صداق (إسلام)


المهر في الإسلام يعد شرطا لإتمام الزواج فالمهر يُعْطَى لها كنوع من التقدير والاحترام لها، وهو اعتراف من الزَّوْج باستقلاليّة زوجته؛ فهي تتسلَّمُ مَهرها عند زواجها به فالمهر ليس سِعْرَ العروس كما هو مُقرَّر في العُرْفِ الإفريقي؛ لأنَّ الزواجَ في الإسلام ليسَ عبارة عن بيع عروسٍ لزوجها، ولأنَّ كرامة العروس وأهلها مُصانة في ظل الإسلام فليس لِزامًا على أَيّ منهم أَنْ يُقدِّمَ هديةً لجَذْبِ الخُطاب. بل إنَّ الرّجل هو الذي لابُدَّ وأنْ يُقدِّمَ لعروسه هديةَ الزواج بها أو مَهْرَها وهو مِلْكٌ خالصٌ لها تتصرف فيه كيفما شاءَتْ، ولا يحقُّ لزوجها أو أهلها أَنْ يستمتعوا بجزء منه، أو تكون لأيهم عليه يدٌ. وتحتفظ المرأة بمهرها حتى وإنْ طُلِّقَتْ بعد ذلك، وزوجُها ليس له الحَقّ في أنْ يُقاسِمَها أيَّ جزءٍ من هذا المهر إلا أَنْ تعطيَهُ هي منه بمحض إرادتها عن طيب نفسٍ منها، يَقولُ القرآنُ الكريمُ في ذلك: ]وآتوا النَّسَاء صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَّرِيئًا.[ (النساء: 4). فوَفْقًا لإرشادات التي جاءت في الآية الكريمة فإنه يجب أَنْ تُعْطَى النِّسَاء مُهورَهن كهدية خالصة بدافع من الوازع الديني لدى الرجل لا كأمرٍ مفروض عليه، والتعبير القرآني: "نحلة" يوحي بأن المهر هدية وهِبَةٌ خالصة وليس سِعْرًا للعروس كما يُصِرُّ البعض.

المهر شرط لصحة عَقْد الزواج

إنَّ دفع المهر شرط أساسي لصحة الْعَقْد بغضِّ النظر عن قيمته؛ وعلى هذا فإنْ اُشْتُرِطَ في عَقْد الزواج ألا يُدْفَعَ مهرٌ فإنَّ هذا الشَّرطَ يكون لاغيًا، ويكونَ الزواج نفسه باطلاً. كما يَحْرُمُ أيضًا نِكاحُ الشِّغار، وهو أَنْ يُزَوِّجَ الرجل ابنته (أو أخته... الخ) لشخصٍ ما على أَنْ يزوجه الآخر ابنته (أو أخته... الخ) وليس بينهما صَدَاق؛ أيْ يكونُ تزويج كُلّ منهما مَهْرًا للأخرى.

المهر هو هدية العروس ومِلْكٌ لها

بالنسبة للمهر فَإِنَّ الإسلام ينظر إلى المهر على أَنَّهُ هدية من الزَّوْج إلى زوجته، وهو يصير مِلكًا لها، ولها أنْ تتصرفَ فيه كيفما شاءت، حتى وإن كَانَتْ غير مسَلَمَةَ. وليس للزوج الحَقّ في أَنْ يطالبها به تارةً أخرى- لا به- ولا بأي شيء من أدوات الزينة أو الملابس أو غيرها من الهدايا التي أعطاها إياها. ويبقى المهر مِلْكًا لها حتى وإنْ طُلِّقَتْ لاحقًا، وإن تركها الزَّوْج كالمعلقة لكي يسترِدَّ منها المهر مرة أخرى فهو صاحب كبيرة، ففي القرآن: ]وَإِنْ أَرَدتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا فَلا تَأْخُذُواْ مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا.[ (النساء: 20-21) والحِكْمةُ وراء قول الله عَزَّ وَجَلَّ "فَلا تَأْخُذُواْ مِنْهُ شَيْئًا …"هي أنَّ مهر العروس ليس مقابلاً عن مُدَّة بقاء الزَّوْجة في عِصْمَةِ زوجها، بل إنَّ المهر تعويضٌ عن العلاقة الزَّوْجية الخاصة التي شرعها الله عَزَّ وَجَلَّ من خلال الزواج، حتى وإن استمرت لحظة واحدة؛ وبالتالي فإنَّ الإسلام يحضُّ الزَّوْج على إعطاءِ طليقته مبلغًا من المال عند الفراق يسمَّى المتعة، والمهر يُخفَّض إلى النصف فقط حينما يُطلِّقُ الرجل زوجته قبل البناء بها إذا كَانَ المهر قد اتُّفُقِ عليه مُسبقًا، ومن ناحية أخرى، إذا حدثت خلوة شرْعِيّة بينهما حتى وإن كَانَ قبل الموعد المحدد للبناء بها، فلا يحقَّ للزوج أَنْ يسترِدَّ أَيّ جزء من المهر. وإذا خلعته زوجته فعليها أنْ تُعيدَ إليه المهر الذي دَفَعَهُ إليها أو جُزْءًا منه. ويستهجن القرآن بشدة مسألة استرداد جزء من المهر؛ حيث إنه كَانَ مقابلاً لممارسة العلاقة الزَّوْجية الخاصة. ولذا فيأثم الزَّوْج إذا استردَّ أيَّ جزء منه إلا إذا وافَقَتْ الزَّوْجة. ومن الأمثلة التي توضح حرص الإسلام على حماية حقوق المرأة أَنَّهُ حينما يُطلِّقُ المسلم زوجته قبل أَنْ يبنيَ بها ولم يكن قد تم الاتفاق على المهر مُسبقًا فعلى الزَّوْجِ في هذه الحالة أَنْ يدفَعَ لها مبلغًا مناسبًا على قَدْرِ سَعَتِهِ يُسمَّى (مهر المِثْلِ)، يقول عَزَّ من قائل:

"لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن طَلَّقْتُمُ النِّسَاء مَا لَمْ تَمَسُّوهُنُّ أَوْ تَفْرِضُواْ لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدْرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ." (البقرة: 236)

قيمة المهر

ليس هناك حدٌّ أدنى أو أقصى في الإسلام لقيمة المهر، غير أَنَّهُ ينبغي أَنْ يكونَ ذا قيمة حتى وإنْ كانَتْ محدودة، والمهر المعقول في نظر الشَّريعة هو ذلك الذي يتناسب مع المكانة الاجتماعية والمادية لوالِدَيْ العَروس، وهو بذلك يختلف من مكان لمكان ومن زمان لآخر بل ومن دولة لأخرى. ويوضح هذا القرآن الكريم: "…عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدْرُهُ…"(البقرة: 236).

ويقصُّ علينا القرآن كيف أَنْ نبي الله موسى u تزوِّجَ من ابنة شعيب أو الرجل الصالح الذي لاقاه في مَدْيَنَ، فَقَدْ تزوَّجَها مُقابلَ العمل لدى والدها لمُدَّة عَشْرِ سنوات. فلم تُحَدّد قيمة معينة للمهر، والنَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَدَّمَ مُهورًا متباينة لزوجاته أمهاتِ المؤمنين رضي الله عنهن) فدفع لأم المؤمنين أم حبيبة (رملة بنت أبي سفيان ) أربعة آلاف درهم، في حين أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم دفع خمسة آلاف درهم لباقي زوجاته رضوان الله عليهن جمعاوات. وكان مهر ابنته فاطمة (رضي الله عنها) أربعة آلاف درهم أيضًا، وأقل قيمة للمهر ذُكِرَتْ في الأحاديث الواردة عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم هي خاتم من حديد. والرجل الذي لم يستطع دفع قيمة حتى هذا الخاتم زَوَّجَهُ النَّبِيّ e على أنْ يُعَلِّمَ زوجته بعضًا من سُوَرِ القرآن كمهر لها؛ فَقَدْ روى البخاريّ عن سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّ امْرَأَةً جَاءَتْ رَسُولَ اللَّهِ e فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ جِئْتُ لأَهَبَ لَكَ نَفْسِي فَنَظَرَ إِلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ e فَصَعَّدَ النَّظَرَ إِلَيْهَا وَصَوَّبَهُ، ثُمَّ طَأْطَأَ رَأْسَهُ، فَلَمَّا رَأَتِ الْمَرْأَةُ أَنَّهُ لَمْ يَقْضِ فيها شَيْئًا جَلَسَتْ، فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ فَقَالَ: أَىْ رَسُولَ اللَّهِ إِنْ لَمْ تَكُنْ لَكَ بِهَا حَاجَةٌ فَزَوِّجْنِيهَا. فَقَالَ: «هَلْ عِنْدَكَ مِنْ شَيْءٍ» قَالَ لا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ . قَالَ «اذْهَبْ إِلَى أَهْلِكَ فَانْظُرْ هَلْ تَجِدُ شَيْئًا؟» فَذَهَبَ ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ لا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا وَجَدْتُ شَيْئًا. قَالَ: «انْظُرْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ» فَذَهَبَ ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ لا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلا خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ، وَلَكِنْ هَذَا إِزَارِي - قَالَ سَهْلٌ مَا لَهُ رِدَاءٌ - فَلَهَا نِصْفُهُ . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ e: «مَا تَصْنَعُ بإزارِكَ إنْ لَبِسْتَهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا مِنْهُ شَيْءٌ، وَإِنْ لَبِسَتْهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْكَ شَيْءٌ» فَجَلَسَ الرَّجُلُ حَتَّى طَالَ مَجْلَسُهُ ثُمَّ قَامَ فَرَآهُ رَسُولُ اللَّهِ e مُوَلِّيًّا فَأَمَرَ بِهِ فَدُعِيَ فَلَمَّا جَاءَ قَالَ: «مَاذَا مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ» قَالَ مَعِي سُورَةَ كَذَا وَسُورَةَ كَذَا وَسُورَةَ كَذَا. عَدَّدَهَا. قَالَ «أَتَقْرَؤُهُنَّ عَنْ ظَهْرِ قَلْبِكَ» قَالَ نَعَمْ . قَالَ: «اذْهَبْ فَقَدْ مَلَّكْتُكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ.» وجديرٌ بالذِّكْر هنا أنْ نبيِّنَ أنَّهُ بفهم هذا الحديث فهمًا عميقًا يتضح لنا أنَّ الرسول صلى الله عليه وسلم لم يَقْصِدْ أَنْ يُحدِّدَ أقلَّ قيمة للمهر، لكن بما أَنَّ المهر هو حقٌّ للعروس فمِنْ حَقِّها أنْ تَرْضَى به. أَمَّا إذا أراد الزَّوْج أَنْ يَمْهَرَ العروسَ مهرًا عظيمًا فليس في شريعة الإسلام ما يمنع هذا. فذاتَ مرّة خَطَبَ عمر بن الخطاب t في الناسِ وقَالَ: إنه لا ينبغي لأحدٍ أنْ يُمْهِرَ امرأةً بأكثرَ من 400 درهم (حيث كَانَ الرجالُ قد بدؤوا يُغالُون في المهور) وحينما نَزَلَ من على المنبر استوْقَفَتْهُ امرأةٌ وسألته: "أَلَمْ تَسْمَعْ قول الله عَزَّ وَجَلَّ "وآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا"؟ فارتقى عمر المنبر تارة أخرى وقَالَ: "كنْتُ قَدْ أَمَرْتُكُمْ ألا تَمهروا النساءَ بأكثرَ من 400 درهم فَمَنْ أَرادَ أنْ يَزيدَ فَلْيَفْعَلْ."

مُؤخّر الصَّداق دَيْنٌ على الزَّوْج

من الجائز في الإسلام أنْ يُؤخَّرَ المهر كُلُّهُ أو جُزْءٌ منه، وقد جرى العُرْفُ أنَّ نِصْفَ المهر يُدْفَعُ عند عَقْدِ النِّكاحِ والنصف الآخر يُصبح مُؤخَّرًا. وقد يظنُّ البعضُ خَطَأً أنَّ مؤخر المهر مُستحقّ فقط في حالةِ الطَّلاقِ، ولكنَّ المؤخر لابُدَّ أَنْ يُدْفَعَ للزوجة سواء وقَعَ طلاق أم لا، ولكن دُونَ تحديد زمن لذلك. كما يُعْطِي الإسلام المرأة الحَقّ في فسخ عَقْد الزواج إذا لم يدفع لها الزَّوْج مُؤخَّر صَدَاقِها. وقد حَكَمَ كُلّ من عمر بن الخطاب وشُرَيْحٌ القاضي بأنه إذا أَعْفَتْ المرأة زوجها من المؤخَّر ثم طالبته به فيلزمْ الزَّوْجَ أنْ يُعْطِيَها إياه؛ لأن معنى مُطالبتها به مرة أخرى أنها كَانَتْ مُرْغمة في المرَّة الأولى. يَقولُ اللهُ عَزَّ وَجَلّ: "'يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللّهُ..'." (البقرة: 282)

فالله عَزَّ وَجَلَّ يأمر عباده أَنْ يكتبوا الدَّيْنَ ليس لحمايةِ الدائن فحسبْ، ولكن لحماية المدين أيضًا؛ لأنَّ الورق الموثَّق لا يمكن أَنْ ينكِرَهُ أحد. فالله يحمي الدائن والمدين معًا من أنفسهما. بل إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يُؤَكِّدُ على أن حقوق المرأة لابُدَّ وأنْ تُصان، فيتعجب المولى سبحانه وتعالى من الزَّوْج الذي يأخُذُ شيءًا من مهر زوجته فيقول: "أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا."فكلمات الآية تعلن أَنَّهُ ليس هناك مبررٌ لأي رجلٍ أَنْ يأخذَ شيءًا من مَهْرِ زوجته.

فالمهر هو حقٌّ للمرأة على زوجها مقابلاً لزواجها منه، فإذا أَجَّلَ أيَّ جزء منه فالحَقّ أَنَّهُ يُصبحَ دَيْنًا للزوجة على زوجها يُلْزَمْ شَرْعًا بردِّهِ إليها بغضِّ النظر عن حَقِّها في الميراث من تركته، فلها أَنْ تأخذه من الميراث قبل أَنْ يُوزَّع على الورثة، وإنْ ماتَتْ قبل أَنْ تحصل عليه فمِنْ حقِّ وَرَثَتِها أنْ يأخذوه من الزَّوْج أو يخصموه من نصيبه في الميراث منها. ولعلَّ هذا يُؤَكِّدُ بما لا يدع مجالاً للشكِّ حِرْصَ الإسلام على حماية حقوق المرأة.