سمو (فلسفة)

يعني السمو (من sublīmis باللغة اللاتينية) في علم الجماليات صفة العظمة، سواء كانت جسدية أو أخلاقية أو فكرية أو ميتافيزيقية أو جمالية أو روحانية أو فنية. ويشير هذا المصطلح بالأخص إلى العظمة التي تتجاوز كل الاحتمالات التي يمكن عدها أو قياسها أو محاكاتها.

الفلسفة القديمة

تُعزى أول دراسة معروفة للسمو إلى أطروحة لونجينوس: (Peri Hupsous/Hypsous) أو عن السمو (On the Sublime) ويُعتقَد أنه قد تم تأليفها في القرن الأول بعد الميلاد بالرغم من أن أصلها ومؤلفها غير مؤكدين. وفقًا للونجينوس، السمو هو صفة تصف عظمة، أو رفعة، أو رقيّ الفكر أو العقل، وخاصةً في سياق الـبلاغة. وهكذا، يوحي السمو بالهيبة والوقار، والتمتع بقدرات إقناعية كبيرة. تتميز أطروحة لونجينوس بالإشارة، ليس فقط إلى كُتَّاب يونانيين مثل هوميروس (Homer)، بل أيضًا إلى مصادر خاصة بالكتاب المقدس مثل تكوين.

وقد أُعيد اكتشاف هذه الأطروحة في القرن السادس عشر، ويُنسب عادةً تأثيرها اللاحق على علم الجماليات إلى قيام نيكولا بوالو (Nicolas Boileau-Despréaux) بترجمتها إلى الفرنسية في 1674. وقام بترجمتها إلى الإنجليزية لاحقًا كلٌ من جون بولتني (John Pultney) في 1680، وليونارد ولستد (Leonard Welsted) في 1712، وويليام سميث في 1739، والذي نُشِر له الإصدار الخامس من ترجمته في 1800.

السامي

اللفظ اليونانيء رمعنام الارتفاع إلى

أعلى، وكان يطلق في البداية على السمو الذاتي في حالة إلقاء الشعر وما يؤدي إليه ذلك من تطهير (كاترسس) للنفس ثم أطلق على نوع الانتاج الشعري! فوصف شعر يوريفيدس بالبساطة، بينما وصف شعر اسخولوس بالسمو. وقسم الأسلوب إلى ثلاثة أنواع: سامي، ومعتدل، و بسيط.

وأول كتاب في العصر اليوناني - الروماني خصص لدراسة «السامي» في الأسلوب هو كتاب «في السامي، ۶نهغو ازة 2م77 الذي نسب إلى لونجينوس Longinus (القرن الثالث بعد الميلاد)، لكنه في الحقيقة من تأليف مؤلف مجهول عاش في القرن الأول الميلادي، وهو يقتصر على البحث في الأسلوب الأدبي السامي، ولا يتناول المعنى الأعم للسامي وفيه ينقد رأي شيشرون في الخطابة حين يرجع «السامي» إلى صيغ في الأسلوب. أما صاحب هذا الكتاب المجهول المؤلف فينعت «السامي» بأنه ما يشتمل على القوة التي تسمو بالنفس، وتؤدي إلى الجذبة الشعرية، وإلى الاعجاب الممزوج بالاندهاش ويقول إن «السامي» ينفجر كالصاعقة, ويفعل فعل «الناي الذي يحدث الجذبة في الراقصين». , وينبغي تمييزه من المبالغة والتكلف والصنعة المبهرجة. وهو يحدث انطباعاً مستمراً باقياً. وبالجملة فإن «السامي» رنين روح كبيرة» ٠

وكان روبرتلو Robertello هو الذي اكتشف

مخطوط هذا الكتاب ونشره في سنة ١٥٥٤ وبعد ذلك بمائة وعشرين سنة اهتم به الناقد الفرنسي الشهير بوالو Boileau، وترجمه إلى الفرنسية في سنة ١٦٧٤. وفي

G. Addison بداية القرن الثامن عشر جاءج أديسون

فميز بين «السامي» و«الجميل». لكنه ظل أيضاً في نطاق الأسلوب الأدبي

أما أول من نقل معنى «السامي» إلى ميدان الفلسفة وعلم الجمال بخاصة فهو أدموند بيرك (١٧٢٩ - ١٧٩٧) Burke في كتابه: «بحث فلسفي في أصل أفكارنا عن الجميل والسامي» (١٧٥٦؛ ط٢ I وقد أضيف إليها «قول في الذوق» , سنة ١٧٥٧ ؛ ط١٧٧٦٨). إن بيرك في هذا الكتاب يبحث في الأسباب المولدة للشعور بالسمو الذي خاصيتة هي أن يملأ النف ويستبعد أي شعور آخر يقول: «إن كل ما من شأنه أن يثير - على نحو ما - أفكار الألم أو الخطر، أعني كل ما هو رهيب أوكل ما يمس الموضوعات المحسوسة، أو يفعل فعلاً شبيهاً بالإرهاب - هو مصدر للسامي، أي أنه قادر على إحداث أقوى انفعال تستطيع النفس الشعور به ٠

ومن رأيه أن «السامي» يقوم في عواطف وصور من شأنها أن تولد توترا جسمياً قوياً - بينما الجميل هو على عكس ذلك: «إنه يقوم في العذوبة وفي الإحساسات التي تهذىء الأعصاب». ويقول «إن عظم الأبعاد سبب قوي للشعور بالسامي». و«اللانهائي من شأنه أن يملأ النفس بالرهبة الممتعة» والخلاء، والظلمة، والوحدة، والصمت، وكل ما يتجاوز الإحساس، وكل ما يولد الشعور بقوة خارقة - من شأنه أن يولد - على نحو غير معقول - الشعور بالسامي ٠ وبهذا المعنى فإن السامي لا

السامي

يتولد من السرور، فهذا شأن الجميل، ولا من الحب النزيه للموضوع ولهذا فإن الجميل يستبعد السامي، والسامي يستبعد الجميل .

وواضح ما في آراء بيرك هذه من نزعة حسية. ومن هنا أثارت آراؤه الكثير من المجادات والمعارضات. وانصب النقد خصوصاً على الدور الذي يعزوه إلى الإرهاب أو الرهبة والتخويف، لأن الإرهاب لا يتفق مع المعنى الجوهري في «السامي» . كذلك نجد دوجلد استيورت (١٧٥٣ -١٨٢٨ ) في بحث كتبه بعنوان «في السامي» (في السلسة الثانية من كتابه : «أبحاث فلسفية») يأخذ على بيرك تعريفه فكرة «السامي» على أنها فكرة واحدة ذات أصل واحد. وهذه الفكرة هي القوة المقترنة بإعجاب من طبيعة دينية . ويرى في «السامي» أنه خاتمة العملية التكوينية التي تطور الإنسان صوب الروحية

وحاول موسى مندلزون Mendelsohn في سنة ١٧٥٨ أن يحدد خصائص «السامي» وتأثيراته، فقال: «يقال عن شيء ما إنه سام، إذا كانت درجته. الخارقة في الكمال قادرة على إثارة الإعجاب. وبهذا المعنى يستخدم ايضاً اللفظ «سامي» في العلوم المجردة (موسى مندلزون: طبعة اليوبيل لمؤلفاته، ط١ ، ص١٩٣ ؛ سنة ١٩٢٩ وما يليها). فيقال مثلاً عن حقيقة إنها «سامية»، إذا كانت تتعلق بماهية كاملة مثل: الله، العالم، والنفس الإنسانية، أو إذا كانت في اكتشافها والتأمل فيها تحتاج إلى مجهود عقلي كبير» (الكتاب نفسه، ط١ ص١٩٤). ويميز مندلزون في الفنون الجميلة والعلوم بين نوعين من الإعجاب والكمال؟ (١): الأول حين يكون الموضوع فيه من الصفات ما يجعله يثير الإعجاب؛ (٢): والثاني حين يملك الفنان من البراعة والعبقرية وقوة الخيال، والقدرة على التعبير ما يجعله جديراً بالإعجاب.

ثم جاء امانويل كنت فتناول معنى «السامي» في عدة مواضع من كتبه، وفي رسالة خاصة . فهو في سنة ١٧٦٤ يذكر من بين الأمور التي تحدث الشعور بالسامي ما يلي : التصور الرياضي لعظمة بناء العالم عظمة لا يحيط بها العقل، وتصورات الميتافيزيقا للسرمدية، وللعناية ولخلود النفس الإنسانية» (كنت: مجموع مؤلفاته طبع الأكاديمية ح٢ ص٢١٥) . فالعظمة إذن علامة على ما يثير الشعور بالسامي ويأخذ على الفلاسفة الإنجليز:

هيوم Hume وبيرك وهوم Home تفاهة وسطحية أحكامهم الذوقية ويربط بين معنى الجميل والسامي وبين الأخلاق فيقول: إن الشعور بالجميل يقوم على فضيلة مكتسبة. بينما الشعور بالسامي يقوم على مبادى ء أخلاقية. ويلخص رأيه هذا بقوله! «إن السامي يثير؛ بينما الجمي يمتن» (الكتاب نفسه، ص٩ ٠ ٢).

وفي كتابه «نقد ملكة الحكم» يميز كذت بين السامي الرياضي، والسامي الديناميكي. في السامي الرياضي - وهو مرتبط بفكرة المقياس، مقدار بعض موضوعات الطبيعة يوقظ فكرة المقدار المطلق الذي يصطدم به عجز الخيال، ويثير قوة العقل القادر وحده على تجاوز كل مقياس تدركه الحواس، وعلى الارتفاع إلى فكرة اللامتناهي. أما في السامي الديناميكي فإن قوة الطبيعة في تجلياتها الأشد عنفاً تجعلنا نحس بضآلة قوتنا الفيزيائية، وفي مقابل ذلك تعطينا الشعور بمصيرنا فوق الحسي، هذا المصير الذي يكشفه العقل العملي، الذي به يتأكد تفوق الروح على الطبيعة حتى لو حدث لها أن انهارت أمام قوتها.

ويحاول كنت أن يثبت أنه ليس من الطبيعة والحواس يصدر الشعور بالسامي، بل هو يصدر عن أنفسنا، إنه في داخلنا وهو واحد في كل واحد منا، وبهذا الشرط يمكن أن يكون كلياً وضرورياً. يقول كنت: «إن الطبيعة سامية في ظواهرها التي يثير عيانها فكرة اللانهائية وهذا لا يمكن أن يحدث إلآ بواسطة حجز أكبر مجهود يقوم به الخيال لتقدير عظمة أي موضوع. ومن وجهة نظر التقدير الرياضي للعظمة فإن الخيال يمكن أن يقدر على إدراك أي موضوع، ابتغاء إعطاء التقدير مقياساً يكفي، لأن التصورات العددية للذهن -بواسطة التقدم المتوالي - يمكنها أن تقوم بتقدير أي مقدار قابل للتناسب مع أي مقدار معطي». (كنت «نقد ملكة الحكم»، ترجمة فرنسية ص٩٤ باريس ١٩٧٤)

ومن كنت ننتقل إلى الشاعر فريدرش شلر. فنجده في سنة ١٧٩٢ ربط من ناحية بين الشعور بعجزنا ومحدوديتنا عن الإحاطة بموضوع ما، ومن ناحية أخرى بالشعور بتفوقنا الذي لا يخشى أي حدود» (شلر: مؤلفاته، الطبعة الوطنية سنة ١٩٤٣ وما يليها ح٢ ص١٣٧). وهو يصف د «السامي» الموضوع الذي يقاوم

السامي

الحساسية وفي نفس الوقت يراه العقل مقبولا، وهكذا هو يسر بفضل القدرة العالية، بينما يؤلم بسبب القدرة المنحطة» (الكتاب نفسه ص١٣٨ ) وفي الرسالة التي نشرها سنة ١٧٩٣ عن «السامي» يرد شلر إلى غريزتين، هما! غريزه الامتشال، وغريزة المحافظة على الذات-شكلي السامي وهما: السامي النظري والسامي العملي. ويبحث شلر في النوع الثاني بالتفصيل، ويقسمه إلى السامي التأملي، وإلى السامي الوجداني (البكوسي). والسامي الوجداني (الياثوسي) يكرن حجر الزاوية في نظريته في السامي بعامة، لأنه بالنسبة إلى شلر الشاعر »يحقق القانونين الأساسيين فيكلفن تراجيدي. وهذان القانونان هما: عرض الطبيعة المنفعلة؛ وعرض الاستقلال الأخلاقي في الألم - ويقول شلر إن الشعرر بالسامي «شعور مختلط»؛ وبذرته موجودة في كل إنسان. لكن لا بد من تنمية هذا الشعور بواسطة الفن ويتميز السامي من الجميل بأن السامي يتعلق «بالجني المحض» في الإنسان، أي أنه يميز الإنسان الأخلاقي من الإنسان الحري، ويعتاده خارج العالم الحسي لكن في «الجميل المثالي" يتوافق السامي مع الجميل.

ورأي شلنج Schelling في كتابه: «مذهب المثالية المتعالية» (سنة ١٨٠٠ ) أنه ا محل للتعارض بين السامي والجميل «ذلك لأن الجميل المطلق هو أيضاً سام، والسامي إن كان حقيقياً فإنه جميل أيضا» (شلنج: مجموع مؤلفاته، نشرة سنة ١٨٥٦ - ١٨٦١ ، ح٣ ص٦٢١). بل فقط تعارض كمي» (الكتاب نفسه حه ص٤٦٩). وفي

التاريخ، خصوصل تاريخ الفنون، السامي هو خاصية القدماء ، والجمال خاصية المحدثين والرومنتيك.

أما هيجل فعالج موضوع «السامي» خصوصاً في كتابه : «فلسفة الدين». فيقول إن «ديانة السمو» ٠ والسمو هنا بمعنى الترهيب والتخويف - تتجلى في الدين اليهودي. وهي مرحلة من مراحل التطور التاريخي للروح المطلقة. فلأول مرة يتصؤر الله على أنه «فردية روحية» ، وأنه «ذاتية»: إنه الواحد المطلق الذي لا يحتوي في قدرته اللامحدودة على أي شيء محدود. وهكذا نقل هيجل فكرة "السامي» من ميدان علم الجمال إلى ميدان الدين.