دور السكنى الإسلامية
أول العناصر التي تسترعي الانتباه في دور السكنى الإسلامية هي الصحن أو الحوش الذي استخدم في تكييف حرارة الجو، ذلك أن الهواء البارد يهبط إلى أدنى مستوى ليلاً ثم لا يلبث أن يتسرب إلى الحجرات فيلطف حرارتها ويظل محصور بين جدران الصحن حتى ساعة متأخرة من النهار كأنه خزان للترطيب. ويصل الوافد إلى الصحن من خلال دهليز ينحني مرة أو مرتين حتى لا يقع بصر المارة في الطريق على ساكني الدار.
ويحيط بالصحن عادة إيوانان للاستقبال أحدهما شمالي والآخر جنوبي لتفادي أشعة الشمس على مدار النهار، ويسبق كلا من الإيوانين «مقعد» أني شرفة تنفتح على الصحن، فيسكن أهل البيت داخل الإيوان وقت القيلولة ثم ينسلون إلى المقعد ساعة تنحسر الشمس، وينطلقون إلى الصحن إذ سجا الليل وأطل القمر. وعادة يرتفع «مقعد» المكشوف عن مستوى الطابق الأرضي ثلاثة أمتار، وقد يزدان بعقدين أو أكثر ويتصدره سياج منخفض. وتسمى هذه الشرفة أحيانًا «التختبوش» إذا ما تراجعت بعض الشيء داخل المبنى وانتصبت بها أعمدة تحمل السقف. وتنتشر الدكك «الأرائك» الخشبية بمحاذاة جدرانها الثلاثة. ولا يكاد يخلو صحن الدار من نافورة «فسقية» أو حوض تنعكس على مياهه صفحة السماء. ويضم الطابق الأرضي عادة المندرة [المنظرة] mandara التي هي جناح الاستقبال.
ومن نماذج دور السكنى العربية الشهيرة قصر أسعد باشا العظم 1750 م، الذي يمثل بحق المسكن العربي الدمشقي المتميز بالبساطة والتقشف من الخارج مع البذخ في الزخرفة والتجميل من الداخل. ويتألف القصر من عدة أجنحة أهمها جناح الأسرة ((الحرملك)) ثم الجناح الحاص بالضيوف ((السلاملك)) على حين يقبع جناح صغير للخدم والمطبخ في ركن من أركان القصر. وقد زخرفت واجهات القصر بمداميك الأبلق ablaq الشامية ذات الألوان المتناوبة وبأحجار مرصعة بالفسيفساء، بينما تحيط بالصحن وحدات معمارية متنوعة: فثمة إيوان واسع يطل على الصحن بعقد بالغ الارتفاع، ورواق من خمسة عقود تحملها أعمدة رشيقة. وبرغم أن الجدران والواجهات تتفاوت حجمًا وارتفاعًا لتحول دون الرتابة والملل إلا أنها مع ذلك شديدة الانسجام والتناسق. ويضم القصر قاعات أرضية للضيوف تعلوها غرف النوم التي تطل نوافذها على باحات القصر وحدائقه، كما تزخر السقوف والجدران بالألواح المزخرفة بالرسوم الملونة والمقرنصات، ولا يكاد يخلو عتب القاعات من فسقية جميلة من الرخام الملون.