقات بين النفس والجسم تحديدا واضحا موضوعيا .
لكنه يتساءل : ما معى قولي : أنا جسمي ؟ إن جسمي ليس إلا من حيث انه مثعور به « إذا كنت جسمي ، فذلك من حيث افي موجود حاس؛ ويبدو لي من الممكن تحديد الأمر على نحو أدق وأن نقول إننفي جسمي
بالقدر الذي به انتباهي يتعلق به أولا ، أي قبل إمكان تحديد موضوع معين . . . إفيلست جسمي أكثر من ان أكون أي شيء آخر-إلا لأنني لكي اكون اي شيء آخر، فإن علي أولا ان أستخدم جسمي » ( ص ٢٣٦ ).
ويتناول مارسل فكرة الجسم بطريقة أدق في ا من الإباء إلى النداء » فيقول : « إن الهوية المزعومة بين الأنا وجسمي لا يمكن التفكير فيها، لأنها تفترض إلغاء الأنا والتوكيد المادي ان جسمي يوجد وحده ؛ لكن خاصية جسمي هي الا يوجد وحده، وألا يستطيع أن يوجد وحده. وان يتجسد معناه الظهور كجسم ، كهذا الجسم ، دون إمكان الهوية معه ، ودون التميز منه في نفس الوقت - والهوية والتميز عمليات متضايفة الواحدة للاخرى لكن لا يمكن أن تتم ي عجال الموضوعات»( ص٣١ ).
المنك
ومن المعاي الي يرددها جبرييل مارسل كثيراً التقابل بين و الوجود والملك » ، وقد كرس له كتابا بنفس العنوان يتألف من قسمين : الأول يضم « يوميات ميتافيزيقية» ( ص ٧-ص٢٢٢) وتمتد من ١٠ نوفمبر سنة ١٩٢٨ حتى ٣٠ اكتوبر سنة ١٩٣٣؛ ويتلوها ,مخطط لظاهريات الملك والقسم الثاني يضم : (١) محاضرة عن ,الإلحاد المعاصر (٢) وأخرى عن « الايمان»؛و(٣)بحثاعن« التقوى في نظر بيترفوست» .
وقد بدأ يعبر عن هذا المعنى في « اليوميات الميتافيزيقية» الأولى ( بتاريخ ١٦ مارس سنة ١٩٢٣ ) فقال : « الواقع أن كل شيء يرجع إلى التمييز بين ما للانسان وما عليه الإنسان : منكه ووجوده . غير أنه من الصعب جداً التعبير عن هذا التمييز على شكل تصوري ، ومع ذلك فينبغي ان يكون هذا ممكنا. إن ما يملكه الانسان يمثل نوعا من التخارج باكبة إلى الذات ، أي أنه شيء خارجها . وهذا التخارج ليس مع ذلك مطلقاً . ومن حيث المبدا ما يملكم لإنسان هو أغياء ( أو ما يمكن أن يشبه بالأشياء ، وبالقدر الدقيق الذي يمكن به هذا التشبيه ) . ولا استطيع أن املك ، بالمعفى الدقيق للفظ ، غير الشيء الذي يملك وجوداً مستقلا عني الى حد ما . وبعبارة أخرى ، مالي ينضاف إلى ذاتي ؛ وأكثر من هذا، كوني أملك الشيء ينضاف إلى خصائص وصفات أخرى، إلخ، تنتسب إلى الشيء الذي أملكه. إفي لا املك
مارسل(جريل)
إلا ما استطيع التصرن فيه على نحو ما وفي صور معلومة ، اي بالقدر الذي بم أعد قوة، أو موجوداً مزوداً بقوى . ولي ثم انتقال ممكن الا لما هو علوك . ولو تصادف وامكن نقل قوة ، فينبغي أن نستنتج من هذا ان هذه القوة هي بالنسبة إلى ذات أكثر جوهرية - كقلمي ( القلم الذي لي ) بالنسبة إلى هذه القوة . فإذا كانت مقولة الوجود صادقة حقاً ، فذلك لأن في الواقع شيناً لا يمكن نفله، .
وابتداء من هذه الفكرة يأخذ مارسل في عرض آرائه في البحث الذي ألقام في توفمبر سنة ١٩٣٣ في الجمعية الفلسفية بليون بعنوان : « مخطط لظاهريات الملك » , فيلاحظ أولا ان الفلاسفة ابدوا داثما نوعا من التعالي على الملك ، بوصفه فكرة دنة ، لا تقبل التحديد . وهذا الغموض في معى الملك ينبغي إبرازه أولا . حين نحلل معى avoir ( أملك ) نجد له معاني متفاوتة في الثدة : بعضها قوي دقيق ، والآخر ضئيل هزيل مثل : عندي صداع، لي حاجة ، الخ . اما النوع الأول فيمكن ايضاً ان فميز فيه شكلبن كما يتبين من هذين المثلين : عندي دراجة ، لدي افكار وآراء في هذا الموضوع ولكن معنى الملك لا يختلف بينهما من حيث مبدا الملك .
بيد ان الملك لا يقوم إلا حيث يوجد تعارض بين الظاهر والباطن . وهذا يتطبق تماهاً ض المظك. التضمن : فمثلا حين اقول : « لهذا الجم هذه الخاصية»، فإن هذع الخاصية بدو أنها كاثنة في باطن هذا الجسم . وحين اقول : لدي سر، فهنا يبدو البطون اكبر من الظهور . ومع ذلك فإن المميز الرئيي للملك هو إمكان الظهور والعرض.
ويتأدى من هذا إلى بيان أن الملك يقتضي فكرة الإشارة إلى الغير من حيث هو غير . « فالملك لا يقوم إذن في سجل البطون المحض فقط ، وإلا لا كان له معفى ، بل وأيضا في سجل : الظهور والبطون فيه لا يمكن الفصل بينهما كما لايمكن الفصل بين النغمة الحادة والنغمة البطيثة . وأعتقد أن المهم هنا هو التوتر نفه بين الواحد والآخر». ( , الرجود والملك» ص٢٣٤ ' ٢٣٥ ).
والنمودج الأصلي للملك هو الجم . « إن الموضوع الأول ، الموضوع- النموذج الذي وحد بي ذاقي وبينه، وهو مع ذلك يندعني ، هو جسمي ، ويلوح أننا هنا بازاء اعمق ما في الملك» ( الكتاب المذكور ،ص ٢٣٧ ).
الأنا والانت :
ويبحث مارسل في الكوجيتو الديكارق ليتبين هل ينتهي إلى الهر وحدية او إلى إثبات الغير. ويلاحظ اولا ما فيع من غموض : « فحين افكر فافي اتراجع بالنسبة الى نفسي ، وابعث نفسي كغير، ثم انبثق بعد ذلك كموجود . ومثل هذا التصور يتعارض جذريا مع المثالية التي تحدد الأنا بواسطة الشعور بالذات . فهل من غير المعقول ان يقال إن الأنا، من حيث هو شعور بالذات ، لي إلا تحت موجود ؟ إنه لا يوجد إلا من حيث انه يعامل ذاته بوصفه من أجل الغير، وبالنسبة إلى الغير؛ وتبعاً لذلك فبالقدر الذي به يقر بأنه ينجو ويفلن منذاته» ( « الوجود والملك ٠ ص ١ ه ١ ) .
ذلك اننا لو بدانا بتقرير ان ماهيفي هي ان اكرن شعوراً بذاقي ، فلي ثم وسيلة للخروج من هذه الذاتية ، والاقرار بوجود الغير.
ولكن لي الحق في ان اتر بوجود الآخرين ، وأكثر من هذا استطيع ان أق كد ان الغير، من حيث هم غير، هم وحدهم الذين يجق لنا ان نقرر وجودهم ، ولا أملك إدراك نفسي كموجود إلا من حيث افي ادرك نفسي أنفي لست الآخرين ، اي افي غيرهم . «وأذهب إلى أبعد من هذا فأقول إن من ماهية الغير ان يوجد ، ولا أستطيع ان ادركه بوصفه غيراً دون ان افكر فيه بوصفه موجوداً ، والشك لا ينبثق إلا بقدر ما تضعف هذه الغيرية في ذهني» ( الموضع نفسه).
« لكن هذا الغير ، من حيث هوغير ، لا يوجد بالنسبة إلي إلاً من حيث كوني مفتوحاً له ( أي من حيث انه انت )، ولكني لست مفتوحا لم إلا بمقدار ما اكف عن أن اشكل مع نفي نوعاً من الدائرة في داخلها اقيم الغير على نحوما، أو فكرته؛ لأنه يالنسبة الى هذه الدائرة يصبح الغير فكرة الغير. وفكرة الغير ليت الغير من حيث هو غير، بل الغيرمن حيث انه منوب الى الأناء (الكتاب المذكور، ص ١٥٥).
ويؤكد مارسل هذا المعنى مراراً ، وهو «أنفي أؤكد نفي كشخص بالقدر الذي به اعتقد فعلا وجود الغير، وبالقدر الذي به هذا الاعتقاد ينحو إلى تشكيل سلوكي » ( «الانسان المسافر»ص٢٧).
وهذا يفوم على أساس أن الوجود هو علافة ، أو حضور معاً خلاق يجمع بين الأنا والأنن . ويتجلى هذا المعف
مارسل (جبريل)
في الحب : إذ يقوم على العلاقة بين الأنا والأنت ؛ وهو الخالق لهذه العلاقة ولهذا هو تبادل خلاق . 1 إن حب موجود معناه أن ننتظر منه شيئاً غير قابل للتحديد ولا قابل للحزر ؛ وهو في الوقت نفسه إعطاؤ ٥ الوسيلة للاستجابة لهذا التوقع نعم ، وإن بدا هذا تناقفأ. إن التوقع نوع من الاعطاء ؛ والعكس أيضاً صحيح : فعدم توقع شيء بعد معناه العمل على فرض العقم على موجود لا يتوقع منه بعد شيء ، وبالتالي حرمانه مقدما من شيء يمكن أن يخلقه ويبتكره »(٠ الانان المسافر» ص٦٦ وما يتلوها ) .
الفعل والفخص('):
حين نحلل الفعل نجد أنه يتبدى أولا في مقابل الرغبة أو القول ، فيقال نريد أفعالا ، لا أقوالا ؛ متى ينتقل من الرغبة إلى الفعل؛ الخ. وهذا يدل على أن الرغبة تقابل الفعل من حيث ان الرغبة غير محددة وعاجزة ؛ ورجل الأماني لا يقدر عل التصميم ، ويظل موزع الأهواء ، هياباً ، متردداً ، يعجز عن العض على الواقع، وإحداث تغيير فيه. وكذلك صاحب الأقرال : ذلك ان القول لا يلتصق بالواقع ، بل يمر بجواره أو تحته ، ولا يغير في الأمور شيئاً ■
ومعفى هذا أن من جوهر الفعل أن يحدث تغييراً . تغييرا في ماذا ؟ في موقف ينطق عليه ولا يتطيع الفاعل أحياناً أن ينتظمه بنظرته ، ولكن عليه أن يدركه على الأقل جزئياً . لكن لا يكفي أن يكون ثم تغيير حتى نقول إن ثم فعلا.
والفعل في جوهره هو هذا أو ذاك ، وله معالمه . « وعن السؤ ل عنه ينبغي أن يكون من الممكن الاجابة بنعم أو لا . والانتقال إلى الفعل هو تخطي العتبة التي تفصل المنطقة التي في هذه الناحية من النعم واللا - عن المنطقة التي فيها ينفصلان ويتقابلان . فمثلا : يعى شخص بمريض يكرهه ؛ ويموت المريض ؛ فيطرح السؤال : هل تمنيت موت هذا المريض ؟ ربما بل لاشك في أنه ينبغي أن يجاب بنعم ولا في وقت واحد . ومعفى هذا أنه لا يمكن الجواب ، وأن السؤ ال : هل صببت سما ؟ يوجد له جواب واحد معين لا يحتمل تأويلا » ٠ ( الكتاب المذكور،ص١٤١-١٤٢ ).
(١)من الاباء !لى النداء ٠ ص١٣٩ -١٥٧. باربي،سة ١٩٤٠
ومن جوهر الفعل أيضاً أنه الفاعل . ا فحين أقول : إن فعلي يلزمني، فمعنى هذا، فيما يبدو لي،هو: ان خاصية فعلى هى أن يكون من الممكن فيما بعد أن أطالب به لنفسي ؛وكأنني وقعت مقدماً على إقرار بم : واليوم الذي اواجه فيه بفعلي ، إما بواسطة الغير، أو بواسطة ذاتي - علي ان اقول : نعم ، أنا الذي فعلت ذلك ؛ وأكثر من هذا ، أقر مقدماً بأننى إذا تملصت فسأكون مرتكباً لإثم الجحود والنكران . ولنضرب على هذا مثلا دقيقاً . وأوضح الأمثلة وأبرزها هو منغير شك : الوعد، من حيث ان الوعد فعل وليس مجرد الفاظ : إني أعد إنساناً بمساعدته إذا وقع في ضيق . ومعفى هذا انني : أقر سلفاً بأنفي إذا تملصت حين تحدث هذه الظروف ، فإنني أنكر نفي ، وأدخل في ذاقي ثنائية تقضي على حقيقتي الواقعة .. . وبعبارة أخرى ، لا يوجد فعل بغير مسؤولية؛ وينتج عن هذا مباشرة ال اللفظين : « فعل مجاني» هما متناقضان في الواقع . فالفعل المجاني ليس فعلا، أو هو ينكر نفسه من حيث هو فعل . وهذه الفكرة الزائفة ليست غير نتاج خلط ربما إرادي ، بين أمور لا يرذ بعضها إلى بعض». (ص١٤٣ ).
إنني اتضامن مع الفعل الذي افعله، وكأنفي وفعلي من قبيلة واحدة . والفعل إذن يحيل إلى الفاعل ، إلى الثخعية .
والشخصية لا تدرك ابتداء من فكرة الفرد، وكذلك لا تدرك ابتداء من التقابل بين الشخصية والشيء . وإنما تدرك أولاً في مقابلة 1 الناس » . والناس لا اسم لها ، ولا تتحدد بحدود ، ولا تدرك بمعالم واضحة . إنها ( أو إنه) نوع من الشبح ، يؤكد نفسه مع ذلك على أنه أمر مطلق ، وفي نفس الوقت هو مضاد ما هو مطلق . إن الناس فكرة ساقطة ، فكرة زائفة ، ظل لفكرة . لكن هذا الشبح مائل في أفق شعوري ، ويشيع فيه الظلام والضباب ؛ ويحيط بي ، ويكاد ان يحدق بيمنكل ناحية . بل إن التفكير يدلني على أن , الناس» ليست فقط حولي بل هي أيضاً تنفذ في باطني، وتعبر عن تفسها في ذاي، وأقضي زمافي في عكس ظلالها وأشباحها . وأفكاري في معظم الأحوال ليست غير ترديد « للناس » بواسطة « أنا » لا يدري انه ينسخ هذا الناس .
وفي مقابل هذا إلناس غير المدرك ، غيرذي لمسؤولية، ما هي خاصة الشخصية ؟ .
مارسل (جبريل)
خاصة الشخصية الأولى هي المواجهة . ومن هنا كانت الشجاعة أولى فضاثل الشخصية . ولهذا نجد الشخص الجبان في الأمور العقلية يحتمي وراء مثل هذه العبارات : يقال ، يشيع ، شاع بين الناس ، الناس يقولون ، هناك إشاعة تقول ، سمعنا كذا الخ . وهذا احتماء وراء ه الناس » وتجنب للمواجهة، وبالتالي فقدان للشخصية .
ولتحطيم هذه الدرع التي يحتمي وراءها الجبان ، نوجه إليه السؤل : من الذي يقول ، من هو الذي يشيع ، ومن هم الناس الذين يقولون، سمعت ممن؟ الخ. . , وهكذا تتبدى الشخصية هنا على أب إنكار إيجابي للناس؛ إذ بهذا أرفض الإقرار «بالناس»، وأريد تحديد المسؤول عن القول أو الزعم؛ اي انني أرفض أن أنسب إلى « الناس» أي قوام إيجابي.
لكن لنحلل معفى « المواجهة، . المواجهة أولا هي التبصر envisager ، تبصر الموقف الماثل أولا ، وأقصد بالتبصر إدراكه على حقيقته لاتخاذ موقف منه ، بدلا من التسليم أمامه ؛ والتساؤل عن حقيقة الأمر فيه ، اي ان التبصر فيه بداية التوفز من أجل الفعل .
وهذا التبصر بدوره يقتضي نوعاً من التقدير والتقويم évaluer : أي تقدير الموقف .
وحين اشرع في اتخاذ موقف فإفي آخذ على عاتقي assume مسؤوب بإزائه . « وهنا لحظة ليست أقل جوهرية من اللحظات السابقة . فخاصة الشخصية هى ليس فقط التبصر، والتقويم والمواجهة ؛ بل وأيضاً الأخذ على العاتق . وربما هنا يتحقق أتم التحام بين ما قلته عن الفعل وما نلاحظه الآن فيما يتعلق بالثخصية . لقد قلنا إن الفعل شيء يؤخذ على العاتق ؛ أعني أن الشخصية ينبغي أن تتعرف نفسها فيه وتقربه ؛ لكنه ليس هو نفسه فعلا إلا بما يجعل هذا المسلك التالي للشخص مسلكاً ممكناً ؛ أعني أن الفعل يقوم ين الشخصية ويين ذاتها . وفي الفعل تتحقق الرابطة التي بها ترتبط الشخصية بنفسها» ( ص ١٥٠-ص١٥١ ) .
ومن هنا نستطيع أن نقرر العلاقة او الفارق بين الفرد والشخصية ، فنقول «إن الفرد هو «الناس» في حالة انقسام وتقطيع . الفرد ليس إلا عنصراً إحصائياً - ولا يوجد إحصاء ممكن إلا على مستوى « الناس » . وأقول ايضاً إن الفرد بغير نظرة ، ولا وجه . إنه عينة ، وحبة برادة » . ( ص١ ١٥ ) .
والشخصية لا يمكن أن تكون فضيلة ولا ترقية للفرد.
الكرامة الإنسانية
السؤل عن الكرامة الإنسانية في هذا العصر الذي سيطرت فيه الصناعة الفنية سؤال ملتهب يثير القلق ويفتح افاقا للخلاف لا يحدها أبعد الأنظار.
وقد اتخذ منه جبرييل مارسل عنواناً لآخر كتبه الذي ظهر في الثلث الثافي من العام الماضي ، ويضم محاضرات القاها في جامعة هارفارد ( أمريكا ) في أكتوبر - ديسمبر سنة ١٩٦١ .
ودفعه إلى هذا التساؤل عن الكرامة الإنسانية أن الأحداث العصرية التي نشهدها في العالم اليوم ونحن فزعون قد جعلت السؤال عن الكرامة الإنسانية أمرا يشغل بال الضمير الانساني الحاضر باستمرار . فماذا سيصير إليه أمر الكرامة الانسانية في هذا العالم السائر في طريق التصنيع المستمر والآلية المتزايدة ؟ صحيح أن كلمات مثل « الكرامة الانسانية »، وه الشخص الانساني » الخ لم يتفوه بها الناس في عصرمن العصورقدرما يفعلون في عصرنا هذا : لكن من الوهم الغريب ان تستخلص من هذا الترداد اية نتيجة إيجابية فيا يتعلق بالموقف الفعلي الذي تدل عليه هذه الكلمات . كيف لا ، ونحن نشهد- هكذا يقول مارسل- انحدارا مستمراً بحيث يبدوان ازدياد لوك هذه العبارات إفما هوبمثابة تعويض في الحياة عن رجائنا في تقديرالانسان . والمشاهدحقا وفعلا هو ازدياد الميل إلى النظر إلىكل نوع من الخدمة على انه لا يتفق مع ما ينبغي ان يسمى بنوع من لادعاء الأساسي : هو ادعاء مفهوم معين للكرامة الانسانية . والبحث ينبغي أن يتوجه إلى الفحص عن حقيقة الروابط التي تقوم بين هذا اادعاء وبين ما يستحق فعلا أن يسمى كرامة إنسانية
ومن المسلم به طبعاً انه لا نزاع في ان استغلال السيد للخادم ( بالمعنى الشامل لهذا التعبير) كماتجلى في خلال القرون يبدو لنا اليوم أمراً غيرمقبول بأي حال من الأحوال . لكن ليس معنى هذا أن « الخدمة » يجب أن ينظر إليها على أنها في ذاتها أمر مهين . وقد نشأ عن عدم تقدير هذه الحقيقة اضطراب في النفوس ذو اثر هدام . فقد استنبط البعض من ذلك أن من حق لإنسان أن يصبح نوعاً من الجزيرة ذات الاستقلال الذاقي،لكنلا من نوع ذلك الاستقلال الذي وضعه كنت في قلب الأخلاق التي دعا إليها، فكلمة
/ مارسل (جبرييل)
« الاستقلال الذاقي» هنا كلمة مبهمة ، لأغها لا تدل على نوع من التقنين يضعه المرء لنفسه ، بل على رغبة ثابتة في فعل ما يحلوله ويرضي اهواءه وميوله ، طالما لم يعرضه ذلك لعقوبات القانون . وهكذا يصبح الاستمتاع الذاقي نوعا من المطلق اللي!
ومن المؤكد من ناحية اخرى ان التجهز الآلي ( التزود بالصناعة الفنية ) أمر لا غنى عنه أبداً للإنسان . وهنا يقتبس مارسل عبارات للكاتب الرومانياوي ( أصله من رومانيا ولكنه يعيش في فرنسا منذ عهد بعيد ) سيوران ، لها اهميتها البالغة فيهذاالمجال، قال سيوران ( في مقال لهب» المجلة الفرنسية الجديدة » ، عدد يوليوسنة ١٩٦١ ) : « إن المدنية تعلمنا كيف نتعلق بالأشياء ، مع ان واجبها أن تلقننا فن التخلي عن الأشياء ، لأنه لن توجد حرية ولا « حياة حقيقية » بدون تعلم التخلي وعدم الامتلاك . إفي استولي على شيء ، وأحب نفسي سيداً لم ، والواقع اني عبد له ، كما أني عبد ايضاً للآلة التي أصنعها وأديرها » .
ويعقب مارسل على هذه العبارة قائلا إنه يبدو أن سيوران اخطا في إغفاله فارقا ينبغي تقريره ، وهوأنني بالقدر الذي به أصنع الآلة ، أوحتى اسهم في تحسينها ، لا يبدولي من الصحيح ان يقال إنني عبد لها . وعلى كل حال فأنا اقن عبودية بكثير من ذلك الذي يستعملها فقط . ذلك ان ثم قدرا من الحرية هناك حيث يوجد إبداع وخلق ، حتى في ادنفى المستويات - وبعد تقرير هذا الفارق يوافق مارسل على التشخيص الذي وضعه سيوران ، لأن الغالبية العظمى من الناس يستعملون الآلات ، ولا يبتكرونها ٠ وباستعمالهم إياها يستعبدون انفسهم لها وإن لم يلحظوا ذلك ؛ وتزداد هذه العبودية بقدر ما يؤثر الإعلان ، وألإعلان يرتبط ارتباطا عضوياً بالآلات . فالذين يصنعون اجهزة تلفزيون او ثلاجات لا مناص لهم من أن يبحثوا عن زبائن لشرائها ، لكن ينبغى أن نتساءل ماذا عسى أن يكون أثر ذلك ليس فقط في سلوك الكاثنات ، بل وأيضاً في الطريقة التي يتصورون بها أنفهم ويقدرونها .
وهذه ناحية قد ألقى عليها الفيلسوف الألماني » جونتر اندرز ضوءاً باهراً في كتابه « الإنسان لمتقادم »، وخلاصة رأيه ان الإنسان يمبل شيئاً فشين إلى تصور نفسه بالنسبة إلى نتاج تكنيكه ، ومن الغريب أنه ينتهي من هذه المقارنة بين نفسه وبين الآلات التي يبتكرها- ينتهي إلى الحط من قدر
نفسه بقدر ما يزيد من تقديره لكفاءة الاته ودقتها وكمالها ، لكن مثل هذا التصور من شأنه ان يأقي بنتائج اخلاقية ذات اهمية خطيرة ؛ لأن مثل هذا التقدير- أو التحقير- لشأن نفسه يفضي إلى النفي الجذري لسمو الروح على الجسم .
وللنظر في هذه المسألة ينبغي اولا ان نقرر حقيقة -هكذا يقول مارسل - وهي أنه رغم ادعاء الفرد لوهم الاكتفاء بنفسه والاستقلال بذاته فلا شك أنه لم يعد من الممكن التمسك بالفكرة الساذجة التي تقول : « المجتمع » هو « المجموع الحسابي للأفراد »، وإنما المؤكد هو ان المجتمع أشبه بما تسميه « سيمون ثي » باسم الحيوان الكبير ، وهو تعبير يظهر ان له اصلا افلاطونياً , ومعنى هذا ان كل واحد منا ، مهما كانت رغبته في أن يفعل ما يشاء ، مندمج في نوع من الكل لا يمكن أن تؤكد أشد النظرات تفاؤلا أن بينه وبينه إعجاباً او خضوعاً وتسليماً مطلقين ، ولا يكفي ان يقال هنا ان وقوف البيروقراطية بين الفرد والدولة يلعب هنا الدور الفظيع الذي يوجد التنافر، لأن الأمر هوفي الواقع امر ٠ استبدال » وإنابة ، إذ الدولة لم تعد غير ٠ سنترال ، من المكاتب قوتها غير المسماة تقل شيئاً فشيئاً عن درجة المسؤولية، ويمكن أن تضع كل فرد منا في أي وقت موضع يائس.
ولا شك في العلاقة الوثيقة بين زيادة الآلية وزيادة البيروقراطية؛كما لا شك أيضاً ي زيادة المركزية تبعاً لذلك، فالتكنوقراطية( سيادة التكنيك) والمركزية أمران متلازمان : سواء في ناحية الادارة ، وفي ناحية السكان . فازدياد التجمع العمرافي من نتائج التكنوقراطية ؛ وهذا من شأنه الحد من نمو الفردية . «لكن هذا اللفظ»: «مو»- لا يتخذ معناه الحقيقي إلا بشرط وضع تكامل الموجود الإنساني كقيمة مركزية- وهذا التكامل هو المهدد مباشرة اليوم .. . ومن الممكن أن نبين ان التكامل والكرامة حدان وإن لم يكونا شينا واحدا فإنهما مرتبطان ارتباطا لا انفصام له( ص٩ ٢٠).
وفكرة «التكامل» من الأفكار الجديرة بمزيد من الإيضاح . وحين نقول عن شخص انه متكامل فإننا نقصد في العادة أنه امين ، نزيه ، لا يخضع لاغواء ، والانسان المتكامل، كما كان الأوائل يقولون، هو المالك لنفسه تماما. ونحن نعلم مختلف ألوان فقدان الذات لذاتها : في تعاطي الكحوليات والمخدرات وفي السرعة الشديدة التي هي نوع من المخدر الذي يستخدم للهروب وفقدان الذات لذاتها ، وكل
مارسل(جبرييل)
هذا من نوع « الاستلاب » ، اعني استلاب الذات لذاتها . واسمهم بالنسبة إلي لانسان ان يسترد هذا التكامل ، اي امتلاكه لنفسه تماما . ان الإنسان الآن يسيرنحوفقدان ه ثقله الوجودي » شيثاً فشيئاً بتأثير ازديادسلطان لألات، مما يؤدي إلى الإفراط في تقدير الوظيفية أعني تقدير الفرد من حيث الوظيفة التي يؤديها للكل، فإن الإفراط في سلطان الآلات من شأنه ان يجعل معيار تقويم الفرد هوما يستطيع تقديمه من إنتاج « لكن ماهوهذا الإنتاج إن لم يكن الاسهام في نوع من العمل الجماعي ؟ لكن كيف نتصور هذا العمل ؟... صحيح أن ثم من يجيب بأن من الواجب .. . ان نرتفع إلى فكرة مجتمع مكرس كله للسعي إلى غايات معلومة ، لكن المشكلة تعود من جديد : فما هي هذه الغايات ؟ وما قيمتها ؟ ومن الذي يحكم على هذه القيمة ؟ وهل لكلمة القيمة في هذا السجل معى بعد ؟ هنا ينبغي أن نتساءل : ما هي الصورة التي يستطيع الانسان ان يقدمها عن نفسه حينما يعسى إى تصور العالم على ضوء الصناعات الفنية التي قدر له ابتكارها ؟ الواقع ان هذه الصورة تزداد اضطراباً وتشوها وغموضاً وبعداً عن الرؤية الواضحة الناصعة .
لقد كان القول : « اعرف نفك » يرتكز على فكرة الهوية بين العارف وموضوع المعرفة ؛ ومبدأ الهوية بين المثالي والواقعي ، الذي افترض ها هنا كان في نهاية التحليل هو الأساس لكل الفلسفة التقليدية من ديكارت حتى هيجل ، لكن عالم التكنيك قد بدد هذه لهوية ، وصارت الذات مشتتة أباديد في مواجهة الموضوعات ، ذلك لأن كثيرا من الآلات ، التي صممت على غرار الآلات التي نجحت في ميدان الطبيعة ، صارت تطبق على الذات نفسها ، على الشخص ؛ وهذا من شأنه أن يؤدي إلى النظر إلى الذات على أنها ٠ي الأخرى موضوغ من بين الموضوعات ، ويكفي لتبين اثارها ان نشاهد التحويلات النفية التي تحدثها ؛ ومن الأمثلة العجيبة على ذلك ما يسمى باسم « مصل الحقيقة » ، وكأن الحقيقة ، هذا المعنى الطاهر النبيل ، يمكن أن يكون له ارتباط بأي لون من ألوان إعطاء الحقنة ! .
ولا سبيل إلى مواجهة هذا التحدي التكنوقراطي إلا بتوكيد معنى الانسانية في الانسان وتوكيد حريته ، ولكن هذا يقتضي تحديداً أدق ، فإن من الخطأ هكذا يقول مارسل ( ص .١٩ ) أن نقول ان الانسان حر ، وليس أقل من هذا خطأ أن نقول مع روسو ان الإنسان ,1 يولد ، حراً ، بل ينبغي أن نقول
ان على كل منا أن يجعل نفسه حراً ، وان عليه ، قدر الامكان ، أن يستفيد من الظروف التركيبية التى تمكنه من الظفر بحريته ، إن الحرية غزو ، اي ان لحرية يظفر بها ، وليست قائمة بطبعها ، الحرية غزو جزثى دائماً ، موفت دائماً ، موضوع تنازع دائماً . إن الحرية يالاكتساب ، بالسعي ، لا بالفطرة والطبيعة .
لكن أشد الناس حرية هوأكثرهم إخاء ؛ فالحرية لا يمكن ان تفهم إلا في نطاق التالف بين الذوات ، والإنسان المؤاخى هو المرتبط بجاره ، بأخيه في الانسانية ، لكن بحيث لا يقيده هذا الارتباط ، بل يحرره أيضاً من نفسه . ذلك ان كلا منا يميل الى ان يصبح سجين ذاته، اسيرمصالحه وأهوائه اوأسيرمجرد احكامه السابقة . « أما الانسان المؤاخي ، فعلى العكس من ذلك ، يثرى بكل ما يثرى منه أخوه ، بسبب ما بينه وبين أخيه من مشاركة» (ص١٩٢ )
وحب المرء لاخوانه هوفي نفس الوقت رجاء فيهم ، فالاخاء والرجاء متواكبان . إن الرجاء في الغير معناه أن يتجاوز المرء عما في سلوكهم من باعث في النفور أو اليأس . والتجربة تدل على أن هذا الرجاء الذي نحمله فيهم يسهم في تحويلهم ، لكن لو أنا حبسناهم بالفكر فيما يتبدى لنا أنه طبيعتهم فإننا نشارك في العمل على تحجيرهم في طبيعتهم ، وبالتالي في زيادة الحواجز بين الناس. إن الرجاء في الغيرهو الصورة السليمة للرجاء ، لأن الرجاء يخلص الانسان الفرد من الحتمية الباطنية التي تسيطر على ذاته .
ويقرر مارسل أن الذي دعاه إلى هذا الربط بين الحرية وبين الرجاء هو ما شاهده من اتجاه عكسى تماما عند رجل مثل سارتر يدعي ان لانسان « محكوم عليه بأن يكرن حراً ، ، وأن الحرية ليست اكتساباً وظفراً ، بل هي نقص تام ، وافتقار جذري . وفي مثل هذا المنظور الوجودي يميل امرء إلى تحديد الانسان الحر بأنه الانسان الذي لا جذر له ، والذي يعرف أنه كذلك ويريد أن يكون كذلك . وهذا يترجم عينبا في الأدب الذي نشهده تحت أنظارنا بنوع من التآخي الغريب بين ما هو معقول وما هو صعلوكي ، وليس إلا باستعراض كل موارد البهلوانية الديالكتيكية التي يصعب الانخداع بها ، نقول ليس إلا بهذا يمكن الوصول إلى تحويل الفوضوية التي تتحدد بهذا التآخي إلى ماركسية مبتدعة ولكنها تحاول رغم كل شيء ان تلقى القبول أو السماح بين الماركسية السنية ».
(ص١٨٩)٠
مارسيالجيرو
كذلك يفرق مارسل بين مقتضيات الحرية ومقتضيات ال مساواة ، ويشير بهذه المناسبة إلى كتاب مثير « لكونلت لدين » عنوانه : « الحرية أو المساواة تحدي عصرنا الحاضر» ( لندن سنة ١٩٥٢ )، ومن رأي مارسل ان المساواة هي بطبعها مطالبة، إغها تتركز عل الأنانة : « أنا ساولك، مساو له، أو مساو لهم » ، ولو بحثنا في اعماقها لوجدنا الشعور بالذحل دافعاً من دوافعها الخفية العميقة . اما الاخاء فعلى العكس من ذلك هو بطبعه غيري ، لا انافي « أنت اخي ، وأنا أقر بأنك اخي ، وأحييك كأخ لي »٠ إن ااخاء يفترض وجود الفروق والاختلافات، ويعين الأقدار بهذه الفروق والاختلافات ، كما انه يفترض ايضاً ان الاشعاع الصادر عن الغير ينعكس على النفس ، ولسان حاله يقول : « ما دمنا إخوة ، فإن اللمعان المنبعش عن مواهبك وأفعالك وأعمالك يرتد علي أنا » وبعبارة أبسط : « انا فخور بك » وهو أمر لن يكون له معفى إذاكنت احافظ على تقريراننيمساولكفي كل شيء .
وخلاصة رأي مارسل ان الكرامة الانسانية ينبغي ان تتقرر من تاحية وفي داخل منظور: الأخاء، لا ناحية وداخل منظور: ا لمساواة.
ومن لواضح أن النتائج التي ينتهي إليها جبرييل مارسل في هذا الكتاب « الكرامة الانسانية » لا يسلم بها إلا الذين يبدأون من نفس المقدمات التي بنى عليها كل اتجاهه في داخل المذهب الوجودي. ولكن الكتاب،علىكلحال، حافل بالأفكار الخصبة المثيرة، الداعية إلى التأمل في مشاكل هذا العصر ، وفي معاني الوجود الانساني بالمعنى الأعمق لهذا 5 الب١ر .
مؤلفاته
-Journalmétaphysique,Paris. 1927. Gallinard.
- Etre et avoir. Paris. Aubier, 1953
- Du Refus ه !'invocation. Paris. Gallimard, 1940
- Homo Viator Paris, 1954. Aubier
- عسا Mystère حلم L'étrc, 2vo!s. Paris,Aubier, 1951
- Les HommesConterL’humain. Paris, 1951
- L'homme Problématique. Paris. 1955.
- Présence 0٤ immortalité. Paris. 1959.
مارسيل، جابرييل
مارسيل، جابرييل
(1889 - 1973م). فيلسوف فرنسي، ومفكر قدم فلسفته ـ إلى حد بعيد ـ في ثلاث يوميات فلسفية هي: الجرائد الغيبية (1927م)؛ يكون ويأخذ (1935م)؛ الوجود والخلود (1959م).
تتكون فلسفته من انعاكسات عن الخبرات البشرية الملموسة، مثل: الحب، والإخلاص، وكان يعتقد أنه يمكن فهم الخبرة البشرية فقط عن طريق الاشتراك فيها مباشرة. لذلك كان يميل ليس إلى الملاحظة فحسب، بل إلى أن يعيش بخياله هذه الخبرات الأخرى. من كتبه: المسافر الإنسان (1944م) وهو دراسة تحليلية للأمل؛ رجل ضد المجتمع (1951م) وهو دراسة لأثر المجتمع التقني في الشخصية البشرية.
وُلد مارسيل في باريس، وعندما بلغ 39 عامًا أصبح رومانيًا كاثوليكيًا، وكثيرًا ماكان يصنف نصرانيًا وجوديًا. انظر: الوجودية.
- ^ قالب:استشهاد بكتاب
- ^ The Existential Background of Human Dignity, pp. 31–32.
- ^ Homo Viator, p. 23.
- ^ قالب:استشهاد بكتاب