عزالدين بن الحسن





الإمام عز الدين بن الحسن

هو الإمام المؤتمن، مجدد دين الله في أرض اليمن، الهادي إلى الحق أبي الحسن عز الدين بن الحسن بن الإمام علي بن المؤيد عليهم السلام.

نهض بما استودعه الله من السر المخزون، والعلم المكنون، تاسع يوم من شوال سنة ثمانين وثمانمائة، وولادته في مثل هذا التاريخ، وقد اتفق مثله لجده الإمام علي بن المؤيد.

وهو المجدد في التسع المائة، ومكن الله بسطته حتى نفذت أحكام الإمامة في مكة المشرفة وما والاها من بعد أرض اليمن، وتسارعت إلى إجابة دعوته، وإقامة حجته العلماء، وأيده الله بنصره.

قبضه الله يوم الجمعة الثاني والعشرين من شهر رجب سنة تسعمائة، عن خمس وخمسين، وكان يسمع وقت وفاته رحم الله الإمام المؤتمن، المحيي لما مات من الفرائض والسنن، أبا الحسن عز الدين بن الحسن، يسمعون الصوت ولا يرون الشخص.

ورثاه الإمام شرف الدين يحيى بن شمس الدين بن الإمام أحمد بن يحيى المرتضى بترثية أرسل بها من صنعاء إلى الإمام الناصر الحسن بن عز الدين صدرها، وقد ذكر النداء الذي سمعوه:

 هل الوجد إلا دون ما أنت واجده *** وما الخلق إلا دون من أنت فاقده 
 مصاب على الإسلام مر مذاقه *** وأنحت على الدين الحنيف شدائده

ومنها:

 وباكٍ بدمعٍ كالحياء فسحبه *** خفوق وترجيف الفؤاد رواعده  

إلى أن قال:

 فيا لك من خطب عظيم وحادث *** جسيم يسوء العالمين موارده
 نعاه إلينا قبل يوم وقوعه *** بسبع إله الخلق والسمع شاهده
 تداعينه عمن سواه ومن يكن *** به الله أنبأ فهو جم محامده
 أبا حسن قد كنت للخلق هادياً *** إلى الحق مهدياً عظيماً فوائده
 فمن ذا الذي نرجوه بعدك للورى *** إماماً فننحوا نحوه ونراوده
 ومن لأسود الحق يجمع شملها *** إذا ما ترامت للضلال أساوده

ومنها:

 ومن لعلوم كنت فيها مبرِزاً *** تُجرِد ما قد أعجز الناس غامده

ومنها:

 ومن لكتاب الله يحيي به الدجى *** وكيف بمحراب خلا أنت عابده  

ومنها:

 فقد فاق بطن الأرض والله ظهرها *** به إذ ثواه واحد العصر ماجده 

..إلى آخرها، وهي طويلة طائلة، وبعدها عزاء الإمام الحسن منه، والله المسئول أن يأسو هذه الرزية، ويجبر هذه القضية، لمولانا المقام الأفخم المرجو للعناية بالقيام بالأمر الأعظم، وربما قد حقق السيدان - أراد بهما الإمام محمد بن علي السراجي، والمرتضى بن قاسم - لمولانا بما اتفق من الكرامة لمولانا أمير المؤمنين.

وأكرم الله هذا الإمام بكرامات، منها: ما هو مشاهد الآن في مشهده المبارك بهجرة فلله، وهي الرائحة التي ظهرت من تابوته، مثل ما في مشهد الإمام يحيى بن الحسين عليهم السلام.

وكان له مناد ينادي بالناس إلى الطعام في أوقاته كل يوم على الدوام.

أولاده: الحسن، والحسين، وأحمد، والمهدي، وعبدالله، وصلاح، ولا عقب لعبدالله، وصلاح.

وكان من أنصار الإمام عز الدين أخوه السيد الباسل المجاهد صلاح الدين صلاح بن الحسن، وهو جد السيد العالم المبرز محمد بن عز الدين المفتي، صاحب الحاشية على الكافية، المتوفى سنة ثلاث وسبعين وتسعمائة، وهو المفتي الكبير، قبره في الصرحة التي ما بين قبة الإمام الهادي وقبة الشريفة، والمفتي الصغير حفيده السيد العلامة الضارب في فنون العلم بقداحه وسهامه، محمد بن عز الدين بن محمد بن عز الدين المتوفى عام خمسين وألف، وهو صاحب الشرح على تكملة الأحكام، والبدر الساري في الكلام.

وقد استشكل بعض الأصحاب عبارته في مسألة الرؤية، وليس فيها ما يوجب التشبيه، وهي منزلة على قواعد التنزيه، وإنما أراد الرؤية وحملها على الانتظار، وقد صرح بهذا المعنى، والواجب التثبت وإجالة النظر في موارد الكلام، على أنه إنما حكى كلام الإمام نجم آل الرسول القاسم بن إبراهيم:


فكم من عائب قولاً صحيحاً *** وآفته من الفهم السقيم


ومن عمال الإمام صنوه الأكبر شمس الدين أحمد بن الحسن، قال الزحيف: وهو الخطيب في مدته أيضاً، في السفر والحضر، ولم يقرع المنابر مثله في الخطابة والبراعة.

قال: وصنوه العلامة صارم الدين داود بن الحسن الحاكم في الهجرة المقدسة وغيرها، انتهى.

ومن مؤلفات الإمام عز الدين: كتاب المعراج شرح منهاج القرشي، وشرح على البحر الزخار بلغ فيه إلى كتاب الحج، قبضه الله قبل تمامه، وله مختصر في علم النحو، ومنظومة فيه، كتاب الغاية التامة بتحقيق مسائل الإمامة، وله في الفتاوى مجلد بالغ رتبه على أبواب الفقه بعض أولاده، وله كتاب في الرسائل والجوابات، وله كنز الرشاد، وله ديوان شعر.

وتوفي في أيامه والده السيد الأجل شيخ أهل البيت الحسن بن الإمام ، وقد بلغ من العمر سبعاً وثمانين سنة، ولم يتوف إلا وقد رأى من أولاده سبعة وثلاثين سيداً، قال الإمام عز الدين بن الحسن في ترثيته له عليهما السلام في سياق فضائله:

 وما مات من أبقى كمثلك سادة *** غطاريف شماً يكسبون المعاليا
 ثلاثين من أبناء صلبك لم يكن *** لهم أحد في الخافقين مساويا
 كذا سبعة بعد الثلاثين أنجم *** ترى في سماء المكرمات بواديا
 فمنهم إمام طبق الأرض ذكره *** يقود النواصي عنوة والصياصيا
 إلى سيد صدر متى قام خاطباً *** على منبرٍ عالٍ يصوغ اللآليا
 ومن قائد للجيش في الروع ماجد *** يسوء المعادي أو يسر المواليا
 إلى ناشر للعلم فيه مصنف *** يجوب إليه الأرض من كان قاصيا
 ومن عباد لله بر مطهر *** وصاحب ذكر ليس ينفك تاليا
 إلى طالب درَّاس علم مسامر *** لدفترة حتى يرى الفجر باديا

..إلى آخرها، فهذه من خصائص أبناء النبوة، نسأل الله أن يجمع بيننا وبين تلك الأرواح المطهرة في دار المقامة، ومحل الزلفى والفوز والكرامة، صلوات الله وسلامه على محمد وآله، وجميع أولاد الإمام علماء أعلام، وقد استوفى تراجمهم العلماء رضي الله عنهم.

ومن أعلام أبناء الإمام السيد الإمام داود بن الهادي بن أحمد بن المهدي بن الإمام عز الدين بن الحسن عليهم السلام، مرجع علماء عصره، وشيخ الأعلام، منهم: العلامة أحمد بن المهدي، وولده العلامة صلاح بن أحمد بن المهدي، والحسن بن القاسم، والعلامة أحمد بن يحيى حابس، مؤلف المقصد الحسن، وشرح الثلاثين المسألة، وشرح الكافل، والعلامة أحمد بن سعد الدين المسوري، ولا يفي المقام بشرح حاله، وقد ترجم له في الطبقات ومطلع البدور، وهو من أجل خواص الإمام المتوكل عبد الله بن علي بن الحسين بن الإمام عز الدين بن الحسن عليهم السلام، وأنصاره والآخذين عنه، وكان الغاية في العلم والزهد والعبادة، يرجى للإمامة، وله شرح على الأساس، وشرح على المعيار، وشرح على الكافل، وله نظم فائق، منه تتميم للبسامة كما سبق، توفي سنة (1035هـ) عن خمس وخمسين سنة وأشهرٍ حال وصوله إلى شهارة لزيارة الإمام محمد بن القاسم عليهم السلام فصلى عليه، وعمر عليه مشهداً بوادي أقر.

وولده العلامة علي بن داود رضي الله عنهم، ومن ذريته السادة الكرام آل شايم، وانتقل منهم طائفة إلى نجران، وقد ارتحلنا إلى هنالك سنة اثنتين وثمانين وثلاثمائة وألف، ولم نزل نتردد بين صعدة ونجران إلى حال التحرير عام أحد عشر وأربعمائة وألف، وقد وقع بحمد الله إحياء للعلم الشريف، ومعالم الدين الحنيف، والله سبحانه نسأل صلاح الإسلام والمسلمين، والإعانة والتوفيق.

ومن أعلام ذرية الإمام إمام العلماء، وعالم الكرماء، العلامة المجتهد المطلق صلاح بن أحمد بن المهدي بن محمد بن علي بن الحسين بن الإمام عز الدين بن الحسن عليهم السلام، المتوفى في ذي الحجة عام أربعة وأربعين وألف، الذي ابتهرت الألباب في منحه الله من بلوغ غاية الكمال، ومنتهى كل منال، وهو في عنفوان الشباب، فإن عمره الذي فاق فيه على أقرانه، وبذ جميع أعيان زمانه، علماً وفضلاً وكرماً وعبادة وتأليفاً وجهاداً تسع وعشرون.

ومن مؤلفاته: شرح الفصول مجلد ضخم، وشرح على الهداية بلغ إلى أوائل الكتاب في ستين كراسة، شرح الخطبة منه مجلد، وشرح شواهد النحو مختصر، ومختصر شرح شواهد التلخيص، وله ديوان شعر كله غرر ودرر وفيه معانٍ مبتكرة، وباب مقامه محط الأعلام، ومنزل رحال الكرام، وقد كان يخرج إلى بعض المنتزهات في قدر خمسة وثلاثين فارساً يتساقون كؤوس العلوم، ويتعاطون سلسبيل المنطوق والمفهوم، وهو شيخ الإمام الناصر إبراهيم بن محمد حورية، وكان للسيد صلاح الدين الحظ الوافر، والسهم القامر في جهاد الأتراك، وتشارك هو والحسنان ابنا الإمام القاسم بن محمد عليهم السلام في حصارهم لصنعاء كل واحد من الثلاثة قائد لجيش، فكان المذكور وجنده بالجراف، ونزل للجهاد إلى تهامة، وافتتح مدينة أبي عريش وكان له اطلاع على علم الجفر، وعلى الجملة فلا يتسع المقام لشرح حاله، وما هو إلا من معجزات النبوة، كما قال العلماء في شأنه.

قال الشوكاني: مع هذه الفضائل التي نالها في هذا الأمد القريب، فهو مجاهد للأتراك محاصر لصنعاء مع الحسن والحسين ابني الإمام القاسم، كان مطرحه في الجراف يشن الغارت على الأروام في جميع الأيام.

إلى قوله: وإذا سافر أول ما تضرب خيمة الكتب، وإذا ضربت دخل إليها ونشر الكتب والخدم يصلحون الخيام الأخرى، ولا يزال ليله جميعه ينظر في العلم ويحرر ويقرر مع سلامة ذوقه، وكان مع هذه اليلاطف أصحابه وكتابه بالأدبيات والأشعار السحريات من ذلك أبيات كاتب بها السيد العلامة الحسن بن أحمد الجلال، منها:

 أفدي الحبيب الذي قد زارني ومضى *** ولا مبسمه كالبرق إذ ومضا
 نضا عليَّ حساماً من لواحظه *** فظلت ألثم ذاك اللحظ حين نضا

فأجابه السيد الحسن بأبيات منها:

 قد لاح سعدك فاغتنم حسن الرضا *** من أهل ودك واستعض عما مضى
 لما بعثت لهم بطيفك زائراً *** تحت الدجى ولفضلهم متعرضا
 بعثوا إليك كتائباً من كتبهم *** هزموا بها جيش اصطبارك فانقضى

..إلى قوله: وتوفي في سنة (1048هـ) ثمان وأربعين وألف.

قلت: والصواب (1044هـ) أربع وأربعين وألف، كما في الطبقات، وفي موضع من مطلع البدور، وهو في موضع آخر منها كما هنا، وقد أوجب الاعتماد على ذلك الخطأ في شرح الزلف الطبعة الأولى، وقد صححته في الأخرى (ص214 س8).

ولا غرو ففضل الله يؤتيه من يشاء، وهذا جده الإمام عز الدين بلغ رتبة الاجتهاد، في نحو العشر وهي قسم إلاهية، يؤتي الحكمة من يشاء، ودعا الله أن يقبض روحه فاستجاب له ولم يلبث إلا ثلاثة أيام.

وله كرامات كثيرة: وقد استوفى خصائصه صاحب طبقات الزيدية، ومطلع البدور، والبدر الطالع، وقبره بجنب قبر والده العلامة أحمد بن المهدي، وقبر السيد المجتهد أحمد بن محمد بن لقمان بن أ؛مد بن شمس الدين بن الإمام المهدي لدين الله أحمد بن يحيى المرتضى عليهم السلام، المتوفى عام تسعة وثلاثين وألف، شارح الأساس، والكافل، الجميع بقلعة غمار من جبل رازح، وأعاد من بركاتهم.

هذا، واعلم أنه دعا عقيب وفاة الإمام مطهر بن محمد الإمام الناصر محمد بن يوسف بن صلاح بن المرتضى بن الحسن بن علي، وعلى هذا جد الإمام المهدي علي بن محمد عليهم السلام.

ودعا قبله الإمام المهدي إدريس بن عبد الله بن علي بن وهاس بن أبي هاشم بن محمد بن الحسين بن الأمير الشهيد حمزة بن أبي هاشم، وقد تقدم نسبه في ترجمة الإمام المنصور بالله عبد الله بن حمزة عليهم السلام، قال في تاريخ آل الوزير: أما محمد بن يوسف فبلغ في العلم مبلغاً أربى فيه على أقرانه، وجميع أهل زمانه.

إلى أن قال: وليس في علو شأنه شك، إلا أنه لم يؤت حظاً وتكنى بالناصر، ومات ودفن بقبته المعروفة بثلا، وكانت وفاته قدس الله روحه يوم الخميس تاسع وعشرين من شعبان سنة ثلاث وتسعين وثمانمائة.

وقد كان دعا قبله السيد الإمام بقية كبراء أهل البيت عليهم السلام إدريس بن عبد الله بن علي بن وهاس، وتكنى بالمهدي، وكذا لم تقض له الدنيا منها بشيء، وانزوت عنه أيضاً، ومات قبل محمد بن يوسف، وكان كريماً عظيماً سليم الصدر، كثير الشفقة والحنو على أهل البيت وشيعتهم، وكان ركناً من أركان البيت الأعز الأطول، وبقية صالحة من أهل الطراز الأول.

ودعا بعدهما الإمام عز الدين بن الحسن، فأقبل عليه الناس، ومات معارضاه، وتم له الأمر واستقل به..إلى آخر كلامه.

قلت: ورجح العلماء دعوة الإمام عز الدين ، والتزموا إمامته، والشاهد يرى ما لا يرى الغائب، وعلم الحقائق لله تعالى، وليس لنا غرض كما علم الله في العدول عن الحق، والصد عن الصدق، كيف والله سبحانه يقول: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ﴾[النساء:135]، ونعوذ بالله أن نكون ممن مال به الهوى، وعدل عن السواء، كيف وذلك لا يورث إلا الندامة، ولا يثمر إلا الحسرة في القيامة، وأما هم فقد أفضوا إلى ربهم، وقد كشفت لك جلية الحال، وإن كان مما مرجعه إلى معاملة ذي الجلال، فقد تتطرق الأوهام، وتتسارع الأفهام، ومثل هذا يجب بيانه كما لا يخفى على ذوي الأنظار الراجحة، والمقاصد الصالحة، ولهذا كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يبين أشياء دفعاً للخواطر، وإماطة للشكوك، وهو في مقام النبوة ومحل الرسالة، وما أدراك ما الخطأ، ثم ما أدراك ما الخطأ، نسأل الله الاستقامة والعصمة والسلامة، وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب.

قال السيد العلامة عبد الله بن علي بن محمد بن عبد الإله بن أحمد بن عبد الله بن أحمد بن السيد صارم الدين إبراهيم بن محمد الوزير المتوفى سنة ألف ومائة وسبع وأربعين بصنعاء عن ثلاث وسبعين سنة في تتمته البسامة:

 وفي ابن وهاس الداعي وقائمنا *** واليحيوي إمام الثأر والأثر
 قضت بنصر وخذلان ولا عجب *** فالملك ما بين مخذول ومنتصر
 أفضت إلى القائم الهادي وقد درجت *** أقرانه فأفاض العدل في البشر
 وأظفرت يوم (نسرين) الأمير على *** جند الإمام وكان الرأي في حذر

وصلات خارجية