عمر أبو قوس
هذه المقالة بحاجة إلى إعادة كتابة باستخدام التنسيق العام لويكيبيديا، مثل استخدام صيغ الويكي، وإضافة روابط. الرجاء إعادة صياغة المقالة بشكل يتماشى مع دليل تنسيق المقالات. بإمكانك إزالة هذه الرسالة بعد عمل التعديلات اللازمة. وسمت هذا المقالة منذ: مارس 2009 |
هذه المقالة بحاجة إلى تهذيب بإعادة كتابتها بالكامل أو إعادة كتابة أجزاء منها للأسباب المذكورة في صفحة النقاش. رجاء أزل هذا الإخطار بعد أن تتم إعادة الكتابة. وسم هذا القالب منذ: سبتمبر 2011 |
هذه الصفحة ليس لها أو لها القليل فقط من الوصلات إلى الصفحات الأخرى. (وسمت منذ مارس 2009). بإمكانك تحسين المقالة بإضافة وصلات داخلية فيها إلى المقالات الأخرى. من أجل بعض اقتراحات الوصلات بإمكانك استخدام أداة Can We Link It . |
الشاعر عمر أبو قوس (1913 – 1981)
لمحة عن حياته
- ولد عمر أبو قوس في مدينة حلب بسوريا عام 1913 وتوفي عام 1981.
- وهو من عائلة عريقة في التصوف منسوبة إلى الطريقة الشاذلية.
- وأبوه محمد أبو قوس المتوفى عام 1962 كان رجلاً عطاراً, نشأ أميّاً ثمّ ثقف نفسه بنفسه فتعلم القراءة والكتابة, وأكب على المطالعة في أشهر الكتب الفلسفية والاجتماعية والأدبية والصوفية, ولـه عليها تعليقات وحواش كثيرة, وقد نظم الشعر الصوفي وغنّاه له المغنون مراراً من إذاعة حلب, وأنشأ جمعية خيرية ظلت ترعى الفقراء والأيتام قرابة أربعين عاماً سماها "جمعية التضامن الخيري" كان هو رئيسها وكان يعقد في منزله جلسات أدبية وصوفية وكان ابنه عمر يحضرها.
- نظم عمر الشعر الموزون وهو في الرابعة عشرة من عمره دون أن يعرف شيئاً عن علم العروض.
- تلقى عمر دروسه الابتدائية في "المدرسة العربية الإسلامية" التي كان مديرها عبد القادر الشوّا المعروف بتأجج شعوره القومي. وهذا ما أثر في نفس الشاعر تأثيراً عظيماً, وجعلها تتأجج حماسة للعروبة والإسلام مما يَظهر واضحاً في شعره الوطني والقومي.
- انتقل إلى المدرسة العلمانية الإفرنسية حيث تعلم اللغة الإفرنسية ثمّ طرد منها مع رفيقين له بسبب قيادتهم مظاهرات الطلاب ضد الإفرنسيين المحتلين في ذلك العهد.
- فانتقل إلى المدرسة الفاروقية, ومنها إلى التجهيز الأولى في حلب حيث أكمل دراسته الثانوية وكان إذ ذاك وهو طالب أحد خطباء "الكتلة الوطنية" ومناضليها الذين كافحوا الاحتلال الإفرنسي بزعامة البطل إبراهيم هنانو.
- ثمّ حصل على الباكلوريا السورية عام 1933.
- ثمّ عين معلماً عام 1934, وظل في مهنة التعليم حتّى عام 1946.
- ـ ثمّ نقل بناء على طلبه من التعليم إلى ملاك وزارة الداخلية فعين مُنشئاً في ديوان محافظة حلب, ثمّ مديراً للمطبوعات والإذاعة, ثمّ مدير ناحية عام 1953, وظل في هذه الوظيفة حتّى عام 1959 حين سرِّح من الخدمة.
- تزوج عام 1950 من سيدة فاضلة هي السيدة سامية برمدا, التي رعته خير رعاية وأعانته بمالها في أعماله الزراعية, ولكنه لم يُرزق منها بولد مما كان له أعظم الأثر في نفس الشاعر ففجّر معين عبقريته بقصائد خالدة, تفيض بالحنين إلى الأولاد, وخاصّة قصيدته "الصورة المسحورة" التي أشاد بها الدكتور كمال زبيدة في مقدمته لديوان عمر. وقد اعتمدنا على هذه المقدمة في الحصول على المعلومات.
- وفي عام 1954 حتّى عام 1959 اشتغل بالزراعة فخسر فيها كل ما يملك من المال وما تملكهُ زوجته, وركبهُ دين نال منه بلاءً عظيماً وعيشاً ضنكاً, مما انعكس أثره على كثير من شعره فيما بعد.
- سافر إلى الكويت في آذار 1964 سعياً وراء العمل, ومكث هناك أربعة أشهر تعرَّف من خلالها على بعض شيوخ الكويت ووجهائها, زار أمير الكويت في ذلك الحين الشيخ عبد الله السالم الصباح, ولكنه خرج من كل ذلك صفر اليدين.
فعاد إلى حلب حيث يرسل لواعجه وهمومه في قصائد رائعة, متنقلاً بين منزله في حي الأنصاري, وبعض المقاهي المختارة, حيث يجلس غالباً وحده بين كتبه وأوراقه مدخناً نرجيلته التي يؤثرها, وهو يحلم بوفاء دينه وبطفل يبرّد وحشة حياته.
دواوينه:
1 ـ حروف من نار "شعر الجهاد الوطني السوري" مطبعة طبّاخ إخوان ـ حلب ـ ط1 تموز 1946 م.
2 ـ وحي الليل ـ صدر عام 1948 م.
3 ـ العيون الخضر ـ مطبعة الشرق ـ حلب 1936 م ـ نشر وتوزيع مكتبة ربيع.
4 ـ جراح قلب.
5 ـ ديوان عمر أبو قوس "يحتوي المجموعات الشعرية الثلاث: وحي الليل, العيون الخضر, جراح القلب" طبع مكتبة البنقسلي ـ حلب ـ 1970 م ـ 142 صفحة قطع كبير آلة كاتبة ـ قدم له د.كمال زبيدة.
6 ـ بعض أشعاري ـ حلب 1974 م ـ المطبعة الحديثة.
7 ـ هذا طريقنا وهذا قائدنا ـ "نثر سياسي قومي" ـ بالاشتراك مع نديم جلال درويش ـ صدر عام 1959م ـ مطابع دار المنار دمشق وهو (الكتاب الشعبي المبسّط عن الجمهورية العربية المتحدة ونهضتها الحديثة) ويقع في 448 صفحة, وثلث الكتاب عن جمال عبد الناصر ـ وما تبقى عن جيش الجمهورية العربية المتحدة, وفيه عرض عام للسياسة الداخلية للجمهوريّة وعرض للمرافق العامة.
عمر أبو قوس في آخر دواوينه "بعض أشعاري" "مرحلة الشعر الاجتماعي"
آخر دواوين عمر أبو قوس صدوراً كان بعنوان "بعض أشعاري", وقد صدر سنة 1974 في حلب "المطبعة الحديثة".
ويضم هذا الديوان قصائد مختارة من دواوينه السابقة بلغت /36/ قصيدة هذا إلى جانب /14/ قصيدة جديدة, كان قد كتبها في مطلع السبعينيات ومؤرخة في أيلول 1970 إلى أيلول 1973 وهي آخر القصائد التي بين أيدينا للشاعر, ولا نعرف مصير الفترة التي تلت هذا التاريخ إلى أن توفاه الله في سنة 1981 وهي بحاجة إلى بحث وتنقيب عمّا كتبه ونشره من شعر, والجدير بالذكر أن الديوان قد صدر بمقدمة للأديب البحاثة الأستاذ حسيب حلوي وهي بعنوان "الشاعر وشعره" وقد جاءت في خمس صفحات, وفيها عرَّف بالشاعر وقرّظ شعره, وأشار إلى أهم قصائده "التي ترتفع بصاحبها إلى مستوى الشعراء العالميين" على حدّ تعبيره, مثل:
"الصورة المسحورة", و"الصورة المحروقة" و"المركبة" و"هوس" و"جنون" و"حبي" و"الحب والمعاني" و"البعث" و"ربيعي" و"المجذوب" و"شعور وفناء" و"شعور غريب" وبعض قصائده في الحب. وقد ثبّت الشاعر مقطعاً من هذا التقريظ على غلاف الديوان الأمامي.
ومما قاله الباحث في الشاعر" وكان الشاعر لنبوغه في الشعر في سنِّ مبكرة, ووطنيته الملتهبة موضع إعجاب الزعيم السوري المرحوم إبراهيم هنانو وإخوانه أعضاء الكتلة الوطنية في ذلك الحين كالدكتور عبد الرحمن الكيالي وسعد الله الجابري فكانوا يستدعونه وهو بعد طالب دون العشرين من عمره مع صديقه ورفيقه الشاعر عمر أبو ريشة كخطيبين في إثارة الجماهير في الحفلات العامة والتظاهرات الكثيرة التي كانوا يقيمونها مطالبين بالاستقلال ومنددين بالانتداب الإفرنسي الذي كان قائماً على سورية في ذلك العهد "ص 7".
أمّا عن شعره فقال: "يتميز شعر شاعرنا عمر أبو قوس بصدق العاطفة وعنفها وإشراق الديباجة ومتانة الأسلوب الذي يكاد يكون جاهلياً, والإيجاز وطرح فضول القول ودقة الوصف والبراعة في التحليل النفسي والسرد القصصي وروعة التصوير وسمو الخيال وحسْن العرض الفني, مما يجعله بحق من أعظم شعراء العرب قديماً وحديثاً, بل هو في رأينا أشعرهم جميعاً في المفهوم الحديث للشعر مع المحافظة على الأصالة العربية والبيان الناصع "ص 9" وإن هذا الحكم لا يخلو من المبالغة والشطط في القول وفي الوقت نفسه يشير إلى بعض الميزات التي نلمسها حقاً في شعر عمر أبو قوس وهي أيضاً تكاد تتواجد لدى معظم الشعراء من أمثاله. ويهمنا في معرض حديثنا عن تلك المجموعة المختارة من أشعار عمر أبو قوس أن نتوقف عند القصائد الأخيرة التي كتبها في مطلع السبعينيات وهي على قلتها ذات أهمية على صعيد التجربة الحياتية للشاعر.
الشاعر والشيطان
وهناك ثلاث قصائد يظهر فيها الشيطان, وفي كل قصيدة يظهر بشخصية جديدة: الأولى قصيدة "شيطان" "والثانية" بين ملاك وشيطان "والثالثة "عزيمة" وقد سبق للشاعر أن قدم لنا قصيدة "أنشودة الحرب لإبليس" من ديوان "وحي الليل" وفيها يميط اللثام عن وجه الشرّ له باعترافاته و"على لسانه" على مبدأ "من فمك أدينك" ففي قصيدة "شيطان" رسم الشاعر للشيطان شخصية محببة, وهذا على خلاف المعهود, فبدا الشيطان وفياً, وودوداً, وألمعياً وناقداً, وعليماً بأسرار الجمال, ومحنكاً خبيراً, ومؤانساً, وجميلاً, وليبياً, وأريباً,... ولطيفاً ظريفاً, ومساعداً, وفوق كل ذلك.
تعهدّه بالعلم إبليس جدُّهُ
فقرّ بهِ عيناً وباهى وماجدا
ولا نعجب بعد ذلك أن نرى الشاعر يهب له قلبه, ويصبحان خليلين, بعد أن أصفاه الشيطان الهوى:
وهبت لـه قلبي فأصفاني الهوى
خليلين إنسيّاً وأمرد ماردا
وتتعدد مهام الشيطان في القصيدة, ولكن أهمها مهمتان:
الأولى: يوحي له الشعر ويبصرّه به. وهي مهمة عرفت منذ العصر الجاهلي.
والثانية: يدله على الجمال ويعرّفه بالجميلات, وله فضل كبير على الشاعر يستحق الشكر عليه, إذ دله على حبيبته ليلى, وأورده في حبها الموارد:
سأشكر شيطاني الوفيّ وإن عتا
وأوردني في حب ليلى المواردا
أمّا دلني يوماً عليها وقادني
إليها وأغواني وما كنت راشدا
وما كان شيطاني غبيّاً فيصطفي
سواها ولكن ألمعيّا وناقدا
عليماً بأسرار الجمال محنّكاً
خبيراً بما يرضي الحسان الخرائدا
يبصرني بالشعر والسحر والهوى
ويمنحني مما يحوكُ القصائدا
فيكشف أسرار الوجود وحسنه
ويلقي بها من بين شعري فرائدا
وهكذا فالشاعر يقدم صورة طريفة للشيطان, فيها المعاني الجديدة, وفيها اختلاف عمّا هو معهود ومطروق لشخصية الشيطان.
أمّا في قصيدة "بين ملاك وشيطان" فإن الشاعر يقدم شخصية الشيطان مختلفة تماماً عن شخصيته في القصيدة الماضية, ويبدو في هذا القصيدة وقد راح يزين للشاعر في الحبّ وصل الحبيبة, ويغويه لأنه هو في الأصل "فنان الغواية ماكر" وبالمقابل يقدم شخصية "الملاك" على النقيض من شخصية "الشيطان" فهذا الملاك نصيح وحريص على هدايته يشده "إلى أفق به الحب طاهر" ويدعوه:
إلى حيث أرواح المحبين تلتقي
ويغمرها نورٌ من الله باهر
ويخاطبه الشاعر خطاباً يعرب فيه عن شكره له لأنه يروم له الحسن, ويشفق عليه وعلى أمثاله من أن يميل مع الهوى, أمّا الشاعر فيصور نفسه حائراً وممزقاً بين دعوة الشيطان ودعوة الملاك, وأروع ما قدمه الشاعر في تلك القصيدة تصويره للصراع الدرامي بين الشاعر نفسه من جهة, وبينه وبين شخصيتين متناقضتين من جهة ثانية.
- أمّا قصيدة "عزيمة" فإن الشيطان يظهر فيها في البيت الأول ولا يكاد يظهر مرة ثانية, وليس هناك ملامح كافية لرسم شخصية له ويكتفي الشاعر بأن يؤكد إصراره على إجابة دعوة الشيطان إلى الحب وهذا الإصرار يؤكده عنوان القصيدة "عزيمة":
سأجيب فيها دعوة الشيطان
وأضم والهةً إلى ولهان
وبعد ذلك ينصرف الشاعر إلى الحديث عن الحبيبة وحبه لها.
الاتجاه الإنساني
ـ لذة العطاء
وتتجلى أريحية الشاعر في التذاذه بالعطاء, هذا ما جسده بقوله:
إذا التذّ الورى بالكسب دوماً
فأعظم لذة عندي العطاء
ـ حب يسع الوجود:
ويكاد حب الشاعر يسع الوجود, يقول:
أهوَ حبي يطوي الوجود جناحا
هُ, ويرقى حيث الحياة تطيبُ
ـ روح إنسانية عالية:
وعمر أبو قوس شاعر إنساني, كان له قلب عامر بحب الناس جميعاً:
أحبُّ الناس من دان ونائي
وأفرحُ بالحياة وبالضياءِ
وتغمرني السعادة حين ألقى
وجوه الناس تطفح بالهناءِ
وإن قلبه يكاد ينوء بحمل حبّه الكبير, ويعجز عن اتساعه, فتراه يطفح ويفيض كما يطفح الإناء:
وأعجز عن مدى حبي كأني
إناء ضاق عن رحب الفضاءِ
ويستشعر الفناءَ وهو يحمل هذا الحب, فيرى أن الفناء يقوده لا إلى الزوال بل إلى الكمال:
فأشعر بالفناء يقودُ حبي
كأن تمام حبي في الفناء
ويبدو أن هذا البيت فيه ما فيه من المعاني الغامضة التي تحتمل أكثر من وجه. وإنّ إنسانيته العالية تجعله يتعاطف مع كل المحتاجين والمعذبين والبؤساء فيأسى للجياع والحزانى ويتألم لملايين الضحايا في العالم:
وآسى للجياع وللحزانى
ومن يشكون من داء عَياءِ
وما تلقى ملايين الضحايا
من البأساء ظلماً والشقاءِ
حتّى إن الشاعر يتألم للحيوان الذي يظلم بلا ذنب جناه:
وللحيوان تظلمهُ البرايا
بلا ذنب جناهُ ولا اعتداء
ويستشعر الشاعر ذلك "النداء الخفي" الذي ينبعث من قلوب المعذبين, فيتعذب لشقاء الناس ويحمل هماً ثقيلاً تعاطفاً معهم:
يعذبني شقاء الناس حتّى
لأحمل فيهم هماً ثقيلاً
وأسمع من قلوبهمُ نداءً
خفياً أن أكون لهم دليلاً
كأني وحديَ المسؤول عنهم
ليهديهم إلى النور السبيلا
وفي قصيدة "سكينة" يصرح الشاعر للناس بأنه يحبهم جميعاً وهم يبادلونه حباً بحب, وبشاشة ببشاشة, ويبدي ألفة كبيرة نحوهم حتّى كأنه يعرفهم منذ زمن بعيد:
أحب الناس من قلبي جميعاً
فألقاهم ويلقوني ببشر
كأنا قد تعارفنا قديماً
وعاد لقاؤنا من بعد هجر
لكلٍّ منهمُ معنى فريد
أحس جماله الباهي بصدري
وحتى القبح أبصر فيه حسناً
غريباً جلَّ عن وصف وحصر
سكينة شاعر يحيا سعيداً
على بلواه من بؤس وفقر
وتكاد بعض هذه المعاني تتكرّر في قصيدة أخرى بعنوان "الحب والمعاني" وفيها تأكيد على معان معينة في الحب يتجلى فيها مذهب الشاعر في الحب والحياة:
يهيم قلبي بحب الناس كلهمُ
وإن تنوعتِ الأشكال والصورُ
كأنني كنت قبل اليوم أعرفهم
وما ذكرت لهم عهداً ولا ذكروا
أرى معانيَ شتى في وجوههمُ
وكلها رائع عندي ومُبتكرُ
في كل نظرة عين من لواحظهم
معنى, وفي كل حالٍ منهم خبرُ
وفي القصيدة يطوف الشاعر على الطبيعة وعلى الكون والناس فيرى معاني شتى يفتن بها ويرى في كل شيء في الوجود هوى عجباً حتّى إن الحب يفيض على الدنيا, وهو مما حباه الله سبحانه وتعالى:
أرى معانيَ شتى قد فتنتُ بها
يشعّ منها السنا الباهي وينتشرُ
بل كل شيء أرى فيه هوى عجباً
ولمحة من معاني الروح تختصرُ
طبيعة فيَّ أرضاها وتسعدني
بها أدل على فقري وأنتصرُ
ومهجة قد جلاها الحبُّ فائتلقتْ
فما يخالطها من ريبة كدرُ
حب تفيض على الدنيا خزائنهُ
مما حبا الله.. لا ما يملك البشرُ
ورحمة تسع الأحياء قاطبة
ويلتقي في مداها الظبي والنمرُ
وقد أرى الحجر القاسي فأرحمهُ
لو كان يفهمني في صمته الحجرُ
وإن هذا الاتجاه الإنساني ليس بجديد على الشاعر, ففي قصيدة "المائدة" في ديوانه الثالث "جراح القلب" المذيلة بتاريخ أيلول 1964 نجد مقدمة تتصدر القصيدة وفيها يقول:
"تصور هذه القصيدة أبوة الشاعر الروحية للناس أجمعين وإنكارهم إيّاه وإعراضهم عن عطائه الثرّ," وفي تلك القصيدة يقول:
أنا ذلك الولـهُ المحبّ أبوكم
أفتنكرون أبوتي وذمامي
ما جئت أسألكم ولكن جئتكم
بدمي وكل صبابتي وهيامي
وبزادي الموفور أبسطه لكم
فرحاً وأسقيكم عليه مدامي
ومددت مائدتي لهم فتضاحكوا
مني وعافوا خمرتي وطعامي
والشاعر يبسط مائدته للناس بعد أن قام برحلة في الفلك البعيد وطاف الكواكب ورأى سكانها وأخذ سرّ صفائهم وهنائهم ومن ثمّ عاد يحدوه الشوق لأحبابه في الأرض:
وصعدت في الفلك البعيد محلّقاً
فشهدت فيه عجائب الأجرام
ورأيت سكان الكواكب قد غنوا
فيها بعيش ناعم ووئام
فأخذت سرَّ صفائهم وهنائهم
وطرائف الأهواء والأحلام
ورجعت من سفري البعيد مثقّلاً
بغنائمي وحوادث الأيام
ما استجد على حبه:
في آخر قصيدتين كتبهما الشاعر عام 1973 نجد أنه قد طرأ على حبه تغيير ملحوظ بحيث أصبح أكثر تعقلاً وأصبح ضميره يعذبه حين تسول له نفسه حب امرأة لها زوج حريص عليها فيفضل التراجع بعد أن يفكر بوصالها:
عزمت على وصل الحبيبة صبوة
وكدت ولم أفعل وفاء لحبها
أنزهها والحب عمّا يشينها
وأطلب عنها البعد حباً بقربها
أأخفضها من طول سموّها
بعينيّ أم أبغى هواناً لربها
وما هو إلا خير خلّ عرفته
حريصاً عليها كافلاً كلّ إربها
وما لذةٌ أحظى بها ثمّ أكتوي
بنار عذاب النفس أو طول كربها؟
أفارقها والنفس تقطر حسرة
عليها وقلبي واله مثل قلبها
فيا لغرام لم أجد فيه راحة
ويا لحياة أجدبت بعد خصبها
وفي قصيدة "حيرة" وهي القصيدة الثانية التي يتبلور فيها مذهبه الجديد فالأمر كذلك لا يختلف كثيراً والفكرة تكاد تكون واحدة فالموقف الذي يتعرض له الشاعر كالمواقف السابقة إذ يقع في الحيرة أمام من يحب ويدخل في صراع مع النفس التي تسوّل له بالإقدام, فيهمّ بها ولكن يمنعه هذه المرة التُّقى, ومن قبل يصرح بأن التّقى لم يكن رادعاً له في وصال امرأة لها زوج.. ثمّ يتساءل بينه وبين نفسه كيف أفعل أمراً لا أرضى أن يفعله غيري مع زوجي, وكيف بعد ذلك أدّعي طهارة القلب واليد, ويقرر في النهاية التراجع لأن هذا هو الظلم بعينه, ولا ظلم مثله وهو ليس من طبعه ولا من أهدافه:
أهمّ به حيناً فيمنعني التقى
وما ألفت نفسي طويلاً ومحتدي
أأفعل ما آبى لزوجي مثله
وأزعم أني طاهر القلب واليد
لعمري هذا ظلم لا ظلم مثله
وما هو من طبعي ولا هو مقصدي
الرسائل الشعرية:
ضمّن الشاعر ديوانه "جراح قلب" سبع رسائل حب ويبدو أن الشاعر كتب تلك القصائد على شكل رسائل لأن الحبيبة التي أرسلها لها هي من دمشق وهو في حلب:
روحي على الشام ما تنفك حائمة
شوقاً إليك وفي الشهباء جثماني
كأنها طائر غابت أليفته
فطار في الجوّ يدعوها بتحنان
ويقول في الرسالة الرابعة:
فيا جارة الفيحاء هل لك عودة
إلى حلب فالنفس أعيت كلومها
وفيها يقول:
أيعشق مثلي ذات بعل وأدعي
وقاراً, لقد أودى بنفسي رجيمها
وقد صرت في الخمسين وازددت أربعاً
وحالي حال لا يرثّ قديمها
وفي الرسالة الخامسة يقصّ عليها رؤيا, وفيها رآها عروساً تُزَفّ إليه:
رأيتك أمسِ في الرؤيا عروساً
تزفّ إليّ ضاحكة المُحيّا
وفوق جبينك الوضاح تاج
عليه الدرّ يلمع كالثريّا
وفي الرسالة السابعة والأخيرة يبين أن حبه كان لامرأة متزوجة في حين كان زوجها لا يرقى إلى لطفها وحسنها, لذلك يشير عليها أن تعطي زوجها جسمها فقط وتترك روحها له وحده:
يا خلة عند زوج لا يقاربها
حساً ولطفاً وحسناً غير معهود
أعطيه ما شاء من جسم تملّكّه
ظلماً فذاك قضاء غير مردود
وأفردي الروح لي وحدي أهيم بها
وأصطفيها لشعري والأغاريد
وأطرف ما في القصيدة تلك الفكرة الجديدة التي يقترحها على الموت وهي أن يعطيه قلبه لعلّه يرعوي ويكف عن قسوته وعسى أن يصبح لديه شعور بالرحمة والحب وإحساس بجمال الحياة:
سأعطيك قلبي مرة إن أردته
عساك به حيناً من الدهر تشعرُ
وعينيّ كي تلقى الحياة جميلة
وتبصر منها ما أراه وأبصرُ
فتعشقها عشق المحب حبيبه
وتتركها تزداد حسناً وتبهرُ
وفي المقطع الثاني والأخير من القصيدة ينقلنا نقلة بعيدة ليصل بنا إلى "النهاية" التي قصدها من عنوان القصيدة, وقبل أن نتساءل: أي نهاية يقصد, نتركه يرفع الستارة عن تلك النهاية التي, وإن كنا نتوقعها, لا يمكن أن نتصورها على تلك الشاكلة التي لا تخلو من الغرابة:
ظللت أداري الوحش أدفع شره
وظلت عيون الوحش نحوي تنظرُ
ومرت قرون بعد ذاك كثيرة
وفي الحي قبر دارس الرسم مقفرُ
عليه من الماضي البعيد كتابة
تغيب على مر السّوافي وتظهرُ
هنا قبر من أغنى الحياة بشعره
ومن عاش محروماً وفيه تجبرُ
وإن النقلة البعيدة التي أشرنا إليها تتمثل في مرور قرون بعد ذلك إذ يقفز فقزة تاريخية عبر الزمان ويضعنا أمام قبر دارس تقادمت عليه السنون وكادت الكتابة المنقوشة عليه تغيب بفعل عوامل الحت من رياح سافية, وهذه النقلة لا شك في أنها نقلة قصصية بارعة تفاجئنا بأسلوبها الذي لعب به الشاعر ليوهمنا وليتركنا نتساءل عن صاحب هذا القبر وخاصة بعد أن كان يتحدث بضمير المتكلم "ظللت أداري الوحش" فإذا به يتحدث عن قبر من القبور نجهل صاحبه ويبدأ بالتحدث عن صاحب القبر بضمير الغائب المجهول "هنا قبر من أغنى الحياة بشعره" وحين نمضي مع الشاعر في حديثه عن صاحب ذلك القبر الذي أغنى بشعره الحياة تتكشف لنا الأبيات عن تلك النهاية المأسوية التي أراد الشاعر من خلالها أن يصور لنا نهايته على نحو غير مباشر بعد أن أوهمنا أنه يتحدث عن شخص آخر وهنا تبدو قيمة القصيدة الفنية التي توسل فيها بطرائق القص الفنية وخاصة عنصر المفاجأة والتشويق إلى جانب أهم عناصر القص الأخرى التي جعلت القصيدة ترتقي بفنيتها إلى مستوى تجاوز فيه الشاعر أفق القصيدة التقليدية وقد يفهم من تلك القصيدة أن الشاعر حاول أن يرثي نفسه ويندب حظه في هذه الدنيا التي عاش فيها عيشة الفقر والحاجة والحرمان وهذا غير مستبعد ولكنه مع ذلك ارتقى بقصيدته, ولم يكن كغيره من الشعراء الذين رثوا أنفسهم بالطريقة التقليدية المعهودة. إن الشاعر لم يكتف برثاء نفسه وإنما تجاوز الزمان وكان شاهد موته وانتقل معنا ليشهد قبره وما سيحل به بعد مرور عدة قرون وحدثنا عمّا سيقال عنه كما لو أنه بين زوار قبره, ويسمع ما يقولون ولا يخلو كلامه من الفخر والاعتداد بشعره "فهو الذي أغنى الحياة بشعره", وهو الذي عاش محروماً ولم يهن أو يتنازل عن أنفته واختتمها بأهم صفة يحرص الشاعر على إبرازها "فقد كان ذا قلب يحب ويغفر".
الجنة الضائعة
وإذا كانت قصائد الشاعر في معظمها لا تخلو من عناصر القص فإن قصيدة "الجنة الضائعة" جعلها "قصة شعرية" وهي أطول قصيدة في دواوينه وتقع في "136" بيتاً وقد جعل كل أربعة أبيات تنتظمها قافية واحدة وعلى هذا الأساس فالقصيدة فيها تنوع في القوافي.. وقد سبقه علي الناصر في كتابة القصة الشعرية المطولة وهذه القصيدة تحتاج إلى دراسة مستقلة.
المراجع :
1 ـ شاعر العرب المناضل الشعبي عمر أبو قوس ـ نديم مرعشلي ـ مطبعة السلام ـ حلب, مكتبة اللواء ـ القامشلي ـ 1950.
2 ـ الأدب العربي المعاصر في سورية ـ سامي الكيالي ـ دار المعارف بمصر ت 1968 م.
3 ـ الحركة الأدبية في حلب ـ سامي الكيالي ـ القاهرة 1957 م.
4 ـ معجم المؤلفين السوريين في القرن العشرين ـ عبد القادر عياش ـ دار الفكر ـ دمشق 1985 م.
5 ـ تاريخ الشعر العربي الحديث ـ أحمد قبش ـ دار الجيل ـ بيروت 1971 م.
6 ـ فنون الأدب المعاصر في سورية ـ عمر الدقاق ـ دار الشرق العربي ـ حلب 1971 م.
7 ـ وجوه الراحلين ـ عبد السلام العجيلي ـ دار مجلة الثقافة ـ دمشق 1982 م وفيه كلمة ألقيت في حفلة تأبين عمر أبو قوس التي أقيمت في قاعة المركز الثقافي العربي في حلب في /5/ تشرين الثاني 1981.
8 ـ شعراء معاصرون في سورية ـ محمود ياسين (ابن الريف) مطبعة الضاد ـ حلب 1969.
9 ـ مقدمة د. كمال زبيدة لديوان عمر أبو قوس.
10 ـ مقدمة د. محمد يحيى الهاشمي لكتاب شاعر العرب عمر أبو قوس.
11 ـ نعي الشاعر عمر أبو قوس في مجلة الفيصل ت العدد 56 ـ كانون الأول 1981.
12 ـ مقال: حكاية الفكر في حلب ـ علي الزيبق ـ مجلة الأديب ـ العدد 9 سبتمبر 1957.
13 ـ مقال: قصة القلم في حلب ـ علي الزيبق ـ مجلة الأديب ـ العدد الرابع أبريل ـ 1970.
14 ـ مقال: في الذكرى العاشرة لرحيل الشاعر عمر أبو قوس ـ محمد كمال.
15 ـ مقال: عمر أبو قوس الشاعر ـ قدري القلعجي "ضمن كتاب شاعر العرب عمر أبو قوس" وهو منشور في جريدة "المكشوف" بيروت.
16 ـ مقال: حروف من نار للشاعر عمر أبو قوس ـ خليل هنداوي "ضمن كتاب شاعر العرب عمر أبو قوس" وهو منشور في "برق الشمال" حلب.
الصمت حكيم
المشاركات: 81209
نقاط التميز: 36463
عضو برابطة العمل مصمم خاص بمنتدى أدباء وشعراء ومطبوعات أسرع منظم مسابقات مسير فريق المسابقات
عدد الأيام منذ الانضمام: 790 معدل المشاركات في اليوم: 102.8
21:11 - 2008/05/20