طرق ميل
طرق ميل (بالإنجليزية: Mill's Methods) هي خمس طرق للاستقراء وصفها الفيلسوف جون ستيوارت ميل في كتابه 1843 نظام المنطق. إنها تهدف إلى إلقاء الضوء على قضايا السببية.
الطرق
طريقة الاتفاق
طريقة الاتفاق (بالإنجليزية: Method of Agreement): ومفاده أن ننظر في مجموع الأحوال المولدة لظاهرة ما نريد دراسة أسبابها. فإذا وجدنا أن هناك عاملاً واحداً يظل موجوداً باستمرار على الرغم من تغير بقية العناصر أو المقومات، فيجب أن نعد هذا الشيء الثابت الواحد هو علة حدوث هذه الظاهرة. ويضرب لهذا مثلاً: ظاهرة الندى فإن هذه الظاهرة تحدث أولاً حين ينفخ الإنسان بفيه على جسم مبترد مثل لوح من الزجاج في يوم بارد. ونجد هذه الظاهرة أيضاً على السطوح الخارجية لزجاجات تستخرج من بئر، كما نجدها ثالثاً حين تأتي بإناء فيه ماء بارد ونضعه في مكان دافى - ففي كل هذه الأحوال نجد أنه على الرغم من اختلاف العناصر التي تتركب منها الظاهرة: من نفخ على جسم بارد، أو سطح قارورة بها ماء يستخرج من بثر، او سطح زجاجة مملؤة ثلجاً أدخلت في مكان دافئ - فإن ثمت عاملاً واحداً موجوداً باستمرار هو اختلاف درجة الحرارة بين الجسم وبين الوسط الخارجي أو الشيء المماس. فنستنتج من هذا أن السبب في حدوث ظاهرة الندى هو الاختلاف في درجة الحرارة بين الجسم والوسط المماس له.
يشار إلى هذه الطريقة أيضًا بشكل عام في السياسة المقارنة باعتبارها تصميم الأنظمة الأكثر اختلافًا. من الناحية الرمزية، يمكن تمثيل طريقة الاتفاق على النحو التالي:
- تحدث ABCD مع wxyz
- تحدث AEFG مع wtuv
- ———————————————————
- لذلك فإن A هو سبب أو نتيجة w.
لتوضيح هذا المفهوم بشكل أكبر، فكر في بلدين مختلفين هيكليًا. البلد «أ» مستعمرة سابقة، لديها حكومة يسار الوسط، ولها نظام فيدرالي بمستويين من الحكومة. لم تكن الدولة «ب» مستعمرة أبدًا، ولديها حكومة يسار وسط ودولة موحدة. أحد العوامل المشتركة بين البلدين، المتغير التابع في هذه الحالة، هو أن لديهما نظامًا للرعاية الصحية الشاملة. بمقارنة العوامل المعروفة عن البلدان المذكورة أعلاه، يستنتج عالم السياسة المقارن أن الحكومة التي تجلس على يسار الوسط من الطيف ستكون المتغير المستقل الذي يتسبب في نظام رعاية صحية شاملة، لأنه العامل الوحيد من بين العوامل فحص ما هو ثابت بين البلدين، والدعم النظري لتلك العلاقة سليم؛ غالبًا ما تتضمن سياسات الديمقراطية الاجتماعية (يسار الوسط) الرعاية الصحية الشاملة.
طريقة الاختلاف
طريقة الاختلاف (بالإنجليزية: Method of Difference): لكي نتأكد من صحة الاستنتاج وفقاً للمنهج السابق، منهج الاتفاق، لا بد أن نأتي بمنهج مضاد في الصورة، لكنه مؤيد في النتيجة، فنجري ما يسمى بالبرهان العكسي. هذا المنهج يسمى طريقة الاختلاف. ويقول: إذا اتفقت مجموعتان من الأحداث من جميع الوجوه إلا وجهاً واحداً، فتغيرت النتيجة من مجرد اختلال هذا الوجه الواحد، فإن ثمت صلة علية بين هذا الوجه وبين الظاهرة الناتجة. ونسوق مثالاً لذلك تجربة أجراها باستير لمعرفة سبب الاختمار. فقد أخذ باستير قنينتين ووضعهما في برميل واحد في درجة حرارة واحدة، وكان في كلتا القنينتين نفس السائل وأغلق فوهة إحداهما، بينما ترك فوهة الأخرى مفتوحة فتبين له بعد مدة من الزمن أن السائل في القنينة المفتوحة تغير وحدث فيه اختمار، بينما نفس السائل في القنينة المغلقة الفوهة لم يتغير ولم يحدث فيه اختمار. فاستنتج من هذا أن كون فوهة إحدى القنينتين قد تركت مفتوحة بينما بقيت الأخرى محكمة الإغلاق — هو السبب في حدوث الاختمار. ومعنى هذا أن الهواء هو السبب في حدوث الاختمار، وذلك لأنه يحتوي على جراثيم دخلت السائل فأحدثت هذا الاختمار.
تُعرف هذه الطريقة أيضًا بشكل عام بأنها أكثر تصميم الأنظمة تشابهًا في السياسة المقارنة.
- تحدث ABCD مع wxyz
- تحدث BCD مع xyz
- ———————————————————
- لذلك فإن (أ) هو السبب أو النتيجة أو جزء من سبب ث.
كمثال على طريقة الاختلاف، فكر في بلدين متشابهين. تتمتع الدولة «أ» بحكومة يمين وسط ونظام موحد وكانت مستعمرة سابقة. تتمتع الدولة «ب» بحكومة يمين وسط، ونظام موحد، لكنها لم تكن مستعمرة أبدًا. الفرق بين الدول هو أن الدولة «أ» تدعم المبادرات المناهضة للاستعمار، في حين أن الدولة «ب» لا تدعمها. ستحدد طريقة الاختلاف المتغير المستقل ليكون حالة كل بلد كمستعمرة سابقة أم لا، مع كون المتغير التابع داعمًا لمبادرات مكافحة الاستعمار. هذا لأنه، من بين البلدين المتشابهين المقارنين، يكون الاختلاف بين الاثنين هو ما إذا كانا مستعمرة في السابق أم لا. ثم يفسر هذا الاختلاف في قيم المتغير التابع، حيث من المرجح أن تدعم المستعمرة السابقة إنهاء الاستعمار أكثر من الدولة التي ليس لها تاريخ في كونها مستعمرة.
الطريقة المشتركة للاتفاق والاختلاف
الطريقة المتشكة للاتفاق والاختلاف (بالإنجليزية: The Joint Method of Agreement and Difference)، وتُعرف أيضًا باسم «الطريقة المشتركة»، ويمثل هذا المبدأ ببساطة تطبيق أساليب الاتفاق والاختلاف. ويصوغه مdل هكذا: «إذا كان شاهدان أو أكثر من الشواهد التي تتجلى فيها الظاهرة تشترك في ظرف واحد، بينا شاهدان أو أكثر من الشواهد التي لا تتجلى فيها الظاهرة ليس فيهما (فيها) شيء مشترك غير الخلو من هذا الظرف، فإن هذا الظرف الذي فيه وحده تختلف مجموعتا الشواهد هو المعلول أو العلة أو جزء لا غنى عنه من الظاهرة.
من الناحية الرمزية، يمكن تمثيل الطريقة المشتركة للاتفاق والاختلاف على النحو التالي:
- تحدث ABC مع xyz
- تحدث ADE مع xvw أيضًا BC تحدث مع yz
- ———————————————————
- لذلك فإن (أ) هو سبب أو نتيجة أو جزء من سبب س.
طريقة المخلفات
طريقة البواقي أو الرواسب (Method of Residues): وهو منهج للتكهن بالعلة استنتاجاً من فحص موقف يحتوي على ظاهرة واحدة بقي علينا أن نفسرها. وهذا المنهج يتضمن تطبيقاً لمبدأ الافتراق ابتداء من المعلول لنكتشف العلة. فمثلاً إذاكان معلوماً أن المعلول A يفسره X، وأن X لها مفعول كامل في A، فإنه إذا حدثت A مصحوبة بـ B فإنه ينتج عن مبدأ الافتراق أن شيئاً آخر غير X هو علة B.
ومن الأمثلة المشهورة على هذا المنهج التجربة التي قام بها الفزيائي الفرنسي الشهير أراجو Arago حين جاء بإبرة ممغطسة وعلقها في خيط من الحرير، وحرك الابرة، فإنه وجد أنها تصل إلى حالة السكون على نحو أسرع لو وضعنا تحتها لوحة من النحاس، مما لو لم نضع مثل هذه اللوحة. فتساءل ربما كانت ظاهرة زيادة الإسراع إلى السكون راجعة إلى مقاومة الهواء أو طبيعة مادة الخيط لكن تأثير هذين العاملين: الهواء ونوع الخيط كان معروفاً بالدقة مع عدم وجود لوحة النحاس، فالعنصر الباقي وهو لوحة النحاس هو إذن العلة في زيادة الإسراع إلى السكون.
وقد رأى الكثيرون من المناطقة أن لا فارق بين منهج البواقي هذا وبين منج الافتراق، ولذا اسقطوه منهجاً مستفلا قائماً بذاته.
يمكن تمثيل طريقة المخلفات بشكل رمزي على النحو التالي:
- تحدث ABC مع xyz
- من المعروف أن ب هو سبب ذ
- من المعروف أن C هو سبب z
- ———————————————————
- لذلك فإن A هو سبب أو تأثير x.
طريقة الاختلافات المصاحبة
منهج التلازم في التغير أو منهج التغير المصاحب (Method of Concomitant Variation): يقول هذا المنهج إننا لو أتينا بسلسلتين من الظواهر فيها مقدمات ونتائج، وكان التغير في المقدمات في كلتا السلسلتين من الظواهر ينتج تغيراً في النتائج في كلتا السلسلتين كذلك، وبنسبة معينة، فلا بد أن تكون ثمت صلة علية بين المقدمات وبين النتائج. مثال ذلك ما فعله باستير أيضاً حين أت بعشرين زجاجة مملؤة بسائل في درجة الغليان، فوجد في الريف أن ثماني زجاجات فقط هي التي تغيرت لما أن فتح أفواهها، وفي المرتفعات الدنيا تبين له أن خمساً منها تغيرت بعد فتحها، وفي أعلى قمة جبل لم يتغير منها غير زجاجة واحدة. ولما أتى بالزجاجات العشرين إلى غرفة مقفلة أثير غبارها وفتح فوهاتها تغيرت الزجاجات العشرون كلها فاستنتج من هذا أن تغير الجواء قد أحدث تغيراً في حدوث الاختمار، إذ الجراثيم أكثر في غرفة أثير غبارها، وأقل من ذلك في الريف، وأقل من هذا في سفح جبل، وأقل جداً في قمة جبل عالٍ.
مثال آخر، افترض أنه تم العثور على عينات مختلفة من الماء، تحتوي كل منها على الملح والرصاص، على أنها سامة. إذا اختلف مستوى السمية جنبًا إلى جنب مع مستوى الرصاص، يمكن للمرء أن يعزو السمية إلى وجود الرصاص.
من الناحية الرمزية، يمكن تمثيل طريقة التباين المصاحب على أنها (مع ± تمثل التحول):
- تحدث ABC مع xyz
- ينتج عن A ± BC x ± y z.
- ——————————————————————
- لذلك، A و x مرتبطان سببيًا
على عكس الطرق الاستقرائية الأربعة السابقة، لا تتضمن طريقة التباين المصاحب القضاء على أي ظرف. يؤدي تغيير حجم أحد العوامل إلى تغيير حجم عامل آخر.
النقد
وقد أخذ هوول Whewell على قواعد مل هذه أنها ليست مناهج للكشف في العلوم. فرد عليه ميل قائلاً إنها المناهج الوحيدة للبرهان الاستقرائي، والفرض في حاجة إلى إثبات، ولا يكفي لقبول فرض ما أن يقال إنه لا يتعارض مع الحقائق العلمية المقررة، بل لا بد من تحقيقه، ولا يكون ذلك - في نظر ميل - إلا باستخدام مناهجه الخمسة هذه.
ولكن ميل في مناقشته لقوانين الطبيعة النهائية والمشتقة يعترف بأننا لا نستطيع في بعض الأحيان الإقرار بأن هذه القوانين يقينية وغير مشروطة؛ بل ربما لو تعمقنا الفحص عنها فلربما احتجنا إلى تنقيحها وإعادة النظر فيها. وفي كثير من الأحيان نضطر إلى أن نقول عن بعض القوانين التي نصل إليها بالاستقراء إنها محتملة، وليست يقينية. غير ان ميل لم يفسح المجال للاحتمال، بل كان يميل إلى توكيد يقين القوانين التي نصل إليها بالاستقراء.
انظر أيضًا
- تجارب علمية محكومة
- طريقة بيكونيان
- شبكة بايزي
- مسلمات كوخ
- جون ستيوارت ميل