علم اجتماع الرفاهية
علم اجتماع الرفاهية (بالإنجليزية: Sociology of Welfare)
الرفاهية هى الحالة التى تسير فيها أحوال الإنسان بشكل طيب. وقد نشاً هذا المصطلح فى الأساس عندما رؤى أنه يتعين القيسام ببعض الإجراءات لزيادة رفاهية الفرد أو المجتمع، أى أنه نشأ عندما ظهر تخوف من احتمال افتقاد الرفاهية. من هنا نلاحظ أن هذا المصطلح يستخدم فى المجال السياسى أساسا، كما نلاحظ أنه يرتبط بمفهوم الحاجات، على اعتبار أن إشباع الحاجات من شانه أن يؤدى إلى زيادة الرفاهية: فسياسات الرفاهية - إذن - هى سياسات تستهدف تلبية احتياجات الفرد أو احتياجات الجماعة. وليست الحاجات المقصودةهى تلك اللازمة للبقاء فقط، وإنما يقصد بها تلك اللازمة لتوفير حياة معقولة أو ملائمة داخل المجتمع. فهى لا تشمل فقط حدا أدنى من الدخل الذى يكفى لتوفير الطعام والكساء، وانما يوفر إلى جانب ذلك مستوى ملائما من السسكن، والتعليم، والرعاية الصحية، وفرص العمل (ولو أن القائمة قد لاتشمل كل تلك الحاجات بالضرورة فى جميع الأحوال). وتتفاوت المجتمعات فيما بينها تفاوتا واضحا من حيث كيفية تلبية تلك الحاجات ومدى إشباعها. ومعروف أن دور الدولة فى إشباع حاجات الرفاهية فى المجتمعات الصناعية المتقدمة قد تعاظم خلال القرن العشرين، ثم حدث خلال العقد الأخير مسن القرن العشرين أو نحو ذلك قدر من تخفيض نفقات الرفاهية التى تقدمها المدولة فى عدد من المجتمعات الغربية، فى نفس الوقت الذى تزايد فيه الاتجاه إلى خصخصة خدمات الرفاهية، ودعم الهيئات الخاصة التى تقدم الخدمة وفقا لقدرة المستفيد على الدفع، و ليس تبعا لمدى حاجته.
ولما كانت قضايا الرفاهية ترتبط أوثق الارتباط بالسياسة، وجدنا دائما اتجاها لتضمينها ميدان
الاجتماعية، وليس ميدان علم الاجتماع. ومع ذلك فقد كان هناك من الكتاب من يعارض هذا الرأى، مثل بيتر تاونسند، الذى ذهب إلى أن ميدان السياسة الاجتماعية - الذى يشمل سياسات الرفاهية- يقع فى صميم علم الاجتماع. ويحظى هذا الرأى بدعم قوى من المناقشات المطويلة التى تركزت حول الفكر النظرى للماركسية فيما يتصل برؤية الماركسية لقضية : إلى أى مدى تعد دولة الرفاهية وسياسات الرفاهية مفيدة وداعمة للرأسمالية. فهل تؤدى تلك السياسات إلى التخفيف من آثار التجاوزات العنيفة للرأسمالية، بحيث تجعل النظام الرأسمالى أكثر قبولا؟ أم أن تلك السياسات تمثل ثمرة من ثمرات نضال العمال الناجح للحصول على حقوقهم وتامين مصالحهم؟ (ويمكن للقارى أن يجد معالجة “ مازالت مثيرة - لتلك القضايا فى مؤلف بايفن وكلوارد: تنظيم الفقراء: وظائف الرفاهية العامة، الصادر عام 1971). وقد أثمرت تلك المناقشات، من بين ثمار أخرى عديدة، كما هائلا من البحوش والدراسات القيمة التى سعت إلى تحديد هوية الفئات التى تتلقى مزايا الرفاهية التى تقدمها الدولة. وقد أوضحت تلك الدراسات كيف أن الطبقات الوسطى، فى معظم المجتمعات، تحظى ببعض مزايا الرفاهية المقدمة من الدولة أكثر مما تستحق كالتعليم مثلا (وإن كان ذلك لايعنى أن رفاهية الدولة أقل ميلا إلى المساواة من الرفاهية المخاصة). كما بينت تلك البحوث إلى أى مدى تعتمد المرأة ماليا على المعونات التى تقدمها برامج الرفاهية.
كذلك نجد أن وجهة النظر التى ترى أن دراسة الرفاهية تمثل جزءا أصيلا من ميدان علم الاجتماع قد دعمتها بحوث عدد من الكتاب، نذكر منهم توماس مارشال، الذى ربط قضايا الرفاهية بقضايا المواطنة، ومن ثم بالتيار الرئيسى لعلم الاجتماع. ويرى مارشال أن حقوق الرفاهية تمثل المجموعة الثالثة والأخيرة من الحقوق التى حصل عليها أفراد المجتمع الإنسانى وتأتى فى مقدمة تلك الحقوق الحقوق المدنية، كحق الاجتماع، وحق التنظيم، وحق التعبير. تأتى بعدذلك مجموعة الحقوق السياسية، مثل حق التصويت والسعى إلى نيل المناصب السياسية. وفى النهاية تأتى الحقوق الاجتماعية والاقتصادية كالحق فى الرفاهية والأمن الاجتماعى. وقد اعترض بعض العلماء على تصور مارشال التقدمى الخطى لعملية اكتساب تلك الحقوق. وإن كان من الواضح أن صياغته لمجموعات الحقوق كانت لها قيمتها السياسية، وذلك بشرط وجود قدرة على النضال من أجل التغيير السياسى. فإذا كان ذلك كذلك، فإن هذا الرأى يؤكد بشكل خاص على أن مزايا الرفاهية يجب أن تمنح على أساس الاستحقاق القانونى وفقا لمبدأ العمومية والشمول، وليس على أساس السلطة التقديرية. ولعله ليس مما يثير الدهشة ما حدث مؤخرا من تخفيض فى مخصصات الرفاهية الحكومية، وذلك تبعا للتغيرات السياسية المهمة التى جرت، مثل تغير أنماط الهجرة، الأمر الذى أدى إلى التركيز مجددا على قضية المواطنة، مما يعنى بدوره التأكيد مرة أخرى على أهمية موضوع الرفاهية داخل التيار الرئيسى لعلم الاجتماع، وبث الحيوية فى المناقشات الدانرة حول الموضوع.
ويمكن ان يجد القارى عرضا للقضايا النظرية المتصلة بالموضوع فى كتاب أنتونى فوردر وزملائه: نظريات الرفاهية، الصادر عام 1984 وهناك عرض للمادة المتاحة حول الموضوع فى كتاب جون ديكسون: الرفاهية الاجتماعية فى بلاد الأسواق المتقدمة، الصادر عام 1989.